قبل حوالي ثلاثة أسابيع، فُقدت مئات الطالبات في مدرسة نيجيرية، وقبل يومين تبنى “أبو بكر شيكو” زعيم جماعة بوكو حرام الإسلامية المتشددة عملية خطف الطالبات، معلنًا “خطفت الفتيات، سأبيعهن في السوق وفق شرع الله”.
وقال شيكو إن خطف الفتيات أثار الغضب “لأننا نحتجز أشخاصًا كعبيد”، مضيفًا أنه خطف الطالبات لأن “التربية الغربية يجب أن تتوقف” وأن على الفتيات “ترك المدرسة والزواج”.
وبعد إعلان “بوكو حرام” سرت أنباء حول احتمال نقلهن إلى تشاد والكاميرون المجاورتين حيث سيتم بيعهن مقابل 12 دولارًا لكل واحدة منهن.
وكان شيكو يشير إلى 276 تلميذة خطفن من مدرستهن في شيبوك في ولاية بورنو في 14 أبريل، وتمكنت 53 تلميذة من الفرار وما زالت 223 فتاة في قبضة الخاطفين.
وفي الدقائق الـ 14 الأولى من الفيديو الذي استغرق 57 دقيقة، انتقد شيكو الديموقراطية والتعليم الغربي ومن لا يؤمن بالإسلام.
و”بوكو حرام” هي جماعة إسلامية نيجيرية تعني بلهجة قبائل الهوسا “التعليم الغربي حرام” تنشط في شمال نيجيريا وهي حركة محظورة رسميًا، وتسعى الحركة التي يطلق عليها أيضًا اسم “طالبان نيجيريا” إلى منع التعليم الغربي والثقافة الغربية عمومًا التي ترى أنها “إفساد للمعتقدات الإسلامية” وإلى تطبيق الشريعة الإسلامية بمجمل الأراضي النيجيرية بما فيها ولايات الجنوب ذات الأغلبية المسيحية.
اختطاف الفتيات أثار ردود أفعال دولية، ومنها دعوات تطالب الولايات المتحدة بالتدخل العسكري للإفراج عن الفتيات المختطفات. وفي هذا السياق، نعرض هذا المقال، الذي كتبه “جون كامبل” سفير الولايات المتحدة السابق في نيجيريا، ونُشر لأول مرة في مجلة “فورين آفيرز” الأمريكية، في 9 سبتمبر من عام 2011.
ترجمة نهى خالد
كيف ُيمكن مواجهة خطر الإسلام المتطرف الصاعد في نيجيريا!
في السادس والعشرين من أغسطس 2011، قاد انتحاري سيارة هوندا مفخخة إلى مقر الأمم المتحدة في العاصمة النيجيرية أبوجا، ليقتل 23 ويصيب 81 آخرين. أعلنت “بوكو حرام” حركة إسلامية راديكالية تشن هجماتها اليومية في الشمال منذ فترة، مسؤوليتها عن الهجوم، وقال البعض إن أساليب الحركة المعقدة دليلٌ على صلات تربطها بتنظيمات الإرهاب الدولية، على الأغلب تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، أو الشباب في الصومال. من قبل الهجوم، كانت كلٌ من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل قد أعلنت عن تأييدها تزويد الحكومة النيجيرية بدعم لمواجهة الإرهاب. الآن، يكتسب هذا الحل زخمًا كبيرًا، ولكنه قد يزيد الأمور سوءًا – لنيجيريا ولواشنطن كذلك – والتي لا تستطيع أن تجازف بعلاقاتها مع أكبر كُتلة مسلمة في أفريقيا.
