ترجمة وتحرير: نون بوست
ساهم التوغل الذي قاده خليفة حفتر داخل منطقة الجنوب الغربي في منحه السيطرة على ثلثيْ البلاد، كما مكّن التدخل العسكري المارشال الليبي القوي من البقاء في الطليعة، بالإضافة إلى منحه، في ظل الدعم الدولي، سلطة اختيار شروط التسوية الليبية المستقبلية، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
في الحقيقة، اشتدّت قوة قائد الجيش الوطني الليبي، حفتر، بعد الهجوم الذي كلّل بالنجاح في منطقة الجنوب الغربي، غير الخاضعة للقانون في معظمها، إذ أفاد بعض المراقبين أنه أصبح يحظى بالسلطة لفرض شروطه على منافسه رئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها في طرابلس، فايز السراج. علاوة على ذلك، مكّن التدخل العسكري في منطقة فزان، حفتر من الاستحواذ على ثلثي البلاد، إلى جانب معظم المعابر الحدودية والعديد من المنشآت النفطية الرئيسية، بما في ذلك حقول النفط الكبيرة في صحراء مرزق.
تأجلت مخططات المبعوث الخاص للأمم المتحدة، غسان سلامة، التي تهدف إلى عقد مشاورات وطنية أو مؤتمر وطني سابق للانتخابات
في هذا السياق، التقى المتنافسان في أبو ظبي في 27 فبراير/ شباط، ومن المرجح أن يلتقيا مرة أخرى خلال الأسبوع المقبل في محاولة جديدة لوقف الحرب الأهلية المستمرة منذ ثماني سنوات والتي جعلت البلاد فريسة للمتجرين بالأشخاص والميليشيات. وقد خلّف الوضع في ليبيا تداعيات هائلة على سياسات الهجرة في أوروبا. فضلا عن ذلك، أعلن اجتماع فبراير/شباط، الذي حضرته البعثة الخاصة للأمم المتحدة، عن التزام علني غامض بإجراء انتخابات ديمقراطية هذه السنة، لكن دون موعد مقرر، إلى جانب رفع الحظر المفروض على إنتاج النفط في أكبر حقل في ليبيا، حقل الشرارة للنفط.
منذ ذلك الحين، أفاد سراج أن كلا الطرفين قد اتفقا على إجراء انتخابات هذه السنة، والعمل على التوصل إلى تسوية مدنية. وفي الصيف الماضي، أُعلن عن تعهد مماثل لإجراء الانتخابات بحلول شهر ديسمبر/كانون الأول، لكن، فشل الطرفان في احترام الموعد النهائي، ويعود سبب ذلك جزئيًا إلى الخلافات حول تسلسل الانتخابات، بما في ذلك الاستفتاء بشأن إصدار دستور.
كما تأجلت مخططات المبعوث الخاص للأمم المتحدة، غسان سلامة، التي تهدف إلى عقد مشاورات وطنية أو مؤتمر وطني سابق للانتخابات. وعلى الرغم من قبول المجتمع الدولي لفكرة الحوار، إلا أن بعض الجماعات في غرب ليبيا تخشى من أن السراج قد يوافق على إبرام صفقة مع حفتر ومؤيديه في شرق البلاد، بسبب الضغط الدولي.
علاوة على ذلك، توجّه رئيس المجلس الأعلى للدولة والمعارض القوي لحفتر، خالد المشري، إلى الدوحة للتشاور مع أمير قطر. ولطالما دعمت قطر الميليشيات في غرب البلاد، في حين دعمت كل من مصر والإمارات وفرنسا سياسات حفتر المعادية للإسلام. في هذا الإطار، زعم المشري أن حفتر لا يسعى إلى ترسيخ مبدأ الديمقراطية، بل يطمح إلى إدارة البلاد بنفس القبضة الحديدية التي اعتمدها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي.
قال سفير المملكة المتحدة السابق في ليبيا، بيتر ميليت، إن الاجتماع الذي جمع بين كل من السراج وحفتر في أبو ظبي يجب أن يعتبر جزءا من الجهود التي يبذلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة، لإحياء العملية السياسية في ليبيا
وفي إشارة إلى ما يعتريه من قلق حيال التطوّر السريع للأحداث، خفّض فايز السراج رتبة اللواء السابق عبد الرحمن الطويل إلى عميد ركن وأنهى خدمته العسكرية إثر ذلك. وقد أُقيل الطويل بعد أن أبدى ترحيبه بانتصارات حفتر في منطقة فزان.
