في صحراء ناميبيا، وهي ثاني أكبر صحاري إفريقيا بعد الصحراء الكبرى (ساحل جنوب إفريقيا الغربي) تقع واحدة من أغرب الغابات في العالم، تلك الغابة التي تغيرت ملامحها كثيرًا بفضل التقلبات الجوية، فتحولت من اللون البرتقالي الفاتح إلى الأسود الغامق.
ورغم ما تعرضت له من تبدل واضح في تكوينها التضاريسي والظاهري، فإن غابة “ديدفلي” الميتة تحولت مع مرور الوقت إلى قبلة مصوري العالم الباحثين عن التميز والتفرد في المناظر الطبيعية الفريدة التي تعكس تقلبات مزاج الطبيعة بين الحين والآخر بفعل المناخ.
ويعد هذا الوادي ضيق المساحة جنة لعشاق الإخراج السينمائي المميز، فبسبب التضاد الواضح بين ألوانه من الأسود للأبيض للبُرتقالي، استُخدِم في تصوير العديد من الأفلام مثل فيلم The Cell هذا بخلاف فوز الصور الملتقطة لأشجاره في الكثير من المسابقات والمهرجانات الدولية.
حين تسير بين جنبات الوادي تشعر أنك غصت بأقدامك في لوحة مبهرة، إن لم تكن أنت نفسك من تقوم برسمها مع كل خطوة تخطوها، إذ تغوص أقدامك في كثبان برتقالية داكنة وأخرى بنية لكنها شديدة اللمعان، حرارة الرمال أبرد من الهواء المحيط، وملمسها كالطحين الناعم
ديدفلي.. لوحة فنية رائعة
رغم صعوبة الأجواء وارتفاع درجات الحرارة، فإن روعة المنظر تنسيك كل العقبات في طريقك نحو “ديدفلي”، تلك البقعة الساحرة التي تقع بالقرب من الحوض الملحي الشهير Sossusvlei الموجود في متنزه ناميب -نوكلوفت، يحيط بهذه الحوض بعض من بين أطول الكثبان الرملية في العالم، التي يصل ارتفاعها إلى 400 متر، وتلقب بـBig Daddy.
تشكل هذا الحوض إثر الفيضان الشهير لنهر Tsauchab الذي أعقب هطول أمطار غزيرة، وظل لمئات السنين واحة يانعة خضراء تستقبل زوارها بأينع الأزهار وأجمل الأشجار الجميلة ذات الألوان البراقة، غير أن البيئة أبت إلا أن تعزل هذا الحوض رويدًا رويدًا حتى صار جافًا لا زرع فيه ولا ماء.
ومنذ 900 سنة تقريبًا وبفضل التغيرات المناخية القاسية التي أدت إلى توقف هطول الأمطار، أصيبت المنطقة بجفاف شديد، فتغولت الكثبان الرملية على الحوض، وحالت نهائيًا دون مرور النهر بالمنطقة، لذا هناك من يشبه “ديدفلي” كوعاءٍ من الطين مُحاط بالأب الكبير والأم الكبرى.
هذا المسمى يقترب بصورة كبيرة من الحقيقة، إنَّهما أكبر الكثبان الرملية في العالم، إذ تكوَّن مُنخفض الطين بعد هطول المطر حين فاض النهر فكوَّن أحواضًا ضحلة، وبعد الجفاف تحرَّكت الكثبان بجانب مُنخفض الطين ممَّا منع الماء من الجريان إلى خارجها، ليبقى الوادي العتيق وحيدًا في مواجهة ثورة الطبيعة واقفًا متمسكًا بما تبقى لديه من مقومات الحياة.
منطقة سوسوسفلي الشهيرة، تلك المنطقة المكونة من الملح والطين، تحيط بها الكثبان الرملية الحمراء ويعني هذا الاسم حرفيًا “نهاية الطريق المسدود” الذي ستكون نتيجته حتمية الموت في العراء
حين تسير بين جنبات الوادي تشعر أنك غصت بأقدامك في لوحة مبهرة، إن لم تكن أنت نفسك من تقوم برسمها مع كل خطوة تخطوها، إذ تغوص أقدامك في كثبان برتقالية داكنة وأخرى بنية لكنها شديدة اللمعان، حرارة الرمال أبرد من الهواء المحيط، وملمسها كالطحين الناعم، وبين هذا وتلك تؤلف الأشجار الهالكة، التي يتجاوز عمرها اليوم الألف سنة (يعتقد أنها عاشت لنحو مئتي سنة قبل أن يتغير المناخ مرة أخرى)، غابة قاحلة مقفرة.
