ترجمة وتحرير: نون بوست
يوم الثلاثاء، أوقف حزب المحافظين نشاط 14 من أعضائه، على خلفية تعليقاتهم المعادية للإسلام على وسائل التواصل الاجتماعي، ويجدر بهذا الأمر ألا يكون مثيرا للدهشة. مع ذلك، تعتبر هذه الخطوة دليلا صادما آخر على أن حزب المحافظين يعاني من مشكلة متجذّرة مع الإسلاموفوبيا، التي لطالما كان الحزب في حالة إنكار لها على مدى سنوات. لكن دعونا نخوض تجربة عقلية.
تجربة عقلية
دعونا نتخيل أن زعيمًا من حزب المحافظين أساء استخدام الامتياز البرلماني واتهم زوراً حاخامًا بريئًا بدعمه للإرهاب في مجلس العموم البريطاني. ودعونا نتخيل أيضا أن نوّابا ينتمون إلى حزب المحافظين اعتادوا نشر تغريدات خبيثة معادية للسامية، ولم يتعرّضوا للعقاب. كذلك، دعونا نتخيل أن استراتيجية حزب المحافظين الحاكم تدعو إلى عدم التركيز على الحصول على أصوات “اليهود اللّعينين”.
فضلا عن ذلك، دعونا نتخيل أن حملة حزب المحافظين في انتخابات لندن البلديّة ارتكزت على إثارة مشاعر العداء ضد اليهود. ولنفترض أن العديد من ناخبي حزب المحافظين كانوا من أشدّ المعادين للسامية، وأن أحد أشهر السياسيين المحافظين، بوريس جونسون، سخر بشكل علني من زيّ بعض اليهود. وبعد إجراء تحقيق داخلي في الحزب، وقعت تبرئته من ارتكاب أفعال غير مشروعة، وأن جميع الناخبين، ما عدا أقلية صغيرة من اليهود، قد تنكّرت لحزب المحافظين. وأخيرًا، لنتصوّر أن حزب المحافظين كان في حالة إنكار قاطعة بأنه لا يوجد أي خطب في صفوفه.
خلال الأسبوع الماضي، كشف استطلاع رأي أجرته المنظمة المناهضة للفاشية “هوب نوت هيت”، التي تعني “أمل لا كراهية”، أن 49 بالمئة من الناخبين في حزب المحافظين يشعرون بأن الإسلام لا يتوافق مع أسلوب الحياة في بريطانيا
في الواقع، ستصرّ تلك الشخصيات الحزبية البارزة على أن معاداة السامية ليست موضوعا مطروحا داخل حزب المحافظين، حيث يذهب البعض منهم إلى الإصرار على عدم وجوده أصلا لأن اليهود يشكّلون بالفعل تهديدا للمجتمع البريطاني. في المقابل، سيدّعي بعض الشرفاء أن حزب المحافظين كان همجيا ويعاني من مشكلة عميقة وعويصة ليس في حزب المحافظين فحسب، وإنّما في السياسة البريطانية ككل. ولحسن الحظ أن الأمر ليس كذلك فيما يتعلق بمعاداة السامية.
عداء للإسلام
استبدل كلمة “يهودي” بكلمة “مسلم”، وسيصبح من الواضح أن خطبا ما يحدث داخل حزب المحافظين الحديث. فخلال الأسبوع الماضي، كشف استطلاع رأي أجرته المنظمة المناهضة للفاشية “هوب نوت هيت”، التي تعني “أمل لا كراهية”، أن 49 بالمئة من الناخبين في حزب المحافظين يشعرون بأن الإسلام لا يتوافق مع أسلوب الحياة في بريطانيا. تجدر الإشارة إلى أن زاك غولدسميث، وهو نائب عن حزب المحافظين عن دائرة ريتشموند في لندن، لم يعتذر عن حملته الانتخابية المعادية للمسلمين في سباقه على منصب عمدة لندن، التي أفخر بأنني قد كشفت خباياها في موقع “ميدل إيست آي” منذ ثلاث سنوات تقريبا.
دعا القادة المسلمون إلى إجراء تحقيق حول الإسلاموفوبيا للمضي قدما وتجاوز بوريس جونسون
من جهة أخرى، لم يتعرّض، بوب بلاكمان، عضو البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين عن دائرة هارو الشرقية، لأي عقوبة بعد مشاركته لمنشورات معادية للإسلام على مواقع التواصل الاجتماعي كان قد نشرها الزعيم السابق “لرابطة الدفاع الإنجليزية”، تومي روبنسون. كما أن نادين دوريس، وهي نائبة عن حزب المحافظين، أيّدت موقف روبنسون دون أن يعلّق حزب المحافظين على ذلك.
