في كل مرة تتوالى فيها تحذيرات التقارير الدولية من شبح المجاعة في قطاع غزة، تلجأ الإدارة الأمريكية إلى تذكير “إسرائيل” بالتزامها بالقانون الدولي، وتطالبها بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء القطاع المحاصر.
وفي 13 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وُجّهت رسالة إلى “إسرائيل” حددت قائمة بإجراءات معيّنه يتعيّن عليها اتخاذها خلال 30 يومًا، لتحسين الوضع الإنساني المتدهور في غزة، لكن إلى أي مدى امتثلت “إسرائيل” للمطالب الأمريكية بعد انتهاء هذه المهلة؟
لا شيء تغيّر على الأرض
في الرسالة التي ترقى ظاهريًا إلى أقوى تحذير أمريكي مكتوب، طلبت واشنطن تعزيز وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وهدّدت بأن عدم اتخاذ إجراءات لتحسين الوضع من شأنه أن يؤثر في السياسات الأمريكية، وقد يكون له تبعات محتملة على المساعدات العسكرية الأمريكية، التي تعتبر الولايات المتحدة مصدرها الأول للاحتلال عمومًا، وفي عدوانها المستمر على الفلسطينيين خصوصًا.
الرسالة الموجهة إلى وزيرَي الدفاع الإسرائيلي آنذاك يوآف غالانت والشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، والممهورة بتوقيع وزيرَي الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والدفاع لويد أوستن، جاءت في وقت تتعالى فيه نداءات استغاثة لإنقاذ سكان شمال غزة من وضع كارثي وغير مسبوق، يكثّف خلاله الاحتلال الغارات وإطلاق النار وتدمير وحرق المنازل، ويمنع دخول الأغذية والأدوية.
- انخفض عدد الشاحنات المحملة بالمساعدات والسلع التجارية التي تصل إلى أهل غزة.
لكن هذه لم تكن الرسالة الأولى لـ”إسرائيل”، فقبل أكثر من 9 أشهر، طلب التزام مكتوب بهدف ضمان “إسرائيل” لمذكرة الأمن القومي التي تنطبق على جميع متلقي المساعدات الأمريكية، وأصدرها الرئيس الأمريكي جو بايدن في فبراير/ شباط 2024.
وطالبت المذكرة بتقديم ضمانات بعدم استخدام الأسلحة الأمريكية في انتهاك حقوق الإنسان، أو تقييد المساعدات الإنسانية في المناطق التي تستخدَم فيها الأسلحة الأمريكية، حيث إن الفشل في الالتزام بشروط المذكرة يضع إدارة جو بايدن في موقف انتهاك القانون الأمريكي، ما يعرّض استمرار شحنات الأسلحة الهجومية إلى المعنيين للخطر.
ومنذ صدور هذه المذكرة، قيّدت “إسرائيل تدفق المساعدات الإنسانية، وانخفض عدد الشاحنات المحملة بالمساعدات والسلع التجارية التي تصل إلى أهل غزة بنسبة تزيد عن 50% رغم الحاجة الماسّة إليها، وكان ما دخل منها إلى القطاع خلال سبتمبر/ أيلول 2024 أدنى مستوى شهري خلال العام الماضي.
وكما لم تلتزم “إسرائيل” بالمذكرة السابقة، فشلت في الوفاء بالتزاماتها بمطالب الإدارة الأمريكية بشأن المساعدات المقدمة لغزة، كما تفاقم الوضع إلى حد أدى إلى نزوح 80% من السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، وتدمير أكثر من ثلثي المباني أو تضررها خلال أكثر من 13 شهرًا من الحرب، إلى حدّ أن هجماتها لم تقتل المدنيين الذين يطلبون المساعدة فحسب، بل تدمّر البنية الأساسية التي كانت تتلقى المساعدات وتسهر على توزيعها.
وقبل أيام من رسالة الولايات المتحدة، بدأت قوات الاحتلال إبادة متواصلة في الشمال، وحصدت أرواح أكثر من 1800 شهيد في أقل من 30 يومًا في مجازر شبه يومية في مختلف أنحاء القطاع، وخصوصًا في الشمال، حيث يوسع الاحتلال عملياته، ويحاصر المستشفيات والملاجئ، ويجبر الغزيين على النزوح تحت وطأة القصف والتجويع.
