استيقظ العالم اليوم على فاجعة كبرى إثر هجومين إرهابيين على مسجدين في نيوزيلندا أسفر عن مقتل 49 شخصًا، وهو ما اعتبره البعض نتيجة وجود بيئة الكراهية والمعاداة للإسلام التي شكلتها الأحزاب اليمنية المتطرفة والتي باتت خطاباتها وتوجهاتها أكثر انتشارًا وتأثيرًا من أي وقت سابق. وبهدف التعرف عن كثب عن المجتمع الإسلامي في نيوزيلندا، سنبحث قليلًا عن كيفية وصولهم إلى هذه الأرض وأعدادهم وأحوالهم الاجتماعية والحقوقية.
كيف وصل المسلمون إلى نيوزيلندا؟
تختلف المصادر حول التاريخ الذي وصل فيه المسلمين إلى نيوزيلندا، لكن الغالبية تشير إلى أن أول الواصلين كانوا من أصول صينية وعرفوا باسم “الماوميتانيين” الذين عملوا في مناجم دونستان للتعدين في منطقة أوتاجو عام 1874 تقريبًا، ولكنهم عادوا إلى بلادهم بعدما انهارت صناعة التعدين. بعد ذلك، جاءت أقوام مختلفة في تسعينيات القرن التاسع عشر وكانوا من الهنود، وخلال أربعينيات القرن الماضي، بدأ هؤلاء بجلب زوجاتهم وعائلاتهم معهم إلى أن أصبحوا جالية معترف بها رسميًا.
ومنذ ذاك الوقت بدأت هذه الجماعات التي تنامت أعدادها بشكل مستمر بخلق مناخ ديني يلائم معتقداتها ومع عدم وجود أي مراكز خاصة بهم لممارسة شعائرهم، حول البعض منهم منازلهم الخاصة إلى أماكن للعبادة، وذلك حتى عام 1950 حين وصل عددهم إلى 200 مسلم، فتشكلت أول رابطة للمسلمين في مدينة أوكلاند وعرفت آنذاك باسم “الرابطة الإسلامية بنيوزيلندا” وتبعها بسنوات عديدة روابط أخرى مثل رابطة المسلمين في ويلينغتون في عام 1962 والتي تحولت لاحقًا إلى الرابطة الإسلامية الدولية في نيوزيلندا.
في بداية الستينيات، وصلت سفينة أوروبية إلى شواطئ نيوزيلندا وعليها 50 مسلمًا تقريبًا من ألبانيا وبلغاريا ويوغوسلافيا، وكان من بينهم، مظهر كراسنيكي الذي ترأس لاحقًا جمعية المسلمين النيوزيلنديين. في الوقت نفسه وصل عدد كبير من الطلاب المسلمين الآسيويين، ما شجع هذا المجتمع المتنامي على تشكيل لجنة أكثر توسعًا بنشاطاتها وهي الهيئة الوطنية التي تأسست في عام 1979، وقامت بتنظيم أنشطة نحو 2000 مسلم هناك على الصعيد المحلي ولا سيما أنها الفترة ذاتها التي وصل فيها أول إمام إلى نيوزيلندا وهو أحمد سعيد موسى باتل من ولاية غوجارات الهندية.
يعد المجتمع الإسلامي الأقلية الدينية الأكثر نموًا في نيوزيلندا، فلقد ازداد عددهم 6 أضعاف بين عامي 1991 و2006، وقد ارتفع عدد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا بنسبة 50% تقريبًا بين عامي 2001 و 2013.
بالجانب إلى ذلك، وصل في أواخر التسعينيات جنسيات مختلفة من الصومال وبلدان الشرق الأوسط وأفريقيا، وتأسست مؤسسة الدعوة الإسلامية للتعليم والدعوة التي اهتمت بشؤون المدارس الإسلامية وتمثيل طلابها المسلمين، ولا سيما أن هذه الأقلية الدينية ازدادت ووصل عددها إلى 23 ألف شخصًا في عام 2003، وفي عام 2006 بلغت نحو 36 ألفًا.
مع العلم أن أصولهم ليست جميعها أجنبية العرق والجنسية، فهناك مجموعة مسلمة من جذور نيوزيلندية بحتة. فبحسب التقديرات، 77% منهم هم مواليد الخارج وبينهم 29% من الهنود و21% من إيران والعراق وبعض الدول الأخرى الشرق أوسطية مثل تركيا ولبنان. وهم الأقلية الدينية الأكثر نموًا في البلاد، فلقد ازداد عددهم 6 أضعاف بين عامي 1991 و2006، وقد ارتفع عدد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا بنسبة 50% تقريبًا بين عامي 2001 و 2013.
