كان ملف إعادة فتح الطرق الدولية في سوريا على رأس المباحثات التركية الروسية خلال الأشهر القليلة الماضية، فيما تطرقت الجولة السادسة من مباحثات أستانة قبل عامين بين الدول الضامنة إلى إعادة فتح طريق حلب ـ غازي عنتاب وطرق m4، وm5 أمام التبادل التجاري.
كما تباحث الرئيس التركي ونظيره الروسي خلال اتفاق سوتشي في سبتمبر/أيلول الماضي، إعادة فتح الطريق، وتضمن الاتفاق في مرحلته الأولى إنشاء منطقة عازلة على مقربة من خطوط التماس مع قوات النظام والمليشيات الإيرانية من ريف حلب حتى ريف اللاذقية بعد سحب السلاح الثقيل، وهذه المنطقة تشمل الطرق الدولية، إلا أن الاتفاق لم ينجح نظرًا للخروقات التي تسببت بها قوات النظام ومليشياته خلال الأسابيع القليلة الماضية، بينما لم تسجل المباحثات التركية الروسية خلال الأسابيع الماضية أي تطورات ملحوظة حتى عقد الاجتماع في ريف حلب الشمالي.
اجتماع عسكري تركي روسي في ريف حلب
شهد يوم الأحد 10 من مارس/آذار الحاليّ تحليق مكثف للطيران التركي في سماء ريف حلب الشمالي، حيث استمر لساعات، وقالت مصادر خاصة لـ”نون بوست” إن وفدًا تركيًا رفيع المستوى من ضباط وقادة عسكريين ترافقهم مصفحات ومدرعات زاروا خطوط التماس في ريف حلب الشمالي جنوب أعزاز، وأضافت المصادر أن الوفد التركي دخل إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية “قسد” جنوب غرب أعزاز شمالي حلب، بعد إزالة السواتر من قوات المعارضة المسلحة، بينما نزعت كاسحات الألغام التركية الألغام على خطوط التماس، وأكدت المصادر أن الوفد التركي التقى ضباطًا روس في بلدة مرعناز شمالي حلب.
اجتمع وفد روسي وتركي مطلع العام الحاليّ في مطار منغ العسكري الواقع تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية “قسد”، وتتخذ القوات الروسية منه نقطة مراقبة، إلا أن الاجتماع ظلَّ مبهمًا
وأوضحت أن اجتماعًا جرى في بلدة مرعناز شمالي حلب لإعادة عمل طريق حلب ـ غازي عنتاب أمام التبادل التجاري، بينما لم تصرح الدول الضامنة بمضمون الاجتماع الذي جرى في الداخل السوري ليبقى مبهمًا في الساحة الإعلامية، كما لم تشارك تركيا قوات المعارضة المسلحة المدعومة من قبلها بمضمون الاتفاق.
فيما اجتمع وفد روسي وتركي مطلع العام الحاليّ في مطار منغ العسكري الواقع تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية “قسد”، وتتخذ القوات الروسية منه نقطة مراقبة، إلا أن الاجتماع ظلَّ مبهمًا، ودخلت القوات التركية إلى مدينة تل رفعت لأول مرة في 26 من مارس/آذار 2018، لعقد اجتماع ضم ضباط عسكريين أتراك وآخرين روس في ريف حلب الشمالي، بعد أيام من سيطرة القوات التركية وفصائل من المعارضة المسلحة على مدينة عفرين ضمن عملية غصن الزيتون، في 18 من مارس/آذار من العام الماضي.
وبحسب مصادر إعلامية تحدثت آنذاك أنه تم التباحث بخصوص المدن والبلدات الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية “قسد” التي سيطرت عليها خلال عام 2016، عقب مظاهرات شهدتها مدن درع الفرات تطالب بالسيطرة على المناطق المغتصبة، بينما لم تتقدم المباحثات خلال تلك الفترة حتى اتفاق سوتشي بين أنقرة وموسكو في الربع الأخير من العام الماضي.
