“عام 2025 سيكون عام ضم الضفة والاستيطان بها”، بهذه العبارات لخص وزير المالية الإسرائيلي والوزير في وزارة الحرب، بتسئليل سموتريتش، رؤيته للضفة الغربية خلال العام المقبل الذي يتزامن مع استلام الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب.
وكتب سموتريتش عبر حسابه على منصة إكس، منشورًا يدعو فيه ضمنيًا إلى بسط السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية خلال العام القادم، قائلًا: “2025 عام السيادة (الإسرائيلية) في يهودا والسامرة”، مستخدمًا مصطلحًا يُشار من خلاله في “إسرائيل” إلى الضفة.
وتواجه الضفة الغربية منذ سنوات توسعًا استيطانيًا إسرائيليًا متسارعًا يستهدف ضم أكبر قدر من الأراضي لفرض السيادة عليها وتطبيق القانون الإسرائيلي، في وقت ما زالت تعول السلطة على حل الدولتين.
ويركز الاحتلال الإسرائيلي في عملية الضم بالضفة الغربية على سكان المنطقة “ج” من الفلسطينيين، وقائلًا إنهم أمام 3 خيارات تتمثل في الحصول على الجنسية الإسرائيلية بكامل الحقوق وهو خيار ضعيف، أو حالة تشبه وضع فلسطينيي القدس الشرقية “إقامة دائمة” وهو مستبعد أيضًا، أما الخيار الثالث والمرجح فهو اعتبارهم مواطنين فلسطينيين يقيمون في أرض تابعة لـ”إسرائيل” مع احتفاظهم بهوياتهم الفلسطينية والخدمات المقدمة لهم من السلطة الفلسطينية، لكن مع تقييد البناء.
وقسمت اتفاقية أوسلو 2 عام 1995 أراضي الضفة إلى “أ” وتشكل 21% وتخضع للسيطرة الفلسطينية بالكامل، و”ب” وتشكل 18% وتخضع لسيطرة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية، والمنطقة “ج” وتقع تحت السيطرة الإسرائيلية.
وبالتالي فإن ما يصرح به سموتريتش ونتنياهو عمليًا “يمارسانه على الأرض في جريمة الإبادة والتطهير العرقي لجميع مظاهر الوجود الفلسطيني في المناطق المصنفة “ج” التي تشكل ما يزيد على 60% من الضفة الغربية، والتعامل معها كعمق إستراتيجي للاستيطان”، بحسب السفير أحمد الديك في حديث للجزيرة نت.
قراءة في السيناريوهات.. ما الذي ينتظر الضفة؟
لا يجب إغفال أن الضم والسيطرة الكاملة على الضفة فعليًا بدآ بعد اتفاقية أوسلو من خلال بناء الجدار على خريطة تقسيم المناطق إلى ألف وباء وجيم حسب ما جاء في أسلو، حيث سيقوم الاحتلال بمصادرة كل مناطق “ج” وأجزاء من مناطق “ب”، وهذا يعني أكثر من 80% من مساحة الضفة، إلى جانب شبكة الطرق الجديدة التي بدأ الاحتلال في تشييدها منذ سنوات، وهي مصممة لاستخدام المستوطنين فقط.
وبالتوازي مع ذلك فإن الاحتلال سيقوم بربط المحافظات الفلسطينية بالشارع القديم “الالتفافي” والذي سيربط المدن الرئيسية ببعضها، أما القرى فسيكون عليها الوصول للمحافظات الأخرى من خلال المرور بالمدن الرئيسية، مثلًا لن تستطيع استخدام الالتفافي من يطا للوصول إلى بيت لحم أو سعير وغيرها، بل ستستخدم الشارع الرابط مع مدينة الخليل ومنها إلى الطريق القديم باتجاه حلحول والعروب وطريق جديد من بيت فجار ثم بيت لحم! وكذلك باقي المدن والقرى.
ومن المتوقع أن تصل الأمور إلى أن يحتاج كل فلسطيني طلب إذن للمرور بين المحافظات، يمكن أن يكون إلكترونيًا من خلال تطبيق عسكري للجيش، علاوة على ذلك فإن الضم يعني ضم الأراضي من خلال طرد السكان أو عزلهم في تجمعات رئيسية، بمعنى كانتونات ومعازل، وهدف الضم هو التخلص من السكان وليس ضمهم كما أخطأ البعض بالفهم.
وقد يلجأ الاحتلال إلى تطبيق قانون أملاك الغائبين على الضفة، وهو مطبق حاليًا في الداخل المحتل، ويقوم الاحتلال بموجبه بمصادرة أملاك اللاجئين بحجة أنهم يعيشون خارج فلسطين، نفس الشيء سيطبقونه في الضفة، فيصادرون أملاك أهل الضفة الذين يعيشون في الخارج ولا يملكون بطاقات هوية، ما سيضاعف مساحات الأراضي المصادرة.
بالإضافة إلى ذلك فإنه من المتوقع زيادة هدم المنازل خصوصًا في المناطق “ج”، بالإضافة إلى البدء بهدمها في مناطق السلطة بحجة عدم الترخيص، وعدم الاعتراف بالتراخيص التي تمنحها البلديات ووزارات السلطة، إلى جانب زيادة التضييق الاقتصادي على مناطق السلطة، لتحويلها إلى جحيم لا يطاق ليصبح حلم الناس هو الهجرة للخارج.
