أيام قليلة تفصل الأوكرانيين عن الماراثون الانتخابي الأكثر إثارة وجدلاً في وقت تعاني فيه البلاد من أوضاع مأساوية على كل المستويات عمقت من وقع الأزمة الاقتصادية والسياسية الراهنة التي وضعت كييف تحت مجهر الاهتمام لا سيما أنها حتى كتابة هذه السطور ساحة نزاع بين روسيا من جانب وأوروبا وأمريكا من جانب آخر.
في الـ31 من مارس الحاليّ يتوجه الناخبون صوب صناديق الاقتراع لاختيار الرئيس الجديد للبلاد، خلفًا للرئيس المنتهية ولايته بيترو بوروشينكو الذي يخوض المعركة للفوز بولاية جديدة، في ظل منافسة شرسة من بعض الأسماء المرشحة على رأسها الشقراء، رئيسة الوزراء السابقة، يوليا تيموشينكو.
العديد من العوامل ستحدد هوية الرئيس الجديد إلا أن الأجواء المحيطة بالعملية الانتخابية في ظل حالة الترقب الدولي لسيرها لا سيما من الجانب الروسي الذي شكك ابتداءً في شرعية إجراء تلك الانتخابات، والمخاوف من نشوب أي مناوشات قد تصل وفق بعض التقديرات إلى حرب أهلية حال خسارة مرشح بعينه، فرضت حالة من الاهتمام غير الطبيعي على تلك الانتخابات.. فهل تحمل الأيام القادمة أي مفاجآت؟
21 مرشحًا واستبعاد الحسم المبكر
من بين 46 متقدمًا لخوض الانتخابات، وبعد انسحاب مرشحين عقب قبول تسجيلهما، هما وزير السياسة الاجتماعية السابق نتاليا كوروليفسكايا، وعضو البرلمان عن حزب الأقاليم أوليغ تساريوف، تم الاستقرار على 21 مرشحًا في السباق نحو الكرسي الرئاسي وفقًا للجنة الانتخابات المركزية.
يتصدر قائمة المنافسين بجانب الرئيس المنتهية ولايته ورئيسة الوزراء السابقة، رجل الأعمال فاديم رابينوفيتش، وهو رئيس “المؤتمر اليهودي لعموم أوكرانيا”، وديمتري ياروش زعيم “القطاع اليميني”، وأوليغ لاشكو زعيم “الحزب الراديكالي”، وميخائيل دوبكين رئيس بلدية منطقة خاركوف السابق، ونيقولاي مالوموج الرئيس السابق للاستخبارات الأوكرانية الخارجية، وبيوتر سيمونينكو زعيم “الحزب الشيوعي الأوكراني”، وأولغا بوغوموليتس طبيبة وناشطة في الميدان.
وفق استطلاعات الرأي من الصعب حسم المعركة من جولتها الأولى التي تتطلب حصول المرشح على 50% +1، إلا أن المؤشرات تقود إلى تقدم الرئيس بيوتر بوروشينكو بـ44.6% من نوايا التصويت، تليه يوليا تيموشينكو مع 40.8% وذلك بحسب الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة “المبادرة الديموقراطية” الأوكرانية في 21 من مايو/آيار الماضي.
رئيس “المركز الأوكراني للتحليل المنهجي والتبوّء” روستيسلاف إيشينكو، في لقاء نشر على موقع “سفوبودنايا بريسا. رو”، استبعد فوز بوروشينكو من الجولة الأولى
وفي استطلاع آخر أجراه مركز الدراسات الاجتماعية “سوتسيس”، نال خلاله بوروشينكو 33.9%من نوايا التصويت، فيما اختار تيموشينكو 6.5% من المستطلعة آراؤهم، وقد جاءت هذه النتائج متقاربة مع نتائج استطلاع “معهد كييف الدولي للدراسات الاجتماعية” الذي نال بوروشينكو بموجبه 34%، مقابل 5.7% لتيموشينكو، كما لم تختلف الأرقام كثيرًا مع نتائج استبيان مجموعة “ريتينغ” الاجتماعية التي انتهت إلى 34.1% لمصلحة بوروشينكو، و7.2% لتيموشينكو.
رئيس “المركز الأوكراني للتحليل المنهجي والتبوّء” روستيسلاف إيشينكو، في لقاء نشر على موقع “سفوبودنايا بريسا. رو”، استبعد فوز بوروشينكو من الجولة الأولى، فالتوتر بدأ يظهر على أدائه في الفترة الأخيرة، “فهو يلحّ في إقناع الجميع أنه سيفوز من الجولة الأولى، ويبدو أنه يدرك شخصيًا أن حظوظه تضاءلت”، على حد قوله.
أما تيموشينكو فتؤمل نفسها بحسم المعركة عبر التعهد ببذل الجهد لضم بلادها إلى المظلة الأوروبية، ففي برنامج “المناظرات الوطنية” على القناة الأوكرانية الوطنية الأولى، قالت: “أول شيء سأفعله، هو التشاور لتقديم طلب لانضمام أوكرانيا الكامل إلى الاتحاد الأوروبي، مع جميع المعايير والتعديلات الإستراتيجية”، كذلك تعهدت بإجراء استفتاء لضم بلادها إلى حلف الناتو.
