تحتفي ناسا بدورها في شهر آذار، المعروف عنه بشهر المرأة وفيه يحتفل العالم بإنجازاتها وممكناتها وتاريخها الحافل، حيث تعتزم الوكالة إطلاق أوّل رحلة نسائية بحتة إلى الفضاء الخارجيّ بتاريخ 14 آذار/مارس الحالي، تحمل على متنها طاقمًا نسائيًّا من الوكالة التي بات نصف أعضائها من النساء الآن.
وستكون الرحلة الأولى من نوعها من الرحلات التي تتضمن جولات السير في الفضاء على أقدام سيّداتٍ فقط، إذ ستترك كلٌّ من آن ماكلين وكريستينا كوخ محطة الفضاء الدولية للقيام بمهمة سير في الفضاء في الـ29 من هذا الشهر. وبالإضافة إلى ماكلين وكوش، ستلعب امرأتان أخريتان أدوارًا مهمّة وراء كواليس الرحلة، حيث ستقوم كلٌّ من ماري لورانس وجاكي كاجي بتولّي مهمّة قيادة المركبة بعد بدء رحلة السيْر. كما سيحصلن على دعمٍ أرضيّ نسائيّ من وكالة الفضاء الكندية في ولاية تكساس.
رائدة الفضاء كريستينا كوخ ستقوم بأول رحلة سير في الفضاء للسيدات فقط مع آن ماكلين
تُعيدنا هذه الرحلة المُزمعة إلى بدايات حضور المرأة في مجال الفضاء. وعلى الرغم من أنّ ناسا والولايات المتحدة الأمريكية قد تأخرتا في إرسال المرأة إلى الفضاء، إلّا أنّ الاتحاد السوفييتي كان قد اعتزم على مشاركتها وحضورها منذ البداية المبكّرة لاقتحام الإنسان لعالم الفضاء.
وفي حين أنّ بداية عصر رحلات الفضاء المأهولة التي بدأت بإطلاق أول رائد فضاء كانت في عام 1961، لم تنتظر المرأة كثيرًا حتى أرّخت اسمها في كتب التاريخ بانطلاقها إلى الفضاء بعد عامين فقط من ذلك. ففي السادس عشر من تمّوز/يونيو من عام 1963 انطلقت مركبة الفضاء السوفيتية فوستوك 6 تحمل على متنها رائدة الفضاء السوفييتية فالنتينا تريشكوفا التي تمّ اختيارها من بين أكثر من 400 متقدّم و5 مرشّحين نهائيّين لتصبح أول امرأة تتجاوز حدود الغلاف الجوي في التاريخ.
قبل رحلة تريشكوفا التي كانت تبلغ في ذلك الوقت 26 عامًا من العمر، كانت الرحلات المأهولة إلى الفضاء حكرًا على الرجال نظرًا للشكوك والتساؤلات حول تأثير ذلك على صحتها والقدرة على الإنجاب فيما بعد، إلا أن عالم الفضاء السوفييتي ومخترع القمر الصناعي، سيرغي كوروليوف، كان واثقًا من إمكانية صعود المرأة إلى الفضاء رغم ذلك، فشجّع رحلة تريشكوفا ودعا إليها.
رائدة الفضاء السوفييتة فالنتينا تيريشكوفا- أول امرأة تقوم برحلة إلى الفضاء عام 1963
بعد رحلة تيريشكوفا، نفذت ثلاث نساء روسيات أخريات رحلات إلى الفضاء، إلا أن تيريشكوفا لا تزال المرأة الوحيدة التي نفذت رحلة مأهولة منفردة، وهي الرحلة التي شكّلت انتصارًا كبيرًا للاتحاد السوفييتي في الوقت الذي كان فيه غزو الفضاء أحد أهمّ أركان التنافس مع الولايات المتّحدة الأمريكية في حقبة “الحرب الباردة”.
وقد استمرّ الانتصار والنفوذ السوفييتي في هذه الحرب مع نجاح رائدة الفضاء سفيتلانا سافيتسكايا في أنْ تكون أول امرأة تنفذ عملية سير في الفضاء في 25 يوليو من عام 1984، أيْ بعد عامٍ واحدٍ فقط من انطلاق أوّل رائدة فضاء أمريكية، سالي رايد، إلى الفضاء الخارجيّ بعد سنين كثيرة من وصول الرجل الأمريكيّ إليه.