روسيا تسير دوريات في مناطق النظام المحيطة بإدلب
محاولة روسية لإعادة فتح الطرق الدولية في سوريا
السعي الروسي لإعادة فتح الطرق الدولية أمام التبادل التجاري، مستمرًا منذ بدء حملات التهجير التي شملت عدة مناطق في ريف دمشق بعد تصعيد عنيف ضد المدنيين هناك، حيث استطاعت روسيا السيطرة على أرياف دمشق لوصل حمص بدمشق ثم حمص بحماة من خلال الاتفاق الذي جرى بضمانة روسية منتصف العام الماضي بين قوات النظام وفصائل المعارضة، كما حققت تقدمًا على صعيد السيطرة على ريف درعا وفتح معبر نصيب المحاذي للحدود الأردنية بعد اتفاق مماثل، وبدت العقدة الوحيدة أمامها طريق حلب ـ غازي عنتاب التركية، وحلب ـ حماة وحلب ـ اللاذقية.
حافظت أنقرة على وجودها في الشمال السوري خلال العامين الماضيين، لتعزيز نفوذها في الشمال السوري، عبر قوات المعارضة المسلحة المتمثلة بقوات الجيش الوطني السوري
وبدا واضحًا من خلال مبادراتها في اتفاق سوتشي، لإنشاء منطقة معزولة وتسهيل عمل الطرق الدولية، الواقعة تحت سيطرة المعارضة المسلحة في إدلب وحلب وحماة، إلا أنها نقضت الاتفاق الذي عقدته مع تركيا من خلال قصفها للمدن الواقعة في المنطقة المعزولة خلال الأسابيع القليلة الماضية، وبقي الاتفاق حبرًا على ورق دون تنفيذ واقعي ملموس.
ولعل ضغط أنقرة على موسكو أحد أسباب توقف الحملات التي توعدت بها سكان محافظة إدلب بشن حملة عسكرية على المحافظة بعد سيطرتها على كامل مناطق المعارضة جنوب ووسط البلاد، للوصول إلى اتفاق سوتشي، ومن خلال ذلك حافظت موسكو على حليفتها أنقرة التي تبني معها مصالح عديدة شمال سوريا.
تركيا تسير دوريات على خطوط التماس في إدلب
تحضير تركي لإعادة فتح الطرق الدولية
حافظت أنقرة على وجودها في الشمال السوري خلال العامين الماضيين، لتعزيز نفوذها في الشمال السوري، عبر قوات المعارضة المسلحة المتمثلة بقوات الجيش الوطني السوري، وأحرزت تقدمًا على الصعيد الخدمي والعسكري في المنطقة، وبدت أنقرة مستعدة للإنشاء منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي المحاذي لأراضيها، من خلال مباحثاتها مع واشنطن وموسكو.
وتعتبر محافظة إدلب وأرياف حلب وحماة نقطة تفاهم روسي تركي، دون إشراك دول أخرى في الاتفاق، حيث سعت أنقرة لإخضاع فصائل المعارضة في إدلب وحماة وحلب على سحب السلاح الثقيل تنفيذًا لاتفاق سوتشي الذي عقدته مع موسكو في سبتمبر/أيلول الماضي.
التمسك التركي بالاتفاق كان جليًا، حيث قصفت قوات النظام ومليشياته مناطق المعارضة دون تحرك تركي بالرد على مصادر النيران، لكنها اكتفت نهاية الأسبوع الماضي بتسيير دوريات على خطوط التماس في مناطق المعارضة، وفي الجانب الآخر دوريات روسية على خطوط التماس، وعندما انتهت الدوريات عاد القصف مجددًا، فيما يعتبر التصعيد الأخير أحد أهم الأسباب التي دفعت مسؤولين أتراك لعقد اتفاق مع قوات روسية بريف حلب.
يشكل طريق غازي عنتاب ـ حلب أهمية إستراتيجية ويعتبر شريان رئيسي لسوريا فهو ليس الطريق الوحيد لكنه الأكثر عملًا
وسمحت أنقرة بعبور الشاحنات التركية نحو الأراضي السورية بعد انقطاع لمدة ثمانية سنوات متتالية، منذ انطلاق الثورة السورية، سيطرت قوات المعارضة على المعابر الحدودية، ودخلت الثلاثاء الماضي نحو 50 شاحنة تركية الأراضي السورية بحسب وكالة الأناضول، واعتبر ناشطون أن فكرة دخول الشاحنات التركية إلى سوريا تعتبر تمهيدًا مبدأيًا لدخول الشاحنات التركية إلى مناطق سيطرة النظام خلال الأيام القادمة بالتزامن مع إعادة بلورة فتح الطرق الدولية، وحمل هذا القرار ردة فعل من سائقي الشاحنات السورية، لتوقف مصادر رزقهم في حال دخول الشاحنات التركية إلى سوريا، وردًا على هذا القرار احتج سائقو الشاحنات في مدينة الباب الأربعاء.
