“#قاع_تتنحاو” أي “جميعا ترحلون” هذا هو الوسم الذي تصدر الترند الجزائري الخميس عشية جمعة الحراك الشعبي الرابعة، وبعد ساعات من تصريحات للوزير الأول الجديد نور الدين بدوي ونائبه رمطان لعممارة تحدث فيها عن برنامج حكومته التي ستعمل على تنظيم انتخابات رئاسية لا يشارك فيها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد عقد ندوة حوار وطني تضم الجميع بما فيها المعارضة التي لا تزال إلى اليوم ترفض دعوات السلطة، وتتمسك بالوقوف إلى جانب احتجاجات الشارع التي تبقى إلى اليوم غير مقتنعة بخطاب السلطة.
وطيلة الأيام التي تلت رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة التي أعلن فيها عدم ترشحه لولاية خامسة والذهاب إلى مرحلة انتقالية، ظلت مواقع التواصل الاجتماعي والشارع الجزائري يغصان برسالة واحدة مضمونها أنه لا خيار أمام الأطراف التي تحكم البلاد حاليا سوى الرحيل لوقف حراك الشارع.
خرجة فاشلة
ساعات بعد إعلان خطته الجديدة للبقاء في السلطة لفترة غير محددة الآجال ودون سند دستوري، راهن بوتفليقة على 3 شخصيات يأمل أن تقنع الملايين الذين خرجوا للشارع بالعودة إلى بيوتهم، وهي الدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي المرشح لترأس الندوة الوطنية المستقلة التي تراهن عليها السلطة لضمان خروج غير مخز لبوتفليقة، والوزير الأول نور الدين بدوي ونائب الوزير الأول رمطان لعمامرة، لكن محاولات الثلاثة تظل إلى اليوم غير موفقة.
خلال المؤتمر الصحفي، قال نور الدين بدوي “فيما يخص الحكومة نحن بصدد تشكيلها والتشاور فيما يخصها ونقول بصدق إن هذه التشكيلة سوف تكون تشكيلة تمثل كل الطاقات وخاصة الشبانية من بنات وأبناء وطننا”
وكان الموعد الخميس مع الندوة الصحفية للثنائي بدوي ولعمامرة واللذان يفضلان حتى الآن وسائل الإعلام الحكومية أو الفرنسية وإقصاء الصحافة المستقلة والخاصة، وهي أولى النقاط السلبية التي سجلت ضد السلطة كون ذلك دليلا على تمسكها بالرؤية الأحادية والتضييق على الإعلام وعدم احترام الرأي الآخر، وهو ما ظهر خلال هذه الندوة التي أعطي فيها البث للتلفزيون العمومي فقط رغم حضور الصحافة الخاصة التي تهرب الوزير الأول من الإجابة عن كثير من أسئلتها، خاصة السؤال المتعلق بأي سند قانوني قرر بوتفليقة تأجيل الانتخابات وتمديد ولايته الرابعة.
وخلال المؤتمر الصحفي، قال بدوي “فيما يخص الحكومة نحن بصدد تشكيلها والتشاور فيما يخصها ونقول بصدق إن هذه التشكيلة سوف تكون تشكيلة تمثل كل الطاقات وخاصة الشبانية من بنات وأبناء وطننا”.
وأضاف “سيتم الإعلان عنها في بداية الأسبوع المقبل وستكون تكنوقراطية وممثلة لكل الكفاءات والطاقات، خاصة الشبانية منها، والتي من شأنها أن تساهم في إنجاح هذه المرحلة الانتقالية التي لن تتعدى السنة الواحدة حتى نكون في مستوى الطموحات التي عبر عنها المواطن الجزائري ونعمل على تجسيدها”.
وبين بدوي أن عمل الحكومة الجديدة سوف ينصب أساسا على “وضع كل الإمكانيات وضمان سيرورة مختلف المصالح والمؤسسات لنكون في المستوى التنموي الذي ينشده المواطن”.
ودعا وزير الداخلية السابق إلى “الاتحاد من أجل بناء الدولة الجديدة، لأن الوضع العام للبلاد يشهد ظرفا متميّزا، تطبعه تجاذبات تحول دون التوصل لحلول توافقية، لذلك من الواجب علينا جميعا التحلي بالرصانة وكسر كل حواجز التشكيك التي قد تراود أي شخص في صدق النيات”.
من تابع الندوة الصحفية للوزير الأول ونائبه يلاحظ الارتباك الذي بدا عليهما، وتهربهما من الإجابة على الأسئلة
وألح الوزير الأول على “ضرورة أن يعمل الجميع بيد واحدة للمضي قدما نحو مستقبل أرقى لتكريس دولة الحق والقانون، الجزائر الجديدة التي يطمح إليها الشعب”.
ورافع بدوي للعمل من أن يكون “على قدر المسؤولية التي ينتظرها الجزائريون، وأن تكون أبوابه مفتوحة للجميع ويستمع ويتحاور ويعمل مع الجميع دون إقصاء أو استثناء، فالجزائر تسع الجميع”.
وأشار بدوي إلى أنه “فور الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة، سيتم الشروع في التحضير للندوة الوطنية الجامعة التي أعلن عن تنظيمها رئيس الجمهورية، وسيتم وضع ميكانيزمات عمل هذه الندوة وتشكيلتها بعد الاستماع للجميع والوصول إلى تحديد الأولويات ودراسة كل الاقتراحات مع الأخذ بعين الاعتبار النظرة التمثيلية لكل أطياف المجتمع الجزائري”.
