زاد معدل الحجم العالمي لعمليات نقل وبيع الأسلحة بحوالي 8% خلال الفترة 2018-2014 مقارنة بالفترة 2013-2009 فيما استحوذت الولايات المتحدة على أكثر من 36% من مبيعات الأسلحة في العالم خلال هذه الفترة مقابل 30% خلال الفترة السابقة، وذلك حسبما ذكر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري” في تقرير له
التقرير المكون من 12 صفحة والمنشور صباح اليوم أشار إلى احتفاظ الهند برتبتها طوال الخمسة أعوام الماضية كأول مستورد للسلاح في العالم، حيث ساهم التوتر بينها من جهة وبين جارتيها باكستان والصين من جهة ثانية احتدام السباق نحو التسلح في المنطقة، فيما جاءت السعودية في المرتبة الثانية متبوعة بمصر والإمارات والصين.
المعهد الذي يقيس حجم عمليات توريد الأسلحة في العالم أوضح كيف أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية تبيع طائرات وسيارات عسكرية وغيرها من المعدات التي تستخدم في الحروب المثيرة للجدل في اليمن ومناطق أخرى، الأمر الذي أثار جدلا واستنكار داخل الغرف التشريعية لبعض العواصم الغربية ومع ذلك لم يثني هذا الحراك واشنطن وغيرها من الدول الأوروبية على المضي قدما في تسليح بعض الدول المتورطة في نزاعات وحروب بعضها صنف بأنه “جرائم حرب”.
أمريكا تبيع ثلث أسلحة العالم
حافظت أمريكا على مركز الصدارة كأكثر الدول بيعا للأسلحة في العالم، حيث ارتفعت صادراتها بنسبة 29% في السنوات الخمس الماضية، بينما ذهب أكثر من نصف هذه الصادرات (52%) إلى دولٍ في الشرق الأوسط. وارتفعت كذلك المبيعات البريطانية من الأسلحة بنسبة 5.9% في الفترة نفسها، بينما ذهب حوالي 59% من هذه الصادرات إلى الشرق الأوسط، ومعظمها طائرات مقاتلة إلى المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان.
بيتر وايزمان، كبير باحثين في برنامج الانفاق العسكري والأسلحة بمعهد “سيبري”، قال إن “هناك طلبا كبيرا على أسلحة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا في منطقة الخليج حيث تنتشر الصراعات والتوترات”، فيما أشار أود فلورانت، رئيس برنامج الانفاق العسكري والأسلحة في المعهد، في بيان أن مبيعات الأسلحة الأمريكية تضمنت “أسلحة متقدمة مثل الطائرات المقاتلة والصواريخ قصيرة المدى والصواريخ الباليستية وعدد كبير من القنابل الموجهة”.
تأتي زيادة مبيعات أمريكا من الأسلحة للشرق الأوسط رغم الجدل المثار بشأن طبيعة استخدامها من قبل بعض العواصم، وهو ما أشار إليه باتريك ويلكين المتخصص في الحد من التسلح في منظمة العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان بأن تسلُّح الحكومات في الشرق الأوسط المضطرب يثير جدلاً متزايداً في الغرب.
تصدرت السعودية القائمة كأكبر مستورد للأسلحة في العالم خلال هذه الفترة، حيث استحوذت على 12% من الواردات العالمية
ويلكين في تصريحاته لموقع Middle East Eye البريطاني أوضح أن هناك حالاتٍ كانت فيها مبيعات الأسلحة مُستحقة، مثل إعادة تشكيل الجيش العراقي بعدما فقد الكثير من معداته وأراضيه في الهجوم المفاجئ الذي شنَّه عليه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في عام 2014. لكنَّه أضاف أنَّ هذه الأسلحة المستوردة من الغرب غالباً ما تُستخدم في انتهاكات حقوق الإنسان.
ألمح كذلك إلى استخدام تلك الأسلحة في حملة القمع ضد المعارضين في مصر والحرب التي تقودها السعودية في اليمن، منتقدا ما وصفه «نفاق» الحكومات الغربية لعدم الالتزام بقواعدها عن طريق الاستمرار في تزويد القادة السلطويين الذين يرتكبون إساءاتٍ أو انتهاكات ضد شعوبهم في أوقات الحرب. وقال ويلكين للموقع البريطاني: «إحدى المشكلات الحرجة للمنطقة هي ظهور جماعات مسلحة مثل داعش». وأضاف: «في اليمن، تدعم الإمارات والسعودية ميليشيات غير خاضعة للمساءلة تماماً وتُزوداها بالأسلحة، مما يهيئ الساحة لمستقبل من عدم الاستقرار وانتهاكات حقوق الإنسان».
السعودية الأكبر رغم التحذيرات
تصدرت السعودية القائمة كأكبر مستورد للأسلحة في العالم خلال هذه الفترة، حيث استحوذت على 12% من الواردات العالمية، وبجانب أمريكا، كانت كل من بريطانيا وفرنسا من موردي السلاح الرئيسيين للمملكة، وذلك بحسب التقرير الذي كشف أنه بين عامي 2014 و2018، تلقَّت الرياض 94 طائرة مقاتلة مزودة بصواريخ كروز وأسلحة موجَّهة أخرى من أمريكاوبريطانيا.
