في قرار مفاجئ ودون سابق إنذار، استيقظ آلاف التجار المتعاملين مع منصة “أمازون” للتجارة الإلكترونية على رسالة مفادها أن الشركة لم تعد تقدم طلبات لمنتجاتهم المعتاد الترويج لها عبر المنصة، بل وصل الأمر أنه تم إغلاق بعض حسابات التجار والشركات من على الموقع.
تساؤلات عدة أثارتها تلك الخطوة غير المبررة من العديد من التجار الذين وجدوا أنفسهم في حيرة من أمرهم بشأن الدوافع الحقيقية لتلك الرسالة التي ربما تضع ثرواتهم ومستقبلهم المالي في مهب الريح، هذا في الوقت الذي لم تقدم فيه المنصة أسباب مقنعة بشأن ما قامت به.
الشركة التي تبيع ما يزيد على 426 سلعة في الثانية الواحدة متصدرة بذلك سوق التجارة الإلكترونية بقيمة تتجاوز 450 مليار دولار، بهذا القرار المفاجئ، دفعت بين عشية وضحاها إلى تصاعد بورصة التكهنات بشأن ما تحمله تلك الرسالة من دلالات ومؤشرات ربما تؤثر مستقبلاً على عملاق التجارة الإلكترونية وخريطة عملائها.
مكافحة التزييف
تباينت ردود الفعل بشأن تفسير هذه الخطوة المفاجئة، حيث نقل موقع “ريكود” المعني بشؤون التقنية عن بعض المحللين على رأسهم إيمون كيلي من معهد إيدجووتر للأبحاث، أن توقيت هذه الإجراءات ربما يرتبط بمبادرة لمكافحة التزييف، حيث نشرت أمازون الأسبوع الماضي عدة أدوات تستهدف المنتجات المقلدة على منصتها.
كيلي قبل عدة أيام كان قد كتب في مذكرة بحثية لعملاء الشركة الاستثماريين: “يشير عملنا إلى أن العامل المحفز لبدء هذه العملية كان نتيجة لمراجعة قانونية واضحة تتعلق بالمنتجات المقلدة”، وهو ما يعززه البيان الصادر عن الشركة الذي قالت فيه: “نراجع بانتظام علاقات شركائنا في البيع، وقد نجري تغييرات عندما نرى فرصة لتزويد العملاء بخيارات محسنة وقيّمة وملائمة”.
هذا التحرك الغامض والمفاجئ ينسف وبشكل كبير فكرة الثبات في قطاع التجارة الإلكترونية بصورة عامة، كما أنه يعد خير مثال على كيف أن ثروات العلامات التجارية والتجار على منصة أمازون يمكن أن تتغير في لحظة
وفي المقابل يبدو أن هذا المبرر لم يكن مقنعًا لآخرين، إذ تركت تلك الخطوة بعض البائعين يترنحون ويبحثون عن إجابات لسبب تغيّر أعمالهم مع أمازون جذريًا بين عشية وضحاها، بل إنه وفق بعض الأحوال تم إخبار عدد من البائعين العارضين لمنتجاتهم على المنصة أن الشركة لن تضع طلباتها الأسبوعية لمنتجاتهم كما تفعل عادة.
وفي حالات أخرى، أوعزت الشركة لهم بأنهم إذا أرادوا الاستمرار في بيع منتجاتهم على المنصة، فعليهم إعداد “حساب بائع” حيث يبيعون البضائع مباشرة إلى عملاء أمازون، بدلاً من الشركة نفسها، الأمر الذي زاد من وتيرة الغموض، غير أن بعض الردود التي تلقاها التجار من ممثلي الشركة توفر إجابات محتملة، فقد تلقى أحد عملاء “آيدوكليك” – وهي وكالة تساعد العلامات التجارية في البيع والترويج على أمازون – ردًا من أحد ممثلي أمازون أشار إلى أن هذه الخطوة تكون مرتبطة بمسألة الربحية، ويُعتقد على نطاق واسع أن المنصة تحقق أرباحًا على البضائع التي تباع لعملائها مباشرة من تجار أطراف ثالثة، أكثر مما تحققه عندما تشتري هي البضائع ثم تبيعها بنفسها.
تخوفات من آلاف التجار بشأن مبيعاتهم على المنصة
لا شيء ثابت
على كل حال، وبصرف النظر عن التفسيرات المختلفة لما حدث، فإن هذا التحرك الغامض والمفاجئ ينسف وبشكل كبير فكرة الثبات في قطاع التجارة الإلكترونية بصورة عامة، كما أنه يعد خير مثال على كيف أن ثروات العلامات التجارية والتجار على منصة أمازون يمكن أن تتغير في لحظة وهو ما يجهض مفهوم الأمان الذي كان يؤمن له المتعاملون معها.
