مرة أخرى، يعود الجدل بشأن التطبيع مع الكيان الصهيوني، إلى المملكة المغربية، على إثر مشاركة فريق رياضي إسرائيلي في بطولة الجودو الدولية التي تقام حاليًّا في مدينة مراكش، جدل لا يكاد ينتهي حتى يعود مجددًا، فعلى الرغم من أن المغرب لا تجمعه أي علاقات رسمية مع “إسرائيل”، فإن التطبيع اتخذ أوجه عدة، وهذه المرة رياضي، فهل تكون الرياضة مطية التطبيع الشامل مع الإسرائيليين؟
رفع العلم والنشيد الإسرائيلي
الجدل بدأ مع إعلان الفريق الإسرائيلي المشاركة في هذه الدورة التي انطلقت يوم الجمعة الماضي بمراكش، وازداد إثر رفع الفريق العلم الإسرائيلي والترحيب الإسرائيلي الكبير بهذه الخطوة التي يسعى لها الإسرائيليون منذ فترة كبيرة، رغم أنها ليست الأولى.
ونشر المتحدث الرسمي باسم رئيس الحكومة الإسرائيلية عوفير جندلمان، تغريدة له على حسابه الرسمي على “تويتر”، ظهر أمس الأحد، جاء فيها أن العلم الإسرائيلي رفرف في مدينة مراكش المغربية، وأوضح عوفير جندلمان أن رفع العلم الإسرائيلي جاء على خلفية مشاركة فريق الجودو الإسرائيلي في بطولة الجودو الدولية، التي تقام حاليًّا في مدينة مراكش المغربية، حيث تم رفع العلم في مراسم توزيع الميداليات.
مؤكدًا أن الفريق الإسرائيلي الدولي حصل على ميداليتين برونزيتين، وشارك عشرات الرياضيين الإسرائيليين منذ يوم الجمعة، في بطولة “غراند بري” التي أقيمت في مدينة مراكش المغربية، بإشراف الاتحاد الدولي للجودو، وبحضور 72 دولة.
رفع العلم الإسرائيلي في سماء المغرب، جاء بعد فترة قصيرة من رفض السلطات الماليزية، السماح لأي وفد إسرائيلي بدخول البلاد مهما كانت صفته وتحت أي ذريعة
لا تعتبر مشاركة الإسرائيليين الأولى في المغرب، فقبل ثلاث سنوات شارك العديد من لاعبي الجودو الإسرائيليين، في بطولة الجودو الدولية المفتوحة بالعاصمة المغربية الرباط، لكن حينها لم يرفع المنظمون المغاربة علم “إسرائيل” كوسيلة لتجاوز قواعد الاتحاد الدولي للجودو.
كما شاركت تسع لاعبات جودو إسرائيليات ووفد يضم ستة مرافقين يمثلون “إسرائيل” في شهر مارس/آذار من السنة الماضية، في ﺑﻄﻮﻟﺔ الجائزة الدولية الكبرى ﻟﻠﺠﻮﺩﻭ في دورتها الأولى التي احتضنتها مدينة أكادير المغربية (جنوب)، وعُزف النشيد الإسرائيلي حينها عدة مرات خلال تتويج ثلاث لاعبات بذهبية وبرونزيتين، في سابقة هي الأولى من نوعها في المغرب.
وينص الاتحاد الدولي للجودو على فرض عقوبات على الدول التي لا تلتزم بالميثاق كتونس التي حرمت من تنظيم منافسات “الجائزة الكبرى” لرفضها عزف النشيد الرسمي للكيان الإسرائيلي التي كانت مقررة في يناير/كانون الثاني الماضي.
ماليزيا ترفض والمغرب يرحب
رفع العلم الإسرائيلي في سماء المغرب، جاء بعد فترة قصيرة من رفض السلطات الماليزية، السماح لأي وفد إسرائيلي بدخول البلاد مهما كانت صفته وتحت أي ذريعة، وربطت وزارة الرياضة والشباب الماليزية بين حرمان الإسرائيليين من اللعب على أراضيها للمشاركة في بطولة دولية للسباحة البارالمبية 2019 وقمع “إسرائيل” حقوق الفلسطينيين لا سيما الرياضيين منهم ومنعهم من اللعب في المكان والزمان الذي يريدونه.