منذ انتخابه لرئاسة نيجيريا في أبريل 2011 سلك “جودلاك جوناثان” سياسة أمنية محضة في التعامل مع بوكو حرام، إذ وضع أعدادًا كبيرة من الجيش والشرطة في الشمال، خاصة في مايدوجوري – مدينة على حدود الصحراء الكبرى بالقُرب من الحدود مع تشاد – وكذلك في ولايتيّ باوتشي وبُرنو، ورُغم الانتماءات المختلفة، العرقية والدينية والمحلية لأفراد الجيش والشرطة، إلا أن القليل جدًا منهم ينتمي للمناطق التي يخدم فيها، ويُمكن بسهولة أن تنشب عداوات بينهم وبين السكان المحليين. على سبيل المثال، إثر انفجار بمايدوجوري، أفادت وكالة أمنستي إنترناشُنال لحقوق الإنسان أن الجيش النيجيري “رد الهجوم بإطلاق النار والقتل العشوائي الواضح قبل أن يحرق سوقًا بأكمله”، يدلل على هذه الرواية نزوح أعداد كبيرة من سكان تلك المنطقة، وكذلك مطالبة الكثير من القيادات المحلية بخفض عدد القوات المتواجدة في مناطق سكنهم.
حريٌ بإدارة الرئيس أوباما، بدلًا من المساهمة في جهود أبوجا العسكرية الشديدة، أن تضغط على الرئيس جوناثان للتعامل مع مشكلات البلد السياسية الرئيسية: (الفقر والفساد، والإحساس بالظُلم والعُزلة لدى سكان الشمال الذي يترتب على ذلك)، وهي العوامل التي تساهم بقوة في شعبية بوكو حرام.
الاعتقاد بأن بوكو حرام تنظيم إرهابي منظّم أو عصيان مسلح تقليدي هو خطأ كبير. فحتى اسمها – والذي يُتَرجَم عادة لـ “التعليم الغربي حرام” – يشير لكيان أكثر تنظيمًا مما هو في الحقيقة، وهو اسم يستخدمه من هم خارج الحركة كالشرطة والإعلام.
في الواقع، بوكو حرام هي تكتُّل لحالة غضب بدائية شكلّها بالأساس الدين الإسلامي، فهي بلا قيادة مركزية، وهجماتها تبدو غير منسقة أو مترابطة، إلا أن هذه الطبيعة قد تتغير؛ ففي منتصف يونيو 2011، أطلقت الحركة مدوّنة على الإنترنت لتمثل المنظمة، غير أن المدوّنة لم يتم تحديثها منذ يوليو 2011.
خطاب الحركة – والذي يمثله متحدثون على تواصل مع صُحف ناطقة بالإنجليزية، وأئمة يخطبون بلغة الهوسا في المساجد والشوارع، ومنشورات مجهولة – تستند لتقليد محلي طويل من الإصلاح الإسلامي الراديكالي الذي يركّز على العدالة تجاه الفقراء عبر تطبيق الشريعة، المنتسبون للحركة عامة يكنون عداوة لقيادة نيجيريا العلمانية والنُخبة المسلمة التي يعتقدون أن الدولة نجحت في احتوائها.
ظهرت بوكو حرام من وسط هذا التقليد، ومن وسط مجموعة منعزلة مليئة بالمتطرفين قادها الداعية الشاب المفوّه “محمد يوسف” الذي تمركز أتباعه في مايدوجوري. في عام 2009، قاد يوسف عصيانًا دمويًا قمعته السلطات العلمانية بصعوبة. أسباب نشوب العنف لا تزال مجهولة، غير أنه يُعتَقَد أنها مرتبطة بخلاف على مسألة ارتداء الخوذة أثناء قيادة الدراجات البخارية. في أعقاب المواجهات، تم قتل يوسف وحماه وعدة أشخاص آخرين بوقاحة شديدة، وهو ما وهب الحركة أيقونات “شهدائها”، تباعًا، استكملت بوكو حرام نشاطاتها سرًا وأعادت ترتيب صفوفها.
تتراوح أهداف بوكو حرام بين إطلاق سراح مؤيديها من السجون، إلى تطبيق الشريعة في المناطق التي تتمركز فيها، إلى تأسيس دولة الإسلام لتحل محل الدولة العلمانية.
