أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة انسحابه من السباق الرئاسي، وتأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أبريل/نيسان القادم، بعد ثلاث أسابيع من الاحتجاجات المتواصلة في معظم المدن الجزائرية، ما اعتبره العديد من الجزائريين انتصارا للشعب في وجه النظام.
التأجيل واحداث منصب نائب للرئيس
الرئيس بوتفليقة، قال، إنه “لا محلَّ لعهدة خامسة، بل إنني لـم أنْوِ قط الإقدام على طلبها حيـث أن حالتي الصحية وسِنّي لا يتيحان لي سوى أن أؤدي الواجب الأخير تجاه الشعب الجزائري، ألا وهو العمل على إرساء أسُس جمهورية جديدة تكون بمثابة إطار للنظام الجزائري الجديد الذي نصبو إليه جميعًا.”
وأكّد بوتفليقة، “إن هذه الجمهورية الجديدة، وهذا النظام الجديد، سيوضعان بين أيدي الأجيال الجديدة من الجزائريات والجزائريين الذين سيكونون الفاعلين والـمستفيدين في الحياة العمومية وفي التنمية الـمستدامة في جزائر الغد.“
الرئيس بوتفليقة، قال أيضا، إن “الاستحقاق الرئاسي سينظّم عقب الندوة الوطنية المستقلة تحت إشراف حصري للجنة انتخابية وطنية مستقلة ستُحدد عهدتها وتشكيلتها وطريقة سيرها بمقتضى نصّ تشريعي خاص، سيستوحى من أنجع وأجود التجارب والـممارسات الـمعتمدة على الـمستوى الدَّوْلي.”
وأضاف في بيان رئاسي صدر قبل قليل، “لقد تقرر إنشاء لجنة انتخابية وطنية مستقلة استجابةً لـمطلب واسع عبرتْ عنه مختلف التشكيلات السياسية الجزائرية، وكذا للتوصيات التي طالـما أبدتها البعثاتِ الـملاحظة للانتخابات التابعة للـمنظمات الدّولية والإقليمية التي دعتْها واستقبلتها الجزائر بمناسبة الـمواعيد الانتخابية الوطنية السابقة.“
أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الاثنين تعيين نور الدين بدوي رئيسا جديدا للوزراء في الجزائر بعد قبول استقالة رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى
أوضح البيان، أن “الندوة الوطنية الجامعة المستقلة ستكون هيئة تتمتع بكل السلطات اللازمة لتدارس وإعداد واعتماد كل أنواع الاصلاحات التي ستشكل أسيسة النظام الجديد الذي سيتمخض عنه إطلاق مسار تحويل دولتنا الوطنية.. ستكون هذه النّدوة عادلة من حيث تمثيلُ المجتمعِ الجزائري ومختلف ما فيه من الـمشارب والـمذاهب.“
و”ستتولى النّدوة هذه تنظيم أعمالها بحريّة تامة بقيادة هيئة رئيسة تعددية، على رأسـها شخصية وطنية مستقلة، تَحظى بالقبول والخبرة، على أن تحرص هذه النّدوة على الفراغ من عُهدَتها قبل نهاية عام 2019..” وأكّد البيان أن مشروع الدستور الذي تعدُّه النّدوة الوطنية سيعرض على الاستفتاء الشعبي.
وأوضح بوتفليقة في نفس البيان، أن الغرض من تأجيل الانتخابات “هو الاستجابة للطلب الـمُلِح الذي وجهتموه إليّ (الاحتجاجات)، حرصا منكم على تفادي كل سوء فهم فيما يخص وجوب وحتمية التعاقب بين الأجيال الذي اِلْتزمت به.”
وأضاف، “يتعلقُ الأمر كذلك بتغليب الغاية النبيلة الـمتوخاة من الأحكام القانونية التي تكمُن في سلامة ضبط الحياة الـمؤسساتية، والتناغم بين التفاعلات الاجتماعية – السياسية؛ على التشدد في التقيد باستحقاقات مرسومة سلفا.”
