ترجمة وتحرير: نون بوست
حذّرت منظمة الأمم المتحدة من أن قطاع غزة سيصبح “غير صالح للعيش” بحلول سنة 2020، حيث يعاني الفلسطينيون في الجيب الصغير من تداعيات ما يقارب 12 سنة من الحصار الخانق، وثلاث حروب، وحركة احتجاج واسعة النطاق تقترب من ذكراها السنوية الأولى.
أفادت تقارير بأن المنسق الخاص للأمم المتحدة والمشرف على عملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، يقود صحبة رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة، محمد العمادي، حركة نشطة بهدف التوصل إلى هدنة بين “إسرائيل” وحركة حماس، والتخفيف من حدة توتر الوضع الذي يكاد يؤدي إلى انفجار.
في الوقت الحالي، يعلّق سكان غزة آمالهم على مصر للعب دور الوساطة والتوصل إلى اتفاق مع “إسرائيل”، من أجل التخفيف من تفاقم الوضع الإنساني وسط مخاوف من أن يتسبب فشل الجهود المبذولة في التوصل إلى هدنة في حدوث مواجهة عسكرية رابعة ستكون عواقبها وخيمة.
خطوات تنم عن نوايا حسنة
منذ أواخر شهر شباط/ فبراير، يلعب وفد أمني مصري دور الوسيط في تنظيم محادثات غير مباشرة بين حركة حماس من جهة – وهي الحزب الحاكم في غزة بمقتضى الأمر الواقع- و”إسرائيل” من جهة ثانية بغية التوصل إلى هدنة. وفي حال آتت هذه الجهود أكلها، فإنه من المقرر أن تُطبّق الهدنة على مرحلتين؛ حيث يأمل الوسطاء أن تُتوج باتفاق طويل المدى يدوم ما بين خمس إلى عشر سنوات. وحسب ما أفاد به مصدر سياسي فلسطيني لـ “ميدل إيست آي” فإن الفلسطينيين اعتمدوا “خطوات تنم عن حسن نواياهم” لمساعدة الوفد المصري على النجاح في مهمته.
تتمثل إحدى هذه الخطوات في وضع حد للاحتجاجات الليلية التي تعد جزءا من مسيرة العودة الكبرى. وقد حرص المتظاهرون الذين أطلقوا على أنفسهم “وحدات الارباك الليلي” على تأجيج الاحتجاجات المسائية في شباط/ فبراير اعتراضا على إخفاق الهدنة التي وقع التوصل إليها عن طريق وساطة مصرية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
أضرم المتظاهرون النار في إطارات السيارات على امتداد السياج الذي يفصل غزة عن “إسرائيل”، بينما استخدمت القوات الإسرائيلية المواد المتوهجة، في 11 شباط/ فبراير سنة 2019.
أفاد المصدر السياسي الفلسطيني ذاته بأن الخطوة الفلسطينية الأخرى التي سبقت الهدنة المحتملة تمثّلت في وقف احتجاجات آذار/ مارس في شمال غزة على مدار أيام الجمعة من الأسبوعين الماضيين، داخل واحدة من نقاط التجمع الخمس التي استخدمها المتظاهرون منذ 30 آذار/ مارس 2018. وجاءت مبادرات حركة حماس استجابة للمطالب الإسرائيلية المنقولة من قبل الوفد المصري خلال الأسبوع المنقضي، حيث دعت إلى “الحد من استخدام الوسائل الخشنة” التي يعتمدها الفلسطينيون لممارسة الضغط على “إسرائيل”. في الأثناء، سمحت “إسرائيل” بمرور المساعدات القطرية، التي كانت ممنوعة من الدخول، إلى غزة لتوزيعها على الأسر الفقيرة.
تخفيف الحصار
إن حركة حماس، التي تولّت الحكم في غزة منذ سنة 2007 أي إثر فوز مثير للجدل في الانتخابات التشريعية الفلسطينية قبل سنة، تسعى لتجاوز الأزمات الناجمة عن الحصار المفروض من قبل “إسرائيل” والذي حظي بدعم مصر. وقد اشتدت تداعيات هذا الحصار منذ أن شرعت السلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح في الضفة الغربية، في فرض عقوباتها الخاصة في نيسان/ أبريل سنة 2017.
ينما تقود مصر المحادثات غير المباشرة بين حماس و”إسرائيل”، تدخلت كل من الأمم المتحدة وقطر لتأمين بعث وتمويل مشاريع تضمن استمرارية الاتفاقية وتسهّل معالجة الأزمة الإنسانية في غزة
في تصريح له لـ “ميدل إيست آي”، أكد سهيل الهندي، عضو المكتب السياسي لحماس، التزام الحركة بضرورة التوصل إلى هدنة من أجل ضمان تخفيف فعّال للحصار؛ بما في ذلك مرور البضائع عند المعابر، وتوسيع المنطقة المخصصة للصيد، فضلا عن العثور على حل لافتقار منطقة غزة للطاقة الكهربائية. هذا بالإضافة إلى مساعدة الأسر الفقيرة، ومعالجة مشكلة تفشي البطالة والفقر المدقع.