إعلان حقيقي أم مناورة سياسية؟!
من جانبه، يرى الباحث في الشأن السياسي، ساري عرابي، أن ضم الضفة الغربية وارد جدًا، لا سيما أن احتلالها عام 1967 كان من أجل ضم مناطق منها، وهذا أمر كان واضحًا في خطة حزب العمل التي طرحها إيلان أغول والتي كانت تنص على ضم مناطق من الضفة الغربية.
ويقول عرابي لـ”نون بوست” إن هذا الأمر بدا واضحًا من خلال تعزيز الاستيطان وما جرى في السنوات الأخيرة، لا سيما في أثناء الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو السابقة التي تزامنت مع دونالد ترامب، حين أعلنت بشكل واضح رغبتها في ضم مناطق من الضفة، علاوة على مشروعات الأحزاب اليمينية ممثلة في حزب الصهيونية الدينية الذي طرح خطة للحسم.
ويضيف “خطة ترامب ذاتها كانت تنص على ضم مناطق من الضفة الغربية بما نسبته 50% من مناطق “ج” بالإضافة إلى منح سموتريتش وزارة ثانية في الحرب ليكون مسؤولًا عن المستوطنين ومنفصلًا عن الإدارة المدنية المسؤولة عن الفلسطينيين وهو ضم فعلي”.
ويواصل: “الضم حاضر في الذهن الإسرائيلي، وهم يعتقدوا أن هذه فرصة تاريخية، لكن النقاش عند الإسرائيليين هل يكون ضم مناطق أم إعلان السيادة، ويكون ذلك ضمن اعتبارات أمنية تتمثل في ضم مستوطنات أم مناطق “ج”، وهو ما يجعل الأمر في إطار عملية مركبة من وجهة نظر إسرائيلية خلال الفترة الحالية”.
ويلفت عرابي إلى أنه من المستبعد أن يكون هناك ردة فعل من السلطة الفلسطينية التي لم تظهر أي سياسات جدية على هذا الصعيد لمواجهة السياسات الإسرائيلية، لأنه فعليًا اتخذ الاحتلال الإسرائيلي عدة خطوات للمس بصلاحيات السلطة الفلسطينية، ولم تتخذ الأخيرة أي خطوة”.
ويتابع: “لا توجد إرادة من السلطة الفلسطينية لتحريك الشارع الفلسطيني وانتهاج مقاومة شعبية واسعة، وبالتالي فإن من الصعب استنهاض الجماهير دون أن يكون هناك قوة وطنية قادرة على تقطير هؤلاء الجماهير وحشدهم”.
قراءة في السلوك الإسرائيلي.. ما الذي يفكر به المتطرفون؟!
يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي، محمد هلسة، إن الضفة الغربية لا تعيش ظروفًا وردية خلال الفترة الحالية لا سيما مع وجود حكومة إسرائيلية استيطانية، وبالتالي ضم الضفة فكرة متحققة واردة على الأرض، وهي بحاجة فقط إلى أن تتوج بقرار رسمي من الولايات المتحدة يمنح الاحتلال صك ملكية.
ويوضح هلسة لـ”نون بوست” أن هناك سحقًا واضحًا للضفة لا يقل ضراوة عن السحق الحاصل من خلال مشروعات الإخلاء والتهويد وعمليات الاستيطان، ولم يبقِ هناك كينونة في الضفة، حيث يتعامل الاحتلال مع مناطق “أ” كما مناطق “ج”.
ويضيف أن الذي يفرض إرادته هو الجيش والمستوطنين، وبالتالي لا توجد صعوبة في الضم الفعلي للضفة الغربية، والأجواء اليمينية داخل هذه الحكومة مهدت الأرضية سواء بترامب أم بغيره وهو جزء من المشروع.
ويستكمل: “اليوم الظروف اختمرت، فن الممكن أن تقدم الحكومة ورقة وقف الحرب مقابل ضم الضفة كهدية، وهو له تجربة سابقة معهم حيث منحهم صك ملكية في الجولان ونقل السفارة إلى القدس المحتلة، وهو ما يجعل الأمر غير صعب خاصة أن الشخصيات التي يختارها لها امتدادات صهيونية واضحة مثل السفير المحتمل”.
ويبين هلسة أن الأمر ليس خزعبلات، لا سيما أن الاستيطان قائم في الضفة، وسيشهد الاستيطان تسارعًا خلال الفترة التي ستتبع الحرب الإسرائيلية في غزة.
ويتوقع أن مستوطنات عتصيون وأرئيل ومعاليه أدميم قد تكون المقدمة لضم الضفة باعتبارها الأصابع الاستيطانية الأساسية، وهو ما يجعل السلطة مجرد بلديات فقط دون أي دور سياسي حقيقي في المشهد.
وبالتالي فإن المشهد المتوقع للضفة الغربية يبدو قاتمًا أمام استمرار حكومة المتطرفين الحالية ووصول ترامب للبيت الأبيض في يناير المقبل، وعدم انتهاء الحرب الإسرائيلية في القطاع والانشغال بها.