التناغم بين رمال الوادي والتباين بينها وبين الأشجار التي تحولت مع مرور الوقت إلى اللون الأسود، تحول مع مرور الوقت من نقمة إلى نعمة، حيث بات محط أنظار عشاق التصوير الفوتوغرافي والسينمائي على حد سواء، ورغم صعوبة الرحلة إلى هناك فإن كثيرًا من الفنانين والمخرجين لم يتوانوا عن الذهاب إليها حيث التقاط الصور الجميلة والمناظر الخلابة.
تتميز المنطقة بتنوع الحيوانات البرية
صحراء ناميبيا
لم يكن الوادي الميت وحده التحفة الفنية التي تحتضنها صحراء ناميبيا التي تعد واحدة من أقدم صحاري العالم، فامتدادها بمحاذاة ساحل جنوب إفريقيا الغربي على مساحة تزيد على 81.000 كيلومتر مربع، من نهر الأورانج جنوبًا إلى أنغولا شمالاً، فيما يحدها غربًا المحيط الأطلسي والانحدارات الناميبية شرقًا، جعلها واحة هائلة تضم بين جنباتها العديد من الأماكن الفريدة.
تضم الصحراء أعلى كثبان رملية في العالم، إذ يرتفع بعضها إلى أكثر من 400 متر، وأطلق اسم ساحل سكلتون (الحطام) على الجزء الذي يكون المنطقة الشمالية حيث يوجد عدد كبير من هياكل السفن المحطمة هناك، فيما يعتبرها باحثو علم الأرض الأقدم في التاريخ ويزعمون أن عمرها يعود إلى ما قبل 80 مليون سنة.
يتميز طقسها بالقسوة، وتطغى عليه غشاوة من الضباب الدائم، إلا أن المطر قليل، ويستقبل الشريط الساحلي أمطارًا تقل عن سنتيمترين سنويًا، ومع ذلك فتضم العديد من المعادن النفيسة على رأسها الذهب الذي تم استخراجه عام 1904 وما زال يمثل الدخل الأساسي لكثير من سكان ناميبيا.
مقومات سياحية متعددة تتمتع بها صحراء ناميبيا
تضم الصحراء عددًا من الأماكن السياحية الرائعة على رأسها الجدار الطويل، وهي منطقة ساحلية بارزة، تظهر فيها الكثبان الرملية مرتفعة عن سطح البحر وكأنها جدار رملي تقف عنده بذهول، ويمتد الجدار على طول المنطقة المحظورة “سبيرغبييت” في جنوب غرب ناميبيا وقد يصل ارتفاعه حتى 300 متر.
كذلك هناك حديقة ناوكلوفت الوطنية، التي تعد أكبر محمية للحياة البرية في إفريقيا ومن أكبر المحميات عالميًا، إضافة إلى ساحل سكيلتون، في الجزء الشمالي من الساحل الناميبي، وهناك تقع منطقة الصيد الأكثر جاذبية “دي وال”، ومن الأماكن الجميلة كذلك مستوطنة فقمة الفراء في كيب كروس، التي تتميز بتنوع الحيوانات البرية بها.
ثم تأتي منطقة سوسوسفلي الشهيرة، تلك المنطقة المكونة من الملح والطين، تحيط بها الكثبان الرملية الحمراء ويعني هذا الاسم حرفيًا “نهاية الطريق المسدود” الذي ستكون نتيجته حتمية الموت في العراء، علاوة على وادي سيسريم كانيون الذي يمتد طوله لنحو كيلومتر واحد وعمقه 30 مترًا، ويقع على بعد ما يقارب 4 كيلومترات من مستوطنة سيسريم، ولا يرتفع الوادي سوى مترين في بعض المناطق، وهو الجزء الذي يحتوي على المياه التي تستخدمها العديد من الحيوانات للبقاء على قيد الحياة.