ترجمة وتحرير: نون بوست
هل توشك إسرائيل على تفويت فرصة العمر؟ فرصة العمر هي العبارة المناسبة هنا، فبقاء الدولة اليهودية على المحك.
المسألة تتعلق بالهجوم على المنشآت النووية في إيران، التي أعلن قادتها منذ عقود أن نيتهم وسياستهم هي تدمير إسرائيل. إذا حصلت طهران على سلاح نووي، فبإمكانها بالفعل القضاء على إسرائيل. (منذ عقدين، أعلن الرئيس الإيراني الأسبق، أكبر هاشمي رفسنجاني، أن إسرائيل هي “دولة قنبلة واحدة”، وكان يقصد بذلك أن قنبلة واحدة على تل أبيب، كفيلة بتدمير الدولة اليهودية.)
إن فرصة مهاجمة البرنامج النووي الإيراني محددة بتقويم السياسة الأمريكية. حتى 20 يناير/ كانون الثاني، لا يزال جو بايدن المؤيد للصهيونية، والذي أعلن مرارًا وتكرارًا أنه لن يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، رئيسًا للولايات المتحدة، قبل أن يسلم السلطة إلى دونالد ترامب.
تقليديًا، يُعتبر الرئيس المنتهية ولايته “البطة العرجاء”، لكن بايدن لا يزال القائد الأعلى للقوات المسلحة ويداه غير مكبلتين. كما أنه لا يدين بأي شيء لكامالا هاريس بعد خسارتها أمام ترامب، وليس ملزمًا بإرادة أو أهواء الشعب الأمريكي (الذي أظهر حكمته وذكاءه بإعادة ترامب إلى الرئاسة).
خلال فترة ولايته التي استمرت أربع سنوات، كان بايدن حريصًا على عدم توريط بلاده في حرب أخرى في الشرق الأوسط، نظرًا للهزيمتين المهينتين في العراق وأفغانستان. كما أنه حال في أكثر من مرة دون هجوم إسرائيل على المواقع النووية الإيرانية، وكان آخرها في 26 أكتوبر/ تشرين الأول، عندما كان هذا الخيار قيد الدراسة.
يمكن أن نتوقع أن بايدن لا يزال يرفض رؤية إسرائيل تهاجم المشروع النووي الإيراني، على الرغم من مخاوفه من امتلاك ملالي إيران الأسلحة النووية، ورغم فهمه أن حيازة إيران لهذه الأسلحة من شأنه أن يهدد وجود الدولة اليهودية ويعرّض العالم الحر للخطر بطرق متعددة.
يبدو أن بايدن ببساطة ليس من النوع الذي يمتلك المقومات اللازمة لحسم الأمور (تمامًا كما لم تكن الديمقراطيات الغربية قادرة على ذلك عندما امتنعت عن شن ضربة استباقية ضد ألمانيا النازية قبل سنة 1939).
لكن إسرائيل ليست الولايات المتحدة، وهي في وضع مختلف، خاصة أن إيران عبر وكلائها وبشكل مباشر، تهاجم إسرائيل منذ أكثر من سنة، بينما يقترب تهديد السلاح النووي من رقبة إسرائيل أكثر من أي وقت مضى. بالنسبة لإسرائيل، يعدّ هذا الأمر مسألة حياة أو موت.
من المؤكد أن رئيس الوزراء الفاسد، بنيامين نتنياهو، غارق حتى أذنيه في المشاكل، فهو يفتقر إلى الدعم الشعبي الواسع، ويخضع للمحاكمة بتهم فساد، ويخضع موظفو مكتبه للتحقيق بسبب مجموعة من الممارسات المشبوهة، كما أنه متورط في حروب استنزاف مع حماس وحزب الله دون أن تلوح بوادر لنهايتها.
لكن على مدار عقود، حذر نتنياهو بصوت عالٍ من التهديد النووي الإيراني، وفي هذه النقطة على الأقل، يبدو أنه يتحدث ويعمل بما يتماشى مع مشاعره. (رغم أن أفعاله بالطبع لا تتماشى مع أقواله، ففي العقدين الماضيين، فشل دائمًا في إرسال سلاح الجو للقيام بالضربة التي هدد بها مرارًا). ولكن الآن حان الوقت لذلك.
طوال مسيرته كرئيس وزراء، كان نتنياهو ماهرًا في المماطلة، لدرجة أن ذلك أصبح أقرب إلى الجُبن. وربما يعتقد الآن أنه سيكون من الأفضل الانتظار حتى يتولى ترامب منصبه، وأن ترامب سيسمح بهجوم إسرائيلي على المواقع النووية الإيرانية وربما يدعمه أو يشارك فيه. لكن من الأفضل لنتنياهو أن يعيد التفكير في هذا الأمر.
