عيد عالمي جديد، يطلّ على المرأة الموريتانية، دون أن تحقّق فيه حقوقها الكاملة التي تناضل من أجلها منذ سنوات، فالمشاكل تكاد تكون ذاتها رغم الوعود العديدة للسلطة، والقانون المنتظر مازال معلقا داخل أروقة البرلمان، دون أن ينظر إليه أحد.
زواج القاصرات
تعرف موريتانيا، انتشار كبيرا لظاهرة زواج القاصرات، حتى أصبحت من أبرز المشاكل التي تعاني منها المرأة في بلاد شنقيط. ويشكل زواج القاصرات هناك عرفا تقليديا يتزايد انتشاره بشكل كبير في المدن الداخلية، فالكثير من الأسر لا تتردد في تزويج بناتها صغيرات السن، حيث تنظر التقاليد الاجتماعية إلى الأمر على أنه طبيعي.
ورغم أن المادة 6 من مدونة الأحوال الشخصية في موريتانيا حددت سن الزواج بـ18 سنة، فإن القانون الموريتاني وضع استثناءات بيد أولياء الأمور تتيح لهم تزويج الفتيات قبل بلوغهن السن القانونية، وهو ما مكّن الأولياء من استغلال هذه الثغرات للهروب من العقاب القانوني.
ويزيد زواج القاصرات، من نسب الطلاق في البلاد، حيث ارتفعت بلغت النسبة قرابة 31 %، يتم الانفصال في 60 %منها في السنوات الخمس الأولى بعد الزواج، وفق أرقام صادرة عن وزارة التنمية الموريتانية.
ما يزيد من “تعاسة” وضع المرأة في موريتانيا، عدم مصادقة البرلمان إلى الأن على مشروع قانون بشأن العنف الجندري
أظهرت احصائيات صادرت عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونسيف”، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الفتيات، أن ما يزيد على ثلث الفتيات في موريتانيا يتم تزويجهن قبل سن بلوغ وأن نسبة 37 % من فتيات موريتانيا يتم تزويجهن قبل بلوغ سن 18 عاما.
وأوضحت اليونسيف، أن نسبة 14 % من فتيات موريتانيا يتم تزويجهن من قبل أسرهن حتى قبل أن يبلغن 15 عاما، مطالبة باتخاذ إجراءات تمنع مثل هذا النوع من الممارسات، باعتبار أن “الزواج المبكر يحرم الفتيات من حقهن في الصحة والتعليم، وتعرضهن للعنف ويضر بالصحة البدنية والنفسية “.
وقد دفع انتشار هذه الظاهرة، الحكومة الموريتانية، إلى إطلاق حملة ضد تزويج الأطفال القصر، تحت عنوان “موريتانيا بدون زواج أطفال”، كما شرعت الحكومة قبل أشهر في تشكيل لجنة من مختلف القطاعات بهدف تنظيم ورشات تكوينية وأخرى للتوعية في مختلف الولايات لصالح رجال الدين ومنظمات المجتمع المدني والآباء لشرح المخاطر الصحية والتنموية المترتبة على تزويج الأطفال.
ضحايا العنف الجنسي
إلى جانب زواج القاصرات، تعاني المرأة الموريتانية من انتشار ظاهرة الاعتداءات الجنسية ضدّها، وتواجه النساء اللواتي يتحملن العنف الجنسي، وفق هيومن رايتس ووتش “حواجز مؤسسية تشمل إجراءات تحقيق في الشرطة والقضاء لا تراعي النوع الاجتماعي.”
وتقول المنظمة الحقوقية، إنه “لا يحدد القانون الموريتاني بشكل كاف جريمة الاغتصاب وغيرها من أشكال الاعتداء الجنسي، رغم أن مشروع قانون بشأن العنف القائم على النوع الاجتماعي مع مزيد من التعريفات المحددة كان ما يزال معروضا على البرلمان.”
وتضيف، “تجريم العلاقات الجنسية الطوعية بين البالغين خارج إطار الزواج من المرجح أن يمنع الفتيات والنساء من الإبلاغ عن الاعتداءات، لأنهن قد يجدن أنفسهن متهمات إذا رأى القضاء أن الفعل الجنسي المعني تم بالتوافق. خلال 2018، كانت هناك نساء في السجن بتهمة الزنا وقلن إنهن تعرضن في الواقع للاغتصاب”.
ارتفاع الاعتداءات ضدّ المرأة الموريتانية
وترفض العديد من العائلات التبليغ عن حالات الاغتصاب، خوفا من نظرة المجتمع، في حين تتم تسوية حالات أخرى بين العائلات والقبائل، دون اللجوء إلى القانون، وهو ما أضعف تدخّل الدولة في هذا الشأن، الأمر الذي ساهم في مزيد انتشاره.
ورغم الحديث الواسع في الأوساط الحقوقية عن ارتفاع حالات الاغتصاب في هذا البلد المحافظ، فإنه لا توجد إحصائيات رسمية حوله، كما أن الأرقام الواردة في تقارير المنظمات غير الحكومية الناشطة في مجال حماية المرأة تبدو متفاوتة.
