ترجمة وتحرير: نون بوست
إن أوروبا كانت تكافح منذ سنوات للحد من عدد المهاجرين غير المصرح لهم بالدخول عن طريق البر والبحر؛ حيث تبنت سياسات متشددة بشكل متزايد. ويبدو أن هذه التحركات بدأت تؤتي ثمارها الآن، حيث انخفضت أعداد المهاجرين الذين يعبرون إلى دول الاتحاد الأوروبي بشكل كبير مقارنة بالمستويات المرتفعة التي تم تسجيلها السنة الماضية.
ولكن على الرغم من الانخفاض في أعداد المهاجرين الوافدين، إلا أن المشاعر المعادية للمهاجرين في ازدياد، حيث يتبنى القادة أو يفكرون في تبني سياسات أكثر قسوة كان من المحتمل أن تتردد الأحزاب السياسية الرئيسية في دعمها قبل بضع سنوات فقط.
وكما هو الحال في الولايات المتحدة، فإن الانخفاض الحاد في عدد المعابر الحدودية لم يفعل الكثير لتقليل الفاعلية السياسية للقضية.
وفي إيطاليا، تحاول جيورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء، إرسال المهاجرين الذين تم إنقاذهم في البحر الأبيض المتوسط إلى ألبانيا. أما ألمانيا، وهي واحدة من أكثر الدول ترحيبًا بالمهاجرين خلال موجة الهجرة في سنة 2015، وسعت نطاق دورياتها لتشمل جميع حدودها البرية. وتخطط بولندا لإدخال تشريع لتعليق حق الوافدين الجدد في طلب اللجوء بشكل مؤقت.
وكان الدافع وراء هذه الإجراءات الصارمة جزئيًا الأحزاب المعادية للأجانب والمناهضة للمهاجرين، والتي لعبت على المخاوف من الهجرة غير المنضبطة وتهديد الهوية الوطنية. وتزداد هذه الحجج قبولًا أكثر لدى الأوروبيين الذين يشعرون بالقلق من أن تدفق المهاجرين لا يمكن السيطرة عليه ويشعرون بالإحباط لأن حوالي 80 بالمائة من طالبي اللجوء الذين فشلوا في الحصول عليه لا يغادرون أبدًا، وفقًا لبيانات الاتحاد الأوروبي.
ولاحظ قادة هذه الأحزاب، الذين يواجه بعضهم انتخابات، ذلك. ففي ألمانيا، يضغط الحزب المسيحي الديمقراطي – حزب المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، التي رحبت بالمهاجرين في سنة 2015 – بقوة من أجل اتخاذ تدابير أكثر صرامة للسيطرة على الهجرة غير الشرعية، وهو الحزب الذي يتصدر استطلاعات الرأي.
وقالت سوزي دينيسون، زميلة كبيرة في مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي في باريس: “اليمين المتطرف أصبح التيار الرئيسي عندما يتعلق الأمر بالهجرة الآن”.
كيف تبدو الإجراءات الأكثر صرامة؟
لقد جربت أوروبا العديد من الأساليب على مر السنين للحد من وصول المهاجرين غير المصرح لهم من الوصول، بما في ذلك البرامج المثيرة للجدل التي دفعت دولاً مثل ليبيا وتركيا لوقف إرسال قوارب متهالكة إلى البحر.
واعتبرت تدابير أخرى إما قاسية للغاية أو غير قانونية. وخلص تقرير الاتحاد الأوروبي لسنة 2018 الذي يحدد الخيارات المتاحة إلى أن إرسال طالبي اللجوء إلى دول ثالثة دون النظر في طلباتهم غير مسموح به بموجب الاتحاد الأوروبي والقانون الدولي.
وكان ذلك دليلاً على مدى تحول النقاش نحو اليمين عندما أشادت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بخطة إيطاليا لإرسال المهاجرين إلى ألبانيا باعتبارها “تفكيرًا مبتكرًا”. ووفقًا لخطة ميلوني، سيتم فحص المهاجرين في ألبانيا وسيبقون في مراكز احتجاز أثناء انتظارهم البت في طلبات اللجوء الخاصة بهم.
وقد تم تعليق هذه الخطة من قبل محكمة إيطالية والتي شككت في إمكانية احتجاز طالبي اللجوء القادمين من دول قد تكون غير آمنة في ألبانيا.