وفي السياق ذاته قال مسؤولون تنفيذيون في الشركة إن ما يقرب من 25% من عملاء “آيدوكليك” المتعاملين بالبيع مع المنصة تأثروا بصورة كبيرة بسبب تلك القرارات، وهناك مؤشرات تذهب إلى خسائر كبيرة ربما يحققها التجار من وراء هذه الخطوة بحسب موقع “ريكود”.
من جهتها قالت أندريا لي، مديرة تنفيذية سابقة في أمازون ، إن بعض زبائن الشركة كانوا سعداءً بأن لديهم الآن الحرية في البيع مباشرة إلى المتسوقين بدلاً من المنصة نفسها، لكن الطبيعة المفاجئة للتغيرات، مع عدم وجود أي إنذار مسبق وتفسيرات بسيطة بعد ذلك، كانت مثيرة للقلق”.
يذكر أنه رغم أن البيع مباشرة للمتسوقين على أمازون يمكن أن يمنح العلامات التجارية مزيدًا من التحكم في التسعير والوصول إلى المزيد من البيانات، فإنه في المقابل يتطلب أيضًا مستوى من الخبرة لا يمتلكه بعض التجار، كما أن الباعة على المتجر يضطرون عادة إلى دفع رسوم للشركة مقابل تخزين وشحن منتجاتهم إذا أرادوا أن تكون متاحة لخدمة الشحن السريع “أمازون برايم”.
تنوعت أمازون في خدماتها المقدمة لتشمل غالبية المنتجات المعروضة عالميًا
عملاق التجارة الإلكترونية
تعد شركة أمازون الأمريكية التي تأسست في الـ5 من يوليو 1994، بولاية واشنطن، على يد جيف بيزوس، عملاق التجارة الإلكترونية بلا منازع.
تنوعت الخدمات التي تقدمها الشركة من بيع الكتب إلى تقديم آلاف السلع في صناعات متعددة كالملابس والإلكترونيات والسلع الرياضية ومواد التجميل وغيرها، وليس لها مكان على أرض الواقع، لكن لها مخازن تحفظ فيها السلع حتى إرسالها إلى أصحابها على عناوين منازلهم أو عناوين مكاتب شركات الشحن.
وتعد خدمة “برايم” التي يمكن الاشتراك فيها مقابل مئة دولار رسومًا سنوية، وعنصرًا رئيسيًا في إستراتيجية الشركة للهيمنة على عالم التجارة الإلكترونية، وقد كتب مؤسس أمازون ورئيسها التنفيذي في خطابه السنوي للمساهمين في أبريل/نيسان 2016 أن برايم أصبحت وسيلة للوفاء بكل احتياجات المتسوقين المادية والرقمية، وقال إنه يريد أن تكون “برايم” صفقة مغرية إلى درجة يصبح معها عدم الاشتراك تصرفًا “غير مسؤول”.
توقع محللون أن تبلغ مبيعات الشركة في الربع الأول من 2019 بين 56 مليار دولار و60 مليار دولار، وهو ما يشكل ارتفاعًا بـ10%-18% مقارنة بالربع الأول من 2018
الأرباح التي تحققها الشركة فاقت وبشكل كبير توقعات وول ستريت، إذ حققت أرباحًا في الأشهر الثلاث الأخيرة من 2018، بلغت 72.4 مليار دولار، علمًا أن الأشهر الثلاث الأخيرة من العام (الربع الرابع) هي عادة الأكثر تحقيقًا للأرباح لأمازون لأنها تشهد موسم الأعياد والتنزيلات التي ترتفع فيها المبيعات، الأمر الذي ساهم في ارتفاع سهم الشركة 3% بعد ذلك.
وتوقع محللون أن تبلغ مبيعات الشركة في الربع الأول من 2019 بين 56 مليار دولار و60 مليار دولار، وهو ما يشكل ارتفاعًا بـ10%-18% مقارنة بالربع الأول من 2018، وبذلك، يتوقع المحللون أرباحًا تتراوح بين 2.3 مليار دولار و3.3 مليار دولار في الربع الأول.
حالة من البلبلة فرضتها تحركات أمازون الأخيرة ربما تحدث هزة كبيرة بين أوساط التجار المتعاملين معها، خاصة أن القرار جاء بصورة غير متوقعة، ودون سابق إنذار، ما يتوقع أن يتسبب في إحداث خسائر لكثير منهم، وهو الأمر الذي ربما يدفع إلى البحث عن نوافذ بديلة إن لم تتدارك الشركة ما حدث وتقدم تفسيرًا منطقيًا ومقبولاً للجميع.