تعيش موريتانيا هذه الأيام على وقع التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة، وإعلان الترشحات من الموالاة والمعارضة، ما جعل الانتخابات حديث المقاهي والمجالس، ومع ذلك فقد احتلت قضية أخرى الصدارة وأصبحت حديث الساعة، فلا تكاد تمر على مجموعة وإلا وتسمعهم يتحدثون عنها، إنها قصة تهريب قرابة ملياري دولار إلى الإمارات والمتهم فيها الرئيس محمد ولد عبد العزيز، لكن ما حكاية هذه الأموال؟
تورط ولد عبد العزيز
قبل أيام قليلة نشرت بعض المواقع المحلية والنشطاء على مواقع التواصل، خبرًا مفاده تهريب أموال موريتانية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وما إن خرج الخبر للعلن، حتى انتشر انتشارًا كبيرًا وأضحى حديث الجميع، خاصة أن المتهم يقود البلاد.
يقول العديد من الموريتانيين، إن هذه الأموال تقدر بملياري دولار أمريكي من الأموال العمومية الموريتانية تم إيداعها سرًا بأحد بنوك دبي، قبل أن يكشف عنها قرار بتجميد الحساب الذي أودعت فيه بأمر من وزارة الخزانة الأمريكية، ويعرف عن دبي أنها مركز عالمي للتهرب الضريبي وغسل الأموال، وذكر تحقيق نشرته مجلة “لونوفال أوبسيرفاتور“، بعنوان “أوراق دبي” كيفية تبييض الأموال في الإمارات، وتحويل الأرباح – وهي بعشرات الملايين منذ الدولارات – إلى العملاء في عملية خارجة عن القانون مستمرة منذ نحو 20 عامًا.
وقبل ذلك، كشفت “أوراق بنما” تحول الإمارات إلى جنة ضريبية، وكيف جعلت جزر العذراء البريطانية بمنطقة الكاريبي على مدى 30 عامًا مركز استقطاب تجاري على مستوى العالم لإنشاء شركات “ما وراء البحار” التي يلجأ إليها الكثيرون في محاولة للتهرب الضريبي.
وتحدث موقع “السبق” الإخباري الموريتاني عن “رحلات مكوكية يقوم بها عدد من المقربين من رأس النظام الموريتاني الحاليّ إلى مدينة دبي بالإمارات العربية المتحدة يشوبها الكثير من الريبة ويتم التكتم عليها بشكل لافت”.
تواجه البنوك الموريتانية منذ عدة أسابيع أزمة تحويل أموال في المناطق التي تعتمد الدولار لمعاملاتها
ذكرت مصادر “السبق” أن السبب الحقيقي وراء تلك الزيارات والقصد منها هو الوقوف على حقيقة ما تم تداوله بخصوص تجميد السلطات القضائية بمدينة دبي لحساب بنكي مشبوه مودع فيه مبلغ ملياري دولار أمريكي والسلطات الإماراتية بررت التجميد بكونه تنفيذًا لأوامر من وزارة الخزينة الأمريكية، وأوضح موقع “السبق الإخباري”، نقلاً عن مصادره تأكيدها “بأن أحد المقربين من رأس النظام الحاكم في موريتانيا تم اعتقاله بمدينة دبي في إطار هذه القضية، على أساس مذكرة توقيف صدرت بحقه من القضاء الإماراتي بتهمة تبييض الأموال”.
وأضافت المصادر أن نافذين في النظام الموريتاني الراهن، يبذلون في الوقت الراهن، جهودًا مضنية من أجل إقناع السلطات القضائية الإماراتية بإطلاق سراح الشخص المذكور ورفع اليد عن المبلغ المودع في الحساب المشتبه فيه.
يذكر أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، زار دولة الإمارات العربية المتحدة ثلاث مرات في شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين، ومكث هناك أيامًا عدة إلى حد أنه تغيب عن بعض المناسبات الإقليمية المهمة.
الرئيس ينفي تورطه
بعد أسابيع من تجنب الرئيس والحكومة الموريتانية التعليق على هذه التسريبات، خرج الرئيس ولد عبد العزيز للموريتانيين قبل يومين نافيًا صحة ما تم تداوله بخصوص الملياري دولار التي تعود ملكيتها إليه وتم تجميدها في أحد بنوك دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ووصف ولد عبد العزيز ما يتم تداوله بأنه “شائعات ستثبت الأيام عدم صحتها”، وقال: “هذه الأخبار سمعتها وقرأتها في بعض المواقع المحلية وكتب عنها بعض المدونين”، بحسب وكالة الأخبار الموريتانية.
البنوك الموريتانية تعرف أزمة تحويل للدول العاملة بالدولار
وعلى هامش حضوره اجتماع للحزب الحاكم قبل يومين، قال الرئيس للصحفيين إن أحدًا لن يصدقه لو نفى تورطه في تهريب ملياري دولار من أموال الشعب الموريتاني إلى دبي، وشدد على أن هذه مجرد شائعة، والزمن كفيل بكشف حقيقتها.