دعاية انتخابية لرئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو
6 عوامل مؤثرة
العديد من العوامل تلعب دورًا محوريًا في رسم خريطة الماراثون الانتخابي، كونها المحاور الأبرز التي يعزف على أوتارها المتنافسون لما تمثله من أهمية إستراتيجية للشعب الأوكراني، ورغم أن بعضها قديم باق والآخر جديد، فإنها تعد علامة فارقة في تحديد هوية الرئيس القادم.
يتصدر تلك العوامل، الديموغرافيا وتوزيع الأقاليم جغرافيًا، ورغم أن هذا العامل قديم فإن له دور محوري في التأثير على العملية الانتخابية، كونه يرتبط بعدد من العوامل الأخرى، كالثقافة واللغة والروابط الاجتماعية، فمن المعروف أن المناطق الجنوبية والشرقية المتاخمة للحدود مع روسيا كانت قبل 2013 و2014 أكثر المناطق الداعمة للمرشحين الموالين لموسكو أو المحسوبين عليها، إضافة إلى انتشار اللغة الروسية هناك بصورة كبيرة.
لكن مع ضم روسيا للقرم واشتعال الحرب ضد الموالين لروسيا في الشرق تغيرت المعادلة بصورة كبيرة لصالح المناوئين لموسكو والموالين للغرب، وتشير التقديرات إلى أن المرشحين الموالين لروسيا فقدوا بسبب تلك التطورات قرابة 3.5 مليون صوت في تلك المنطقة، ولعل هذا وراء انسحاب المرشح يفهيني مورايف، المعروف ولائه لروسيا.
مصادر الغاز أحد أبرز العوامل المؤثرة في المسار الانتخابي الأوكراني، إذ ظل عامل نجاح للموالين لروسيا ترفع به أسهمهم قبيل أي انتخابات، وتعطيهم الضوء الأخضر للتأكيد على أن أسعاره ستتراجع لا محال
كذلك يمثل عامل العمر محورًا مهمًا في التأثير في المشهد، ففئة الشباب صغيري السن من المتوقع أن يرجحوا كفة الموالين للغرب الذين يرفعون شعارات التقارب والعضوية في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بعد تحقيق معاييرهم المتقدمة في شتى المجالات، أما كبار السن فيميلون – بحسب المناطق – إلى الموالين لروسيا أو إلى الحياد.
هناك أيضًا مسألة الحرب والأمن، كونها من العوامل المؤثرة، وقاسم مشترك يوحد جميع المرشحين، لكن كلاً منهم ينظر إليه من زاوية مختلفة، فالموالون لروسيا يروجون لفكرة السلام والحوار مع موسكو فيما يعزف الموالون للغرب على أوتار التقارب مع الناتو والحصول على مساعدته ومساعدات الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك تعد مصادر الغاز أحد أبرز العوامل المؤثرة في المسار الانتخابي الأوكراني، إذ ظل عامل نجاح للموالين لروسيا ترفع به أسهمهم قبيل أي انتخابات، وتعطيهم الضوء الأخضر للتأكيد أن أسعاره ستتراجع لا محالة، لكن مع تغير الدفة عبر التوجه نحو استيراد الغاز من أوروبا بأسعار أقل من الغاز الروسي، فقد هذا العامل أهميته بالنسبة لترجيح كفة الموالين لموسكو.
والغاز هو عصب الاقتصاد والمواصلات والتدفئة في أوكرانيا، ولهذا تركز حملات بعض المرشحين عليه، متعهدة بخفض أسعاره بنسب قياسية تصل حد اللامنطق، إذ تعهدت زعيمة حزب الوطن يوليا تيموشينكو بخفض أسعار الغاز إلى النصف (ما يعادل ربع دولار تقريبًا)، في حين تعهد زعيم “حزب البسطاء” سيرهي كابلين بخفض أسعاره إلى ربع ما هي عليه الآن.
الانفتاح مع دول أوروبا وكثير من دول العالم كان بدوره عاملاً مهمًا في هذا المضمار، فتشريع حريات داخلية دون قيود تذكر، واتفاقيات لإلغاء نظام التأشيرة، وللتجارة الحرة مع عدة دول وأسواق عالمية فتحت للأوكرانيين متنفسًا للحركة وآفاقًا لعمليات التصدير بعد إغلاق الأسواق الروسية، ولعل هذا العامل أحد أبرز الأوتار التي يعزف عليها الرئيس بوروشينكو في حملته، ناسبًا ما تحقق فيها لنفسه.
وآخر العوامل التي تلعب دورًا كبيرًا في تحديد اسم الرئيس القادم، تطبيق قانون اللامركزية، وانتهاء نظام الاعتماد على السلطات في العاصمة أو في الإدارات الإقليمية، ولعل هذا ما فطنت إليه تيموشينكو مبكرًا التي بدأت فعليًا حملتها الانتخابية قبل نحو عام كامل من خلال مراكز وحملات خدمية في المدن وأحيائها رفعت شعبيتها إلى مستويات متقدمة ومنافسة بعد تراجع غير مسبوق.
