ترجمة حفصة جودة
لقد حققت المرأة السعودية مؤخرًا – وبشكل غير متوقع – مساواة حقيقية بالرجل، فهي الآن تُعتقل وتُعذب بتهم غامضة وكاذبة تتراوح بين الخيانة أو العمالة لحكومات أجنبية، بعض هؤلاء الناشطات متهمات بتقويض الأمن الداخلي السعودي وتأسيس زنازين سرية وتجنيد فتيات في الخدمة المدنية، كثير من هؤلاء الناشطات في السجن منذ منتصف 2018 وبعضهن يواجهن عقوبة الإعدام.
أنكرت السعودية استخدامها التعذيب في السجون، لكنها فشلت في الاستجابة لمطالب منظمات حقوق الإنسان الدولية في إجراء تحقيق مستقل والسماح للمراقبين بزيارة الناشطات السجينات اللاتي تعرضن للتعذيب.
تهديدات بالاغتصاب والقتل
من بين هؤلاء المعتقلات الناشطة لجين الهذلول، الشابة الطموح التي تمثل الجيل الجديد من النساء السعوديات المتعلمات التي لا يمكن خنق أحلامهن، كانت هذلول ترغب في أن تتمكن النساء من قيادة السيارات والتحكم في حياتهن الخاصة بما ينهي نظام الوصاية الذي تعتز به المملكة.
قادت الهذلول حملة لرفع الحظر عن قيادة المرأة فتعرضت للاعتقال، ففي العام الماضي بمجرد رفع الحظر عن قيادة المرأة، تم اعتقال الهذلول وعدد من الناشطات، لذا من كندا وبلجيكا كسر أخوها وأختها حاجز الصمت وتحدثا لوسائل الإعلام الدولية عن تعذيبها، مسلطين الضوء على أكثر الحالات وحشية في السجون السعودية، فقد كانت التفاصيل مفزعة ووحشية، حيث تقول بأن الهذلول تعرضت للضرب والإغراق في الماء والصعق بالكهرباء والتهديد بالاغتصاب والقتل.
سعوديات يلتقطن صورة بهواتفهن قبل دخول سباق فورمولا إي في الدرعية بالرياض
هذا التعذيب الوحشي قام به أشخاص لا يخشون العقاب، فالتفاصيل الصادمة تكشف عن الجانب المرعب لعنف الدولة الذي توجهه للهذلول ويوضح الجانب المظلم من النظام المصمم على إسكات المعارضة وخنق الحركة النسائية الناشئة.
لقد كان جسد المرأة السعودية رمزًا وطنيًا يجب حمايته لينتج جيلًا جديدًا من المخلصين للوطن، لكنه الآن أصبح مجرد لوحة يسدد لها النظام أكثر العقوبات وحشية.
سحق القيود
وفقًا للرواية الوطنية فإن النساء السعوديات “جواهر” يجب حمايتهن ورعايتهن، ويجب تغطية جسدهن والتحكم في حركتهن كيلا تلوثن سمعة الأمة التقية، والرجال في حياتهن بالإضافة لرجال الدولة نصبوا أنفسهم حماة لهن ويتحكمون في كل مظاهر حياتهن.
فالمرأة السعودية الراشدة لا تستطيع الزواج دون موافقة والدها أو أخوها أو أي ولي لها وفقًا لأحد التفسيرات الضيقة للفقه الإسلامي، أما العمل وأن تكون فردًا منتجًا في المجتمع فيحتاج أيضًا موافقة ولي أمرها فالتوظيف يعتمد على موافقته، وكذلك الوضع بالنسبة للسفر إلى الخارج أو الذهاب إلى المستشفى للعلاج وغيره.
لا تعد الدولة طرفًا محايدًا في العملية طويلة المدى للسيطرة على إنتاج النساء والتحكم في أجسادهن والآن تعذيبهن، في الحقيقة لقد كان النظام متواطئًا في فرض العقوبات والسيطرة على النساء لأجيال كثيرة، ففي الماضي استسلمت الدولة لضغوط السيطرة على النساء خوفًا من فقدان ولاء سكانها الذكور.
لقد سعى النظام للتحكم في جسد المرأة خوفًا من تمرد الرجال الذين يتوقعون أن تفرض الدولة المسلمة القيود الصارمة والاحتشام على سلوك النساء، وقد فوض الرجال الدولة ومؤسساتها للسيطرة على النساء سواء من الشرطة الدينية أم القضاء، وفي مقابل ضمان ولاء الرجال وعدت الدولة بالسيطرة على النساء.
تحرير النساء
استمرت الصفقة لعقود حتى جاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي حاول تغيير الوضع، وأصبحت النساء حلبة الصراع التي يخوض فيها النظام ومعارضيه معارك شرسة وعديمة الجدوى.
