منذ الاتصال الذي جرى بين ترامب وأردوغان في ديسمبر الماضي الذي ذكرت شبكة سي إن إن الأمريكية نقلاً عن مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية أن ترامب قال لأردوغان فيه عن سوريا: “كلها لك، نحن انتهينا”، مشيرًا إلى انسحاب بلاده من سوريا بشكل رسمي ولكن بطيء، وقد ذكرت أن أردوغان كان يشرح لترامب خلال المكالمة الهاتفية، كل المشاكل المرتبطة بالوجود الأمريكي في العراق وسوريا، وكان يثير غضب ترامب، ما دفع الأخير للرد عليه بأن كل شيء بات لك الآن في سوريا، ونحن انتهينا.
هذه المكالمة بين الرئيسين كانت مثمرة بالنسبة لأنقرة التي اعتبرت أن اللقاء الثنائي بين أردوغان وترامب أكثر قدرة على الوصول لنتائج لصالح تركيا، ولهذا كانت هناك توصيات بالعمل على اللقاءات والاتصالات ويفضل عقد قمة بين الرئيسين في أقرب وقت ممكن.
تأتي هذه التوصيات والإدراك التركي باللقاء والتواصل مع ترامب مباشرة من قناعة الساسة الأتراك بأن الرئيس الأمريكي محاط بمجموعة من المستشارين ومجموعات الضغط تعمل على التأثير على قراره
وفي هذا السياق وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعوة للرئيس دونالد ترامب لزيارة تركيا بعد الانتخابات البلدية التركية نهاية مارس الحاليّ وذلك خلال آخر اتصال هاتفي بينهما.
تأتي هذه التوصيات والإدراك التركي باللقاء والتواصل مع ترامب مباشرة من قناعة الساسة الأتراك بأن الرئيس الأمريكي محاط بمجموعة من المستشارين ومجموعات الضغط تعمل على التأثير على قراره وعندما يكون الاتصال معه مباشرة تكون هناك تفاهمات ويتم التوصل لنتائج مقبولة.
وقد عبر الرئيس التركي عن هذا المعنى في تصريحات له مطلع الشهر الحاليّ عندما قال إن نظيره الأمريكي، دونالد ترامب، أظهر موقفًا حازمًا خلال هذه المرحلة بخصوص المنطقة الآمنة شمالي سوريا، واستطرد قائلاً: “لكن بالطبع كل زعيم حوله مجموعة من الأشخاص يقومون باستمرار بتلقينه بعض الأمور، وهذا ما يحدث مع ترامب، فالولايات المتحدة في هذه النقطة لها نظام مؤسسي يمكن أن نسميه بالدولة العميقة”.
كان هناك اتصال آخر جرى مطلع العام بين أردوغان وترامب جعل الرئيس المشهور بتصريحاته السياسية عبر تويتر يغير تغريدة نشرها ضد تركيا إلى أخرى لصالح تركيا، مما حذا بجميع المحللين إلى التساؤل عن مضمون المكالمة وما الذي قاله أردوغان لترامب وكيف أقنعه بتعديل رأيه وكتابة تغريدة مخالفة.
في أكثر من لقاء قام أردوغان بطرح مبادرات على ترامب من بينها محاولة توضيح اللغط في قضية صفقة المنظومة الدفاعية إس 400 من روسيا
فقد قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تغريدة مساء الإثنين 14 من يناير/كانون الثاني 2019، إنه يرى إمكانية كبيرة لتوسيع نطاق التنمية الاقتصادية بين الولايات المتحدة وتركيا، بعد أن هدد، قبلها بيوم واحد بتدمير اقتصاد تركيا إذا هاجمت حلفاء واشنطن الأكراد في سوريا، كما أن هذا الاتصال شهد حديثًا وتفاهمًا بشأن المنطقة الآمنة شمال سوريا والتعاون في مكافحة تنظيم الدولة.
تناولت الصحافة أيضًا لقاء أردوغان وصهر ترامب كوشنير الأخير الذي يمكننا في سياق هذا المقال أن نعتبره أيضًا جزءًا من التواصل بين أردوغان وترامب، وقد حضر اللقاء أيضًا صهر أردوغان ووزير المالية بيرات البيرق، ولعلنا في هذا السياق نتذكر رفض أردوغان لقاء جون بولتون بعد إعلان قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا، حيث كان لبولتون تصريحات تختلف عما اتفق عليه أو تم التحدث فيه بين أردوغان وترامب، وبالتالي تم تفسير عدم لقاء أردوغان ببولتون أنه رسالة عدم رضا عما قاله بولتون وأنه أحد الشخصيات التي لا تريد تطبيق ما تم التفاهم عليه بين أردوغان وترامب.
في أكثر من لقاء طرح أردوغان مبادرات على ترامب من بينها محاولة توضيح اللغط في قضية صفقة المنظومة الدفاعية إس 400 من روسيا، حيث أكد أردوغان أن السبب بالأساس هي إدارة أوباما التي رفضت التعاطي مع طلب تركيا للحصول على منظومة باتريوت، وقد أقر ترامب بصواب حديث أردوغان وألقى باللوم الشديد على إدارة أوباما، وقد تم التقدم بهذا الموضوع ووافقت الخارجية على بيع منظومة باتريوت لتركيا ولكن التكنولوجيا المصاحبة لها لم ترض الأتراك، فقد كان عرضًا ضعيفًا جدًا وكان مشروطًا بالتخلي عن صفقة إس 400 وهو الأمر الذي ترفضه تركيا تمامًا.
ويتضح من هذا أن تركيا إنما أرادت كسب ود إدارة ترامب من خلال شراء السلاح، فترامب لديه ولع بتشغيل هذه الشركات ودائمًا يتفاخر بقدرته على عقد الصفقات، ولكن تركيا في نفس الوقت لا تريد التخلي عن صفقة إس 400 لحاجتها الضرورية لها وللتكنولوجيا المرافقة لها.
يحتاج أردوغان بالفعل إلى قمة مع ترامب ولكن مع كل ما سبق يبقى الإشكال في الغموض وعدم التوقع للخطوة التالية التي سيقوم بها ترامب أو قيامه بخطوة ثم التراجع عنها
كان العرض أو المبادرة الأخرى التي قدمها أردوغان هي دعوته لسحب السلاح الأمريكي من أيدي وحدات الدفاع الكردية في شمال سوريا وفي حال لم ترد الإدارة الأمريكية سحبه إلى أمريكا فإن تركيا مستعدة لشراء هذا السلاح، وتأتي هذه المبادرة في ذات السياق، وهي أيضًا تجنب تركيا الدخول في معركة ويشعر ترامب أنه حقق فائدة ما من الأمر.
يحتاج أردوغان بالفعل إلى قمة مع ترامب ولكن مع كل ما سبق يبقى الإشكال في الغموض وعدم التوقع للخطوة التالية التي سيقوم بها ترامب أو قيامه بخطوة ثم التراجع عنها مثل قرار الانسحاب الذي أعلنه ثم تراجع عنه ثم قلصه في عدد معين في محاولة لتدارك بعض الأعراض المصاحبة له.
ومع هذا فإن اللقاءات والمكالمات بين الرئيسين لديها نسق خاص ويمكن أن تسفر عن نتائج ملموسة على صعيد التنسيق ويمكن أن يقدم كل قيادي للآخر شيئًا ما يستفيد منه للحصول على تقدم في ملف آخر ولكن حتى الآن الثقة بين الطرفين في درجاتها الدنيا.