بعد أسبوعين على معركة الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوز الرئيس محمد بخاري بفترة ثانية خلال الانتخابات التي جرت في منتصف فبراير الماضي هاهم النيجريين على موعد مع ماراثون انتخابي جديد، حيث يتوجهون اليوم إلى صناديق الاقتراع لاختيار 29 من حكام الولايات البالغ عددها 36 ولاية.
تحتل تلك الانتخابات أهميتها كون المرشحين على رئاسة تلك الولايات هم الأكثر نفوذا والأعلى سيطرة على ميزانيات الدولة التي تعاني من أوضاع اقتصادية متردية لاسيما في السنوات الأخيرة، وهو ما يعزز دور الأسماء التي يفرزها المشهد الانتخابي في رسم الخارطة السياسية للدولة خلال السنوات القادمة.
العديد من التحديات تواجه الملايين من الشعب النيجيري لإنجاح هذا الاستحقاق الذي يترقبه الجميع، داخل البلاد وفي محيطها الخارجي، في الوقت الذي تعاني فيه المنظومة الأمنية من أزمات إثر تعزيز الجماعات المسلحة لنشاطها الملحوظ وهو ما تكشف بشكل كبير خلال الانتخابات الرئاسية.
يذكر أن بخاري (76 عاما) الذي ينتمي لحزب مؤتمر كل التقدميين قد فاز على عتيق أبو بكر عضو حزب الشعب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة التي جرت الشهر الماضي بحصوله على 15.2 مليون صوت مقابل 11.3 مليون صوت لمنافسه على الرغم من أن نسبة الإقبال كانت 35.6 في المئة فقط.
التخوفات الأمنية
وبالتزامن مع هذه الانتخابات تزداد المخاوف الأمنية من وقوع حوادث في التجمعات السياسية، والتي عادة ما تكون مزدحمة خاصة بعد سلسلة حوادث دامية شهدتها البلاد مؤخرا في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي وصفت بـ “الدامية” الأمر الذي أقلق الكثير من المراقبين بشأن تكرار ذات السيناريو.
وبحسب الجماعات التي راقبت العملية الانتخابية فإن هناك ما يزيد عن 260 شخصاً قُتلوا منذ بدء الحملة الانتخابية في أكتوبر الماضي، منهم 47 في الانتخابات التي أجريت يوم الانتخابات فقط، وهو ما تنسحب آثاره على الانتخابات التي ستجرى اليوم لاسيما بعد تهديدات بعض المسلحين بشن هجمات واستهداف مواطنين وسياسيين.
ففي بلد يقبع فيه 87 مليون نسمة من سكانها تحت خط الفقر، وينهش عظامه غياب الاستقرار الأمني والسياسي بينما يغرق الغالبية العظمى في مستنقع العوز والجوع، لاشك وأنه سيكون أرضا خصبة لنمو الفساد بشتى أنواعه
وكانت مفوضية الانتخابات في نيجيريا قد قررت تأجيل العملية الانتخابية لمدة أسبوع، وبررت ذلك بأسباب لوجستية، إلا أن الأمر كان صادما لكثير من النيجيريين الذين وصلت أعداد منهم بالفعل إلى مكاتب التصويت، قبل أن يتفاجؤوا بخبر التأجيل الذي اعتبر البعض في نيجيريا أن الهدف منه ربما يكون التلاعب بالانتخابات، بينما أكدت المفوضية أن الهدف منه ضمان اقتراع حر ونزيه.
ويذكر أن أكثر من 27 ألف شخص قتلوا في شمال شرق نيجيريا منذ بداية تمرد بوكو حرام في 2009. وأدى التمرد إلى نزوح نحو مليوني شخص وتسبب بأزمة إنسانية مع تمدد النزاع إلى الدول المحاذية لشمال نيجيريا.
260 شخصا قتلوا في أعمال عنف خلال الانتخابات الرئاسية فبراير الماضي
شراء الأصوات
في العام 2015 وُصفت نيجيريا التي يبلغ عدد سكانها 190 مليون نسمة بأنها نموذج للديمقراطية، لكن يبدوا أن هذا الوصف فقد كثيرًا من قيمته على خلفية الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد والتي جعلت عملية شراء الأصوات وتفشي المال السياسي التهديد الأكبر للانتخابات الحالية.
ففي بلد يقبع فيه 87 مليون نسمة من سكانها تحت خط الفقر، وينهش عظامه غياب الاستقرار الأمني والسياسي بينما يغرق الغالبية العظمى في مستنقع العوز والجوع، لاشك وأنه سيكون أرضا خصبة لنمو الفساد بشتى أنواعه، على رأسه الفساد السياسي، الأمر الذي دفع أحد عناصر الشرطة للتعليق على تلك الوضعية بقوله ” ألا تعرفون ما يمكن أن يفعله الناس من أجل كيس من الأرز؟”.