أما الأفكار الأخرى التي طرحها القادة الأوروبيون فتتضمن دفع أموال لبلدان من خارج الاتحاد الأوروبي للنظر في طلبات اللجوء وتحمل مسؤولية ترحيل من تُرفض طلباتهم، وشككت منظمات حقوق الإنسان في شرعية مثل هذه البرامج.
وحاولت بريطانيا دون جدوى اتباع نهج أكثر تطرفًا، حيث حاولت إرسال طالبي اللجوء إلى رواندا للنظر في طلباتهم وإعادة توطينهم. وحتى أولئك الذين تم قبول طلباتهم لم يُسمح لهم بالاستقرار في بريطانيا، وقضت المحكمة العليا في البلاد بعدم قانونية هذه السياسة.
وتقوم دول أخرى، بما في ذلك بولندا وهولندا، مثل ألمانيا، بتشديد الرقابة على الحدود.
ويبدو أن عمليات التفتيش الحدودية المتزايدة هذه تُحدث فرقًا، ويبدو أن لها تأثير مشابه لتأثير الدومينو.
ففي صباح أحد الأيام الأخيرة في بلدة غورليتس الألمانية الواقعة على الحدود البولندية، كانت الشرطة تجري عمليات تفتيش عشوائية على الأشخاص الذين يعبرون إلى ألمانيا بالسيارات والحافلات فوق اثنين من الجسور الرئيسية التي تمتد على نهر نايسه، وتطلب منهم رؤية هوياتهم.
وقال مايكل إنغلر، وهو ضابط في الشرطة الألمانية الفيدرالية، إن زملاءه يوقفون الآن عادةً حوالي 6 من المهاجرين غير المصرح لهم يوميًا، مقارنة بحوالي 250 مهاجر في أكتوبر/ تشرين الأول من السنة الماضية، مرجعًا ذلك إلى أن عددًا أقل من المهاجرين يصلون إلى تلك النقطة، لأن بولندا – الواقعة على الأطراف الخارجية للاتحاد الأوروبي – تشدد من رقابتها على حدودها.
ما الذي يدفع رد الفعل المعادي للمهاجرين؟
أحد الأسباب هو الأعداد الهائلة للمهاجرين على مدى العقد الماضي وفشل العديد من الحكومات في دمجهم بشكل فعال. كما يُلقى بعض اللوم أيضًا على الأحزاب المتطرفة التي تبالغ في تصوير المشكلة والمخاطر. ومع جذبهم للناخبين، فقد دفعوا أيضًا الأحزاب الأكثر وسطية إلى اتخاذ موقف أكثر تشددًا.
في حين انخفضت أعداد المهاجرين غير المصرح لهم الذين حاولوا العبور إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 43 بالمائة في الأشهر العشرة الأولى من هذه السنة مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، ويأتي ذلك بعد سنة شهد فيها الاتحاد الأوروبي أعلى عدد من هؤلاء العابرين منذ سنة 2016؛ حيث كانت أوروبا في ذلك في خضم أزمة هجرة مدفوعة جزئيًا بأكثر من مليون لاجئ سوري وأفغاني فارين من الحرب.
وفقًا لوكالة “فرونتكس“، الوكالة المسؤولة عن الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، كان هناك حوالي 380,000 حالة عبور غير نظامي للحدود إلى الاتحاد الأوروبي السنة الماضية.
بالإضافة إلى ذلك، حصل أكثر من أربعة ملايين أوكراني على حماية مؤقتة في الاتحاد الأوروبي منذ الغزو الروسي الشامل في فبراير/ شباط 2022.
ومما يثير الغضب أيضًا عدم ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين، وهي مهمة قد تكون معقدة.
وغالبًا ما ترفض دول المهاجرين الأصلية استعادة هؤلاء الأشخاص، خاصة إذا قاموا بإتلاف الأوراق التي تثبت مكان ولادتهم. بينما تستمر عملية الترحيل لفترة طويلة، يمكن للمهاجرين الانتقال إلى دول أخرى داخل الاتحاد الأوروبي دون أن يُكتشفوا، نظرًا لوجود قيود قليلة على السفر بين العديد من الدول الأوروبية.