لا يجب أن يراهن على ترامب، فأنا أشك في أن الرئيس الـ47 يهتم حقًا بمستقبل إسرائيل أو بقائها. صحيح أنه خلال ولايته الأولى، نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وساهم في هندسة اتفاقات أبراهام. لكنه ليس صهيونيًا، ومن الممكن حتى أن يكون في قرارة نفسه معاديًا للسامية (فقد أطلق على مر السنوات بعض الإشارات التي قد تُعطي انطباعًا على ذلك).
صحيح أنه يعتمد منذ فترة طويلة على صهره اليهودي جاريد كوشنر، وأن ابنته إيفانكا -زوجة كوشنر- قد اعتنقت اليهودية، لكن القيم السياسية لترامب تتصدرها الرغبة في تحقيق الاستقرار العالمي الذي يضمن النمو الاقتصادي الأمريكي (وكذلك مصالحه الاقتصادية الشخصية، بالطبع). ومؤخرًا، أعلن ترامب بصوت عالٍ عن رغبته في إنهاء الحروب الحالية في الشرق الأوسط، (سواء كان ذلك يتماشى مع الرؤية الاستراتيجية لنتنياهو أم لا)، وأن تركيزه ينصب على احتياجات أمريكا، وقد دعم تقليديًا العزلة وتقليص الالتزامات الدولية للولايات المتحدة.
يعتقد العديد من الإسرائيليين أن ترامب معادٍ للمسلمين، لكن خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، وخاصة في ولاية ميشيغان الحاسمة، التي تضم عددًا كبيرًا نسبيًا من المسلمين، أطلق ترامب بعض التصريحات المؤيدة للعرب وأظهر تعاطفًا مع أولئك الذين يرون أنفسهم أكبر الضحايا في العالم حاليا. (نعم، ضحايا أكبر حتى من الإسرائيليين).
بالطبع، هناك أيضا البُعد الشخصي، فالعلاقة بين ترامب ونتنياهو كانت متوترة رغم محاولات رئيس الوزراء نيل رضاه. فشل نتنياهو فشلا ذريعا في هذا الصدد بعد أن هنأ بايدن بفوزه على ترامب في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
وفي مرحلة ما خلال الحملة الانتخابية، بدا أن الرئيس القادم يلمح إلى موافقته على هجوم إسرائيلي ضد المواقع النووية الإيرانية، لكن ترامب رجل مزاجي، وقد يغير رأيه ويختار المصالحة بين الولايات المتحدة وإيران. ويبدو أن اجتماع إيلون ماسك السري الأخير مع سفير إيران لدى الأمم المتحدة يلمح بقوة إلى هذا الاتجاه الذي قد يسير فيه ترامب. من يدري؟ مع ترامب، قد تعتمد الكثير من الأمور على آخر شخص همس في أذنه.
لو كنتُ مكان نتنياهو، لما راهنتُ على ترامب بعد 20 يناير/ كانون الثاني، وبالتأكيد ليس طوال الأربع سنوات المقبلة. صحيح أن الرئيس المنتخب أعلن عن عدد من التعيينات الوزارية المؤيدة لإسرائيل الأسبوع الماضي، لكن كانت هناك أيضًا تعيينات أخرى، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن ترامب سيدعم هجومًا إسرائيليًا على المنشآت النووية الإيرانية أو أن الولايات المتحدة ستنضم إلى مثل هذا الهجوم.
وهناك سؤال آخر يتعلق بقدرات إسرائيل – هل يمكن لسلاح الجو الإسرائيلي (ربما مع مساعدة من فروع أخرى من الجيش) تدمير أو على الأقل إلحاق ضرر كبير بالمشروع النووي الإيراني؟ لا أعرف، وربما لا يعرف قادة الجيش الإسرائيلي الإجابة بشكل قاطع أيضًا. هناك العديد من المتغيرات، وكما هو الحال في كل حرب، هناك الكثير من الأمور التي لا يمكن التنبؤ بها.
لكن في الأسابيع التي تلت الهجوم الذي شنّه سلاح الجو الإسرائيلي على إيران في 26 أكتوبر/ تشرين الأول، أعلن قادة الجيش الإسرائيلي أنه دمر أو ألحق ضررًا كبيرًا بقدرات الدفاع الجوي الإيرانية، وأن الجمهورية الإسلامية – بما في ذلك منشآتها الرئيسية – أصبحت قابلة للاختراق بشكل كبير. لا شك أن إيران كانت تحاول في الأسابيع الأخيرة تعزيز دفاعاتها الجوية، لكنها لا تزال غير محصنة أمام هجوم كبير، وقد يكون مشروعها النووي (إلى حد ما) هدفًا سهلًا.
ومن غير الواضح كيف يمكن أن يؤثر هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية (وربما منشآتها النفطية المهمة أيضًا) على الحروب في غزة ولبنان، وعلى قضية الرهائن، ولكن قد يكون للهجوم تداعيات إيجابية. على أي حال، هذه هي اللحظة المناسبة للهجوم، وهي لحظة قد لا تتكرر.
المصدر: هآرتس