ولفت إلى أن هذه الندوة “سوف تعمل، بفضل تشكيلتها وصلاحياتها، خلال المرحلة الانتقالية، على أن تكون قوة اقتراح من شأنها إخراج الجزائر من هذه الوضعية”.
ومن تابع الندوة الصحفية للوزير الأول ونائبه يلاحظ الارتباك الذي بدا عليهما، وتهربهما من الإجابة على الأسئلة، ومحاولة تسويق أن الرئيس بوتفليقة جزء من الحل في وقت يرى الحراك الشعبي أن الباحث عن تمديد ولايته الرئاسية هو جزء من المشكلة أو هو المشكلة كلها، ولا يمكن أن يكون جزءا من الحل.
الحراك يتواصل
وعشية “جمعة لا للتمديد” أو “جمعة الرحيل”، يبقى الشارع الجزائري يعرف حراك لا متناهيا، فبعد خروج الأساتذة وإضراب عمال البريد المتواصل، كان يوم الخميس الموعد مع عمال قطاع الصحة من أطباء وممرضين ومساعدي الصحة الذين أكدوا هم أيضا رفضهم للقرارات التي تضمنها خطاب الرئيس بوتفليقة الأخير لأنها كانت لا ترقى إلى مستوى تطلعات الحراك الشعبي.
يوحي هذا الخروج المتواصل للجزائريين من مختلف الأطياف والشرائح المهنية والمجتمعية أن احتجاج الجمعة قد يكون أكبر بكثير من الجمعات السابقة
وخرج ذوو الاحتياجات الخاصة بمناسبة يومهم الوطني هم أيضا للمشاركة في الحراك الشعبي، مطالبين بتغيير النظام وتوفير احتياجاتهم الأساسية في ظل تواصل معاناتهم، حيث يتقاضى البعض منهم منحة شهرية تقل عن 20 دولارا في وقت تعرف الأسعار في البلاد ارتفاعا متواصلا.
ودعا البعض منهم إلى الحق في العلاج في الخارج مثلهم مثل الرئيس بوتفليقة الذي ينفق بالعملة الصعبة من خزينة الدولة للمداواة في خارج البلاد، في حين يبقون هم محرمون من ذلك.
وبعد أن خرج في الأيام الأخرى قضاة المحاكم ووكلاء النيابة رفضا للتمديد لبوتفليقة، كان الموعد الخميس مع القضاة التابعين لمجلس المحاسبة الذي جمد بوتفليقة عمله، ولم يراعي تقارير هذه الهيئة الرسمية المكلفة بمراقبة عملية صرف أموال الدولة من قبل الوزارات والجهات الرسمية.
ويوحي هذا الخروج المتواصل للجزائريين من مختلف الأطياف والشرائح المهنية والمجتمعية أن احتجاج الجمعة قد يكون أكبر بكثير من الجمعات السابقة، كما قد يحمل مطالب جديدة في ظل تعنت السلطة واستجابتها المتباطئة والهزيلة لرسائل الحراك الشعبي.
رسالة الملاعب
كما كان منتظرا، لبى أنصار مولودية الجزائر واتحاد الجزائر في لقاء الداربي العاصمي الدعوات المنادية بالتضامن مع الحراك الشعبي، فقد انسحب معظم الأنصار عند الدقيقة الرابعة من المدرجات، في رسالة مفادها أن على بوتفليقة هو الآخر ترك كرسي الرئاسة وعدم البحث عن التمديد بعد انتهاء ولايته الرابعة.
باستمرار الشرخ الموجود بين السلطة وما يحدث في الشارع الجزائري، يبقى التكهن بما ستحمله مسيرة اليوم صعبا لكل المتابعين والمحليين
ولا يشكل هذا الاحتجاج أمرا جديدا على المدرجات الجزائرية المعروفة بكونها المنبر الأول للانتقاد في البلاد، فأنصار اتحاد العاصمة كانوا السباقين لانتقاد الرئيس بوتفليقة بأغنية ” مكاش الرايس كاين تصويرة” أي ” لا يوجد رئيس توجد صورة”التي لقيت رواجا كبيرا في الأشهر الماضية، وتنتقد غياب بوتفليقة واكتفاء من كانوا يساندوه بإظهار إطار صورته خلال احتفالاتهم التي كانت تنادي بولاية خامسة.
وفي الجزائر، ظل أنصار كرة القدم الوحيدين الذين يتحدثون في السياسة دون نفاق، فقد كانت مباريات كأس الجمهورية تصدح بصفارات الاستهجان ضد بوتفليقة لما كان بصحته ويحضر مباريات النهائي وبعدها وصل هذا الاحتجاج ضد حكومته لما فقد القدرة على الحركة وأصبح يكلف حكومته بتمثيله.
وباستمرار الشرخ الموجود بين السلطة وما يحدث في الشارع الجزائري، يبقى التكهن بما ستحمله مسيرة اليوم صعبا لكل المتابعين والمحليين، بالنظر إلى فقد من يمثلون الحراك الشعبي الثقة في النظام حتى ولو أراد تقديم نفسه عبر وجوه يعتقد أنها قد تستطيع إخماد نار الناقمين على ما فعله بوتفليقة خلال 20 سنة، ومن ثمة فإن باب الاحتمال مفتوح على كل التكهنات من قبل الجميع الذين يشددون على ضرورة أن يبقى الحراك سلميا ويتجنب أي استفزاز يحاول جره إلى مستنقع العنف والشغب والتخريب.