وصفت موسكو رفض سلطات أوكرانيا اعتماد المراقبين الروس بأنه “انتهاك سافر لالتزاماتها الدولية في مجال الإجراءات الانتخابية المعترف بها دوليًا”
الخوف من شبح الانقلاب
العديد من المخاوف تنتاب الأوكرانيين والمقربين من دوائر صنع القرار بشأن ما ستفرزه صناديق الاقتراع في ظل حالة الاستقطاب التي تسيطر على المشهد السياسي خلال السنوات الأخيرة، وهو ما دفع بعض المحللين إلى توقع سيناريوهات غير مبشرة عقب إعلان نتائج الانتخابات.
رئيس “المركز الأوكراني للتحليل المنهجي والتبوّء”، يعتبر أنه رغم صعوبة حسم المعركة من جولتها الأولى، فإنه وفي حال حدوث المفاجأة وفاز بوروشينكو، فهذا لا يعني أن تيموشينكو ستوافق على النتائج، إذ إن من المتوقع أن يكون لها رد فعل غير متوقع.
إيشينكو يحذّر أنه في حال اعترضت تيموشينكو على النتائج، “فستكون أوكرانيا أمام مشكلة جديدة، وخصوصًا إذا تمكنت من جمع عدد كافٍ من المقاتلين، ويمكن بالتالي أن يحدث انقلاب جديد على السلطة”، وهو السيناريو الأكثر خطورة وتهديدًا لأمن واستقرار الشارع الأوكراني.
في حديث المحلل الأوكراني عن “المقاتلين”، إشارة واضحة إلى “اتحاد باتكيفشينا لعموم أوكرانيا” الذي تتزعمه السيدة الشقراء، ويتبع له تنظيم مسلّح، وفي إطار هذا التنظيم، ينضوي القائم بأعمال رئيس الوزراء حاليًّا، أرسيني ياتسينيوك.
تشكيك روسي في قانونية الانتخابات
تشكيك روسي
شككت موسكو في قانونية إجراء الانتخابات الأوكرانية، فعلى لسان رئيس مجلس الدوما (البرلمان) الروسي، سيرغي ناريشكين، قال: “لا شك في أن شرعية الانتخابات الرئاسية الأوكرانية تستدعي شكوكًا كبيرة للغاية، فمن الواضح للعيان أن الموقف يزداد تأزمًا كل يوم مع الحملة العسكرية التي تتم الآن في جنوب شرق أوكرانيا، وبالطبع، فإن شرعية الانتخابات، في ظروف كهذه، تبقى موضع شك كبير”.
فيما توقع الممثل الدائم لروسيا في الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، حدوث توترات عقب الانتخابات، قائلاً في حديث صحفي: “بعد الانتخابات في أوكرانيا، يمكن انتظار صدامات جدية ضمن نخبة كييف”، هذا في الوقت الذي تتداول فيه الصحافة الروسية ما جاء على الموقع الرسمي لـ”لجنة الدفاع عن الصحافيين الدولية”، يوم 23 من مايو الماضي، من إدانة لممارسات السلطات الأوكرانية التي لا تسمح بدخول الصحافيين الروس إلى أوكرانيا لتغطية الانتخابات الرئاسية.
وقد جاء في إعلان اللجنة: “إذا كانت السلطات الأوكرانية تسعى لبناء دولة ديمقراطية، فإن عليها التوقف عن إبعاد الصحافة عن تغطية الأحداث في هذه البلاد، وخصوصًا الانتخابات الرئاسية”.
وفي الإطار ذاته أعلنت وزراة الخارجية الروسية، الشهر الماضي، قرارها بعدم إرسال مراقبين لمتابعة الانتخابات الرئاسية القادمة في أوكرانيا، وذلك لدواعٍ أمنية، وفي بيان لها ذكرت أن المكتب المعني بالمؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي تلقى بلاغًا رسميًا من وزارة الخارجية الأوكرانية بشأن رفض كييف اعتماد مواطنين روس كان من المقرر وصولهم إلى أوكرانيا في أقرب وقت لمتابعة الانتخابات الرئاسية في هذا البلد ضمن بعثة المراقبة التابعة للمكتب.
ووصفت موسكو رفض سلطات أوكرانيا اعتماد المراقبين الروس بأنه “انتهاك سافر لالتزاماتها الدولية في مجال الإجراءات الانتخابية المعترف بها دوليًا”، مضيفة أن غياب مراقبيها في أوكرانيا في أثناء انتخاباتها الرئاسية (المقررة في 31 من مارس المقبل)، إضافة إلى حرمان ملايين المواطنين الأوكرانيين من إمكانية الإدلاء بأصواتهم داخل أراضي روسيا، “يضع موضع الشك شفافية نتائج الاقتراع القادم وموضوعية نتائجه”.