لم تكن زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني لبغداد، مختلفة عن زيارات العديد من المسؤولين الأجانب للعراق في الفترة الأخيرة، من حيث طبيعة انتهاكاتها للبروتوكولات الرسمية المتبعة بين الدول، وعدم مراعاتها لما تبقى من مشاعر السيادة الوطنية عند بعض المسؤولين العراقيين، فقد بدأ روحاني زيارته لبغداد، بالذهاب سريعًا إلى منطقة الكاظمية ليزور مرقد الإمام موسى الكاظم، متجاهلًا مراسيم الاستقبال الرسمي له من رئيس الجمهورية العراقية برهم صالح، وجاعلًا لها أمرًا ثانويًا مقارنةً بزيارة مرقد الكاظم، هل يريد بذلك توجيه رسالة للمكون الشيعي العراقي تفيد بأن نظامه هو حامي المذهب الشيعي بالعالم؟
فلطالما انطلت هذه الخدعة التي يقوم بها هذا النظام، على عدد ليس بقليل من شعوبنا العربية من أتباع هذا المذهب، أم إن روحاني يريد توجيه رسالة للحكومة العراقية، تُفيد أن إيران ليست بأقل من الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها ترامب حينما تجاهل حكومتكم، عندما زار العراق دون أن يلتقي ولو بمسؤول حكومي واحد، وكذلك فعلها رئيس وزراء أستراليا حينما زار قواته العاملة بالأراضي العراقية.
تأتي زيارة روحاني في وقت تعيش فيه إيران أزمة اقتصادية حادة وخانقة بسبب العقوبات الأمريكية، وتعتقد أن لا سبيل للخلاص منها إلا عن طريق العراق
الرئيس الإيراني يحاول التصرف باستعلاء وتكبر واضعًا رأسه برأس ترامب وباقي المسؤولين الغربيين ومنافسًا لهم، لكن على حساب احترام الشعب العراقي والأرض العراقية، ولا أقول المسؤولين العراقيين، فهم لا يستحقون من روحاني ولا غير روحاني الاحترام ولو بحده الأدنى.
ورغم أن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف أكد قبل أن يأتي روحاني إلى العراق، أن إيران ليست لديها الرغبة في أن يكون العراق ساحةَ صراعٍ بين إيران والدول الأخرى، هذا لم يمنع روحاني من الإدلاء بتصريح من مطار مهر آباد قبيل ذهابه لبغداد، يتحدى فيه الرئيس ترامب ويذكره بأن زيارته للعراق بموعد مسبق وتحت الأضواء، عكس ما فعله ترامب الذي أحاط زيارته للعراق بالسرية والكتمان العالي خشية على سلامته، ولسان حاله يقول “العراق عراقنا فافعلوا ما شئتم إن كنتم فاعلين”.
تأتي زيارة روحاني في وقت تعيش فيه إيران أزمة اقتصادية حادة وخانقة بسبب العقوبات الأمريكية، وتعتقد أن لا سبيل للخلاص منها إلا عن طريق العراق، فهو بلدٍ استثمرت فيه إيران بمنظومته السياسية منذ وقت مبكر، وهو البلد الوحيد الذي سيمد لها طوق النجاة للتغلب على أزماتها التي تعيشها حاليًّا، مستغلةً ما تتمتع به من نفوذ قوي، لانتزاع مواقف سياسية واقتصادية من قادته السياسيين، تصب في مصلحتها اقتصاديًا وسياسيًا، أولئك السياسيون الذين يدينون لإيران بالشكر والعرفان، كونها المسؤولة المباشرة عن وصولهم لتلك المناصب، وهي المسؤولة عن حمايتهم من السقوط حتى هذه اللحظة.
الخطورة التي حملتها زيارة روحاني للعراق، هي إصراره على الحصول من العراق على إعفاءات للزوار الإيرانيين من تأشيرة الدخول، وجعلها مفتوحة لهم دون حسيب ولا رقيب
ورغم أن زيارة روحاني كانت لأسباب اقتصادية بحتة، غطت وكالات الأنباء المختلفة تفاصيلها وحيثياتها، لكن الذي لم يتم تسليط الضوء عليه، نراه أعمق وأبعد تأثيرًا على مستقبل العراق، فالأموال يمكن أن تذهب، لكنها لا تلبث أن تعود، أما إذا ذهبت قيم الشعب وانتماءاته لهذه الأرض، وأصوله الشريفة، كيف سيكون السبيل لاسترجاعها؟
الخطورة التي حملتها زيارة روحاني للعراق، هي إصراره على الحصول من العراق على إعفاءات للزوار الإيرانيين من تأشيرة الدخول، وجعلها مفتوحة لهم دون حسيب ولا رقيب، وبسبب أن الحكومة العراقية تدرك خطورة موافقتها على مثل هذا الطلب وخشيتها من ردود الفعل الشعبية إزائه، استجابت بشكل غير مباشر، من خلال الموافقة على إبقاء التأشيرة ولكنها جعلتها مجانية، وبالتأكيد فإن تفعيل الحصول على التأشيرة إلكترونيًا، سيجعلها من السهولة بمكان، أشبه ما تكون مرفوعة أو ملغاة.