من جهته، قال سفير المملكة المتحدة السابق في ليبيا، بيتر ميليت، إن الاجتماع الذي جمع بين كل من السراج وحفتر في أبو ظبي يجب أن يعتبر جزءا من الجهود التي يبذلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة، لإحياء العملية السياسية في ليبيا. وأضاف ميليت أن المؤتمر الوطني الذي اقترحه سلامة مازال يمثّل الحلّ الوحيد للأزمة، كما أن انتقال حفتر إلى الجنوب يعني أنه يحكم سيطرته في الوقت الراهن على غالبية حقول النفط الساحلية في ليبيا.
في هذا الإطار، قال ميليت: “يجب أن يكون حفتر جزءًا من الحل، لكنه يجب أن يخضع للمراقبة المدنية أيضا. وإذا أراد أن يكون رئيسًا، فينبغي عليه أن يترشح بصفته مدنيا، ولكن لم يسبق مثيل لهذه الوضعية، كما أنه لا يوجد أساس دستوري لإجراء انتخابات رئاسية”، مضيفا أنه “يجب أن تتوفّر في الانتخابات التي ستُجرى هذه السنة الاستعدادات الأمنية والتشريعية والدستورية اللازمة، ويجب أن تضمن توحيد المؤسسات السياسية والاقتصادية والأمنية الليبية. وهذا يتطلب استعدادات دقيقة ومفصلة. كما يعتبر سلامة أفضل شخص يضطلع بهذه المهمة”.
يبدو أن اجتماع أبو ظبي أدى إلى إبرام اتفاق على المدى القصير، الذي يمكن لرئيس مجلس إدارة المؤسسة النفط الوطنية الليبية، مصطفى صنع الله، أن ينهي بموجبه حالة الإغلاق المفروضة ذاتيا، والتي تُعرف أيضًا باسم القوة القاهرة، لحقل الشرارة الليبي
وأورد ميليت أنّ “أولئك الذين يعارضون خطط سلامة إما يسعون لتحقيق أجنداتهم الشخصية أو أنهم يحاولون الحفاظ على الوضع الراهن من أجل خدمة غاياتهم الأنانية”. وأضاف أن المؤتمر الوطني المقترح يجب أن يمضي قُدماً “ويضع خريطة طريق سياسية واقتصادية وأمنية حقيقية تخدم الشعب الليبي ككل”.
في الوقت الحالي، يبقى أن نرى ما إذا كان حفتر ملتزمًا حقًا بإجراء عملية ديمقراطية أم أنه، كما يخشى البعض، يستعد للسيطرة على مزيد من الأراضي غرب البلاد قبل التوجه في نهاية الأمر إلى طرابلس، التي تعتبر المعقل الرئيسي للمقاومة بالنسبة إليه.
ويبدو أن اجتماع أبو ظبي أدى إلى إبرام اتفاق على المدى القصير، الذي يمكن لرئيس مجلس إدارة المؤسسة النفط الوطنية الليبية، مصطفى صنع الله، أن ينهي بموجبه حالة الإغلاق المفروضة ذاتيا، والتي تُعرف أيضًا باسم القوة القاهرة، لحقل الشرارة الليبي، الذي يملك قدرة إنتاجية تصل إلى 300 ألف برميل من النفط الخام يوميا. وقد سُجّلت خسارة مبلغ إجمالي قدره 1.8 مليار دولار، أي ما يعادل 1.4 مليار جنيه إسترليني، من العائدات جرّاء استيلاء إحدى المليشيات على هذا الحقل إثر احتجاجها على عدم دعم طرابلس للجنوب.
حيال هذا الشأن، قال صنع الله: “سلّطت هذه الحادثة، التي كلّفت البلاد ثمنا باهظا، الضوء على أهمية أن تتمتع شركة النفط الوطنية بالاستقلالية وأن تكون بعيدة عن عمليات الابتزاز والهجمات المسلحة”. والجدير بالذكر أيضا أن صنع الله طالب بإزالة “منطقة الحظر الجوّي” التي فرضها حفتر في جنوب البلاد.
كما أفادت تقارير بوجود قوات فرنسية خاصة في المنطقة لحماية شركة النفط الفرنسية توتال، التي تعتبر واحدة من المالكين المشتركين في هذا الحقل.
المصدر: الغارديان