شارك مئات الآلاف من الجزائريين، بعد ظهر اليوم الجمعة، في مسيرات حاشدة في شوارع العاصمة وعدد من المدن والبلدات الجزائرية وخصوصا في وهران وقسنطينة وبجاية، احتجاجا على ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة.
مظاهرات كبير وانسحاب قوات الأمن
هذه المظاهرات جاءت على الرغم من تحذير الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أمس الخميس في رسالة وجهها إلى مواطنيه بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، من مخاطر “الفتنة” و”الفوضى“. ودعا بوتفليقة في رسالته “إلى الحذر والحيطة من اختراق هذا التعبير السلمي من طرف أية فئة غادرة داخلية أو أجنبية (…) قد تؤدي إلى إثارة الفتنة وإشاعة الفوضى وما ينجر عنها من أزمات وويلات“.
ولم تفلح محاولة السلطة تمرير رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، يوم 3 مارس/أذار والتي تضمنت عبارات تشير إلى استماعه إلى المتظاهرين، وإلى أنه سيقوم بعقد ندوة وطنية مباشرة بعد الانتخابات وتنظيم انتخابات مسبقة لن يشارك فيها، في التقليل من حجم المظاهرات.
على غير العادة انسحب رجال الشرطة بسياراتهم بشكل شبه كامل من الساحات الرئيسية على عكس المسيرات السابقة
خرج عشرات الآلاف في وسط العاصمة الجزائرية، خاصة في ساحتي البريد المركزي وأول مايو، رافعين شعارات رافضة لترشح لعهدة خامسة، رغم الإجراءات الوقائية التي اعتمدتها السلطات، بعد يوم من إعلان المعارضة دعمها للمظاهرات.
وأوقفت السلطات اليوم خدمة مترو أنفاق العاصمة، كما أعلنت شركة النقل بالسكك الحديدية وقف رحلات القطارات التي تربط العاصمة بضواحيها وبمحافظات غرب وشرقي البلاد. وتوقفت أيضا خدمة تراموي الجزائر الذي يربط وسط العاصمة بالضاحية الشرقية، وسط إجراءات مشددة على الطريق السريع الرابط بين المطار ووسط العاصمة.
بالتزامن مع ذلك نظمت مظاهرات أخرى، في باقي أنحاء البلاد وخصوصا في وهران (غرب) وقسنطينة (شرق) ثاني وثالث أكبر مدن البلاد، كما خرجت مظاهرتان نسويتان في بلدتي تيشي وأوقاس بولاية بجاية شرقي البلاد تزامنا مع يوم المرأة العالمي.
وفي شبكات التواصل الاجتماعي تمّ تنظيم مجموعات “الشارات الخضراء” المؤلفة من متطوعين يتولون على الأرض توجيه المحتجين وتأطيرهم لتجنب كل تدافع وتقديم الإسعافات الأولية، خصوصا في حالة إطلاق غاز مسيل للدموع، ثم تنظيف الشوارع بعد المظاهرات.
واعتبر نشطاء المجتمع المدني ونقابة المحامين الذين شاركوا في الاحتجاجات مؤخراً أنّ لامبالاة السلطة بالمطالب الشعبية وإصرارها على إجراء الانتخابات في الـ 18 أبريل-نيسان المقبل من خلال ترشيح عبد العزيز بوتفليقة يشكل خطرا على الاستقرار الوطني. من جهتها أكدت المعارضة أن تجاهل مطالب الشعب وتنظيم الرئاسيات المقبلة يعد استفزاز للشعب وآماله.
وعلى غير العادة انسحب رجال الشرطة بسياراتهم بشكل شبه كامل من الساحات الرئيسية على عكس المسيرات السابقة، واكتفى عناصر الشرطة المنتشرون بكثافة بمراقبة الحشد، وذلك قبل أن تبدأ شاحنات في الساحة بالانسحاب منها.
تراجع مؤيدي بوتفليقة
تواصل المظاهرات، جاء بالتزامن مع توسّع رقعة التأييد لهذا التحرك، حيث تمّ تسجيل استقالة عدة نواب من حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر وانضمامهم للاحتجاجات، وفق تقارير إعلامية محلية وأخرى دولية.
