خلافًا للأعراف الدبلوماسية شرع الرئيس الإيراني حسن روحاني بزيارته لمرقد الإمام موسى الكاظم في منطقة الكاظمية في بغداد قبل الاستقبال الرسمي المعد من الرئيس العراقي برهم صالح في رسالة فهمت بأولويات إيران في العراق، ويتوقع أن تستمر الزيارة لثلاثة أيام يزور خلالها الرئيس الإيراني مدينتي النجف وكربلاء، أيضًا يفترض أن تتوج بلقاء المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني الذي رفض زيارة السياسيين العراقيين، فيما فهم ضمنًا أن مرجعية النجف تريد التحدث مباشرة لصانع القرار السياسي الإيراني.
زيارة روحاني هي الأولى للعراق منذ توليه الرئاسة عام 2013 وتأتي الزيارة في ظل ملفات إقليمية ودولية متشابكة أبرزها العقوبات الأمريكية على إيران، حيث تحاول طهران من خلال هذه الزيارة إعادة تنظيم أوراقها الإقليمية، فما الذي تحمله هذه الزيارة من رسائل؟
الاقتصاد العراقي سيف بيد طهران ضد عقوبات واشنطن
في ظلال العقوبات الأمريكية تسعى طهران لجعل العراق رئة اقتصادية يتنفس من خلالها الاقتصاد الإيراني عبر رفع واقع التبادل التجاري من 12 مليار دولار سنويًا إلى 20 مليار دولار كما صرح الرئيس روحاني.
لحظة انحناء الرئيس الإيراني حسن روحاني للعلم العراقي عند استقباله من حرس الشرف في بغداد
حيث تستفيد إيران من القرار الأمريكي باستثناء العراق مؤقتًا من العقوبات الأمريكية لتعزيز صادراتها من الطاقة والسيارات والسلع الكهربائية والغذائية الأمر الذي يثير حفيظة واشنطن الساعية لدعم تنويع مصادر الاقتصاد والإنتاج العراقي وتقليل الصادرات الإيرانية له خاصة المتعلقة بملف الطاقة، حيث بلغت حجم الصادرات الإيرانية للعراق في هذا الملف بالتحديد ما يزيد على 6 مليارات دولار.
يدرك المفاوض الإيراني قدرة إيران على زعزعة الاستقرار النسبي في العراق برفع وتيرة الضغط على الأمريكان من خلال هذا الملف
فيما نوه الرئيس العراقي على وجود اتفاقيات بين البلدين لربط سكك حديد وتسهيلات للإيرانيين الذين يزورون المناطق المقدسة في العراق، ورفع التمثيل الدبلوماسي بفتح المزيد من القنصليات الإيرانية في العراق، فقد غابت اتفاقيات بشأن ملفات مهمة تؤرق الشارع العراقي من الجارة الشرقية أبرزها ملفي المخدرات الوافدة من إيران المغرقة للسوق العراقية، التي أثارت زوبعة انتقادات لرئيس الوزراء العراقي عندما صرح أن مصدر المخدرات الوافدة إلى العراق هو الأرجنتين، متناسيًا أن خط المخدرات القادم من إيران استفحل في الشارع العراقي، وملف المياه المقطوعة في فصول الجفاف التي كانت أحد مقومات الاحتجاجات التي اجتاحت الجنوب العراقي في الصيف الماضي.
رسائل الاقتصاد وحدها لا تكفي
وعلى الرغم من أن تعويل الاقتصاد الإيراني على الاقتصاد العراقي كمتنفس له يلقي بظلاله السلبية على العراق الذي ما زال يعاني من آثار الحرب، فإن الأصوات المنادية بضرورة جعل الاتفاقات تخضع لمبدأ المنفعة المتبادلة بين الطرفين لن تجد لها آذان صاغية لدى المفاوض السياسي العراقي الذي يحاول أن لا يفقد الاستقرار الأمني النسبي الذي تحقق بعد نهاية الحرب على داعش، ويدرك المفاوض الإيراني قدرة إيران على زعزعة هذا الاستقرار النسبي في العراق برفع وتيرة الضغط على الأمريكان من خلال الملف العراقي.