اليوم فقط، علمنا أن بيتر لامب، وهو عضو مجلس حزب المحافظين الذي جرى تعليق نشاطه داخل الحزب بعد نشره سلسلة من التغريدات التي تعبّر عن كراهية شديدة للمسلمين، وقع ترشيحه لعضوية المجلس في حزب المحافظين في الانتخابات المحلية في أيار/ مايو القادم، علما وأنه يُحسب له اعتذاره الشديد عن كلماته واستقالته من الحزب. لكن حقيقة أن حزب المحافظين سمح له بالعودة إلى صفوفه يعبّر بشكل بليغ عن مدى تجذّر الإسلاموفوبيا في المؤسسات. وفي غضون ذلك، صوت 11 بالمئة فقط من المسلمين لصالح حزب المحافظين في الانتخابات الأخيرة.
دور وسائل الإعلام
لا عجب في أن سعيدة وارثي، وهي أكثر سياسية مسلمة رفيعة المنصب في الحزب، قد طالبت بإجراء تحقيق مستقل وشامل حول الإسلاموفوبيا داخل حزب المحافظين. وفي يوم الثلاثاء، أفادت وارثي خلال مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، أن الإسلاموفوبيا أصبحت “متجذرة” في حزب المحافظين، ولكن للأسف تم تجاهل السياسية ونبذها. وفي ظل ضغط المنتقدين، أشار أعضاء حزب المحافظين إلى أن ساجد جاويد يتقلد منصب وزير الداخلية وهو مسلم.
اهتم عدد قليل جدا من وسائل الإعلام الرئيسية بمسألة الإسلاموفوبيا داخل حزب المحافظين
مع ذلك، يتصف هذا العذر بالسذاجة حقا. فعلى مر العصور، احتجّ المعادون للسامية على أن “البعض من أفضل أصدقائهم هم يهود في الواقع”. وحقيقة أن إد ميلباند كان زعيما لحزب العمال منذ سنة 2010 إلى حدود سنة 2015، لا تنفي وجود مشكلة معاداة السامية داخل حزب العمال. ولكن، كيف يستمر حزب المحافظين في التصرف هكذا؟ يجدر بي أن أشير إلى مجالي وأصرح بأن وسائل الإعلام البريطانية لها دور في هذا الوضع.
في الواقع، كانت صحفنا تشن حملة ضد معاداة السامية بالفعل، لأنها عبارة عن فكر مؤذ ويجب مواجهته أينما وُجد. ولكن باستثناء صحيفة “الغارديان”، اهتم عدد قليل جدا من وسائل الإعلام الرئيسية بمسألة الإسلاموفوبيا داخل حزب المحافظين. وبشكل تقشعر له الأبدان، يصل البعض إلى الاعتقاد بأنها فكرة غير موجودة على الإطلاق. وقد أورد رود ليدل لمجلة “سبيكتايتر” الموالية للحزب، قائلا: “حسب رأيي، لا يوجد قدر كاف من الإسلاموفوبيا أو رهاب الإسلام داخل حزب المحافظين. ووجود رهاب في حد ذاته يعني أن هذه الهواجس غير منطقية”.
تحقيق كامل
لنفترض رد الفعل الذي سيحصل إذا ما كتب رود ليدل الآتي: “لا يوجد قدر كاف من معاداة السامية داخل حزب المحافظين”. في الحقيقة، من شأن هذا التصريح أن يسبب موجة غضب وطني، ولم يكن ليدل ليعمل مرة أخرى في مجال وسائل الإعلام الرئيسية بالتأكيد. إن هناك معيارا مزدوجا مكروها جدًا في مجال العمل هذا، ولكن، يرفض حزب المحافظين معالجته. كما يتضح أن تيريزا ماي، زعيمة حزب المحافظين، غير قادرة على التعامل مع هذه المعضلة. ولذلك، تحتاج بريطانيا اليوم إلى إجراء تحقيق مستقل وشامل حول الإسلاموفوبيا المنتشرة داخل حزب المحافظين.
المصدر: ميدل إيست آي