قبل ساعات معدودات من انطلاق المسيرة “المليونية” الرافضة لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة للجمعة الثالثة على التوالي، يزداد فريق الداعمين للحراك الشعبي قوة يوما بعد يوم بالتحاق نشطاء سياسيين وشخصيات وطنية به، في المقابل يعيش معسكر الرئيس الراقد في مستشفى جنيف الجامعي الحكومي على وقع أخبار تخلي بعض مؤيديه عن موقفهم السابق والتحاقهم بالشارع، معلنين بذلك رفضهم لمشروع العهدة الخامسة الذي تريد أطراف فرضه على الجزائريين بشتى الطرق.
ورغم أن الساعات الأخيرة لم تشهد الجزائر مسيرات شعبية كبيرة خاصة في عاصمة البلاد، حيث اقتصر الأمر على خروج للطلبة في ولاية بجاية الواقعة في الوسط الشرقي للجزائر ومسيرة للمحامين ووقفة احتجاجية للصحفيين، إلا أن كرة ثلج الحراك الشعبي تزداد حجما، وذلك بإعلان عدة تنظيمات مساندتها لمسيرات الشعب ومشاركتها في مليونية الجمعة الثالثة وتخليها عن دعمها للعهدة الخامسة لبوتفليقة.
دعم متصاعد
على عكس الأيام الأولى للحراك الشعبي عندما كان الشارع يتحرك لوحده، ولا يلقى دعما سوى من بعض الأحزاب السياسية المحسوبة على لمعارضة، فإن الأيام الأخيرة عرفت تسابقا للتنظيمات وهيئات المجتمع المدني لإعلان انضمامها مقتنعة إلى جنب الجزائريين الرافضين لترشح الرئيس المريض لولاية خامسة.
سحبت جبهة القوى الإشتراكية أقدم حزب معارض في البلاد نوابها من البرلمان، تعبيرا عن دعمها للحراك الشعبي المتواصل، ودعت إلى انتخاب مجلس تأسيسي يعمل على تغيير النظام وينهي مرحلة افتقاد مؤسسات الدولة للشرعية
وأعلنت 5 نقابات في قطاع الصحة هي النقابة الوطنية للممارسين الأخصائيين في الصحة العمومية والنقابة الوطنية للأطباء العامين للصحة العمومية والنقابة الوطنية للأساتذة الباحثين الاستشفائيين والجامعيين والنقابة الوطنية للنفسانيين والنقابة الجزائرية لشبه الطبيين دعمها لحراك الشعب ضد مكوث بوتفليقة في هرم السلطة.
وأوضحت النقابات الخمسة المنضوية تحت ما يسمى “تكتل نقابات الصحة” أن “الجزائر تشهد وضعا غير مسبوق وتاريخي مع انتفاضة شعبية لم تعرفها من قبل في جميع أنحاء البلاد تؤثر على جميع طبقات المجتمع، ونحن المنظمات النقابية والمستقلة لا يمكننا في أي حال من الأحوال أن نبقى غير مبالين بهذا الزخم الاستثنائي لشعبنا”.ط
وأضاف تكتل نقابات الصحة أنه “ولمواجهة رفض السماح للجزائر الغرق في الفوضى، نقدم دعمنا الكامل للحركة السلمية التي انطلقت يوم 22 فبراير”.
وأعلنت عمادة الأطباء الجزائريين هي الأخرى وقوفها إلى جانب المتظاهرين، واستعدادها لتقديم الدعم السياسي والصحي خلال المسيرات.
وسحبت جبهة القوى الإشتراكية أقدم حزب معارض في البلاد نوابها من البرلمان، تعبيرا عن دعمها للحراك الشعبي المتواصل، ودعت إلى انتخاب مجلس تأسيسي يعمل على تغيير النظام وينهي مرحلة افتقاد مؤسسات الدولة للشرعية، خاصة بعد خروج الجزائريين في مسيرات مناهضة لترشح بوتفليقة.