التقرير كشف كذلك أنه في غضون السنوات الخمس المقبلة، من المقرر أن تحصل كذلك على 98 طائرة و83 دبابة وأنظمة دفاع صاروخي من الولايات المتحدة، و737 عربة مدرعة من كندا، وخمس فرقاطات من إسبانيا، وصواريخ باليستية قصيرة المدى من أوكرانيا.
يذكر أن الميزانية السعودية لعام 2019، تضمنت مخصصات للإنفاق العسكري بقيمة 191 مليار ريال (50.9 مليار دولار)، ليحل هذا الإنفاق في المرتبة الثانية من حيث قيمة المخصصات بعد التعليم، في قائمة بنود الإنفاق التسعة التي تضمّنها بيان الميزانية، فيما أشار معهد استوكهولم أن مشتريات المملكة من السلاح في 2017 بلغت 69.4 مليار دولار، لتحتل المرتبة الثالثة على مستوى العالم بعد أميركا والصين.
ووفقاً لما ذكره بيتر ويزمان الباحث في “سيبري” فإن : «هناك طلب كبير على الأسلحة الأمريكية والبريطانية والفرنسية في منطقة الخليج، حيث تنتشر الصراعات والتوترات. وكذلك زادت روسيا وفرنسا وألمانيا مبيعاتها من الأسلحة إلى مصر زيادةُ كبيرة في السنوات الخمس الماضية».
ويزمان أشار إلى أنَّ أحد أسباب زيادة واردات الشرق الأوسط من الأسلحة هو تعويض المعدات التي استهلكت في النزاعات داخل سوريا واليمن، هذا بخلاف التوترات المنتشرة في المنطقة لاسيما بين إيران والسعودية والتي أشعلت سباق التسلُّح الإقليمي.
السعودية والإمارات ورغم ما يشوب العلاقات بينهما وبين أنقرة إلا أنهما كانا من بين أكبر ثلاث مستوردين للسلاح التركي خلال تلك الفترة
وعلى صعيد آخر فقد حصلت الإمارات بين عامي 2014 و2018 على أنظمة دفاع صاروخي، وصواريخ باليستية قصيرة المدى، وحوالي 1700 ناقلة جند مدرعة من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ثلاث فرقيطات من فرنسا، كما ارتفعت الواردات القطرية من الأسلحة بنسبة 225% في أثناء الفترة نفسها، وتضمَّنت دباباتٍ ألمانية وطائرات مقاتلة فرنسية وصواريخ باليستية صينية قصيرة المدى. ومن المقرر كذلك أن تتلقى 93 طائرة مقاتلة من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وأربع فرقاطات من إيطاليا، فيما مثَّلت إيران، المفروض عليها حظر من الأمم المتحدة يمنعها من استيراد الأسلحة أو تصديرها، نسبة قدرها 0.9% فقط من واردات الشرق الأوسط من الأسلحة، وفقاً لما جاء في التقرير.
جدير بالذكر أن المشرعين في الكونجرس الأمريكي كانوا قد مرروا مشروعات قرارات بشأن إنهاء الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده المملكة في اليمن، فيما دعا زعيم المعارضة البريطاني جيريمي كورين إلى فرض حظر على تصدير السلاح إلى الرياض، في الوقت الذي اتهمت فيه برلين السلطات البريطانية بمخالفة القانون من خلال الاستمرار في تسليح المملكة، هذا بخلاف التقارير الحقوقية التي تدين هذا الدعم وتطالب بوقفه فورًا.
تصدر السعودية قائمة الدول الأكثر استيرادا للأسلحة في الشرق الأوسط
زيادة الصادرات التركية
من المؤشرات التي ساقها التقرير وكانت ملفتة للنظر ارتفاع الصادرات التركية من الأسلحة على رأسها الصواريخ والعربات المدرعة بنسبة 170% عما كانت عليه في السنوات السابقة، لتحتل المرتبة الرابعة عشر في قائمة أكثر الدول تصديرا للسلاح في العالم والثاني على مستوى الشرق الأوسط بعد إسرائيل.
المثير للاهتمام أن السعودية والإمارات ورغم ما يشوب العلاقات بينهما وبين أنقرة إلا أنهما كانا من بين أكبر ثلاث مستوردين للسلاح التركي خلال تلك الفترة، وهو ما فسره وايزمان بأنه محاولة منهما للحفاظ على العلاقات مع تركيا على الرغم من الخلاف الذي تعمق بصورة اكبر بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي أكتوبر الماضي.
ومن الملاحظات التي أوردها التقرير وأثارت انتباه المراقبين زيادة واردات الجزائر من الأسلحة، رغم تراجع قيمة ناتجها المحلي الإجمالي والذي بلغ 168 مليار دولار فقط في ظل أزمات اقتصادية طاحنة تواجه البلاد منذ سنوات، حيث أظهر ارتفاع الوارادت التسليحية بنسبة 55% على مر السنوات الخمس الماضية، كان على رأسها الشحنات العسكرية من روسيا والصين وألمانيا.