أما الناطق باسم الحكومة الموريتانية سيدي محمد ولد محم، فقال أول أمس الخميس: “جعل سمعة الاقتصاد الوطني على المحك بإطلاق شائعات غير دقيقة لا يخدم أحدًا، وإنما يمثل إضرارًا بكل الموريتانيين”، وعن قصة المليارين، أكد أن النظام المصرفي الموريتاني لم يتورط من قبل في غسيل الأموال وتهريبها وتبييضها، وخير دليل على ذلك أن الدولة تستقطب الشركات العالمية من مثل بريتش بتروليوم وتوتال.
التصنيف الأمريكي يزيد الشكوك
ما زاد من شكوك الموريتانيين في تورط الرئيس بتهريب الأموال، التصنيف الأمريكي الأخير للبنوك الموريتانية، فقد صنفت الخزانة الأمريكية البنوك الموريتانية منطقة لتبييض الأموال وحظرت التعامل معها من دون وسيط.
وتواجه البنوك الموريتانية منذ عدة أسابيع أزمة تحويل أموال في المناطق التي تعتمد الدولار لمعاملاتها، ونقلت وكالة الأخبار المستقلة عن مصادر مصرفية قولها إن محافظ البنك المركزي الموريتاني عزيز ولد الداهي زار مؤخرًا الولايات المتحدة الأمريكية، وحاول العمل على تفادي هذا الإجراء، ولكنه فشل في الموضوع.
يعتبر النظام الموريتاني أحد أبرز حلفاء الإمارات في المنطقة، وتقف دولة الإمارات إلى صف ولد عبد العزيز في مسعى منها لترسيخ نفوذها في البلاد
وأكدت تقارير إعلامية محلية أن البنوك العاملة في موريتانيا تحاول التغلب على الأزمة التي زاد وقعها خلال الأيام الأخيرة، وهو ما أثر بشكل سلبي على عمل هذه البنوك وحد من قدرتها على الوفاء بالتزاماتها لعملائها.
وربط العديد من الموريتانيين أزمة البنوك في بلادهم والصعوبات التي تواجهها في الفترة الأخيرة، بأزمة المليارات المجمدة في دبي، والمتهم الرئيسي فيها الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي طالما ادعى محاربة الفساد والتصدي للفاسدين.
فتح تحقيق
بالتوازي مع نفي الرئيس صلته بالموضوع، نقلت وسائل إعلام محلية ودولية عن مصادر أمنية موريتانية، أن الشرطة الموريتانية فتحت تحقيقًا بشأن هذا الموضوع، واستدعت شرطة الجرائم الاقتصادية والمالية عددًا من المسؤولين والنشطاء المدونين للتحقيق في الموضوع بعد أن طالبت عدة منظمات وهيئات تنشط في مجال محاربة الرشوة، بالتحقيق فيه.
ونقلت بعض التقارير أن الشرطة ستواصل الاستماع لكل من تثبت علاقته بالقضية التي أثارت جدلاً واسعًا في الشارع الموريتاني، ولم يتضح ما إذا كانت قد استدعت مسؤولين في القطاع المصرفي الموريتاني.
هل يسعى ولد عبد العزيز لتأمين تقاعده؟
يسعى الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي يستعد لمغادرة السلطة الصيف المقبل، وفق العديد من الموريتانيين، إلى تأمين تقاعده وخروجه من الرئاسة.
ويعتبر النظام الموريتاني أحد أبرز حلفاء الإمارات في المنطقة، وتقف دولة الإمارات إلى صف ولد عبد العزيز، في مسعى منها لترسيخ نفوذها في البلاد الذي تغلغلت من خلاله على مدار العقدين الماضيين، ويعد وقوف الرئيس الحاليّ مع الإمارات خلال الأزمة الخليجية وحصار قطر، أحد أسباب دعم أبو ظبي لولد بن عبد العزيز.
يعمل ولد عبد العزيز على تأمين مكانته في البلاد
من المنتظر أن تشهد موريتانيا في يونيو/حزيران المقبل، انتخابات رئاسية ستشكل محطة صراع قوي بين أركان النظام الحاكم والقوى السياسية المعارضة الطامحة إلى إحداث تغيير على مستوى الرئاسة، وتسعى المعارضة إلى كسب الرهان رغم صعوبة المهمة.
وينص الدستور الموريتاني على أن عدد الولايات الرئاسية المسموح بها لا تتجاوز ولايتين رئاسيتين فقط، ووصل ولد عبد العزيز للسلطة في انقلاب عسكري عام 2008، أطاح بسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا في البلاد.
ويعمل ولد عبد العزيز، على تحضير الأجواء لتسليم السلطة لخلفه، الذي من المنتظر أن يكون وزير الدفاع محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني، نظرًا لضعف المعارضة وعدم تمكنها من توحيد صفوفها في هذه الانتخابات المنتظرة، حتى يتواصل نظامه.