سفيتلانا سافيتسكايا- أوّل امرأة تقوم بعملية سير في الفضاء عام 1984
إلا أنّ هذا التأخر لم يمنع وكالة “ناسا” من التفوق على روسيا فيما بعد. ففي حين لا تزال الملاحة الفضائية النسائية الروسية متأخّرة في يومنا هذا، قامت ناسا بإرسال 47 امرأة إلى الفضاء حتى الآن. ومع ذلك، سيبقى اسم سالي رايد مميّزًا دومًا. فهي أوَّل امرأة أمريكية تصعد للفضاء على متن مكوك الفضاء تشالنجر، وثالث امرأة على مستوى العالم تُحقق هذا السبق. وبصفتها أخصائية الفريق، كانت مهمتها تشغيل الأقمار الصناعية إلى جانب مهام أخرى، وعادت إلى الأرض بعد مُضِي سبعة أيام.
سالي رايد- أول رائدة فضاء أمريكية تصل الفضاء الخارجي أثناء تواصلها مع وحدات التحكّم الأرضية عام 1983
صعوبات وتحدّيات: ما الذي يواجه المرأة في الفضاء؟
بشكلٍ عام، تخضع رائدات الفضاء إلى نفس التأثيرات الجسدية العامة نتيجة السفر إلى الفضاء كما الرجال. هذه التأثيرات تشمل تغيرات فسيولوجية بسبب انعدام الوزن مثل تخلخل العظم وإضعاف أنسجة العضلات، التهديدات الصحية الناجمة عن الأشعة الكونية، والأخطار المرتبطة بالفراغ ودرجة الحرارة، بالإضافة إلى القلق والتوتر النفسي.
وعلى الرغم من نجاحها في شقّ طريقها إلى الفضاء، إلّا أنّ المرأة لا تزال تواجه العديد من التحدّيات في هذا المجال، لا سيّما فيما يتعلّق بالأمومة والحمل. فالنتينا تريشكوفا، سيدة الفضاء الأولى، على سبيل المثال أصبحت أمًّا بعد عودتها من رحلتها الأولى، بينما كانت شانون لوسيد بالفعل أُمّا حينما اُختيرت لتكون رائدة فضاء عام 1978.
تميل الكثير من رائدات الفضاء إلى اللجوء لتقنية تجميد البويضات قبل البدء برحلتهنّ الأولى خوفًا من أيّ تأثيرٍ سلبيّ أو ضررٍ مُحتمل
وأهمّ المخاوف التي تواجه رائدات الفضاء فهي مشكلة التعرّض للإشعاعات التي قد تسبّب العديد من المشاكل في الحمل والولادة وتؤثّر سلبًا على صحة الجنين لاحقًا. واحدة من الدراسات التي نُشرت عام 2005 في المجلة الدولية لأبحاث العجز الجنسيّ توصّلت إلى أنّ المهمّات قصيرة المدى التي لا تزيد عن تسعة أيام لا تؤثّر سلبًا على قدرة روّاد الفضاء على الحمل وإنجاب أطفال أصحّاء.
لذلك، فعادةً ما تميل رائدات الفضاء إلى تأخير إنجاب الأطفال أو التخلص من الحمل بسبب جداول الرحلات غير المتوقعة من جهة وبسبب الخوف من الإجهاض وإصابة الجنين بالعيوب الخلقية من جهةٍ أخرى. في حين تميل بعضهنّ إلى اللجوء لتقنية تجميد البويضات قبل البدء برحلتهنّ الأولى خوفًا من أيّ تأثيرٍ سلبيّ أو ضررٍ مُحتمل.
وواحدة من المشاكل الناتجة عن تعرّض رائدات الفضاء الحوامل للإشعاعات في رحلات الفضاء هي أنّ الأطفال الذين يحملونهم قد لا يكونون أنفسهم قادرين على الإنجاب مستقبلًا، وذلك نظرًا لحساسية الأعضاء التناسلية للجنين في بطن أمه، سواء كان ذكرًا أم أنثى.
وبالمحصلة، تعمل وكالات الفضاء في الآونة الأخيرة إلى تخصيص جزء كبير من أبحاثها لدراسة هذه الجوانب المهمّة، لا سيّما وأنّ نصف أعضاء ناسا على سبيل المثال هم من النساء الآن. لدرجة أنّ واحدة من الدراسات التي أُجريت على الفئران الحوامل في الفضاء الخارجيّ قد توصّلت إلى أنّ بإمكانها الإنجاب وإفراز الحليب الرضاعيّ بشكلٍ طبيعيّ، ما يفتح العديد من الاحتمالات الإيجابية بخصوص رائدات الفضاء الحوامل أو المرضعات، ومَن يدري لعلّنا نصل إلى اليوم الذي تضع فيه رائدة فضاء طفلها في بقعةٍ ما من الكون خارج نطاق الغلاف الجوّي الذي نعرفه.