وأكّد بوتفليقة أن “تأجيل الانتخابات الرئاسية الـمنشود يأتي إذن لتهدئة التخوفات المعبَّر عنها، قصد فسح الـمجال أمام إشاعة الطمأنينة والسكينة والأمن العام، ولنتفرغ جميعا للنهوض بأعمال ذات أهمية تاريخية ستمكّننا من التحضير لدخول الجزائر في عهد جديد، وفي أقصر الآجال.“
ووقع عبد العزيز بوتفليقة، على مرسومين رئاسيين يتضمنان سحب الاحكام المتعلقة باستدعاء الهيئة الناخبة لانتخاب رئيس الجمهورية واحداث وظيفة نائب الوزير الأول، حسب ما أفاد به بيان لرئاسة الجمهورية.
حكومة جديدة
فضلا عن تأجيل الانتخابات وعدم الترشّح لولاية رئاسية خامسة، أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أيضا، في بيان رئاسي صدر قبل قليل عن عزمه إجراء تعديلات جمة على تشكيلة الحكومة في أقرب الآجال.
وجاء في البيان الرئاسي أن هذه التعديلات هذه ستكون “ردا مناسبا على الـمطالب التي جاءتني منكم وكذا برهانا على تقبلي لزوم المحاسبة، والتقويم الدقيق لـممارسة الـمسؤولية على جميع الـمستويات، وفي كل القطاعات“.
وأعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الاثنين تعيين نور الدين بدوي رئيسا جديدا للوزراء في الجزائر بعد قبول استقالة رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى. ومن المنتظر أن تتولى الحكومة الجديدة الإشراف على مهام الادارة العمومية ومصالح الأمن، وتقدم العون للجنة الانتخابية الوطنية الـمستقلة.
استقالة أويحي وتعيين وزير أول جديد
يشغل بدوي، منصب وزير الداخلية في حكومة أحمد أويحي المستقيلة، وهو الرجل المحوري في الحكومة، وصمام أمان الحكومات المتعاقبة حيث شغل منصب وزيرا للداخلية طيلة أربع حكومات رغم تعاقبها، ويعتبر بدوي من أهم رجالات الدولة الجزائرية.
كما عين الرئيس بوتفليقة، رمطان لعمامرة نائبا للوزير الأول ووزيرا للشؤون الخارجية. وسبق أن اشغل لعمامرة الذي عيّن وزيرا للدولة ومستشارا دبلوماسيا لرئيس الجمهورية، يوم 14 فبراير 2019، في منصب الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية، وكذلك كمبعوث للأمم المتحدة إلى ليبيريا بين عامي 2003 و2007، وفي المجال الدبلوماسي اشتغل كسفير الجزائر لدى الأمم المتحدة في الفترة بين 1993 و1996، وانخرط في العديد من الوساطات لحل عدد من النزاعات في القارة الأفريقية، حتى تم تعيينه وزير الشؤون الخارجية في 11 سبتمبر 2013.
انتصار لإرادة الجزائريين
الصحفية إيمان علال، رأت في هذه القرارات الأخيرة، انتصارا لإرادة الشعب الجزائري الذي خرج بالآلاف في الشوارع طلبا لعدول الرئيس بوتفليقة عن الترشح لولاية رئاسية خامسة والاستجابة لإرادة الشعب الذي يطمح في التغيير.
وقالت في تصريح لنون بوست، ” هذه القرارات تعتبر انتصارا كبير بالنسبة للشعب، لكن الانتصار الأكبر ماهو قادم، لأن البديل يعتبر الأهم، يعني الشعب سيسهر ويتابع خطوة بخطوة كل التغييرات التي ستطرق في النظام.” وأضافت، “بدايتها سلمية وستنتهي بسلمية، وانسحاب رئيسة جمهورية من الانتخابات وتأجيلها، ليس بالقرار الهين الذي تتخذه الحكومة يعني الكلمة والقرار سقط.”
هذه التطورات الكبيرة، جاءت بعد أسابيع من المظاهرات المتواصلة في مختلف المدن الجزائرية ضدّ ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة
قالت الصحفية الجزائرية، “حتى استقالة الوزير الأول أحمد أويحي، من إرادة الشعب، فالشعب الجزائري لم يكن ضد بوتفليقة يعني ضد شخصه بقدر ما كان ضد فكرة إعادة ترشحه لأن صحته لا تؤهله ولا تسمح له بذلك.