من سيّئ إلى أسوأ
على مدار 30 يومًا، وصلت المساعدات إلى أقل مستوياتها منذ شهور، في ظل تهجير مستمر تحت القصف لإفراغ شمال غزة، تطبيقًا لـ”خطة الجنرالات” بتهجير سكان المنطقة إلى الجنوب ثم فرض حصار كامل على الشمال، بما في ذلك منع الإمدادات والمساعدات الغذائية والماء والوقود واستخدام التجويع وسيلة ضغط للتهجير.
وفي الأسبوع الماضي، حذّرت لجنة من خبراء الأمن الغذائي العالمي من احتمال قوي بأن المجاعة وشيكة في مناطق شمال غزة، ووصفت الأمم المتحدة الوضع في شمال القطاع بـ”الكارثي”، وأشارت إلى أن الشهر الماضي شهد وقوع 64 هجومًا على المدارس التي تحولت إلى ملاجئ، بمعدل هجومَين يوميًا، ما أدّى إلى استشهاد الكثيرين من بينهم أطفال.
وما زال الوصول الإنساني إلى المناطق المحاصرة في الشمال محدودًا للغاية منذ أكثر من شهر، فنحو مليون و700 ألف شخص في أنحاء غزة لم يتلقوا حصصهم الغذائية الشهرية خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول، وزاد سوء التغذية الحاد بـ 10 مرات عمّا كان عليه قبل الحرب.
وباعتراف الجهات الإسرائيلية المعنية نفسها، انخفضت كمية المساعدات التي تصل إلى غزة إلى أدنى مستوى في 11 شهرًا، وأظهرت أرقام رسمية أن 26 ألفًا و399 طنًّا فقط من المساعدات الغذائية دخلت غزة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مقارنة بـ 87 ألفًا و445 طنًّا في سبتمبر/ أيلول، وبمتوسط 95 ألفًا و513 طنًّا سمح بدخولها كل شهر خلال هذا العام، ما يعني أن هذا أقل من أي شهر كامل منذ ديسمبر/ كانون الأول 2023.
- انخفضت كمية المساعدات التي تصل إلى غزة إلى أدنى مستوى منذ ديسمبر/ كانون الأول 2023.
ومع أن البيانات تشير إلى أن معبر كرم أبوسالم كان مغلقًا لأكثر من نصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول، خلال الأعياد اليهودية والرسمية، تدّعي الأرقام الواردة السماح لـ 57 شاحنة يوميًا بالعبور إلى غزة بالمتوسط في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهو أقل بكثير من 350 شاحنة يوميًا طالبت بها الولايات المتحدة، و600 شاحنة يوميًا تقول وكالات الإغاثة إنها ضرورية لتلبية الاحتياجات الأساسية، لكن ذلك لا يعني وصولها بالضرورة إلى أهالي القطاع.
كما أن التنسيق مع السلطات العسكرية الإسرائيلية شاقّ ويستغرق وقتًا طويلًا، ويتم رفض العديد من طلبات القوافل، فخلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تؤكد الأمم المتحدة أن 85% من طلبات المساعدات إلى غزة قد رُفضت أو عُرقلت من قبل السلطات الإسرائيلية، إذ سُمح بمرور 15 طلبًا فقط من أصل 98، لكنها قوبلت بعد ذلك بالعوائق.
وأوضحت المنظمة الدولية أن الأوضاع في شمال القطاع وصلت إلى التصنيف الخامس، وهو الأخطر في الأمن الغذائي، حيث يعاني السكان من صعوبة شديدة في الوصول إلى الغذاء والماء في ظل ارتفاع أسعار الغاز والوقود بنسب صادمة بلغت 2612% و1315% على التوالي، بسبب ندرتها.
وتعاني المنظمات الإنسانية أيضًا من نقص السائقين ومعدّات الاتصالات والحماية وغير ذلك الكثير، ومنذ مايو/ أيار الماضي لم تتم الموافقة إلا على 10 طلبات البالغ عددها أكثر من 300 طلب، والمقدمة إلى مكتب منسق الحكومة الإسرائيلية في المناطق، الذراع العسكرية الإسرائيلية التي تشرف على شحنات المساعدات إلى غزة، لإصدار تصاريح للسائقين.