تعد عملية شراء الأصوات من المظاهر الشائعة في نيجيريا خلال السنوات الأخيرة، إذ يتم شراء الصوت ببضعة ألاف من النايرات (عملة نيجيريا المحلية) ما يوزاي تقريبًا بين 2و5 يورو للصوت
وأضاف الشرطي خلال تصريحات نقلها “فرانس 24” أن “واجبكم هو التأكد من أنهم يستطيعون اختيار مرشحهم بحرية وبدون ضغوط وبدون أن يكشفوا لمن صوتوا، عبر التقاط صور لهم معه مثلا بهواتفهم النقالة”.
وتعد عملية شراء الأصوات من المظاهر الشائعة في نيجيريا خلال السنوات الأخيرة، إذ يتم شراء الصوت ببضعة ألاف من النايرات (عملة نيجيريا المحلية) ما يوزاي تقريبًا بين 2و5 يورو للصوت، وقد عبر أحد أعضاء مفوضية الانتخابات في إحدى ولايات الدولة عن أسفه “لأن كل السياسيين يفعلون ذلك”، وأضاف “إنهم لا يكشفون فورا لكن بعد إعلان النتائج من يخسر يذهب ليتشكى من ممارسات الآخرين”.
أما هسا، النيجيرية التي تعمل خياطة في مدينة كانو فتميل إلى أن تكون أكثر براغماتية، فإلى جانب صلاتها، لا ترفض أن تتلقى نبلغا صغيرا، مضيفة “يقدمون لي المال وسآخذه..انها ليست جريمة لأنه في كل الأحوال مالنا وكل ما يفعلونه هو أنهم يعيدونه لنا”، حسبما نقل الموقع الفرنسي.
الرئيس النيجيري محمد بخاري
شكوك وتعهدات
الدور المحوري لنيجيريا إفريقيا، كونها البلد الأكبر من حيث عدد السكان والنزاع العرقي، فضلًا على أنها تعد لاعبًا رئيسيًا في سوق النفط العالمية، ومن ثم باتت محل اهتمام وترقب المراقبين المحليين والدوليين على ضمان نزاهة العملية الانتخابية لتجنيب البلاد ومنطقة غرب أفريقيا مخاطر أمنية جمة.
وبالعودة للانتخابات الرئاسية التي فاز فيها بخاري للمرة الثانية، بفارق نحو خمسة ملايين صوت، فإن مرشح المعارضة عتيق أبوبكر رفض الاعتراف بتلك النتيجة مدعيًا حصول تزوير، كاشفا عبر تدوينة له على جدار صفحته الرسمية في فيسبوك: “لن أعترف بهذه الانتخابات”، معتبرًا أن الديمقراطية لن تكون عاجزة في نيجيريا، مشيرًا إلى ما وصفها بمخالفات واضحة ومتعمدة تلغي النتائج التي أعلن عنها.
شريحة ليست بالقليلة من النيجيريين يشككون بجانب نتائج العملية الانتخابية في مدى إمكانية تحقيق الوعود التي قطعها المرشحون على أنفسهم
المرشح الخاسر في الانتخابات اعتبر أن إضفاء الطابع العسكري على العملية الانتخابية يسيء إلى الديمقراطية، ويقود إلى الارتداد إلى عصر الدكتاتورية العسكرية، داعيًا النيجيريين إلى استدعاء الشجاعة للدفاع عن الديمقراطية، وقال إن ذلك هو “الطريق الوحيد الذي يمكننا أن نتحرك فيه بعيدًا عن كوننا المقر العالمي للفقر المدقع” على حد وصفه.
شريحة ليست بالقليلة من النيجيريين يشككون بجانب نتائج العملية الانتخابية في مدى إمكانية تحقيق الوعود التي قطعها المرشحون على أنفسهم، لافتين إلى أنها ليست المرة الاولى التي يقطع المتنافسون مثل تلك التعهدات.
ويتصدر التهديد الأمني الذي تمثله جماعة بوكو حرام التي تنشط في المناطق الشمالية الشرقية لنيجيريا قائمة التحديات التي تواجه البلاد، فيما يأتي إنعاش الاقتصاد المتعثر الذي نما العام الماضي بنسبة 1.9% فقط في المرتبة الثانية، بينما يحل مكافحة الفساد الذي يكلف الدولة مليارات الدولارات ثالثًا في قائمة التحديات