وفقًا لوزارة التنمية الاجتماعية، يبلغ حاليًا عددهم الإجمالي نحو 50 ألف شخصًا، أي تبلغ نسبتهم من إجمالي عدد السكان حوالي 1%، ويستقرون في المدن الرئيسية في أوكلاند وكريست تشيرش وويلينجتون وهاملتون، بعد أن نجحوا في بناء 7 جمعيات ومدرسة إسلامية للفتيات ومدرسة عامة لتحفيظ القرآن، بالجانب إلى بناء 50 مسجدًا تقريبًا مثل مسجد النور والتقوى وعائشة وعمر، علمًا أنه من غير المسموح رفع الآذان بمكبرات الصوت، وفقًا للقانون النيوزيلندي.
أن تكون مسلمًا في نيوزيلندا في زمن الإسلاموفوبيا..
يرى البعض أن نيوزيلندا بعيدةً كل البعد عن الإرهاب الديني وتفتخر عادةً بالتنوع الثقافي والعرقي في مجتمعها، لكن بعض الأحداث العالمية أدت إلى تغيير المسار وتحول بعض المواقف، مثل هجمات 11 سبتمبر وظهور تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، إذ تقول موكيت بشير، وهي شابة مسلمة في أوكلاندا، أنه عندما صارت حادثة برجي التجارة العالميين بدأ أصدقائها في المدرسة بمضايقتها ولم تعد حياتها اليومية سهلة كما كانت، وتضيف: “كنتُ مجرد وجه بني اللون، يحمل اسمًا مسلمًا. لم أكن أفهم في تلك السن المبكرة ما حقيقة المشكلة ولماذا يحملني الناس هذه المسؤولية”.
الشباب المسلمين في نيوزيلندا أفضل من المجموعات الدينية الأخرى من ناحية التكيف والنجاح.
في السياق نفسه، يقول أحد المسلمين المولودين في نيوزيلاندا، أن أحد مساجد مدينته تعرضت للتخريب في عام 2005 وتم تحطيم النوافذ وكتبت عبارات عنصرية مثل “عد إلى بلدك”، ومنذ ذاك الوقت بدأت مشاعر الاستبعاد والتمييز بالظهور. ولا سيما أن دراسة في جامعة فيكتوريا عام 2009، أظهرت أن سكان نيوزيلندا صنفوا المسلمين أقل من جميع الجماعات الدينية الأخرى، كما فعلوا ذلك أيضًا مع جميع الدول ذات الغالبية المسلمة.
وهو ما يفسره عالم النفس وباحث جامعة فيكتوريا الدكتور، جيمي ستيوارت، بقوله: “نحن متفقون مع التعددية الثقافية، لكننا لا نحب التعددية الثقافية الواقعية، لأن هذا يعني التمثيل وتكافؤ الفرص والتعدي على أنفسنا”. كما يشير إلى جانب جديد يتعلق بمدى انسجام الشباب المسلمين مع القيم النيوزيلندية، ففي إحدى الدراسات التي شاركت فيها حوالي 13 دولة، رأت الدراسة أن الشباب المسلمين في نيوزيلندا أفضل من المجموعات الدينية الأخرى من ناحية التكيف والنجاح.
لكن على أرض الواقع، كان الأمر مختلفًا تجاه الغالبية، فقبل عامين، تم توزيع منشورات في سكان مدينة وانجانوي، بعنوان “أوقف الأسلمة”، وهي عبارة عن بيان من مجموعة من الأشخاص الذين عبروا عن اشمئزازهم من المسلمين الذين يصلون إلى نيوزيلندا كلاجئين ولكنهم ينوون فقط تغيير “القوانين والثقافة وعادات الحياة اليومية بما يتناسب مع معتقداتهم”، عدا عن الإشارة إلى أن الهدف الرئيسي من قدومهم هو “قتل أي شخص” لا يؤمن بإلههم.
كما اتهموا المسلمين بممارسة الضغط على الحكومة المحلية، ومجالس المدارس، والجماعات المجتمعية والحكومة المركزية لمنحهم معاملة خاصة وإعفائهم من القوانين. المفاجأة السارة كانت برد أهالي المدينة الذين رأوا أن هذه المجموعة من الناس تنشر الكراهية والتطرف على اعتبار أن هذا النوع من السلوكيات غير مقبول في المجتمع النيوزلندي وغالبية السكان لا يدعمون أفكارهم ويجدونها مسيئة ومضللة، كما صرح أحدهم.
لكن في استطلاع وطني أجري عام 2008، قال ما يقرب 9 من كل 10 مشاركين أنه من الجيد للمجتمع أن يتكون من أعراق وديانات وثقافات مختلفة. لكن أكثر من واحد من كل 4 قالوا إن الهجرة تزيد من معدلات الجريمة، في حين أن قال أكثر من واحد من كل 5 أن الثقافة النيوزيلندية أضعفتها الهجرة. ولا شك أن نتائج هذه النظرة السلبية في الموقف المحلي للمجتمع النيوزلندي تجاه المسلمين، ظهرت اليوم بواسطة نيران نيران التطرف والعنصرية التي طالت ضحايا اليوم وأقضت مضاجع الاحياء منهم.