بدوره قال الإعلامي الجزائري فيصل عثمان في تصريح لنون بوست، “بوتفليقة تنازل بمنطق “من دخل دار أبي سفيان فهو آمن” حيث استجاب لمطلب الشعب بعدم الترشح للخامسة لكن بتأجيل الانتخابات كي يخرج من الباب الواسع.“
وأضاف، “من يقرأ رسالته اليوم يجدها متطابقة تقريبا مع رسالة ترشحه والتي أعلن فيها عن عزمه إقامة ندوة وطنية ثم تنظيم انتخابات مبكرة”، وتابع،” هذه القرارات تعتبر انتصارا لكل الأطراف، فلنسمه تسوية، يعني لا ضرر ولا ضرار.”
بدوره قال الإعلامي والمحلل السياسي الجزائري علي لخضاري، ” الغاء العهدة الخامسة هو مطلب أساسي للحراك الشعبي والمليونيات التي شهدتها كلّ أنحاء البلاد.” وتابع في تصريح لنون بوست، “الأن “لا يمكن استبعاد الجزائريين بعد حراك 22 فبراير من أي قرار سياسي، فقد أصبح للشعب مكانه في القرار السياسي.”
واستدرك بقوله، ” لكنها ليست كلّ مطالب الحراك، فالجزائريون طالبوا أيضا الإصلاح السياسي مواجهة الفساد واسقاط الفاسدين، وعلى رأسهم المحيطين بالرئيس من أحزاب موالاة والمال الفاسد الذين يشكلون “كارتل” الاقتصادي جعلوا من اسم الرئيس سجلا تجاريا حاولوا أن يديروا به الجزائر القادمة ومواصلة نهب خيرات البلاد وماتبقى من احتياط الأموال لديها.”
استجابة لضغوطات الشارع
الصحفي الجزائري، رياض معزوزي، قال إن “اعلان بوتفليقة سحب ترشحه للرئاسيات المقبلة، وتأجيل موعدها كان منتظرا، لاعتبارات كبيرة، وعلى رأسها ضغط الشارع المتواصل وفي كل جهات الوطن، زادها الاضراب العام الذي شل جميع القطاعات خاصة التربية والتعليم العالي، وعدد من المطارات والموانئ الحيوية كعنابة، سكيكدة وبجاية، مع تهديد نقابات الطاقة والمناجم شل كل الخدمات خاصة بأماكن التنقيب والاستكشاف واستخراج البترول بالجنوب، ما كان مؤشر لضغط آخر.”
وأضاف الصحفي الجزائري في تصريح لنون بوست، “إضافة إلى تفكير عائلة الرئيس بطريقة لإخراج عبد العزيز بوتفليقة من باب واسع يخلده شعبه خاصة وأن التغييرات سجلت أيضا استقالة أحمد أويحيى الذي عشش في الحكومة منذ سبعينات القرن الماضي.”
الاحتجاجات شملت عديد المدن في البلاد
وقال رياض معزوزي، “التطورات الاخيرة في الجزائر في ظاهرها استجابة لنداء الملايين في المسيرات السابقة، وباطنها هو ربح بعض الوقت سيما بالنسبة للحزب الحاكم لإعادة ترتيب بيته والبحث عن خليفة لبوتفليقة والحفاظ على المكاسب التي يصعب على الحزب التخلي عليها.”
وأوضح معزوزي، أن “الدعوة لندوة وطنية يشارك فيها الجميع بما فيها أحزاب المعارضة، قد تصل إلى مخرج ما سياسي ولو الى بعد حين، لكن مالا يخفى علينا جميعا هو أن الاجندات الأجنبية سيما فرنسا وأمريكا، ستجد ارضا خصبة لتكثيف الجهود من أجل الحفاظ على المصالح والارباح التي يدرها اقتصادها من الجزائر.” ويخشى الجزائريون من التدخلات الأجنبية في شؤونهم الداخلية، والتدخل في السيادة الوطنية للبلاد.
هذه التطورات الكبيرة، جاءت بعد أسابيع من المظاهرات المتواصلة في مختلف المدن الجزائرية ضدّ ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، لكن السؤال الأن الذي يطرح الأن ماهو البديل الذي ينتظره الجزائريين؟