لكن أين الخطورة بذلك؟ الخطورة في ذلك، تكمن بأن الطلب الإيراني تزامن مع استعداد البرلمان العراقي لإقرار مشروع تعديل قانون الجنسية العراقية، الذي يحتوي على فقرات بالغة الخطورة، يمكن أن تؤدي إلى تغير ديمغرافي واسع النطاق وتغير بالهوية الوطنية للشعب العراقي وبشكل قانوني، وذلك من خلال منح الجنسية بشكل سريع ومستمر لأعداد غير محددة من القادمين الإيرانيين بشكل شرعي أو غير شرعي.
ويحتوي هذا التعديل على فقرات خطرة، جعلت حتى بعض الأطراف الشيعية المحسوبة على الخط الإيراني تبدي اعتراضها عليه، ونبَّهت إلى خطورتها، حينما قال رئيس كتلة النهج الوطني التابعة لحزب الفضيلة، عمار طمعة إن مشروع تعديل قانون الجنسية فيه ثغرات ربما ستؤدي لإحداث تغير ديموغرافي كبير في العراق، ذلك لأن المشروع يعتبر الذي وُلِد خارج العراق ولا جنسية له، عراقي الجنسية إذا اختارها خلال سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد، ويمنح الجنسية لمن وُلِد في العراق من أب أو أم غير عراقيين دون تحديد مدة إقامة مقدم الطلب.
وبين طعمة أن المشروع يمنح وزير الداخلية حق قبول تجنس غير العراقي حتى إن لم يقم بصورة مشروعة في العراق، إذا كان مهجرًا قسرًا ومقيمًا لمدة سنة واحدة، وختم قائلاً: “المشروع يمنح الجنسية لغير العراقي المتزوج من امرأة عراقية، إذا أقام سنتين في العراق فقط”.
الصلاحية التي أعطاها التعديل لقانون الجنسية لوزير الداخلية من خلال تجنيس الأشخاص المبعدين قسريًا، سيجعل الباب مفتوحًا لتجنيس كل الرموز السياسية الشيعية المعارضة بدول الخليج
ومن خلال ربط مشروع التعديل لقانون الجنسية العراقية، بالطلبات الإيرانية بفتح الحدود العراقية للقادمين الإيرانيين، فإن هناك خطورة كبيرة تبرز بتجنيس أعداد كبيرة من الإيرانيين وجعلهم أكبر جالية إيرانية تعيش بالعراق، تحمل الجنسية العراقية ولها الحق في الانتخاب وتقلد المسؤوليات المهمة بالبلد، وسيكون لها تأثير بالغ في الثقافة العراقية والتوجهات المذهبية، بالإضافة إلى انحسار مكونات عراقية أصيلة من المجتمع العراقي لأسباب طائفية.
كما أن الصلاحية التي أعطاها التعديل لقانون الجنسية لوزير الداخلية من خلال تجنيس الأشخاص المبعدين قسريًا، سيجعل الباب مفتوحًا لتجنيس كل الرموز السياسية الشيعية المعارضة بدول الخليج، وتحويل العراق إلى ملجأ آمن لمثيري الفتن من الدول الأخرى.
وكلنا نعلم حقيقة أنه لا يوجد حاليًّا رعايا لأي دولة يدخلون العراق، لمجرد الزيارة أو الاستثمار، سوى الإيرانيين، وبالتالي فإنهم المستفيدون بالدرجة الأولى من إقرار هذا القانون، ولديهم المصلحة بالتوطين في العراق، فبمجرد دخول هؤلاء إلى العراق، وبقائهم فيه بشكل شرعي أو غير شرعي لمدة سنة، سيحق لهم المطالبة بالجنسية العراقية، أو أن يعمدوا إلى الزواج بعراقية أو زواج الإيرانية بعراقي، من خلال مكاتب زواج المتعة المنتشرة بالعراق، ويمكن تحوير هذا الزواج بعد ذلك لزواج عادي، لغرض اكتساب الجنسية، وهذا الأمر من البساطة، ستدفع الإيرانيين للتوافد إلى العراق بشكل جماعي للحصول على الجنسية، ومن ثم العمل وفق أجندة نظامهم لمحاولة التغير الديمغرافي لهذا البلد.
وليس مستبعدًا إذا ما مضت الأمور على هذا المنوال، أن إيران ستتمكن من جعل العراق ومن بعده سوريا وباقي دول المنطقة، منطقة نفوذ إيراني بالمطلق، وهذا ما عبر عنه الرئيس الإيراني صراحة، حينما دعا إلى إقامة وحدة بين إيران والعراق، ودعوة دول المنطقة الأخرى للانضمام لهذه الوحدة، وغالبًا ما يقصد سوريا، وشيئًا فشيئًا سيعمل الإيرانيون على إحياء إمبراطوريتهم الفارسية من جديد للتحكم هي و”إسرائيل” بمصير المنطقة.