على مر العصور تنافست الدول الكبرى اقتصاديًا على التميز واحتكار السوق بإنتاج أحدث التكنولوجيا للنهوض بقطاعات الطاقة المختلفة التي كان فيها قطاع الاستثمار الخاص بالطاقة الشمسية مستبعدًا نظرًا لكون هذه الأخيرة تمثل فقط نحو 1% من مجموع الطاقة في العالم.
وخلال السنوات الـ10 الماضية نما قطاع الطاقة الشمسية بنحو 60% سنويًا، لينافس قطاعات الطاقة الأخرى الأكثر طلبًا واستهلاكًا في العالم المتمثلة في الغاز والنفط والطاقة النووية، لذا شرعت بعض دول العالم الثالث ومنها المغرب في دخول هذه المنافسة الاقتصادية بهدف استخدام وإنتاج الطاقة سواء كانت ريحية أم مائية أم شمسية، والسير على خطى الدول المتقدمة والمتنافسة على المستوى الدولي في مجال الطاقة المتجددة.
العلاقات المغربية الألمانية.. إلى أين؟
أصبحت العلاقات المغربية الألمانية خلال مؤتمرات الأطراف الأخيرة تسير في اتجاه صحيح، وخاصة بعد تقديم المغرب خطة سياسته الطاقية خلال السنوات المقبلة، التي سيعتمد فيها على “التنمية المستدامة”، هذه الأخيرة تعتمد على أخذ مخططات بعين الاعتبار من أجل الحفاظ على الموارد الطبيعية والبشرية واستغلال الطاقات المتجددة لإنتاج الطاقة البديلة بدلاً عن النفط والغار والطاقة النووية.
أعربت ألمانيا من خلال وسائل إعلامها أنها ستوسع دائرة الشراكات في مجال الطاقة المتجددة وخاصة مع المغرب
وخلال زيارته للمغرب من أجل توقيع إعلان النوايا المشترك بشأن الشراكة الطاقية، قال سيكمار كابرييل وزير الخارجية السابق للشؤون الاقتصادية والطاقة بألمانيا: “هناك عدد قليل من الدول في العالم التي طورت سياستها الطاقية بشكل دقيق وواضح مثل المغرب، والبلدان رغم اختلاف تموقعهما الجغرافي سيتمكنان من إنجاح هذا التعاون خاصة في مجال الطاقة الشمسية والريحية، وسيستمر هذا التعاون ليصل الأجيال القادمة حتى أفق 2050”.
كما أكدت أمينة بنخضرا المديرة العامة للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، أن النموذج الطاقي الذي اعتمده المغرب سيمكن من تفعيل العديد من الشراكات، وفتح آفاق جديدة لتحقيق الأهداف المتوخاة من جميع برامج التعاون التي أبرمها المغرب مع البلدان الأوروبية بغية إنجاح السياسة الطاقية.
كما أشارت من خلال تصريحاتها الأخيرة أن المغرب سيشرع في دراسة كل الإمكانات التي ستتيح له أيضًا تنفيد مخطط الغاز الطبيعي الذي ما زال قيد الدراسة، ويرتقب من إنجازه الزيادة في تأمين الموارد الطاقية مستقبلاً.
لقد أعربت ألمانيا من خلال وسائل إعلامها أنها ستوسع دائرة الشراكات في مجال الطاقة المتجددة وخاصة مع المغرب، لكونه رسم أهدافه بحزم من أجل النهوض باقتصاده والزيادة في خلق مجال واسع للبحث وتطوير القدرات في مجال التكنولوجيا الحديثة ومختلف المجالات الاقتصادية.
ألمانيا والسياسة الطاقية في المغرب
يعد المغرب أول مستورد للطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فهو يغطي أغلب احتياجاته من الطاقة عن طريق استيراد ما يقارب 95%، هذه الوضعية تضعه أمام فاتورة طاقية مكلفة مما جعله يتجه إلى إنتاج الطاقة المتجددة بدل استيرادها من الخارج.
حدد المغرب قيمة 70% من اليد العاملة الداخلية و30% من اليد العاملة الأجنبية، معتمدًا من خلالها على تلقين الكفاءات الصغرى المغربية وتكوينها على أيادي باحثين أجانب وآخرين مغاربة في مجال الطاقة المتجددة من ألمانيا وكوريا واليابان
وفي هذا الإطار تم إنشاء “مركب نور” على مساحة تعادل 3000 هكتار، هذه الخطوة التي أشرف عليها محمد السادس ملك المغرب، أدهشت المستثمرين الألمان كثيرًا، إذ تبين من خلال الدراسات والأبحاث التي قاموا بها في مجال الطاقة المتجددة في المغرب، أنه سيتمكن مستقبلاً من سد جميع حاجياته الطاقية، بل وسيتحول من بلد مستورد للطاقة إلى منتج لها في إفريقيا والشرق الأوسط.
ورغم منافسة كل من مصر و”إسرائيل” مؤخرًا في إنشاء محطات للطاقة المتجددة، فإن ألمانيا ترى أن الكيفية والنظرة الإستراتيجية ووتيرة العمل التي يشتغل بها المغرب في هذا القطاع هي الأجدى والأنسب.