قبل الهجوم على مقر الأمم المتحدة، كانت معارك بوكو حرام كلها محلية، مستهدفةً المنشآت والأشخاص الذي اعتبرتهم غير إسلاميين أو متعاونين مع الحكومة الفيدرالية النيجيرية، مثل ثكنات الجيش، ونقاط تفتيش الشرطة، والحانات، وبيوت الدعارة، وموظفي الدولة المحليين أو الفيدراليين، وفي أحيان نادرة، الكنائس والقساوسة.
تصاعدت هجمات بوكو حرام مؤخرًا، وأصبحت أكثر تعقيدًا، واجتذبت الكثير من الشباب العاطلين عن العمل. هناك اعتقاد منتشر في الشمال بأن جوناثان زوّر الانتخابات في أبريل 2011، في مواجهة المرشح المسلم الشمالي محمدو بوهاري. بعد إعلان النتائج، قتل مسلحون في الشمال حوالي 800 في غضون ثلاثة أيام، وتم حرق منازل القيادات المسلمة التي اعتقد البعض أنها ساندت جوناثان.
بدلاً من الاستجابة للضغط الشعبي وتوسيع دائرة الحُكم لتشمل مسلمين من الشمال، أحاط جوناثان نفسه بأشخاص من عرقية الإيـجاو (Ijaw) التي ينتمي لها، وآخرين من ولايته الجنوبية “بايلسا ودلتا النيجر”، زاد الطين بلة محاولاته – التي فشلت لاحقًا – تمديد الفترة الرئاسية من أربع إلى ست سنوات، ودعمه للقرار الدستوري المعيب الذي أصدره المجلس القضائي القومي بتنحية رئيس محكمة الاستئناف عن منصبه، والذي كان ينظر في الطعون على انتخابات 2011.
جوناثان في أمسّ الحاجة لمعالجة عداء الشمال له، والذي تُعَد بوكو حرام إحدى أعراضه لا أسبابه. يمكن لواشنطن أن تدفعه لمواجهة الفساد المستشري في الدولة والمجتمع في نيجيريا، وهو طريق طويل للتعامل مع المظالم السياسية والاقتصادية الواقعة على الشمال، والتي تحفز على العُنف من جانب بوكو حرام، وتزوّدها بشعبيتها.
هناك أساليب واضحة للولايات المتحدة لدعم طريق كهذا، إذا أبدى جوناثان التزامًا بإصلاح الجيش والشرطة، يمكن للولايات المتحدة أن توفر له التدريب اللازم لتحسين التعامل مع المدنيين، يمكنها أيضًا دعم استراتيجية نيجيرية ليكون التعليم أكثر قبولاً عند المسلمين، وهناك بالفعل تجارب ناجحة لحكّام ولايات في الشمال بنوا الكثير من مؤسسات “المدرسة” الإسلامية التقليدية، وأضافوا لمناهجها العلوم الحديثة.
إذا امتنع جوناثان عن ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن توطد من علاقاتها مع الشمال بنفسها، وأن تطلق مبادراتها الدبلوماسية الهادئة، بدايةً من إنشاء قنصلية في كانو، القنصلية ستيسّر التبادل الأكاديمي بين الأمريكيين والنيجيريين، خاصة العلماء المسلمين، وستطلق العنان للبرنامج المدعوم أمريكيًا لتصنيف وحفظ المخطوطات الإسلامية – وهي سياسة معروفة في تأكيد أهمية الثقافة الإسلامية للشمال -، خطوات كهذه ستغيّر من الاعتقاد السائد في الشمال بأن الولايات المتحدة عدو للإسلام.
وحتى إذا اتسعت بوكو حرام في عملياتها ونجحت في التواصل مع تنظيمات إرهابية دولية، فإن إدارة أوباما لا يجب أن تجعل الهوس بمحاربة الإرهاب يطغى على استراتيجياتها الدبلوماسية، اليد الباطشة قد تستعدي 75 مليون مسلم في نيجيريا تكفيهم المظالم الواقعة عليهم في الشمال؛ وهو ما قد يؤدي في النهاية إلى تقويض وحدة نيجيريا نفسها – أمرٌ لن تستطيع أن تتعامل معه واشنطن أو أبوجا -.