بينما تقود مصر المحادثات غير المباشرة بين حماس و”إسرائيل”، تدخلت كل من الأمم المتحدة وقطر لتأمين بعث وتمويل مشاريع تضمن استمرارية الاتفاقية وتسهّل معالجة الأزمة الإنسانية في غزة. ومع ذلك، أشار الهندي إلى أن غزة تتمتع بالحق في “القتال” لكسر الحصار بشتى الوسائل، والتخفيف من معاناة الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل هذه الظروف القاسية. وقد رفضت كل من حركة حماس والفصائل السياسية الأخرى المنخرطة في الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة الكبرى الدعوة إلى وضع حد فوري وشامل للمظاهرات، على الأقل إلى حدود التوصل إلى هدنة طويلة المدى.
بدأت مسيرة العودة الكبرى في الظهور على امتداد الحدود التي تفصل بين قطاع غزة و”إسرائيل” في شهر آذار/ مارس من السنة الماضية، منادية بضرورة رفع الحصار والاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين النازحين على خلفية نكبة 1948 في العودة إلى أرض الوطن. وقد أفادت وزارة الصحة في غزة بأن القوات الإسرائيلية تسببت في مقتل ما لا يقل عن 256 فلسطينيا وإصابة أكثر من 29 ألف آخرين منذ نشوب الاحتجاجات.
أخبر مصدر رفيع المستوى ينتمي إلى فصيل سياسي وعضو في الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة الكبرى موقع “ميدل إيست آي” أن الاحتجاجات ستتقلّص تدريجيًا لتنتهي في نهاية المطاف في حال تم التوصل إلى اتفاق هدنة لتحسين ظروف معيشة السكان في غزة
ذكر الهندي أن الاحتجاجات والإجراءات المتخذة خلالها تعتمد بالأساس على الأطراف الفاعلة على أرض الواقع، وسيجري تناولها وفقا “لمصلحة الشعب”. من هذا المنطلق، تخطط الفصائل السياسية للعمل على اتفاق يتّسم “بمرونة عالية” مع مراعاة الظروف العصيبة التي يمر بها سكان غزة.
أخبر مصدر رفيع المستوى ينتمي إلى فصيل سياسي وعضو في الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة الكبرى موقع “ميدل إيست آي” أن الاحتجاجات ستتقلّص تدريجيًا لتنتهي في نهاية المطاف في حال تم التوصل إلى اتفاق هدنة لتحسين ظروف معيشة السكان في غزة.
من جهته، صرّح طلال أبو ظريفة، عضو المكتب السياسي “للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين”، بأن الجهود الحثيثة التي يبذلها الوفد المصري للتوصل إلى هدنة تأتي نتيجة اعتراف القاهرة باحتمال تحول الوضع في غزة إلى صراع شامل. وفي هذا الإطار، قال أبو ظريفة إنه في حال لم تقدّم “إسرائيل” تنازلات في غزة، فإن “كل الخيارات ستكون مطروحة أمام المقاومة”.
في إشارة إلى الاتفاق الذي سبق وأن لعبت فيه مصر دور الوسيط في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر في أعقاب غارة عسكرية إسرائيلية كارثية في غزة أدت إلى تصاعد وتيرة العنف لمدّة قصيرة، حمّل أبو ظريفة مسؤولية انهيار الهدنة المؤقتة “لتعنّت الجانب الإسرائيلي والتملّص من الإيفاء بالالتزامات”.
رهانات انتخابية
وفقا لما صرّح به أبو ظريفة، تهدف الجهود المتجددة التي تقودها الحكومة المصرية إلى التوصّل إلى اتفاق سيجري تنفيذه على مرحلتين. تشمل المرحلة الأولى، التي تأمل الأطراف المفاوضة أن تُنفّذ بحلول نهاية الشهر الجاري، التوسع التدريجي في منطقة الصيد المخصصة في غزة إلى 15 ميلًا بحريًا بعد أن كانت ستة وبلغت حاليًا تسعة أميال، وتعميم التمتّع بالكهرباء في غزة من ست ساعات لثماني ساعات يوميا، وتسهيل حركة البضائع داخل غزة وخارجها.