وفي هذا السياق حدد المغرب قيمة 70% من اليد العاملة الداخلية و30% من اليد العاملة الأجنبية، معتمدًا من خلالها على تلقين الكفاءات الصغرى المغربية وتكوينها على أيادي باحثين أجانب وآخرين مغاربة في مجال الطاقة المتجددة من ألمانيا وكوريا واليابان، ليتمكن من إتمام مخطط إنشاء 7 محطات للطاقة المتجددة في المغرب، 4 منها تشكل مساحة مركب نور بمدينة ورزازات، والخامسة بمحطة نور الموجودة بمدينة ميدلت المكونة من “محطتين” و1 بمدينة بوجدور والتالية بمدينة العيون المغربية.
وارتباطًا بتتبع ألمانيا لمشروع محطات الطاقة في المغرب، أشارت “الدويتشيه فيليه الألمانية” في هذا الجانب أيضًا إلى “مزرعة طرفاية” للطاقة الريحية التي تنتج أكثر من 250 ميغاواط من الكهرباء، وإلى “مزرعة طواحن الرياح” بمدينة طنجة التي تنتج بدورها نسبة جيدة من الكهرباء، مشيرة إلى أن المغرب يتوافر على معدل سرعة رياح متوسط يبلغ 9% مقابل 5% بالنسبة لألمانيا، ليتفوق عليها بنسبة 4%.
كل هذا الاهتمام الذي توليه ألمانيا للمغرب يأتي في إطار سياسة طاقية “رابح-رابح”، لأن المغرب سيتمكن خلال 2030 من وصول 52% من إنتاج الطاقة، في حين ألمانيا تراهن على وصول نسبة 55% سنة 2035 لتبقى النسب متقاربة بين البلدين والأهداف مشتركة أيضًا.
تكامل الأسواق الاقتصادية.. المغرب وألمانيا أنموذجًا
تنصب فكرة التعاون المغربي الألماني في مجال الطاقات المتجددة في إطار أدبيات التكامل الاقتصادي في الأسواق، وتجسيدًا لفكرة التجارة الدولية الفعالة والمتزايدة التي تؤدي إلى انخفاض أسعار الاستهلاك وارتفاع نسبة التجارة الدولية التي تحقق الزيادة في الرفاه الاقتصادي للمستهلك.
ويعد التكامل الاقتصادي من بين أساسيات تحقيق التنمية المستدامة، إذ يحفظ اعتماد هذا التكامل تحقيق أولويات الدول في النهوض بمخططاتها التجارية والتوسع فيها كيفما كان نوعها مع الحفاظ على المشروع الأصلي دون التغيير في النشاط الاقتصادي للبلد.
اعتمد المغرب بدوره في أثناء إنجاز مشاريع الطاقة المتجددة على التقنيات التكنولوجية الألمانية، إضافة إلى استيراد تقنيات أخرى من دول آسيوية
وقامت ألمانيا مؤخرًا بمسح خاص بالبيانات الاقتصادية شهر فبراير الماضي (2019)، الذي ورد فيه حسب الرابطة الألمانية لغرفة التجارة والصناعة بالمغرب، أن النمو الاقتصادي انخفض من 1.7% إلى 0.9% هذه السنة، والوضع الألماني الاقتصادي يتدهور بشكل كبير، إذ تعاني الصناعة من تشوهات بيئية خارجية، لذا يستوجب على ألمانيا الرفع من تطوير شركاتها التجارية والصناعية وإدماجها في مجال الطاقات المتجددة وتأهيل المناطق الصناعية الاقتصادية، مع تمديد الشراكات وعدم الاقتصار فقط على الدول الأوروبية والاتجاه إلى إفريقيا بهدف الرفع من قيمة الاستثمار والترويج للشركات الألمانية، وهو المثال الذي تم اعتماده في المغرب.
وقد اعتمد المغرب بدوره في أثناء إنجاز مشاريع الطاقة المتجددة على التقنيات التكنولوجية الألمانية، إضافة إلى استيراد تقنيات أخرى من دول آسيوية، ويبقى تخوف المغرب من هذا التعاون هو ظهور معدات تكنولوجية حديثة خلال السنوات القادمة، ما جعله أمام تحد عصيب جدًا، ألزمه بوضع مخططات للتسريع الصناعي على الأصعدة كافة.
وقد قال عزيز الرباح وزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة: “مستقبل الطاقة المتجددة في المغرب سيكون مثل ألمانيا، إذ تذهب الشراكة معها إلى أبعد من ذلك ضمانًا للتوفير المستدام للطاقة، لهذا سيحتاج البلدان إلى تكامل اقتصادي في أسواق الكهرباء”، وأضاف “المغرب عزم على استثمار 14 مليار دولار خلال الفترة الممتدة بين 2017 و2023، وإدخال استثمارات جديدة إلى السوق المغربية بشراكة مع شركات آسيوية وأوروبية وأمريكية وعربية أيضًا”، مشيرًا إلى أن المغرب عازم على أن يكون رائدًا في إنتاج الطاقة المتجددة مستقبلاً وتطوير قطاعها.