تسرب الفتيات من التعليم
ضمن المشاكل التي تعاني منها المرأة الموريتانية أيضا، ارتفاع نسب تسرب الفتيات من التعليم، فعلى سبيل المثال هناك تسرب كبير للفتيات في مرحلة التعليم الثانوي تصل تقريبا الى نسبة 47 % من إجمالي الفتيات في سن التعليم.
وتتراوح نسبة الفتيات اللاتي يصلن إلى التعليم الجامعي بين 17 إلى 20 % فقط من إجمالي من يدرسون في الجامعات، وهذا يرجع لعوامل كثيرة، من أبرزها الفقر وعدم قدرة كثير من الأسر على تحمل تكاليف دراسة كافة أبنائها.
ويشكل التسرّب المدرسي في صفوف البنات ظاهرة تؤرق المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة في موريتانيا. وتتحكّم هناك العادات المتوراثة في مصير الفتيات، وتحدد مستقبلهن بشكل كبير، حتى أن الموريتانيات فقدن الإحساس بأهمية المدرسة، بسبب الضغط الاجتماعي، الذي يؤثر سلبا عليهن.
ضعف قانوني
ما يزيد من “تعاسة” وضع المرأة في موريتانيا، عدم مصادقة البرلمان إلى الأن على مشروع قانون بشأن العنف الجندري، رغم أن الخكومة وافقت عليه قبل 3 سنوات من الأن. ويتضمّن مشروع قانون النوع الذي تسعى الحكومة للتصديق عليه مجددا من قبل نوّاب الجمعية الوطنية (البرلمان) خمسة فصول.
يختص أولى الفصول بالأحكام العامة، ويتطرّق الثاني للعقوبات المطبقة على الجنح والجرائم الجنسية ضد النساء، ويحدد الثالث الإجراءات المتعلقة بالاعتداءات الجنسية على النساء، أما الرابع، فيركز على الوقاية، بينما ينظّم الخامس سبل التكفل بالضحايا.
ومن شأن المصادقة على مشروع قانون النوع، أن يسدّ الفراغ القانوني الذي عانت منه المنظومة القانونية في البلد، وسيسهم في التخفيف من معاناة وآلام ضحايا العنف، وأن يشكّل إضافة نوعية للمرأة الموريتانية، لما يوفره من ضمانات تحاول التماهي مع الأشكال الجديدة للعنف ضد المرأة، والتي لم تكن شائعة في المجتمع الموريتاني، وفق المنظمات المدافعة عنه.
رغم كلّ هذه النقائص، حظيت المرأة الموريتانية سياسيا، بمكانة كبيرة، فهناك سبع وزيرات في الحكومة الموريتانية
يواجه هذا المشروع، رفضا كبيرا من قبل عديد الجهات لمعارضته الشريعة الإسلامية التي تعد مصدر التشريع في البلاد، ويطالب العديد من الموريتانيين البرلمان بعدم المصادقة على مشروع هذا القانون لما يحمله من خلاف جذري مع قانون البلاد ومصدر تشريعه.
ويهدف هذا القانون إلى “العمل ضد العنف القائم على النوع”، وسبق أن تم طرحه أمام “الجمعية الوطنية”، لكن البرلمان رفضه وطالب بتوضيح بعض مواده، بحجة أنها “مخالفة للشريعة الإسلامية”.
وطلب البرلمان السابق من الحكومة مراجعة سبع مواد من القانون “لمخالفتها الصريحة للشريعة الإسلامية”، من بينها المادة 19 الخاصة بممارسة الحريات العامة، والتي تنصّ على “السجن من عام إلى عامين لكل زوج يمنع أو يقيد شريكه عن ممارسة حرياته العامة”.
مراكز سياسية متقدمة
رغم كلّ هذه النقائص، حظيت المرأة الموريتانية سياسيا، بمكانة كبيرة، فهناك سبع وزيرات في الحكومة الموريتانية، من أصل 23 وزيرا، علاوة على أن منصب مفوض الأمن الغذائي، وهو أحد المناصب الحكومية الهامة، تشغله سيدة بدرجة وزيرة، وهو عدد كبير من الوزيرات بالمقارنة بمجتمعات عربية أخرى.
حضور سياسي كبير للمرأة الموريتانية
بالإضافة إلى المشاركة الواسعة في العمل الحكومي، هناك حضور نسائي قوي في البرلمان، فقد وصل عدد النساء المنتخبات في البرلمان الجديد إلى 30 امرأة من أصل 153، وهو ما يصل إلى نسبة 19,6%. وفي سنة 2006 أصدرت موريتانيا تشريعا يقضي بأن تتضمن القوائم المرشحة للانتخابات البرلمانية نسبة 20 %على الأقل من النساء.
وفي سنة 2013، صدر تشريع آخر يضمن 20 مقعدا انتخابيا للمرأة الموريتانية من خلال ما يعرف باللائحة الوطنية للنساء، علاوة على 20 مقعدا على اللائحة الوطنية العامة التي يلتزم كل حزب بتشكيلها من رجل وامرأة على التوالي.
وضع المرأة الموريتانية، لا يختلف كثيرا عن وضع المرأة في باقي الدول العربية، فرغم الخطابات الرنّانة التي يلقيها السياسيين المحتفيين بما تحقّق من حقوق للمرأة في بلدانهم، فإن الواقع عادة ما يكشف عكس ذلك.