وأكد الجزائريون من خلال مسيرتين شعبيتين حاشدتين يومي 22 فبراير-شباط والفاتح من مارس-أذار إصرارهم على تحدي الحكومة، وهو ما جعل العديد من الجمعيات والشخصيات تؤيد المظاهرات ضد العهدة الخامسة.
وقبل ذلك، أعلنت منظمة المجاهدين (قدامى المحاربين ضد الاحتلال الفرنسي) دعمها للحراك الشعبي، وأكدت أن ما عاشته البلاد خلال السنوات العشرين الماضية يستدعي تغييرا في النظام والإنصات لصوت الشعب. ولطالما كانت منظمة المجاهدين التي يتشكل أغلب أعضائها من مناضلين في حزبي السلطة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي داعمة لكل قرارات الرئيس بوتفليقة.
يسعى القائمون على الحكم في الجزائر لتواصل هيمنتهم على البلاد، ومزيد التحكم في خيراتها المالية والباطنية والاستفادة منها لوقت إضافي
أعلنت أيضا، جمعية قدماء وزارة التسليح والاستعلامات العامة خلال الثورة “المالغ ” (رجال المخابرات خلال الثورة التحريرية) التي يرأسها وزير الداخلية الأسبق دحو ولد قابلية، تخليها عن مساندة بوتفليقة والالتحاق بالداعمين للحراك الشعبي المتواصل منذ أسابيع.
وقالت الجمعية “إنه أمام هذه الوثبة (الحراك الشعبي) التي لا يمكن مقاومتها، وهذه الإرادة المعبر عنها، لم يبق مكان للتأخير والمناورات من أجل استمرار نظام وصل إلى نهايته، ويهدد بجر البلاد نحو المغامرة والأخطار الكبرى. بهذا التجند الذي لم يسبق له مثيل، الشعب انتخب بالرفض التام والقاطع للعهدة الخامسة وكل ما يصاحبها”.
وانسحب وزير الفلاحة والصيد البحري الأسبق سيد احمد فروخي من البرلمان ومن حزب جبهة التحرير الوطني الذي يرأسه بوتفليقة، وقرر التحاقه بالرافضين لترشح بوتفليقة. كما أعلنت نقابة المنطقة الصناعية للرويبة أبرز فروع الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي يتولى أمانته العامة عبد المجيد سيدي السعيد الداعم لبوتفليقة حركة انشقاق ضد قيادة النقابة، والتحاقها بالحراك الشعبي.
المراهنة على عامل الوقت
أمام تواصل المظاهرات، وحالة التصدّع الكبيرة التي يعيشها معسكر الداعمين لبوتفليقة، لم يبقى أمام مريدي بوتفليقة غير المراهنة على عامل الوقت لتمييع الحراك وتفريق المحتجين، حتى تخلوا لهم الساحة، وفق العديد من الجزائريين.
يطالب المحتجون برحيل بوتفليقة والمحيطين به
منذ بداية الحراك، نهاية شهر فبراير/شباط الماضي، تراوح خطاب أنصار بوتفليقة وقادة نظامه الحاكم بين التهديد والوعيد والتحذير فضلا عن تقديم بعض الوعود، التي يرى العديد من الجزائريين أنها جاءت متأخرة ولا تخدم البلاد بقدر ما تخدم النظام.
ويسعى القائمون على الحكم في الجزائر لتواصل هيمنتهم على البلاد، ومزيد التحكم في خيراتها المالية والباطنية والاستفادة منها لوقت إضافي، لذلك فهم يعمدون إلى تشويه تحركات الجزائريين وتحذيرهم من سنوات العنف والفوضى التي شهدتها البلاد في تسعينات القرن الماضي.
مراهنة عبد العزيز بوتفليقة والمحيطين به في قصر المرادية على عامل الوقت، يقابله إصرار المحتجين على مواصلة حراكهم إلى حين الاستجابة إلى مطالبهم “المشروعة” التي يرون ضرورة تحقيقها أجلا غير عاجل فالبلاد لا تقبل مزيد الانتظار.