ترجمة وتحرير نون بوست
بعد أسبوع ملئ بالاضطرابات ومزاعم الشرطة بالاعتداء على مبان حكومية، ١٦معتقل على الأقل ومقتل طفل بعمر الـ ١٩ على يد قوات الأمن عاد هدوء حذر إلى شوراع معان.
“معان” تلك المدينة الجنوبية من الأردن لها تاريخ طويل من الاحتجاجات الشعبية والمناكفات مع النظام القائم، إلا أن الأزمة الحالية بدأت بمقتل “قصي الامامي” برصاص قوات الدرك في آواخر أبريل الماضي أثناء بحثهم عما أسموها “عناصر إجرامية”.
في اليوم التالي، أغلق المحتجون الطرق بالإطارات المشتعلة وانتشر المتظاهرون في شوارع معان مانعين آليات الشرطة من الوصول.
في 25 أبريل بدأت المظاهرات تتوسع ويعلو صوتها، وتميزت بالأعلام والشعارات الجهادية فردت السلطات سريعًا بـ “اقتلاع” من تظنهم المسؤولون عن المظاهرات.
في يوم الإثنين 28 أبريل، قالت الشرطة إنها اعتقلت 16 مشتبهًا في تورطهم في الهجمات المسلحة على المباني الحكومية.
لكن الوضع كان على حاله في الشارع، الاحتقان واضح وأبناء معان ما زالوا غاضبون من مقتل قصي، وما يسمونه “إهمال” الدولة لمعان.
وفي أحد شوارع معان في الطريق إلى منزل قصي الإمامي، شاهدنا “راية التوحيد” منصوبة على أحد الدورات، ثم بالقرب من ذلك شاب بعمر 20 سنة، كان مسؤولاً عن إدارة الشوارع أثناء الاحتجاجات في تلك المنطقة، ثم أشار إلى الراية وقال: “إنا رفعناها”، وأضاف الشاب شاحب العينين ذو اللحية الكثة: “نحن مسلمون، وهذا علمنا”.
في الوقت الذي حاولت السلطات ووسائل الاعلام نفي رفع أي علم للجماعات الجهادية في معان.
قد تكون الأمور الآن اتجهت للتهدئة، ولكن الأزمة في معان لم تتوقف عند “علم جهادي” مرفوع على أحد الدوارات أو مظاهرات تجتاح المدينة بين الفينة والأخرى.
فالمدينة التي يسكنها أكثر من 50 ألفًا وتبعد 200 كيلو مترًا جنوب العاصمة عمان تعاني معدلاً للبطالة وصل إلى 20٪ في أكثر الإحصائيات تفاؤلاً ، وهو ما يساوي ضعف المعدل الوطني للأردن.
“مالك عبد الرحمن” وهو موظف جامعي يبلغ من العمر 35 عامًا، وصديق لعائلة قصي الإمامي يقول إن “البطالة هي السبب الرئيسي لمشاكلنا”، مضيفًا” الثلث هنا موظف .. الثلثين الآخرين يبحثان عن وظيفة”.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة تمبل في فيلادلفيا وخبير مطلع على السياسة القبلية في الأردن “شون يوم” يقول: “المشاكل في معان ليست جديدة”، ثم يضيف “منذ الاستعمار البريطاني، قبائل معان أصبحت مقطوعة سياسيًا واقتصاديًآ عن مجتمعات الضفة الشرقية – يقصد المناطق الشمالية والوسطى من الأردن -“.
وكانت علاقة معان مع السلطات قد ازداد توترًا في عام 1989 عندما شهدت المدينة أعمال شغب مكثفة ومعارك بالأسلحة النارية والمظاهرات المناهضة للتقشف وقتل العشرات، ورفع المحتجون الغاضبون علم السعودية في العديد من النقاط في المحافظة.
الإحساس بالاستياء والعزلة، هي السمة العامة في مجتمع معان كما يقول “محمد” ضابط سلاح الجو المتقاعد والبالغ من العمر 41 عامًا، والذي يملك مخبزًا بجانب قاعة المحكمة في المدينة.
ويضيف محمد: “نحن كأناسٍ في مشفى، قد ننجو ولكن لا يمكننا أن نصبح أقوى”.
