ترجمة حفصة جودة
بينما تشهد الجزائر الأسبوع الثالث من الاحتجاجات ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لفترة خامسة، أصبح واضحًا للغاية أن ترشحه غير ممكن سياسيًا، فكل يوم وكل ساعة تمثل ضربة موجهة لما كان من المفترض أن يكون رئاسة مدى الحياة لبوتفليقة الذي دخل المستشفى في سويسرا منذ 24 من فبراير وعاد إلى البلاد ليلة الأحد فقط.
في هذا الأسبوع أعلنت منظمتان كانتا تشكلان جزءًا تقليديًا من هيكلة البلاد، انشقاقهما وتحولهما إلى المعارضة أولهما منظمة المجاهدين الوطنية “NOM” التي تضم المحاربين القدامى في حرب استقلال الجزائر، وتحمل المنظمة بوتفليقة مسؤولية موجة الاحتجاجات الجارية التي اجتاحت البلاد منذ 22 من فبراير، واستنكرت التحالف غير الطبيعي بين الأشخاص المؤثرين في السلطة والأشخاص الذين فتحوا الأبواب للسيطرة على الأموال العامة.
تراجع الدعم
حصل المتظاهرون أيضًا على دعم أعضاء سابقين في وزارة التسليح والاتصال العام التي كانت حجر الأساس في إقامة المخابرات العسكرية الجزائرية، وفي بيان لها رحبت المنظمة بالزخم الرائع للاحتجاجات واستنكرت محاولات تخليد النظام الذي وصل إلى حده الأقصى ويخاطر بدفع البلاد نحو خطر جسيم.
“لقد انتهت بالفعل الولاية الخامسة والأحداث القادمة بعد ذلك ما يجب أن نهتم به”
هذان الانشقاقان لهما أهمية قوية في إضعاف الانتخابات الرئاسية المقبلة المزمع إقامتها يوم 18 من أبريل، وقال رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية السابق السعيد سعدي: “لقد انتهت بالفعل الولاية الخامسة والأحداث القادمة بعد ذلك ما يجب أن نهتم به”.
لقد وصلت الجزائر إلى تلك النقطة بسبب عدة عوامل متنوعة أولها وأهمها موجة الاحتجاجات التي بدأت الشهر الماضي بسبب دعوات مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد انطلق عشرات الآلاف في الشوارع بالمدن الرئيسية للبلاد وازدادت قوة الاحتجاجات الأسبوع الماضي.
لقد اكتشف الشارع قوته وقدرته ولم يرغب في الاستسلام، كانت هذه الاحتجاجات السلمية المنظمة قد أظهرت جانبًا غير متوقع للمجتمع الجزائري.
من يصلح للقيادة؟
مع موجة انفجار الشارع الجزائري وجد المرشحون المحتملون للرئاسة أنفسهم خارج المأزق الذي كانوا يواجهونه، فقد كانوا يعلمون أنهم لا يملكون أي فرصة طالما أن بوتفليقة أحد المرشحين وكانوا متأكدين من إعادة انتخابه نظرًا لثقل الإدارة وتفكك المعارضة، لذا انتهزوا فرصة الاحتجاجات للاقتراب من الشارع الجزائري.
قدم علي بن فليس رئيس الحكومة السابق الذي خاض الانتخابات ضد بوتفليقة مرتين، أوراق ترشحه قبل الانسحاب، بينما انسحب بالفعل عبد الرازق مقري رئيسة حركة مجتمع السلم الجزائرية، كما انسحب عبد العزيز بلعيد رئيس حزب جبهة المستقبل.
من جانبه تقدم بوتفليقة بأوراق ترشحه يوم 3 من مارس من خلال مدير حملته وكان غياب الرئيس قد أثار تساؤلات عن قانونية تلك الإجراءات، وبخلاف الإجراءات يبقى السؤال الأساسي قائمًا: هل بوتفليقة مناسب لإدارة البلاد رغم حالته الصحية السيئة؟
مظاهرات الجزائر ضد الولاية الخامسة لبوتفليقة
كان بوتفليقة قد سافر رسميًا إلى سويسرا الشهر الماضي لإجراء فحوصات روتينية، وفي العادة كانت تلك الفحوصات تستغرق عدة أيام فقط، أما هذه المرة فقد طالت مدة الزيارة وقالت الصحافة السويسرية إنه في حالة صحية سيئة، ووفقًا للصحافة السويسرية فإن بوتفليقة منذ إصابته بالسكتة الدماغية في أبريل 2013 وهو غير قادر على الحركة وحده أو التحدث بصوت مسموع، كما أنه يحتاج إلى مراقبة دائمة لمشكلاته الطبية.
بالنسبة للمعارضة يعد ذلك سببًا كافيًا لإبطال ترشحه، لكن الطيب بلعيز الموالي لبوتفليقة أصبح رئيس المجلس الدستوري الجزائري الذي يوافق على طلبات الترشح، ومن المفترض أن يعلن القائمة النهائية للمرشحين يوم 14 من مارس وستعد لحظة حاسمة في مستقبل البلاد.
عزل بوتفليقة
في الوقت نفسه تقوم المعارضة بعدة خطوات للتخلص من الدعم الذي يتمتع به بوتفليقة دائمًا في عدة دوائر، وإذا كانت من الصعب إقناع منظمة بأكملها لتغيير فريقها فإن المعارضة تستهدف شخصيات بارزة بداخلها، ومن بين ذلك استقالة عبد المالك سلال رئيس حملة بوتفليقة السابق.
في النهاية، يبدو أن بوتفليقة رجل وحيد وسط انتشار الشائعات بأن أخيه سعيد – الذي يُعتقد أنه الحاكم الرئيسي للبلاد خلف الستار – يعاني من مشكلات صحية، لذا في هذا السياق من الصعب بالفعل أن نشهد ترشح بوتفليقة للانتخابات القادمة، فضلًا عن تخيل فوزه مع وقوف الجزائر على حافة الانقسام، يقول وزير سابق: “لم يعد بوتفليقة قادرًا على إدارة الجزائر، وتمسكه بالسلطة يعرض البلاد لخطر شديد”.
الأمر المؤكد الوحيد أن بوتفليقة فقد قبضته على السلطة، لقد بدأت مرحلة جديدة وسوف تستمر من دونه، وقد يستغرق الأمر عدة أيام أو عدة أسابيع، لكن المجهول الذي نواجهه هو كيفية ترتيب مخرج مناسب دون وقوع الكثير من الضرر.
المصدر: ميدل إيست آي