وأمام إصرار ماليزيا على عدم تقديم أي تنازلات، أعلنت اللجنة البارالمبية الدولية للألعاب أنها تبحث عن بديل لماليزيا لإجراء بطولة دولية للسباحة البارالمبية في يوليو/تموز المقبل، التي كانت مقررة في مدينة كوتشينغ في الشطر الشرقي لماليزيا.
وقال بيان اللجنة الدولية – حينها – إن وزارة الداخلية الماليزية خالفت البروتوكولات المتعلقة بالنشيد والأعلام والتأشيرات المطلوبة، ولم تمنح السباحين الإسرائيليين الضمانات الكافية لمشاركتهم في البطولة بأمن ودون تمييز، وأضاف البيان “اللجنة لا تجد بدًا من البحث عن مستضيف بديل للدولة التي تستبعد رياضيين بسبب قضايا سياسية”.
ألف مبروك للاعبي الجودو ? الإسرائيليين اللذين فازا بميداليتين برونزيتين ? في بطولة الجودو الدولية التي تقام حاليا في مدينة مراكش المغربية حيث تم رفع العلم الإسرائيلي في مراسم توزيع الميداليات. pic.twitter.com/mO1Pq1xxlh
— Ofir Gendelman (@ofirgendelman) March 10, 2019
وصف رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد “إسرائيل” بالدولة المجرمة، مؤكدًا حق بلاده في منع الإسرائيليين من دخول أراضيها، وهي خطوة لاقت ترحيبًا فلسطينيًا شعبيًا ورسميًا، فيما أكد وزير الرياضة الماليزي سيد صادق عبد الرحمن أن ماليزيا لن تتراجع عن موقفها ولن تقدم تنازلات، ونقلت عنه وكالة الأنباء الماليزية الحكومية قوله: “إذا كانت استضافة حدث رياضي أهم من الوقوف إلى جانب إخواننا الفلسطينيين الذين يُقتلون وتبتر أعضاؤهم ويعذبون من الاحتلال الإسرائيلي فإن ذلك يعني أننا فقدنا البوصلة الأخلاقية”.
يذكر أن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ألغى اتفاقًا مع ماليزيا أبرمه في 2013 بشأن استضافة كوالالمبور مؤتمر دولي له عام 2017 على خلفية شكوى تقدم بها الاتحاد الإسرائيلي للعبة بسبب عوائق فرضتها السلطات الماليزية أمام الإسرائيليين للحصول على تأشيرات دخول.
استهجان وتنديد كبير
المشاركة الإسرائيلية ورفع العلم، لاقت استهجانًا وتنديدًا كبيرين من العديد من المنظمات في المغرب، حيث استهجن المرصد المغربي لمنهاضة التطبيع، ما أسماه “الجريمة التطبيعية الجديدة” في مدينة مراكش طيلة نهاية الأسبوع، بمسابقة دولية رياضية، بـ”الجودو” شارك فيها 10 إسرائيليين.
وأضاف البيان “بالمقارنة بالرفض التاريخي والحازم لماليزيا لدخول صهاينة للمشاركة في بطولة العالم للسباحة قبل أسابيع، يبدو أن المغرب أصبح جنة تطبيعية للصهاينة في المجال الرياضي بشكل مكثف”.
وأردف أن ذلك كان بعد مشاركة سابقة في بطولة الجودو في مدينة أغادير السنة الماضية، حيث تم عزف نشيد الكيان الصهيوني الإرهابي، في قلب أغادير لأول مرة في تاريخ المغرب ما تسبب في غضب شعبي كبير.
ولفت إلى أن “المرصد يسجل بكل غضب إدانته القوية لانتهاك سيادة ومشاعر ومواقف الشعب المغربي بحضور كهذا لإرهابيين صهاينة، في سياق هجمة صهيونية إجرامية دموية بحق مسيرات العودة على حدود غزة، وهجمة تهويدية مسعورة بحق القدس والمسجد الأقصى”.