وفي حين تتركز الأزمة الأكثر حدّة في أقصى شمال غزة، حيث تخضع بلدات جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا لحصار دام شهرًا كاملًا، تمنع سلطات الاحتلال وصول المساعدات إلى هذه المناطق، وبحسب المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوغاريك، مُنعت 6 محاولات لتوصيل مساعدات منقذة للحياة إلى هذه المناطق المحاصرة، ويقول: “قدمنا 4 طلبات إضافية إلى السلطات الإسرائيلية لتوصيل الغذاء والماء، وتوفير خدمات حماية ودعم نفسي واجتماعي للأطفال في تلك المناطق، لكنها قوبلت بالرفض”.
وبذلك تكون “إسرائيل” قد أثبتت وبشكل عملي أنها لا تعطي أي اهتمام للرسالة أو التحذير الأمريكي، وبرهنت على مصداقية الاتهامات التي تواجهها منذ بداية الحرب، بمخطط تصفية القضية الفلسطينية وتوظيفها المساعدات كتكتيك حربي، والتجويع كسلاح عنصري يتجاوز ترسانة القوانين الدولية.
“ازدواجية واشنطن
في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، أي في منتصف المهلة الأمريكية، أطلقت “إسرائيل” رصاصة الموت على منظومة المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في غزة وخارجها، عندما أقرَّ الكنيست قانونًا يحظر عمل وكالة الأونروا داخل الأراضي المحتلة، في خطوة تهدد مستقبل الفلسطينيين الذين يعتمدون على خدمات الوكالة الأساسية في مجالات التعليم والرعاية الصحية، وتضع حياة أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين داخل غزة على قوائم الموت البطيء، وتقرّ طريقة جديدة لقتل الأطفال كما تقول منظمة اليونيسف، في مفارقة مشينة ترسّخ انتهاكات الاحتلال التي لا تتوقف ضد القانون الدولي وكافة المبادئ الإنسانية.
قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن إدارة الرئيس #جو_بايدن خلصت إلى أن #إسرائيل لا تعرقل حاليًا #المساعدات المقدمة لغزة، وبالتالي لا تنتهك القانون الأمريكي، لكن واشنطن أقرت بأن الوضع الإنساني ما يزال مترديًا في القطاع. pic.twitter.com/vO8XBuH8Xo
— BBC – نقطة حوار (@Nuqtat_Hewar) November 13, 2024
رغم كل ما سبق من انتهاكات ممنهجة لعرقلة دخول المساعدات إلى القطاع المحاصر، برّأت واشنطن “إسرائيل” من تجويع الغزيين، وجاء تقييم الخارجية الأمريكية للرد الإسرائيلي على طلباتها محاولًا إقناع العالم بالتزام تل أبيب بمطالبها، وقالت إن إدارة بايدن خلصت إلى أن “إسرائيل” لا تمنع المساعدات المقدمة لغزة، وبالتالي لا تنتهك القانون الأمريكي، الذي يتطلب قطع شحنات الأسلحة عن الدول التي تمنع تسليم المساعدات التي تدعمها أمريكا.
ورغم أن واشنطن أقرّت بأن الوضع الإنساني ما زال مترديًا في القطاع، إلا أنها لم تفعل الكثير لفرض طلباتها، بل تجاهلت وكالاتها التي خلصت سابقًا إلى أن “إسرائيل” تعمدت منع تسليم الغذاء والدواء إلى غزة، وكشفت حالات التدخل الإسرائيلي في جهود الإغاثة، بما في ذلك قتل عمال الإغاثة وهدم المنشآت الزراعية وقصف سيارات الإسعاف والمستشفيات، والاحتجاز في مستودعات الإمدادات، ورفض الشاحنات المحملة بالطعام والأدوية بشكل روتيني.
