في الثامن من مارس كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي للمرأة، والذي بدأ الاحتفال به إثر بعض الاضطرابات النسائية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث احتجت النساء وثُرن ليحققوا مطالبهن، وقد تم تنفيذ أغلبها بالفعل، وبعد كل تلك السنوات التي مضت على الثورات والحركات النسوية العالمية، التي وصلت بهن إلى بر الامان، نريد أن نعرف ما مصير النساء العرب في ظل القمع السياسي والحرية العامة الغائبة.
يجب أن نتفق أولًا أنه لا حرية بدون ثمن، أيًا كان شكل تلك الحرية ولأي فرد كانت، فالحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية كلها نتيجة لفترات طويلة من النضال والصراعات الأزلية، وبالرغم من كل الثورات العربية التي قامت في المنطقة، وبرغم كل الدماء والاعتقالات التي حدثت لم نصل إلى نتيجة نفخر بها تجعلنا نقول أننا على الطريق الصحيح، وكذلك وضع النساء العربيات، فالنساء كائنات مُعنفة منذ الأذل، منتقصة الحقوق في كل دول العالم، والدول التي وصلت فيها السيدات إلى مرحلة محترمة من المساواة قد أتت بعد نضال طويل، وهذا ما يبرز سؤالنا عن مصير المرأة العربية في ظل كل الأزمات التي نعيشها، قبل الحديث عن النساء العرب وما سيؤول بهم، يجب أن نلقي الضوء على بعض حركات الكفاح النسوية في العالم الغربي.
انتفاضة النساء الاولى في الولايات المتحدة
كانت البداية من الولايات المتحدة الأمريكية، التي سبق نساؤوها إناث العالم في المطالبة بالديمقراطية والمساواة، في عام 1856 كانت الانتفاضة الأولى للنساء حيث قررن الاحتجاج على كل العنف الموجه نحوهن والمطالبة بحقوقهن وابداء الرغبة في إنهاء الظروف اللاإنسانية التي يعملن تحتها، وكان رد الفعل الأمني متوقع وهو التعامل بوحشية وتفريق المظاهرات بشتى الطرق الممكنة، ولكن الإيجابي هو تمكن السيدات من لفت أنظار المسؤولين السياسيين ليتم وضع قضاياهن في الاعتبار.
صور لاحتجاجات 8 مارس في الولايات المتحدة الأمريكية
في يوم 8 مارس 1908 جاءت الفكرة مرة أخرى، ولكن تجمع بها حشد نسائي أكبر ومطالبهن كانت محددة أكثر، تحت شعار خبز وورود، إثر احتجاجات ومظاهرات قامت بها النساء الأمريكيات وهن ممسكات بيد بها خبز واليد الأخرى بها ورود، طالبن فيها بتخفيض عدد ساعات العمل وحق الانتخاب والمساواة مع الرجل ومنع تشغيل الأطفال، وقد لاقت هذه المظاهرات صدى واسع خاصة بعد مشاركة الطبقة المتوسطة بها وبعد أن تمت الاستجابة لعدد من المطالب، وأصبح يوم 8 مارس تخليدًا لذكرى هذه المظاهرات وتم نشره في بعض الدول الأخرى، احتفاءًا بما فعلته الولايات المتحدة.
صور لاحتجاجات 8 مارس في الولايات المتحدة الأمريكية
ولكن الخطوة الأكثر فاعلية أتت متأخرة بعض الشيء، إذ أتت بعد أن تبنت منظمة الأمم المتحدة هذا اليوم وأقرته عام 1977، ثم اعتمدته أغلب دول العالم، وأصبح يوم تخرج فيه نساء العالم للمطالبة بحقوقهن، وبشكل عام كانت الأمم المتحدة ترفع شعار لهذا اليوم للفت الانتباه والحث على حل بعض المشاكل التي ترى أن النساء ما زلن يعانين منها، مثل عام 2004 الذي أتى تحت شعار “المرأة وفيروس نقص المناعة”، وعام 2008 الذي كان شعاره “الاستثمار في النساء والبنات” وغيرها من الشعارات الفعالة.
نظرة على أحوال النساء في الوطن العربي
يأتي عام 2019 على النساء العرب وقد حدثت بعض الأمور الإيجابية بينما ظلت بعض الأمور السيئة تتفاقم في الجانب الآخر، إن نظرنا بتفاؤل حول الأمور سنجد أن المرأة السعودية قد تمكنت أخيرًا من قيادة السيارة وما زالت عيناها تفتح على مهن جديدة وحياة عملية أكثر انفتاحًا من الماضي، وهذا أمر له مميزاته الكثيرة التي سنشهد ثماراها في المستقبل القريب، ونلقي نظرة على دولة أخرى مثل تونس نجد أنه تم تشريع قوانين للمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة بجانب دعم لحقوق المثليين بما يشملهم من نساء، ونرى كذلك أن المرأة الجزائرية تحتل الآن مكانة جيدة على هامش ما يحدث من ثورة في الجزائر هذه الأيام، بالإضافة إلى ذلك نجد أن القمع ما زال موجود في البلدان العربية وعلى رأسها السعودية التي تعطي الحق بقيادة السيارة وفي الجانب المظلم تقوم بقمع النسويات السعوديات وتقوم بتعذيبهن وتعنيفهن بتهم عديدة منها انتقاد الحكم والثورة على ولي الأمر وغيرها من الأمور، التي لقت صدى واسع وتنفير من قبل عدة جهات حقوقية ولكن ما زالت المعتقلات محتجزات إلى الآن.
ونجد كذلك أن المملكة العربية السعودية نفسها قد حدث بها شيئ مثير للجدل في الآونة الأخيرة وهو هروب الفتاة القاصرة “رهف القنون”، التي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي ثم الإعلام العربي، وطلبها اللجوء في إحدى الدول الأوربية، الأمر الذي سلط الضوء على السعوديات المعنفات والهاربات الذين ما زلن يعانين إلى الآن.
رهف القنون
وبعيدًا عن الحالات الفردية نجد أن الوطن العربي على ما هو عليه من ناحية تدني احترام حقوق المرأة أو تقدير مكانتها، اللهم إلا بعض المشاكل التي تُثير الجدل بين النساء فإما أن تُنصف المرأة، وهذا نادر، أو تظهر كارثة جديدة تزيد الامور تعقيدًا، مثل ما حدث في مصر مؤخرًا، مع المخرج خالد يوسف واتهاماته بتسجيل أشرطة وفضائح جنسية نجد النهاية أن المرأة هي الطُعم، وهي المدانة وبدلًا من التعامل المباشر مع الجاني، المخرج خالد يوسف، نجد أن الأمر قد اتخذ مسارًا خاطيء إعلاميًا واجتماعيًا واتجه إلقاء اللوم على الفتيات الموجودات في الفيديوهات، رغم أنه يفترض أنهن كن على علاقة زواج بالجاني وليست علاقات عابرة، ومع هذا ظلت المرأة مقموعة.
لا يسعنا القول بأن الأمور ستزدهر وأن الأوضاع ستتحسن، ولكن كلما ازدادت الشدة كلما اقترب الفرج، لأن شعوبنا العربية بحاجة إلى النضال الطويل حتى يحصل كل ذو حق على حقه.