إجراءات ممنهجة
ما يزيد من عضب المغاربة أن هذه المشاركة جاءت في وقت تتحدث فيه تقارير عن سعي إسرائيلي كبير إلى تطبيع علاقاتها مع المغرب، وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية مؤخرًا، عن زيارة مزعومة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للرباط قريبًا، ولقاء سري جمعه مع وزير الخارجية ناصر بوريطة في مؤتمر دولي، وهو ما نفاه المتحدث باسم الحكومة مصطفى الخلفي.
كثيرًا ما يزور الإسرائيليون المغرب، ويقصد السياح الإسرائيليين المدن الجنوبية، على غرار الصويرة التي تعتبر الوجهة المفضلة الأولى لهم
رغم رفض المتحدث باسم الحكومة مصطفى الخلفي، في 31 من يناير/كانون الثاني الماضي، الإجابة عن سؤال بشأن هذه الزيارة المزعومة واصفًا الأنباء عنها بالشائعات، فإن الإعلام الإسرائيلي واصل نشر هذه الأخبار، وذكرت القناة الـ13 الإسرائيلية في 17 من الشهر الحاليّ أن نتنياهو اجتمع سرًا مع وزير الخارجية في سبتمبر/أيلول الماضي، وهو ما نفاه الخلفي في 12 من هذا الشهر.
ويرى مغاربة أن مشاركة الوفد الإسرائيلي في هذه الدورة الدولية، تتنزل في إطار السعي الإسرائيلي لتطبيع علاقاتها مع الدول العربية، خاصة أنها قطعت أشواطًا كبيرة في منطقة الخليج العربي، وتسعى إلى خطوات مماثلة في شمال إفريقيا، ففي سنة 2013، عجز البرلمان المغربي، عن المصادقة على مشروع قانون تقدمت به 4 أحزاب من الأغلبية والمعارضة، يجرم التطبيع مع “إسرائيل”.
وتتميز المملكة المغربية بوجود جالية يهودية بها هي الأكبر بين الدول العربية، إذ تبلغ نحو 70 ألف مغربي من أصول يهودية بنسبة 02% من إجمالي سكان المغرب وفق إحصاء 2010، هذا بخلاف عشرات الساسة في “إسرائيل” أصولهم مغربية وأبرزهم: عمير بيرتز وزير دفاع إسرائيلي سابقًا، بالإضافة إلى وزيري الخارجية السابقين شلومو بن عامي وديفيد ليفي.
تطبيع شامل في انتظار إعلانه رسميًا
التطبيع المغربي مع الكيان الإسرائيلي، ليس بالأمر الجديد، فرغم عدم وجود علاقات رسمية بين الطرفين منذ قطعها سنة 2000، فإنه كثيرًا ما يسجل زيارة وفود إسرائيلية في مجالات عدة للمغرب، وأيضًا يوجد بينهما تبادل تجاري كبير، ويؤمن هذه العلاقات من الطرف المغربي المستشار أندريه أزولاي الذي كان يشتغل أيضًا مع الملك محمد الخامس، وعن طريق رئيس الطائفة اليهودية في المغرب سيرجي برديجو.
وتعود العلاقات بين المملكة المغربية والكيان الصهيوني إلى عام 1961، بعد غرق السفينة “إيغوز” وانتقال السلطة من الملك محمد الخامس إلى ابنه حسن الثاني، حيث جرت مفاوضات سرية بين الكيان الإسرائيلي والمغرب، وتوصل الجانبان إلى اتفاق للسماح بهجرة يهود المغرب، وبمقتضاه تحصل الرباط على 250 دولارًا عن كل يهودي تسمح له بالهجرة إلى “إسرائيل”، كما تلتزم الأخيرة بمساعدة المغرب على تطوير أجهزته الأمنية.