واشتعل الغضب من طالبي اللجوء في ألمانيا في أغسطس/ آب، بعد أن اعترف سوري رُفض طلبه للجوء بطعن ثلاثة أشخاص طعنًا مميتًا وجرح ثمانية آخرين في مهرجان في مدينة سولينغن. وكان الهجوم قد وقع بعد أشهر فقط من مقتل ضابط شرطة في هجوم بسكين في مانهاي، وكان الرجل الأفغاني المتهم في تلك القضية قد رُفض طلبه للجوء، ولكنه تزوج بعد ذلك من ألمانية وبالتالي أصبح وجوده في البلاد قانونيًا.
ونجحت ألمانيا في دمج العديد من اللاجئين الذين قدموا إليها في سنتي 2015 و2016، ولكن بالنسبة للكثير من الألمان، أضافت الهجمات إلى المخاوف من أن الهجرة تكلف الكثير في الوقت الذي يتراجع فيه الاقتصاد.
يقول بعض المسؤولين المحليين وعشرات الألمان الذين تمت مقابلتهم في ألمانيا الشرقية السابقة إن الأعداد الكبيرة من المهاجرين قد أجهدت أيضًا الخدمات العامة.
وقالت كاتيا وولف، وهي سياسية من حزب معاد للهجرة وعضو سابق في بلدية مدينة آيزيناخ الألمانية التي يبلغ عدد سكانها 40,000 نسمة، إن الناس هناك رحبوا بالمهاجرين في البداية، لكنهم بدأوا يشعرون بالإحباط مع تزايد الأعداد بشكل فاق قدرة المدارس والمرافق الصحية على الاستيعاب.
وقالت في مقابلة أجريت معها إن البلدة استقبلت 1000 لاجئ سوري في سنة 2015، وارتفع العدد إلى 1600 لاجئ، مضيفة: “لكن في غضون سنتين أو ثلاثة سنوات، تغيرت ملامح المدينة تمامًا. لقد شعر سكاننا المحليون أنهم لا يحصلون على المساعدة، وأنهم كألمان تركتهم الدولة وحدهم بينما حصل اللاجئون على كل ما يحتاجونه”.
ووصفت كاتيا ارتفاع أعداد المهاجرين بأنها “ليست زيادة صحية”.
لكن بعض القادة أشاروا أيضًا علنًا إلى حاجة أوروبا إلى العمالة في ظل شيخوخة السكان وانخفاض معدل المواليد، مما يترك فجوات في القوى العاملة.
فقد قال بيدرو سانشيز، رئيس وزراء إسبانيا، الشهر الماضي إن الهجرة “ليست مجرد مسألة إنسانية، بل هي أيضًا ضرورية لازدهار اقتصادنا واستدامة الدولة الرفاهية”، مضيفًا أن الحل “يكمن في إدارتها بشكل جيد.”
ماذا سيحدث بعد ذلك؟
في الوقت الحالي، لا تزال أوروبا عالقة في محاولاتها لتحقيق التوازن بين الضرورة الاقتصادية لمزيد من العمال، ومخاوف مواطنيها بشأن الهجرة والحاجة إلى الامتثال للقوانين الأوروبية القديمة التي تهدف إلى حماية اللاجئين.
في إيطاليا، استأنفت ميلوني ضد حكم المحكمة الذي رفض خطتها للتفويض الخارجي، وهو الحكم الذي سيراقبه قيادات أخرى عن كثب. وفي الوقت الحالي، لا تزال مراكز الاحتجاز في ألبانيا فارغة.
لقد تمكن الاتحاد الأوروبي من التعامل مع الطلب المستمر من أجل مشاركة المزيد من الدول في تحمل عبء قبول أو رعاية المهاجرين، لكن حتى هذه الخطة لن تدخل حيز التنفيذ إلا في سنة 2026. وتهدف هذه الخطة إلى توزيع المهاجرين وتكاليف استقبالهم بشكل أكثر توازنًا، مما يقلل الضغط على الدول مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا، التي يصل إليها العديد من المهاجرين أولًا.
وفي غضون ذلك، تكتسب أفكار مثل ميلوني تأييدًا، حيث يفكر زعماء آخرون أيضًا في دفع أموال للدول للنظر في طلبات اللجوء وربما ترحيل أولئك الذين يتم رفض طلباتهم.
وقال رافائيل بوسونغ، الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إنه سيكون تحديًا هائلًا العثور على دول مستعدة لاستقبال طالبي اللجوء الذين فشلوا، في ظل عدم وجود طريقة واضحة لترحيلهم بشكل قانوني، مضيفًا: “هناك الكثير من الكلام الفارغ بشأن ما يمكن فعله في المستقبل.”
المصدر: نيويورك تايمز