قال مصدر من حركة حماس” إنه خلال اجتماع عُقد مؤخرًا مع زعيم الحركة، إسماعيل هنية، رفض الوفد المصري تمرير مطالب الفلسطينيين للمسؤولين الإسرائيليين المتعلّقة بميناء أو مطار أو صفقة تبادل الأسرى بتعلة أن الأولوية تقتضي التوصل إلى إجراءات فورية لتخفيف الحصار”
حسب أبو ظريفة، تتضمّن المرحلة الثانية التي من المتوقع أن تحدث بعد ستة أشهر إنشاء مطار أو ميناء في غزة، واستعادة خط كهرباء إسرائيلي هام كان معطّلا منذ سنوات، وتحويل محطة الكهرباء في غزة لتوليد الطاقة عن طريق الغاز بدلا من الوقود، والإمداد الثابت للغاز المذكور إلى غزة عبر خطوط الأنابيب.
مع ذلك، قال مصدر من حركة حماس لـ “موقع ميدل إيست آي” إنه خلال اجتماع عُقد مؤخرًا مع زعيم الحركة، إسماعيل هنية، رفض الوفد المصري تمرير مطالب الفلسطينيين للمسؤولين الإسرائيليين المتعلّقة بميناء أو مطار أو صفقة تبادل الأسرى بتعلة أن الأولوية تقتضي التوصل إلى إجراءات فورية لتخفيف الحصار وتجنب تأزم الوضع في غزة. وأخبر مصدر سياسي فلسطيني آخر في غزة، طلب عدم الكشف عن هويته، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان حريصًا على وضع حدّ لمسيرة العودة الكبرى قبل حلول الذكرى الأولى لها، والتي من المتوقع أن تكون قبل 10 أيام على الانتخابات التشريعية في “إسرائيل”.
لطالما شعر نتنياهو، الذي ثبُت تورطه في عدد من قضايا الفساد، بالإحراج جرّاء المظاهرات الليلية التي تجتاح غزة، واستخدام المحتجين للطائرات الورقية الحارقة والمناطيد، التي أحرقت فدادين من الأراضي جنوب “إسرائيل” في الصيف الماضي. وعلى الرغم من خطاب نتنياهو التحريضي الذي سعى من خلاله إلى تسليط الضوء على نهجه المتشدّد ضد حماس، قال الباحث الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي، صالح النعامي، إن التصعيد العسكري في غزة لن يخدم الأهداف الانتخابية للزعيم الإسرائيلي.
حيال هذا الشأن، قال النعامي إن نتنياهو أبدى حذرًا شديدًا في غزة على الرغم من الانتقادات التي وُجّهت إليه من الداخل لفشله في القضاء على “مسيرة العودة الكبرى”. وكشف النعامي أنّ “نتنياهو يدرك أن غزة وحماس ليس لديهما شيء لخسارته”، مضيفًا أن حماس والأطراف السياسية والفصائل المسلحة الأخرى في غزة كانت على استعداد للمضي قدمًا حتى في حال حدوث تصعيد عسكري، بغض النظر عن الانتخابات الإسرائيلية.
لطالما شعر نتنياهو، الذي ثبُت تورطه في عدد من قضايا الفساد، بالإحراج جرّاء المظاهرات الليلية التي تجتاح غزة
في هذا الصدد، قال المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، مصعب البريم، لموقع “ميدل إيست آي” إن “المقاومة في غزة لن تقبل أن يقع استخدامها كبيدق بيد المرشحين في الانتخابات الإسرائيلية. لن نقبل بأقل من تخفيف الحصار السياسي والإنساني المفروض على قطاع غزة”
حسب مصدر فلسطيني لم يكشف عن هويّته، فإنه في حال فاز التحالف اليميني بقيادة نتنياهو في الانتخابات، ونجحت كل من مصر وقطر والاتحاد الأوروبي في تحقيق الاستقرار في غزة، يمكن حينها تشجيع الأطراف المشاركة في الهدنة المحتملة على التفاوض للتوصل إلى اتفاق متقدم تدوم مدته بين خمس و10 سنوات.
كان إبراهيم المدهون، مدير “معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية”، يشعر بالتفاؤل من أن “فرص نجاح التدخل المصري ستكون كبيرة، كما أن هناك استجابة جيدة من قبل حركة حماس”. وفي هذا الخصوص، قال المدهون: “لقد شكّل تطوير الأدوات المستخدمة في المظاهرات وتواصلها وتصاعد وتيرتها على مدار سنة بأكملها، وسيلة ضغط مهمة في أيدي حركة حماس والفصائل في غزة، مما قد يجبر “إسرائيل” هذه المرة على الالتزام بالهدنة”. في المقابل، لا يستبعد المدهون احتمال حدوث “تصعيد خطير”، ويخشى من أن تكون غزة في حال فشلت الجهود المصرية الخاسر الوحيد في النهاية، خاصة إذا ما تراجعت “إسرائيل” عن الإيفاء بالتزاماتها بعد الانتخابات.
المصدر: ميدل إيست آي