قبل أيام أطلق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تصريحات من شأنها المساهمة في رفع الصين إلى مكانة متقدمة عالميًا، وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص، مؤكدًا على لسان «سيمون فيزمان» أحد أهم خبرائه، أن الأسلحة الصينية في طريقها إلى منافسة نظيرتها الروسية بالمنطقة، وهو ما يعد انقلابا بحثيًا، حتى على تصورات معهد استوكهولهم نفسه، الذي سبق له رصد تراجع حصة الصين، في مبيعات الأسلحة بالمنطقة بشكل كبير، خلال الفترة ما بين 2014 و2018.. فما الذي حدث ؟
الصين أمام روسيا .. أين يقف كل منهما في أسواق الشرق ؟
قبل التصريحات المفاجئة لفيزمان، كانت الدراسات المعلنة لأغلب مراكز الأبحاث المعتبرة، ومنها معهد ستكهولم، تشير إلى أن نسبة الأسلحة الصينية بالمنطقة، لا تشكل أكثر من 10 % مقارنة بالأسلحة الروسية، واستندوا إلى تراجع الحصة الصينية من السوق بشكل حاد، خلال الفترة 2014-2018، بسبب زيادة المنافسة، وأوراق الضغط السياسية، التي يٌلقى بها مع الدبلوماسية، لإبقاء الحلفاء، بعيدًا عن الدوران في فلك الصين، وهي سياسة معروفة، استخدمتها الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، وأصدرت تهديدًا علنيًا للجمهورية التركية بتحمل تبعات سياسية واقتصادية لا قبل لها بها، إذا ما أقدمت على شراء منظومة الدفاع الجوية الروسية «إس 400»، وهي التهديدات التي تحدتها تركيا، واعتبرتها كأن لم تكن.
يبني الباحث «سيمون» نظريته التي تتوقع زيادة الأسلحة الصينية بالمنطقة خلال الفترة القادمة، ومنافستها السلاح الروسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفي عدد من الدول الآسيوية، إلى نشاط الصين الكبير في مجال التصميمات، وتخصيصها ميزانية أكبر بكثير من تلك التي تنفقها روسيا في هذه المساحة، ما سينعكس حتمًا على زيادة حصتها في السوق، بالمستقبل القريب، لدرجة أنها قد تهدد المكانة الروسية، التي تحتل المرتبة الثانية في قائمة الدول المصدرة للسلاح بالمنطقة.
ربحت شركات الأسلحة الروسية حوالي 36 مليار دولار منذ عام 2017 ، بزيادة قدرها 8.5%عن عام 2016
معطيات معهد ستكهولم، التي يتنبأ بها واحد من أهم باحثيه عن مستقيل الأسلحة الصينية، سبق للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، الإشارة إليها أيضا في تقرير له، كشف من خلاله عن توجه الصين لعمل تصميمات أسلحة متطورة للغاية، بما فيها تصميمات طائرات دون طيار، بعد أن أصبحت شبه متساوية تمامًا مع الغرب في القوة الجوية، بجانب تفوقها في القدرة نيرانية لصواريخ صواريخ جو ـ جو الصينية، التي لايوجد لها أي معادل غربي، فضلا عن تفوقها في الصواريخ قصيرة المدى، ما يجعلها مؤهلة لكسر هيمنة أوروبية ــ غربية، استمرت طويلا في مجالات تطوير الأسلحة بالعالم.
وتعتبر مراكز الأبحاث السابق الإشارة إليهما، أن الصين لديها خطة متكاملة لنشر أسلحتها خارج حدودها، استنادًا على جهودها في تقديم تكنولوجيا متقدمة، تسبق جميع الأسلحة الرائجة في منطقة الشرق الأوسط تحديدًا، وتأمل في تقلب موازين القوى الدائم بمبيعات السلاح في المنطقة للحصول الذي مكن روسيا من إزاحة بريطانيا من مركزها الثاني كأكبر منتج للأسلحة في العالم، وتصبح وريثة الاتحاد السوفيتي، صاحبة المركز الثاني بعد الولايات المتحدة، وربحت شركات الأسلحة الروسية حوالي 36 مليار دولار منذ عام 2017 ، بزيادة قدرها 8.5%عن عام 2016 .
من الناحية الروسية، لازالت مبيعات السلاح الروسي، تؤكد جدارته بالقفز لهذه المرتبة في دول الشرق الأوسط، خلال السنوات الأربع الماضية، ويعود الفضل بنسبة كبيرة لإعادة تشكيل مربع السوق القديم، اعتمادًا على مصر والعراق، وهما حاليا من أكبر مستوردي السلاح الروسي في المنطقة، بنسبة 46% و36% على التوالي، حيث زادت واردات العراق من السلاح الروسي بنسبة 780% في الفترة ما بين 2009-2013 و2014-2018، بينما زادت واردات مصر، بنسبة 150% بين نفس الفترتين.