ما أهمية طريق حلب – غازي عنتاب؟
يشكل طريق غازي عنتاب ـ حلب أهمية إستراتيجية ويعتبر شريان رئيسي لسوريا فهو ليس الطريق الوحيد لكنه الأكثر عملًا، حيث يصل شمال سوريا بجنوبها أي أنه يصل عدة محافظات سورية وصولًا إلى معبر نصيب في درعا والجزء الأهم منه الآن تحت سيطرة المعارضة المسلحة، وقد استماتت قوات النظام السوري خلال السنوات السابقة لبسط سيطرتها على الطريق لإعادة الحياة إلى الطرق البرية الدولية، لكنها لم تستطع لتقوم روسيا بتصعيد جوي ومدفعي يُخضع المعارضين لاتفاق جرى منتصف 2018، في مناطق سورية متعددة لكنها لم تكمل مرحلة إعادة شريان الحياة إلى سوريا.
التفاهمات التركية الروسية الآن تتمحور بخصوص الطريق الواصل بين حلب ـ غازي عنتاب، الذي يمتد من معبر باب السلامة وصولًا إلى دوار الليرمون في مداخل حلب القديمة، وتسيطر قوات المعارضة على الطريق من معبر باب السلامة إلى جنوب غرب مدينة أعزاز بينما تسيطر قسد على الطريق من بلدة مرعناز حتى بلدة دير جمال، وتسيطر المليشيات الإيرانية والشيعية على الطريق في بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين، وتسيطر هيئة تحرير الشام على الطريق من مدينة حيان حتى بلدة كقر حمرة وبعض الأحياء الواقعة على مقربة من دوار الليرمون الواقع تحت سيطرة قوات النظام، فيما يقع طريق m4، وm5، بأرياف حلب الجنوبية وإدلب الجنوبية الشرقية وحماة الشمالية وتختلف السيطرة فيهما بين قوات النظام وقوات المعارضة وتحرير الشام.
تختلف وتلتقي التفاهمات الروسية التركية بخصوص الطرق الدولية الواقعة في سوريا ولكل منهما حليف على الأرض، وربما يتخذ كل منهما خطوات غير معلنة على الحليف الذي يمتلك بقعة من الأراضي السورية
توقف العمل على الطريق منذ اندلاع الحراك الشعبي المطالب بالتغيير الديموقراطي منتصف العام 2011، وبعد انقطاعه لسنوات أعادت أنقرة وموسكو ملف الطرق الدولية إلى الطاولة، ولم تنجح المباحثات رغم طرح فكرة إعادة عمل الطرق منذ عامين في الجولة السادسة من مباحثات أستانة الخاصة بسوريا.
تختلف وتلتقي التفاهمات الروسية التركية بخصوص الطرق الدولية الواقعة في سوريا ولكل منهما حليف على الأرض، وربما تتخذ كل منهما خطوات غير معلنة على الحليف الذي يمتلك بقعة من الأراضي السورية، وعلى الرغم من فشل اتفاق سوتشي حاولت أنقرة وضع موسكو في موقف حرج إثر قصفها لمناطق أقرت كمنطقة معزولة لا تتعرض للقصف، فتركيا تستغل هذه الفرصة للحصول على ضوء أخضر روسي بإعادة السيطرة على مدن واقعة تحت سيطرة الوحدات الكردية من بينها منبج وتل رفعت وسحق أطماع النظام السوري والأطماع الإيرانية في المنطقة.
ولكن هل ستتمكن الدول الضامنة من فتح الطرق الدولية والإشراف عليها وإعادة الحياة لسوريا؟ لا يمكن نفي السعي التركي والروسي لاكتساب حليف على الأرض، وفي حال فتحت الطرق فهل تعود العلاقات التركية السورية أم أن أنقرة تبقى على موقفها من النظام السوري؟ وهل تتخلى موسكو عن الأسد؟ تساؤلات تبنى على معطيات المرحلة القادمة، فماذا سيحدث إذا فُتحت الطرق الدولية؟