ورفض نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل، التعليق على تحسين الوضع الإنساني في غزة، وأعطى إجابات غامضة في البداية عندما سأله الصحفيون عمّا إذا كانت الإجراءات التي ذُكرت في الرسالة الأمريكية قد لُبّيت، وبدلًا من ذلك ادّعى أن “إسرائيل اتخذت خطوات لتلبية المطالب المنصوص عليها في الرسالة الشهر الماضي”، وأنه “لولا الولايات المتحدة فربما لم تكن هذه التغييرات لتحدث على الإطلاق”.
تصريحات المسؤولين الأمريكيين هذه أثارت انتقادات جهات مختلفة، حيث قالت 8 منظمات إغاثة دولية، من بينها أوكسفام وإنقاذ الطفل، إن “إسرائيل” لم تفشل في تلبية المعايير الأمريكية التي تشير إلى دعمها للاستجابة الإنسانية فحسب، بل اتخذت في الوقت نفسه إجراءات أدّت إلى تفاقم الوضع على الأرض بشكل كبير، وخاصة في شمال غزة، مشيرة إلى أن الوضع في القطاع اليوم أسوأ من أي وقت مضى منذ بداية الحرب.
وفي بيان أصدرته حركة حماس في وقت لاحق، قالت إن الادّعاءات الأمريكية تكذّبها الوقائع على الأرض، وتقارير مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، التي تؤكد وصول مناطق في غزة، وخصوصًا شمالي القطاع، إلى حافة المجاعة.
ومع ذلك، تنفي “إسرائيل” وحليفتها الأوثق الولايات المتحدة منع دخول المساعدات إلى غزة، وتنكر وجود مجاعة في غزة، وتدّعي أنها تستهدف عناصر حماس، وعندما يتعلق الأمر باتهامها بتجويع غزة لقتل أكبر عدد من الفلسطينيين، فإنها تفعل كما فعلت سابقًا، عندما ذرّت بعض الطحين في العيون لتخفي مشروعًا طويل الأمد يهدف إلى تهجير بقية السكان قسرًا من غزة.
وقبل انتهاء المهلة بيوم واحد، ادّعى جيش الاحتلال فتح معبر كيسوفيم، الواقع بين محافظتي دير البلح وسط القطاع وخان يونس في الجنوب، لنقل شاحنات المساعدات الإنسانية بعد أن يتم تفتيشها في معبر كرم أبو سالم، وشملت المساعدات -حسب الإدعاء الإسرائيلي- الغذاء والمياه والإمدادات الطبية ومعدّات المأوى، وتمّ توجيهها إلى وسط وجنوب قطاع غزة، دون أي حديث يذكر عن شمال القطاع الأكثر احتياجًا للمساعدات.
- يدّعي جيش الاحتلال فتح المعابر لنقل شاحنات المساعدات الإنسانية.
ويبدو أن هذه الاستجابة الإسرائيلية الخجولة لاقت استحسانًا أمريكيًا، فقد اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر أن “إسرائيل” أحرزت بعض التقدم بإعلانها عن فتح معبر جديد إلى وسط غزة والموافقة على طرق تسليم جديدة، لكنه كرّر حديث وزير الخارجية الأمريكي الذي طالب “إسرائيل” بالمزيد.
لكن ما يجهله المسؤولون الأمريكيون أن فتح طرق جديدة لا يعني بالضرورة أن المزيد من المساعدات الإنسانية ستمرُّ عبرها، وأن مرور المساعدات المحدودة عبر المعابر إلى قطاع غزة كما يدّعي جيش الاحتلال، لا يعني بالضرورة أنها ستصل إلى مستحقيها، فأمامها طريق طويل قبل تلك الخطوة.
وبات مؤخرًا احتمال ألّا تصل تلك المساعدات أكثر ترجيحًا مع ظهور جماعات تستولي على الشاحنات والبضائع، وتستفيد من تساهُل -إن لم يكن حماية- جيش الاحتلال مع عصابات مسلحة خارجة عن القانون في المناطق التي يسيطر عليها بشكل كامل، وفقًا لمذكرة داخلية للأمم المتحدة.