دعت 6 نقابات في التربية لتنظيم إضراب وطني في 13 مارس الذي يصادف إعلان المجلس الدستوري عن القائمة النهائية للمترشحين للتأكيد على وقوفهم إلى جنب الحراك الشعبي الذي تعرفه البلاد
ويوم الخميس، نظم اتحاد المحامين مسيرة نحو المجلس الدستوري في العاصمة الجزائر، أنهاها بوقفة احتجاجية أمام الهيئة ذاتها، وحاول خلالها تسليم رسالة للطيب بلعيز رئيس المجلس والرجل المقرب من بوتفليقة مفادها رفض أصحاب الجبات السوداء للخروقات التي تشوب ترشح بوتفليقة لرئاسيات 18 إبريل نيسان المقبل.
ودعت 6 نقابات في التربية لتنظيم إضراب وطني في 13 مارس الذي يصادف إعلان المجلس الدستوري عن القائمة النهائية للمترشحين للتأكيد على وقوفهم إلى جنب الحراك الشعبي الذي تعرفه البلاد.
ويزيد هذا الدعم المتواصل من قبل مختلف أطياف الشعب الجزائري من قوة الحراك الذي انطلق في 22 فبراير الماضي، ويدحض ادعاءات معسكر بوتفليقة الذي لا يزال يقول إن هذا الحراك لا يمثل كل الجزائريين، كما يكتسي التحاق النقابات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني بالمتظاهرين أهمية قصوى كونه سيساهم في تأطير هذا الحراك الذي لا يزال إلى اليوم يفتقد إلى قادة يمثلونه، لكن هذا الانضمام النقابي خاصة من قطاعي التربية والصحة اللذين يلقيان قبولا ومصداقية لدى الجزائريين قد ينهي هذا العيب الذي يميز مسيرات الجزائر.
تخلي
في الطرف المقابل، حتى وإن كان معسكر بوتفليقة لا يزال يحتفظ بدعم أحزاب الأغلبية البرلمانية، إلا أن ذلك لا يخفي تلقيه الضربة تلو الأخرى بسبب الانشقاقات المتواصلة وسط الداعمين له، والتي كانت أقواها من قبل منظمة المجاهدين (قدامى المحاربين ضد الاحتلال الفرنسي) التي أعلنت دعمها للحراك الشعبي، وأكدت أن ما عاشته البلاد خلال السنوات العشرين الماضية يستدعي تغييرا في النظام والإنصات لصوت الشعب.
اضطر الحزب الحاكم الذي يعيش أزمة في الفترة الأخيرة إلى توسيع مجلس القيادة المؤقتة إلى 22 عضوا بينهم منشقون سابقون عن القيادة السابقة
ولطالما كانت منظمة المجاهدين (رفقاء بوتفليقة في السلاح) داعمة لكل قرارات الرئيس الذي يحكم البلاد منذ 1999، ويتشكل أغلب أعضائها من مناضلين في حزبي السلطة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي.
ولحقت بهذا القرار جمعية قدماء وزارة التسليح والاستعلامات العامة خلال الثورة “المالغ ” (رجال المخابرات خلال الثورة التحريرية) التي يرأسها وزير الداخلية الأسبق دحو ولد قابلية التي أعلنت تخليها عن مساندة بوتفليقة والالتحاق بالداعمين للحراك الشعبي.
وقالت الجمعية “إنه أمام هذه الوثبة ( الحراك الشعبي) التي لا يمكن مقاومتها، وهذه الإرادة المعبر عنها، لم يبق مكان للتأخير والمناورات من أجل استمرار نظام وصل إلى نهايته، ويهدد بجر البلاد نحو المغامرة والأخطار الكبرى. بهذا التجند الذي لم يسبق له مثيل، الشعب انتخب بالرفض التام والقاطع للعهدة الخامسة وكل ما يصاحبها”.
وانسحب وزير الفلاحة والصيد البحري الأسبق سيد احمد فروخي من البرلمان ومن حزب جبهة التحرير الوطني الذي يرأسه بوتفليقة، وقرر التحاقه بالمعسكر الرافض لترشح الرئيس الذي كان يوما أحد وزرائه.