تحت ستار تعليم النساء يفرض النظام سيطرته على حياتهن ويحدّ من خياراتهن
اتهم الإسلاميون النظام بإفساد أرض الحرمين الشريفين وذلك لعدم حمايتهم أجساد النساء، بينما يدعي النظام أنه يمكن المرأة، أما الأقلية من الإسلاميين الذين دعموا تمكين المرأة من خلال دعم نوع من الحركة النسوية الإسلامية فقد أصبحوا في السجن الآن.
تحدث الاضطرابات عقب أي زعزعة للاتفاقية بين الرجال والنظام، وتحت ستار تعليم النساء يفرض النظام سيطرته على حياتهن ويحدّ من خياراتهن، تفتقد رواية النظام ومعارضيه عنصرًا مهمًا ألا وهو المرأة، لكن منذ أن قام ابن سلمان بإضعاف سطوة الرجال بمن فيهم أقاربه، أصبح الآن قادرًا على تجاهلهم جميعًا.
لم يعد ابن سلمان مهتمًا بالاعتراضات على الإصلاحات المجتمعية، فالآن تستطيع النساء السعوديات الرقص في الحفلات العامة وهو يعلم أن الرجال لا يمكنهم التفوه بكلمة احتجاج واحدة.
هجوم الرياض الساحر
يهتم ابن سلمان فقط بكسب رضا المجتمع الغربي الذي ينتقد سيطرة السعودية على المرأة، وبعد عدة تغييرات رمزية من بينها السماح للمرأة بقيادة السيارة، قام ابن سلمان بهجوم ساحر وعين أميرة في أحد أهم المناصب الدبلوماسية وهو منصب سفير الرياض في واشنطن.
تعد الأميرة ريما بنت بندر – التي شغل والدها هذا المنصب لعقدين من الزمان – الوجه الناعم الذي يقدمه ابن سلمان للجمهور الأمريكي، وهو يأمل بذلك أن ينسوا قضية قتل الصحفي جمال خاشقجي الشنيعة، وتعد مهمة الأميرة ريما الرئيسية استعادة إيمان واشنطن بمحمد بن سلمان بعد التداعيات الخطيرة التي أعقبت جريمة خاشقجي.
في الوقت نفسه تشيد بعض النسويات السعوديات بالتمكين المزعوم للمرأة، بينما يتجاهلن أزمة الهذلول وغيرها من الناشطات، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي تشيد عدة نساء تم اختيارهن لولائهن للسلطة بإصلاحات ابن سلمان والتحدث مع الإعلام الأجنبي الذي يسعى للحصول على أي تصريح يدعم روايته التي أعدها جيدًا عن ولي العهد المصلح.
الأميرة ريما تتحدث في مؤتمر استثماري بالرياض
أما النساء اللاتي لديهن بعض التحفظات على إصلاحات ابن سلمان فقد تم منعهن من الحديث، ويحاول الصحفيون الغربيون في الرياض وجدة العثور عليهن والحصول على أي تصريح منهن، وبمجرد أن تحدثت هتون الفاسي – ناشطة بارزة – إلى نيويورك تايمز تم اعتقالها فورًا مع الهذلول.
إسكات المتضامنين
لا يوجد مجال لأي تضامن نسائي مع الناشطات المعتقلات، ففرص النساء لا تزال محدودة في السعودية رغم الضجة الواسعة، أما النساء اللاتي يشغلن مناصب عليا فيرغبن في الحفاظ عليها ربما للأبد، والولاء للنظام أهم شرط في ذلك، فأي انتقاد طفيف يعرضهن لعقوبات شديدة.
ومع ازدياد تعليم المرأة السعودية أصبحت المنافسة شرسة، ولن تتمكن الكثيرات من الحصول على أحلامهن الوظيفية في الدولة البيروقراطية أو القطاع الخاص، فببساطة لا توجد فرص كافية في هذا الاقتصاد الذي فشل في توفير وظائف كافية للرجال والنساء.
ونتيجة لذلك؛ فإن الكثير من النساء داخل البلاد يلتزمن الصمت إزاء اعتقال هؤلاء الناشطات بعد أن استفدن من نضالهن ومعاناتهن، وفي يوم المرأة العالمي سيتذكر السعوديون المنفيون في جميع أنحاء العالم الهذلول ورفيقاتها.
سوف يقومون بضم جهودهن للضغط في وسائل الإعلام على النظام الذي يتلقى دعمًا غربيًا رغم جريمة اغتيال خاشقجي، وحملة الاعتقالات الواسعة التي تقضي على أي نشاط مدني، لقد أدى القمع المتزايد إلى واحدة من أفظع الجرائم في القنصلية السعودية بإسطنبول، وما زال القتل داخل السجون السعودية غير موثق.
والآن تتعرض أجساد النساء السعوديات للانتهاك وتهين أقاربهن الذكور في ثقافة يرتبط فيها الشرف بالمرأة، إن تعذيب الهذلول عار على كل رجال السعودية الذين فشلوا في تدشين حملة لإطلاق سراحها.
المصدر: ميدل إيست آي