رغم أزمات روسيا، التي غرقت فيها، بسبب التداخل مع ورثة الاتحاد السوفيتي، استمرت أزمات صادرات الأسلحة الروسية، وخاصة بعد سقوط النظام العراقي صدام حسين عام 2003، مرورا بسقوط معمر القذافي في عام ٢٠١١
تعلم روسيا جيدًا، طرق النفاذ لسوق السلاح في الشرق الأوسط، نظرًا لخبرة الاتحاد السوفيتي الطويلة في التعامل مع الجزائر، ومصر، وسوريا، والعراق، وإيران، وليبيا، والسودان واليمن، لكن سقوط الاتحاد السوفيتي وتفككه، ساهم في تدهور صادرات الأسلحة الروسية إلى المنطقة بشكل كبير، عطفا على تدهور الصناعة نفسها، بسبب وقوع العديد من أهم مصانع السلاح القديمة، داخل حدود دول المستقلة حديثًا أنذاك عن الاتحاد.
رغم أزمات روسيا، التي غرقت فيها، بسبب التداخل مع ورثة الاتحاد السوفيتي، استمرت أزمات صادرات الأسلحة الروسية، وخاصة بعد سقوط النظام العراقي صدام حسين عام 2003، مرورا بسقوط معمر القذافي في عام ٢٠١١، وكانا من أكبر عملاء روسيا التقليديين في المنطقة، في ظل استحواذ أمريكا بشكل شبه كامل على دول الخليج، بسبب بنية التحالفات القوية مع الولايات المتحدة، وجاءت الأزمة السورية، لتعيد السوق القديم إلى ما كان عليه، سواء بسبب زيادة صادرات الأسلحة إلى نظام بشار الأسد، أو لقوة الأسلحة الروسية في المعارك، وأثبات أهميتها في موازين القوة العسكرية بالعالم، لتجذب انتباه جميع دول الشرق الأوسط بما في ذلك دول الخليج التي كانت سوق محتكرة لامريكا والدول الغربية.
مستقبل العسكرية الصينية في المنطقة
رغم قوة المعطيات التي تشير إلى استمرار روسيا في المرتبة الثانية بعد أمريكا في صادرات الأسلحة بمنطقة الشرق الأوسط، إلا ان الصين لها حظوظ كبيرة أيضا، لنيل نفس الدرجة مستقبلا، ولاسيما أنها تعتمد خطة ذكية للغاية للوقوف على الحياد في ما تمر به المنطقة من أحداث، وفي نفس الوقت، تفتح لنفسها ممرات آمنة، لإنفاذ صادرتها العسكرية إلى جميع المتنافسين، فالأسلحة الصينية ستجدها في أيدي المتمردين، وداعش، ومع المعارضة السورية بمختلف طبقاتها، والنظام السوري في نفس الوقت.
تملك الصين، ذراعا طويلاً في عملية تصدير السلاح بالمنطقة، ليس فقط في الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، ولكن في تفوقها بمجال طائرات دون طيار من الطراز العسكري «UAVs»
أكثر ما يشير إلى مستقبل العسكرية الصينية في المنطقة، مشاركتها المتزايدة بالتدريبات العسكرية، بجميع أنحاء الشرق الأوسط، فالبحرية الصينية تكثف تدريباتها المشتركة مع البلدان التي تملك منافذ على نقاط المرور الاستراتيجية في المنطقة، مثل مضيق هرمز، الواصل بين مياه الخليج العربي من جهة، ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، والمنفذ البحري الوحيد للعراق والكويت والبحرين وقطر.
وكما تتحالف مع الخليج، تذهب بنفس القوة والحماس إلى إيران، وتجري معها مناورات بحرية مشتركة على هامش مضيق هرمز أيضا، وتستغل في ذلك البنية التحتية ذات الاستخدام المزدوج التي أنشأتها استثماراتها الإقليمية، وتتوقع بعض التحليلات صاحبة التخصص، أن تضع الصين قدما عسكريا لها في المنطقة، مثلما فعلت في جيبوتي القريبة من نفس المنطقة، والتي أقامت فيها أول قاعدة عسكرية لها بالمنطقة، وأول قاعدة للصين خارج حدودها على مدار تاريخها.
كما تملك الصين، ذراعا طويلاً في عملية تصدير السلاح بالمنطقة، ليس فقط في الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، ولكن في تفوقها بمجال طائرات دون طيار من الطراز العسكري «UAVs» والتي كانت حتى وقت قريب تخضع لضوابط التصدير الأمريكية، وآخر من باعت له هذه الطائرات دون طيار، دولة الإمارات العربية المتحدة، التي استخدمتها حسب تقارير أمريكية، في حملتها المستمرة للقضاء على قادة الحوثيين البارزين بالحرب اليمنية.
وتملك الصين أيضا، مساحة نفوذ كبيرة في التطلعات العسكرية للمملكة العربية السعودية، ووقعت معها عقدًا لتصنيع طائرات دون طيار العسكرية، وهي تخطط بهذه الطريقة على المستوى البعيد، ليس فقط للحصول على المرتبة الثانية مكان روسيا بالمنطقة، ولكنها تسعى إلى إزاحة أمريكا نفسها واحتلال مكانتها، اعتمادا على تقلبات الأوضاع في الشرق، التي تولد دئما أسواقً جديدة لأنظمة الأسلحة منخفضة التكلفة وعالية التقنية، وهو مخلب قط تصطادها به الولايات المتحدة، لإيقاف تقدم التنين الصيني، عبر اتهامه ببيع الأسلحة لأي طرف دون ضوابط، ما سيؤدي في النهاية إلى تفاقم النزاعات الإقليمية، إذا ما استمر تزويد الصين الدول وجماعات المصالح، بوسائل تمكنهم من خوض حرب كبرى بأقل أسعار مغرية !