ثم يعلق محمد على المحسوبية والفساد التي يقول إنها أصل المشاكل في المدينة، فيقول : “ابن وزير يصبح وزير، ابن مدير يصبح مدير، ابن ضابط في الشرطة يصبح ضابط في الشرطة”.
الأردن مجتمع قبلي عميق، مع اختلافات مختلفة بين القبائل من فترة لأخرى تثير بعض العنف، إلا أن قبلية “معان” لها شكلها الخاص.
ويقول يوم في ذلك “مفاهيم الهوية والجماعية والقيم الواحدة تحمل مزيدًا من الاعتبار في المجتمعات القبلية في “معان.
ولكن المشكلة لم تتوقف عن الاقتصاد والتماسك القبلي في معان، فمعان تحتوى على عنصر السلفية الذي يشكل مصدر قلق للحكومة.
“معان أصبحت مركزًا أساسيًا لتجنيد السلفية”، هكذا قال يوم الذي قدر أعداد السلفيين في الأردن بـ ١٥ ألف منهم (٢-٣) آلاف سلفي جهادي.
إلا أن آخرين يرون أن ١٥ ألف سلفي رقم قليل، مقدرين أن الرقم يفوق ذلك، منهم “أيمن خليل” مدير المعهد العربي للدراسات الأمنية في عمان، حيث يقول إن العدد قد يكون أعلى بكثير إذا كنت تنظر إلى جمهور متعاطف”.
وفي تقرير صادر عن معهد واشنطن، يقول إن السلفيين الجهاديين في نهاية المطاف سيجدون لهم موطئ قدم في الأردن وعلى الأخص في معان، مسشهدًا بقول زعيم قبلي في معان الذي تعهد بالولاء لأمير الدولة الإسلامية في العراق والشام.
الا أن صاحب المخبز محمد الذي يوافق على أن هنالك الكثير من السلفية وأنشطتهم في معان، يقول إنه لا يمكن لداعش أن تدخل معان، موضحًا: معان تتسم بالقبلية، وليس لهم من مصلحة لدخول معان”.
موضحًا أن الأمن الأردن قتل قصي لأن له “مظهراً سلفيًا”.
ولكن محمد يتسائل: ولكن هذه ليست المرة الأولى التي ترفع فيها هذه الأعلام، لماذا الآن تحصل على هذه الإهتمام؟!
وقد يكون الإهتمام بأعلام التوحيد في معان هو توقيت المسألة، في الوقت الذي تسعى فيه الأردن للحفاظ على أمنها في الصدارة، وذلك تزامنًا مع الحرب الدائرة رحاها في سوريا، وازدياد التوترات الطائفية في العراق ولبنان.
ويقول الدكتور: الاتجاه السلفي يجلب معه المشاكل، والعمليات الأمنية التي قد توقع مدنيين قتلى سواء كانوا من المارة أو أهداف خاطئة”، ملقيًا اللوم على الشرطة التي قد تدفع ردة فعلها الثقيلة إلى وضع يخرج عن السيطرة.
وعن مقتل قصي، يقول أهله وأصدقاؤه إنه أطلق عليه النار من قبل الأمن أثناء عودته من المسجد، إلا أن الحكومة حتى الآن لم تنف أو تؤكد سبب وفاة قصي، وقال بيان صادر عن وزارة الدخلية إن الشرطة تبادلت إطلاق النار مع أشخاص كانوا يحاولون سد الطريق أثناء عملية مطاردة للأشخاص المطلوبين.
ويقول والد قصي إنه لم يكن مطلوبًا للشرطة، مضيفًا: “كان ابني متدين جدًا، لكنه لم يكن من السلفية”، موضحًا أن ابنه استهدف للشكل الذي كان عليه، وأضاف “الشرطة تلاحق الناس هنا، ومرارًا وتكرارًا قُتل أبناء معان، قصي ليس أول شخص”.
ويقول أهالي معان، أن ادعائات السلطات الأردنية حول السلفية الجهادية وتواجد تنظيم القاعدة في معان هي محاولة للالتفاف على مشاكل البطالة والفقر والعزلة التي تعانيها معان.
ويضيف والد قصي: “مشكلتنا ليست مع الملك، ولكن مع الحكومة التي قامت باضطهاد معان منذ عام 1989″، معلقًا أنه لا يتوقع الحصول على العدالة في التحقيق بوفاة ابنه.
المصدر : “ميديل إيست آي“