تمثل المرأة الحلقة الهشة في معادلات دول الصراع ومجتمعات التخلف ومصادرة الحقوق التي يحكمها القهر والطغيان.
لقد كرم الإسلام المرأة في كثير من المواضع والدلائل الصريحة، فهي جزء فاعل ومكون أساسي في المجتمع البشري، هي الزوجة والأم والأخت للرجل وجزء من كيانه الاجتماعي والنفسي، وليست فقط رقم في سجلات إحصاء الشعوب والتجمعات، وبالتالي فإن تعطيل دورها أو الحد منه يعد تعطيلًا لجزء مهم من المجتمع، فضلًا عن أنه عصيان لما أراد الله ورسوله لها.
عانت المرأة كثيرًا في مجتمعاتنا جراء التقاليد البالية التي لم يتم التخلص منها ويزداد الأمر سوءًا عندما يتم إسباغ القدسية على هذه التقاليد على أنها من تراثنا وما إلى ذلك أو من خلال تأويلات تنتقص من المرأة وتحط من قدرها، ما ساهم في أن تبقى المجتمعات متخلفة بل وعاجزة حتى عن مسايرة التقدم البشري في شتى مجالات التطور لا سيما الاجتماعية منها.
تاريخيًا أمر اضطهاد المرأة والحط من قدرها ابتدأ من حب التسلط وثقافة استضعاف الآخر
وأفرزت هذه الحالة ما يمكن تسميته بالظلم الاجتماعي الواقع على المرأة، هذا النوع من الظلم الذي يقع على فئات اجتماعية معينة، يظن من يقوم به أنه على حق وأن المظلوم إنما يستحق الظلم لأن الله يريد له ذلك أو خلقه على هذا الحال أو حط من قدره لأن قيمته كذلك.
تاريخيًا أمر اضطهاد المرأة والحط من قدرها ابتدأ من حب التسلط وثقافة استضعاف الآخر، فقد أُستضعفت في عصور الجاهلية لأنها غير قادرة على القتال كالرجل في بيئات التصارع، فتأسست مسألة استضعاف مكانتها وتحديد أدوارها ووظائفها، حتى صارت الحلقة الأضعف في معادلة الصراع وتُقتل وقتما يشك بأنها وقعت فريسة أو ضحية للغازي والطامع أو متى رفعت الصوت رافضة استعبادها أو تسليعها.
ثم إن منطق ومفهوم القبيلة والعشيرة الذي غيبت سيطرته عن أنساق حياة المجتمع كثير من أدوار التحضر ومسايرة ركب التطور الذي من المفترض أن يكون بديلًا عن القبيلة والعشيرة وتفرعاتهما من جهة وكمصادر وعي ومبعث تطور من جهة أخرى، وزاد هذا المفهوم من إخضاع المرأة وعاملها على أنها مخلوق ضعيف لأن ذلك يخدم ويكرس مصالح سياسة بقاء الأقوى التي يعتمدها النظام القبلي.
لاقت المرأة نصيبها من ظلم السلطة في دول القمع والاضطهاد، فهناك سلطت الأنظمة الحاكمة عقوبات جماعية على كل من يعارضها
ثم جرت عرفنة اضطهاد المرأة وتغييب دورها وأصبحت هذه الممارسات حقًا وصوابًا يمارس تجاهها، وفي غالب الأحيان لا يدري من يقوم بهذه الممارسات الظالمة، أنه يظلم، إنما يتصور أنه على حق، والأخطر أن يتصور أنه ينفذ أوامر الله.
وأنماط هذا الظلم متفاوتة منها الثأر الذي يعد نوعًا من القصاص أو الانتقام أو المعاملة بالمثل، كذلك تزويج المرأة عنوةً بهدف دفع ضرر الثأر، وتحظى مثل هذه الأنواع من العنف بدعم معنوي ومادي أحيانًا من أعضاء نفس الوحدة القرابية أو المجتمع المحلي.
ولاقت المرأة نصيبها من ظلم السلطة في دول القمع والاضطهاد، فهناك سلطت الأنظمة الحاكمة عقوبات جماعية على كل من يعارضها، فالنساء لم يمنعهن قانون عدم الأخذ بجريرة الغير ليتعرضن للتعذيب وانتهاك الأعراض، وممارسة الإخفاء القسري على خلفية نشاط أقربائهن بإبداء الرأي او معارضة النظام.
أحداث الربيع العربي كانت جديرة بأن تكشف مدى وحشية الأنظمة الحاكمة وأجهزتها المستبدة
نعم هنا كانت المرأة نصف المجتمع بأدق التفاصيل، فقد شاركت الرجل بنيلها التعذيب والامتهان وتحمل أعباء ومتاعب تهد الجبال أو على الأقل ربما لا يتحملها الرجال.
أحداث الربيع العربي كانت جديرة بأن تكشف مدى وحشية الأنظمة الحاكمة وأجهزتها المستبدة، فقد صبت جام غضبها على بلدات ومدن معارضة لها وكان للمرأة نصيب من هذا الغضب، فعند اندلاع ثورات تونس وسوريا ومصر والعراق وليبيا التي طالبت بالحرية وإسقاط نظام الحكم المستبد، على الفور سلطت أجهزة القمع والتنكيل على كل من أبدى رائيًا بالتعذيب وانتهاك الأعراض.
ففي سبيل بقاء الحاكم مستويًا على عرش الحكم يهون كل شيء عنده، بما في ذلك الانتهاكات الفظيعة لحقوق المعتقلات في سجون قهرهم وطغيانهم، تعرضت خلالها آلاف النساء للتعذيب والتغييب.
سنرى وطنًا حرًا، ستخرج الشعوب المستعبدة عن مفاهيم الخنوع والخضوع ما دام هناك حرائر رفضن هذا الاستعباد وسجلن بصمة في مواجهة الظلم وآلته المتغطرسة
حكاية السجون بتفاصيلها مفزعة ولكن لا بد من استذكار شيء منها، فالزنازين تغير معاني الكلمات العادية لتأخذ معانٍ دموية وسلطوية، ففنجان القهوة وحفلة الاستقبال نوع من أنواع القهر والتنكيل، وظلمة الممرات وضيق الزنازين واستبداد عتمة المكان، حكايات عذاب ضحايا غياهب السجون الذين لم يكن أمامهم غير الأمل نافذة على الشمس تشقُ جيوب الظلام.
نعم للمرأة دور في معجزة العصر واستعادة الإنسانية، في أن تثور ولم يبق هذا حلم من أضغاث الأحلام، سنرى وطنًا حرًا، ستخرج الشعوب المستعبدة عن مفاهيم الخنوع والخضوع ما دام هناك حرائر رفضن هذا الاستعباد وسجلن بصمة في مواجهة الظلم وآلته المتغطرسة.