واضطر الحزب الحاكم الذي يعيش أزمة في الفترة الأخيرة إلى توسيع مجلس القيادة المؤقتة إلى 22 عضوا بينهم منشقون سابقون عن القيادة السابقة، لكن هذا التوسيع لم يصمد طويلا بعد إعلان القيادي البارز رئيس لجنة التقويم والتأصيل في الحزب عبد الكريم عبادة انسحابه من هذا التشكيل الجديد.
لم يتوقف النزيف داخل المركزية النقابية عند نقابة الرويبة بل انتقل إلى نقابة مترو الجزائر وفروع اتحاد العمال الجزائريين لولاية بجاية الذين أكدوا التحاقهم بالمسيرات الرافضة لمعسكر بوتفليقة.
وأعلنت نقابة المنطقة الصناعية للرويبة أبرز فروع الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي يتولى أمانته العامة عبد المجيد سيدي السعيد الداعم لبوتفليقة وأبرز المستفيدين من نظامه حركة انشقاق ضد قيادة النقابة، والتحاقها بالحراك الشعبي.
ولم يتوقف النزيف داخل المركزية النقابية عند نقابة الرويبة بل انتقل إلى نقابة مترو الجزائر وفروع اتحاد العمال الجزائريين لولاية بجاية الذين أكدوا التحاقهم بالمسيرات الرافضة لمعسكر بوتفليقة.
وعرفت الأحزاب الداعمة لبوتفليقة هي الأخرى انشقاقا لبعض مناضليها مثل التحاق محافظ جبهة التحرير الوطني لولاية سطيف بالحراك الشعبي، واستقالة النائب البرلماني مصطفى بلعياط من الحركة الشعبية الجزائرية بسبب دعمها للولاية الخامسة للرئيس بوتفليقة.
ويعرف منتدى رؤساء المؤسسات الذي يرأسه رجل الأعمال علي حداد الذي دعم بوتفليقة في حملاته الانتخابية السابقة استقالات متوالية بسبب موقف المنتدى الدعم لترشح رئيس البلاد لولاية خامسة، كما شهد اتحاد النساء الجزائريات استقالات متوالية بسبب موقف أمينته العامة نورية حفصي المتشبثة بتجاهل حراك الشعب والولاء لبوتفليقة.
أيقونة الثورة الجزائرية جميلة بوحيرد تتظاهر ضد بوتفليقة فماذا تعرف عنها؟
وأسقطت هذه الانشقاقات داخل بيت بوتفليقة شعارات”رجل الإجماع” الذي كان يتباهى بها داعمو الرئيس المريض، خاصة بعد أن جاءت من أحزاب وشخصيات وصفت إلى وقت قريب بأنها من أصدقاء الرجل الذي يحكم البلاد منذ 1999 منهم المجاهدتين البارزتين جميلة بوحيرد وزهرة ظريف بيطاط.
ترقب
رغم ارتفاع عدد المتخلين عن الرئيس بوتفليقة، إلا أن المعسكر المقابل وكل الجزائريين لا يزالون يوجهون أنظارهم بالخصوص صوب موقف المؤسسة العسكرية من الحراك الشعبي ومن ترشح الرئيس بوتفليقة، خاصة في ظل تخلي رئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح عن خطابه السابق الذي وصف به من خرجوا إلى الشارع بـ” المغرر بهم”، وانتهاجه في الفترة الأخيرة خطابا متوازنا لا يظهر موقفه بصراحة من الرافضين للعهدة الخامسة، إلا انه يؤكد في الوقت ذاته على الرابطة القوية التي تجمع الشعب الجزائري بجيشه.