وتحدث تقرير مشترك لـ 29 منظمة دولية عن مشكلة نهب المساعدات تحت مرأى جيش الاحتلال، واعتبرها نتيجة لشحّ السلع الأساسية وإغلاق معظم نقاط العبور، ومنع الشرطة الفلسطينية والمدنيين وشركات الحراسة الخاصة من تأمين شاحنات المساعدات وسط تهديدات باستهدافها، واتهمت المنظمات جيش الاحتلال بالإخفاق في منع نهب شحنات المساعدات، ومنع العصابات المسلحة من ابتزاز المنظمات الإنسانية وسرقة المساعدات والبضائع وفرض أتاوات دون تدخل منه.
وفيما بدا أنه تنازل واضح آخر في اللحظة الأخيرة، ادّعت سلطات الاحتلال توسيع “المنطقة الإنسانية” المحددة، وإضافة مناطق داخلية يمكن أن تخفّف جزئيًا من الاكتظاظ الشديد، وتسمح لبعض النازحين بالابتعاد عن الساحل مع اقتراب فصل الشتاء، ومع ذلك يبدو أن “إسرائيل” تجاهلت معظم المطالب الواردة، فبعد ساعات فقط من إعلانها هذا، سجّلت تقارير استشهاد فلسطينيين داخل هذه المنطقة التي تعتبرها “إسرائيل” إنسانية آمنة في غزة.
“إسرائيل” فوق القانون الأمريكي
تقول “إسرائيل” إذًا ما تشاء، وتثبت الكاميرات وتوثق عكس ما تقوله في كل مرة، والوقائع على الأرض دائمًا واضحة، وتؤكد أنها تقيّد المساعدات عمدًا وتمنع تسليمها وتتعمّد تأخيرها، فقد أدت نقاط التفتيش والأضرار التي لحقت بالطرق وانعدام التنسيق وغياب القانون بشكل عام، إلى ترك مئات الشاحنات عالقة على الحدود، وتأخير توزيع المساعدات وتفاقم أزمة الجوع، بينما يتهم المسؤولون الإسرائيليون الوكالات الإنسانية بالفشل في تنظيم توزيعها، ويدّعي منسق الحكومة الإسرائيلية أن مئات الشاحنات التي تحمل المساعدات كانت لا تزال على الجانب الغزي من معبر كرم أبو سالم، لكن لم يكن هناك أحد يأخذها.
لكن لا يبدو أن هذا يهمّ واشنطن التي اتخذت منذ بدء العدوان على غزة قرارًا سياسيًا بدعم “إسرائيل” دعمًا مطلقًا، وبالتأكيد لا يهمّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته، التي جاءتها هذه الرسالة قبل أسابيع فقط من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبالتأكيد فإن صاحبَي الرسالة الوزيرَين بلينكن وأوستن أصبحا خارج الخدمة نظريًا بعد انتهاء المهلة أصلًا.
وفي الوقت الذي يبدو فيه سياق الإجراءات الأمريكية العقابية غير واضح حتى اليوم، رأى مراقبون قبل أيام قليلة من انتهاء المهلة الأمريكية بحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية أن هذه الإجراءات يمكن أن تتضمن وقف إرسال الذخيرة، أو حتى عدم استخدام حق النقض ضد أي قرارات تتخذها الأمم المتحدة بشأن “إسرائيل”، ما يشكّل ضغطًا على تل أبيب.
لكن سرعان ما بدا بعد انتهاء مهلة الـ 30 يومًا أن “إسرائيل” فوق القانون الأمريكي، فقد تراجعت واشنطن عن التهديد بشأن الظروف في غزة، وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها لن تفرض عقوبات على “إسرائيل”، ولا تخطط لتقليص مساعدات الأسلحة رغم الظروف المزرية في غزة، وعدم تمكنها من تحسين الوضع الإنساني بشكل كبير في القطاع الذي دمّرته آلتها العسكرية.
ومع استمرار تجاهل “إسرائيل” للمطالب الدولية، يبدو أن واشنطن ستستمر في تقييم مدى التزام “إسرائيل” بالقانون الأمريكي، خاصة مع وصول دونالد ترامب وفريقه الموالي لـ”إسرائيل” إلى البيت الأبيض، بينما تصبح البطون الفارغة سمة سائدة، ويزداد شبح المجاعة الذي يهدد حياة آلاف العائلات المحاصرة في القطاع وسط نقص الغذاء والماء، في ظل غياب حلول جذرية وإجراءات إنسانية فعّالة.