رغم وضوح الموقف العراقي الرافض لجعل العراق طرف في معادلة الصراع بين أمريكا وإيران أو جعل أراضيه ساحة لتصفية الحسابات، فإن تصريح الرئيس الإيراني قبيل مغادرته مطار مهرآباد في طهران بأن العلاقات بين إيران والعراق هي علاقات خاصة لا يمكن مقارنتها مع تلك التي تقيمها الولايات المتحدة مع بغداد، في رسالة واضحة أن العراق سيكون الأقرب لطهران في المعادلة
ويظهر ذلك واضحًا عبر المطالبات التي تتردد بشأن طلب إخراج القوات الأمريكية من العراق وهو مطلب إيراني بامتياز تحاول طهران تمريره عبر الشركاء العراقيين كنوع من إفراغ المنطقة من الوجود الأمريكي على الأرض خاصة بعد إعلان ترامب سحب قواته من سوريا، مبررة ذلك تحت غطاء الدعم المقدم من إيران للعراق في ملف محاربة الإرهاب.
روحاني خلال زيارته لمرقد الإمام موسى الكاظم
الرئيس العراقي بدوره خلال استقباله لنظيره كرر التصريحات العراقية المتواترة بخصوص شكر إيران على موقفها الداعم للعراق في حربه على الإرهاب، وأكد على الموقف العراقي المحايد من الصراعات الإقليمية والدولية.
ورغم وضوح الموقف العراقي الرافض لجعل العراق طرف في معادلة الصراع بين أمريكا وإيران أو جعل أراضيه ساحة لتصفية الحسابات، فإن تصريح الرئيس الإيراني قبيل مغادرته مطار مهرآباد في طهران بأن العلاقات بين إيران والعراق هي علاقات خاصة لا يمكن مقارنتها مع تلك التي تقيمها الولايات المتحدة مع بغداد، في رسالة واضحة أن العراق سيكون الأقرب لطهران في المعادلة.
الغزل الإيراني للشعب العراقي رسائل مواجهة لنفوذ واشنطن
على الرغم من تكرار السخط الشعبي العراقي من الممارسات الإيرانية في العراق المتعلقة بدعم الأحزب الدينية التي يعتبرها الشارع العراقي أبرز أسباب الشقاء والغرق في الفساد، مرورًا بقطع المياة والتجاوزات على الأراضي العراقية في شط العرب والآبار النفطية المشتركة على الحدود، وصولاً لأزمة المخدرات المستفحلة في الجنوب العراقي، فإن إيران تعول على الوازع الديني وظهر ذلك واضحًا خلال الزيارة التي استهلها روحاني بزيارة مرقد الإمام موسى الكاظم في بغداد وإعلان السفارة الإيرانية ترتيب لقاء لروحاني مع المرجع علي السيستاني.
مستقبل العراق مرهونًا بشكل كبير بتطور الحرب الباردة التي تخوضها واشنطن ضد طهران، حيث يصر الطرفان على جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات الخاصة
إضافة للدعم المستمر لعدد من فصائل الحشد الشعبي، فإن الرئيس الإيراني يحاول كسب العشائر العراقية عبر لقاءات تمت مع زعمائها وتوطيد العلاقة معهم كواجهة شعبية داعمة للنفوذ الإيراني في العراق.
رد أمريكي.. “هناك سعي لجعل العراق محافظة إيرانية”!
في أول رد رسمي أمريكي على زيارة روحاني للعراق، قال الممثل الأمريكي الخاص لإيران برايان هوك: “إيران تريد تحويل العراق لمحافظة إيرانية، وتعتزم فتح طريق عسكري سريع عبر شمال الشرق الأوسط يمكن استخدامه من الحرس الثوري لنقل الصواريخ والأسلحة والمقاتلين”.
الممثل الأمريكي الخاص لإيران برايان هوك
وتابع “الحكومة الإيرانية لا تضع الإيرانيين على سلم أولوياتها، فلماذا سيضع روحاني رفاهية الشعب العراقي على سلم أولوياته”، واختتم كلامه “إذا كان الأمر يتعلق بأمن وسيادة واستقرار العراق فإن إيران ليست الجواب”.
هذا الرد الأمريكي يجعل مستقبل العراق مرهونًا بشكل كبير بتطور الحرب الباردة التي تخوضها واشنطن ضد طهران، حيث يصر الطرفان على جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات الخاصة وبالتأكيد سيستمر العراق بدفع فاتورة هذا التوتر طالما غير قادر على تكوين موقف نابع من سيادة عراقية حقيقية.