وقال الفريق أحمد ڤايد صالح بالأكاديمية العسكرية لشرشال أبرز مدارس الجيش الجزائري في كلمة أمام طلبة المدرسة “يحق بذلك للشعب الجزائري، أن يفتخر بأبنائه في الجيش الوطني الشعبي، أن يعتمد عليهم، ويحق لجيشنا أن ينوه بغزارة آيات التواد والتراحم والتعاطف والتضامن والأخوة الصادقة التي ما انفكت تتقوى عراها بينه وبين شعبه، وهي علامات فارقة على مدى قوة الرابطة التي تشد الشعب الجزائري لجيشه، فطوبى لهذه الروابط الشعبية النبيلة والصادقة التي تجد في نفوسنا كعسكريين، كل العرفان والتقدير والإجلال لهذا الشعب والتي تشد على أيدينا وتشجعنا أكثر فأكثر على المضي قدما بعزيمة وهمة في سبيل حفظ رسالة نوفمبر الخالدة، وصيانة وديعة الشهداء الأمجاد”.
الأيام المقبلة وما ستفرزه مسيرات الشعب هي من ستحدد رأي المؤسسة العسكرية التي توجد في وضع لا تحسد عليه يتميز بتحديات أمنية صعبة على الحدود، وحراك شعبي لا يمكنه أن يقف بشأنه موقف المتفرج، إضافة إلى رئيس مريض يريد البقاء في الحكم لفترة جديدة
و أضاف رئيس أركان الجزائري أن بلاده ” على أعتاب استحقاق وطني هام، والجميع يعلم بأننا قد التزمنا في الجيش الوطني الشعبي، وكافة الأسلاك الأمنية الأخرى كل الالتزام، بأن نوفر له وللجزائر كل الظروف الآمنة، بما يكفل تمكين شعبنا من ممارسة حقه وأداء واجبه الانتخابي في كنف الأمن والسكينة والاستقرار، وتلكم مسؤولية وطنية جسيمة لا بد أن يتحملها الجميع”
ووفق قايد صالح، فإن الجيش الجزائري “الذي يعي جيدا التعقيدات الأمنية التي تعيشها بعض البلدان في محيطنا الجغرافي القريب والبعيد، ويدرك خبايا وأبعاد ما يجري حولنا، وما يمثله ذلك من أخطار وتهديدات على بلادنا التي تبقى دوما مستهدفة من أعدائها لأنها محسودة على نعمة الأمن التي يتمتع بها شعبها، سيجعله في غاية الفطنة والتيقظ وسيكون دوما، حارسا أمينا للمصلحة العليا للوطن وفقا للدستور ولقوانين الجمهورية، وسيعرف، بفضل الله تعالى وعونه، كيف يكون في مستوى المسؤولية المطالب بتحملها في كافة الظروف والأحوال، فالجميع يعلم أن الجزائر قوية بشعبها وآمنة بجيشها”.
الفريق قايد صالح رئيس هيئة اركان الجيش الجزائري
والأكيد أن الأيام المقبلة وما ستفرزه مسيرات الشعب هي من ستحدد رأي المؤسسة العسكرية التي توجد في وضع لا تحسد عليه يتميز بتحديات أمنية صعبة على الحدود، وحراك شعبي لا يمكنه أن يقف بشأنه موقف المتفرج، إضافة إلى رئيس مريض يريد البقاء في الحكم لفترة جديدة وأي تحرك ضده قد يكون مطية لجهات أجنبية وداخلية بأن تسمي ذلك انقلابا وتعديا على مؤسسات الدولة الشرعية، خاصة وأن مديرية حملة بوتفليقة لا زالت تتمسك برفض التقارير القادمة من جنيف حول صحة الرئيس المترشح وتؤكد أن وضعه لا يدعو للقلق، نافية بذلك ما كشفته وسائل إعلام سويسرية أشارت إلى أن بوتفليقة في وضع صحي حرج يتطلب متابعة طبية متواصلة.
ومع تعنت معسكر بوتفليقة الذي يقول عبر مدير حملته الانتخابية عبد الغني زعلان في حواره مع صحيفة “الخبر” إن الجزائريين تفاعلوا بإيجابية مع رسالة ترشحه، يبقى التكهن بما تخبئه الأيام للجزائريين في ظل حراك شعبي يرفض التراجع عن مطالبه المشروعة المتمثلة في عدم ترشح بوتفليقة وتغيير النظام صعبا حتى ولو كان صادرا من اكبر خبراء الإستراتيجية والاستشراف في العالم.