منذ ذلك الحين، بدأ المغرب و”إسرائيل” في تأسيس علاقات سرية بينهما، وهو ما اتضح في فضيحة “بن بركة”، ففي 29 من أكتوبر 1965، اختطف الناشط السياسي في المعارضة المغربية بفرنسا مهدي بن بركة وقتل، لكن ما كشفته التحقيقات والوثائق بعد ذلك، وتسبب في أزمة بين “إسرائيل” وفرنسا، أن الموساد الإسرائيلي هو الذي أمد أجهزة الأمن المغربية بالمعلومات عن المكان الذي يقيم فيه بن بركة.
وشهدت منتصف الستينيات ذروة استفادة “إسرائيل” أمنيًا من التعاون مع المغرب، إذ تقول وسائل إعلام إسرائيلية إن العاهل المغربي الملك الحسن الثاني ساعد “إسرائيل” في التجسس على القمة العربية التي انعقدت في المغرب عام 1965، مما هيأ لها سبل الانتصار في حرب 1967.
وتحتل المملكة المغربية طليعة الدول العربية التي سمحت للمسؤولين الإسرائيليين بزيارتها سواء بشكل سري أم علني، في 22 من يوليو 1986، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز المغرب، والتقى الملك الحسن الثاني في مدينة إفران السياحية، وعام 1995 وبعد اتفاق أوسلو، تأسست العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين، لكن عام 2000، بعد أحداث الانتفاضة الثانية، قطع المغرب العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع “إسرائيل”.
ومس التطبيع المجال التجاري أيضًا، حيث بلغ حجم المبادلات التجارية بين المغرب و”إسرائيل” خلال سنة 2015 ما يقارب 33 مليون دولار، وفق ما أورده المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء، وبلغت قيمة الصادرات الإسرائيلية نحو المغرب ما يزيد على 22 مليون دولار، هيمنت عليها بدرجة أولى المنتجات الكيميائية المصنعة والمنسوجات والأجهزة الميكانيكية والحواسيب والآليات الموجهة إلى القطاع الزراعي.
ارتفاع عدد السياح الإسرائيلين في المغرب
كثيرًا ما يزور الإسرائيليون المغرب، ويقصد السياح الإسرائيليين المدن الجنوبية، على غرار الصويرة التي تعتبر الوجهة المفضلة الأولى لهم، تليها مدينة ورزازات ثم مدينة أكادير ثم مراكش، ودائمًا ما يكون المسار السياحي لهؤلاء ثلاثيًا، وغالبًا ما تكون الدولة “الوسيط” إحدى دول البحر الأبيض المتوسط، ويفوق عدد هؤلاء السياح القادمين إلى المغرب 40 ألف سائح.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، استضاف البرلمان المغربي وفد من الكيان الصهيوني يترأسه وزير الحرب السابق عمير بيرتس، للمشاركة في المناظرة الدولية التي نظمها مجلس المستشارين والجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط.
وفي سنة 2016، صوتت المملكة لصالح “إسرائيل” لرئاسة اللجنة القانونية بالأمم المتحدة، وعلى الرغم من دعوة “مجموعة العمل من أجل فلسطين” بالمغرب، حكومة المملكة، ومطالبتها بإصدار توضيح لهذا الأمر، فإن الحكومة المغربية لم تعلق على الموضوع.
وفي أغسطس 2015، كشفت قناة i24 الإسرائيلية أن المغرب أرسل نحو 30 شابًا من اليهود المغاربة إلى “إسرائيل”، للمشاركة في برنامج يرمي إلى دمجهم داخل المجتمع الإسرائيلي قبل توطينهم في “إسرائيل” والخدمة في الجيش الإسرائيلي.
يرى العديد من المراقبين أن التطبيع المغربي مع الكيان الإسرائيلي، لا ينتظر إلا الإعلان الرسمي عنه، فهو يشمل كل المجالات دون استثناء، حتى إن هذه العلاقات تفوق ما يجمع بعض الدول المطبعة رسميًا وعلنيًا مع الإسرائيليين، رغم النفي الحكومي الدائم.