“الضغط يولد الانفجار”، معادلة شهيرة ومهمة بقانون فيزياء الكون، تنطبق بكل تراكيبها وجزئياتها على ما يجري في مدن الضفة الغربية المحتلة التي تتعرض لشتى أنواع الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية، بفعل الاحتلال الإسرائيلي الذي يخشى يوم تحقيق هذه المعادلة على أرض الواقع.
اعتقالات، اقتحامات للمدن والقرى، ملاحقات أمنية للمواطنين، قتل بدم بارد، قطع للأشجار والأرزاق وإغلاق المحال التجارية، إهانة وإذلال على المعابر والحواجز العسكرية، عربدة لا متناهية للمستوطنين المتطرفين، تدنيس للمقدسات وتصاعد للتهديد والاعتداءات، باتت الرفيق اليومي الذي يعيش الفلسطينيون تفاصيله القاسية والمرة.
ومع هذه الحملات المسعورة من الاحتلال الإسرائيلي التي لم ترحم حجرًا ولا بشرًا وتُخطط على نار التغيير الديموغرافي والتهجير والعنصرية، عاد السؤال الكبير يسيطر على الساحة ويشغل بال الجميع، وقد تقلب تأكيد إجابته الأوضاع والطاولة على الجميع وخاصة على الحكومة الإسرائيلية، وهو: هل اقترب موعد الانتفاضة الثالثة؟
وفق رؤية السياسيين والمحللين الفلسطينيين، فإن جميع المؤشرات التي تخرج من الضفة الغربية تؤكد أن طبول الانتفاضة الثالثة بدأت تُسمع من بعيد
التقديرات الإسرائيلية هي الأخرى تُرجح فرضية الانتفاضة وتشير جميعها إلى احتمال ارتفاع وتيرة عمليات المقاومة المنظمة في الضفة، وهو ما يتوقعه المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” العبرية عاموس هارئيل الذي قال: “من المتوقع أن تضاعف حماس من محاولاتها تنفيذ عمليات جديدة بالضفة”، مشيرًا إلى أن الأشهر الأخيرة سجلت تزايدًا في العمليات الأمنية، بدءًا بعمليات الدهس مرورًا بعمليات طعن وانتهاءً بعمليات إطلاق النار.
ونبّه إلى أن “هذه العمليات في تزايد مستمر، وقوات الأمن الإسرائيلية غير قادرة على مواجهتها، بل تزيد من الصعوبات أمام قوات الأمن في الحفاظ على حالة الاستقرار الأمني بالضفة”.
شرارة الانتفاضة الثالثة
ووفق رؤية السياسيين والمحللين الفلسطينيين، فإن جميع المؤشرات التي تخرج من الضفة الغربية تؤكد أن طبول الانتفاضة الثالثة بدأت تُسمع من بعيد ونيرانها ستشتعل قريبًا، لتعلن عن هبة شعبية جديدة قد تكون أكبر وأخطر من سابقاتها وككرة الثلج المتدحرجة.
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، نائب الأمينة العامة للاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا) صالح رأفت، يؤكد أن الضفة الغربية ستشهد انتفاضة شعبية عارمة في كل المدن والقرى بما فيها القدس الشرقية، جراء العدوان الإسرائيلي الخطير.
“الضفة الغربية المحتلة تقترب يومًا بعد آخر من المواجهة الشاملة والمباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي”، الحديث هنا لعضو المكتب السياسي لحركة حماس حسام بدران
ويقول “ستكون هناك انتفاضة شعبية عارمة في مدن الضفة الغربية والقدس الشرقية كافة، بعد العدوان الإسرائيلي الخطير على الضفة الغربية الذي أدى إلى اعتداءات وإعدامات ميدانية واقتحامات”، مضيفًا “القيادة الفلسطينية ستتحرك على كل الأصعدة من أجل إدانة هذا العدوان الغاشم”، لافتًا إلى أنه سيكون هناك تحرك فلسطيني في جميع المؤسسات الدولية.
وأشار رأفت إلى أن الاحتلال الإسرائيلي تعدى بجرائمه المواثيق والأعراف الدولية، مشددًا على ضرورة دعم وتعزيز المقاومة الشعبية في الضفة الغربية، وبحسب عضو اللجنة التنفيذية فإن الاحتلال سيواصل مسلسل جرائمه في الضفة الغربية، متوقعًا أن يستمر هذا العدوان عدة أيام، متسائلًا: لكن هل هذا التصعيد يكمن ضمن (صفقة القرن)؟
“الضفة الغربية المحتلة تقترب يومًا بعد آخر من المواجهة الشاملة والمباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي”، الحديث هنا لعضو المكتب السياسي لحركة حماس حسام بدران، ويوضح أن ارتقاء الشهداء في الضفة الغربية والمواجهات المتصاعدة في الأقصى، إلى جانب أوضاع السجون والتصعيد الدائم، عوامل لاندلاع المواجهات مع الاحتلال، مضيفًا “انعدام الأفق السياسي وتراجع الوضع الاقتصادي، تزيد من الدافعية للمقاومة، لكن أحداث الأقصى تبقى دومًا الشرارة”.
القيادي في حركة حماس شدد على أن الوضع الفلسطيني الداخلي والتعقيدات الإقليمية والدولية لن توقف مقاومة الشعب الفلسطينية للاحتلال، متابعًا حديثه “المطلوب هو مزيد من التحرك والدفاع عن المسجد الأقصى من الجميع، وسوف يهزم المحتل كما في كل مرة بإذن الله”.
الاعتداءات الإسرائيلية بالضفة لا تتوقف
ملامح الضفة وبدء ظهور ملامح مرحلتها الجديدة تظهر بعد سرعة إصدار كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس بيان نعي وتبني لشهداء بالضفة، إذ قالت الكتائب في البيان إن مقاومتها ستظل حاضرةً على امتداد خريطة الوطن، ولا يزال في جعبتنا الكثير مما يسوء العدو ويربك كل حساباته، مضيفة “جمر الضفة تحت الرماد سيحرق المحتل ويذيقه بأس رجالها الأحرار من حيث لا يحتسب العدو ولا يتوقع”.
وأكمل خطاب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في بيت العزاء الذي أقيم لشهداء الضفة في مدينة غزة، ملامح المرحلة عندما قال: “الضفة تتغير، والسنوات العجاف التي عاشتها أزف رحيلها، وهناك صفحة جديدة مع المحتل فتحت بالدم والشهادة والبارود والنار”.
الجدير ذكره أن العام 2018 شهد ارتفاعًا ملحوظًا في عمليات المقاومة في الضفة الغربية التي أدخلت الاحتلال الإسرائيلي ما يشبه عملية الاستنزاف، ولم يخل يوم دون أن تكون هناك مواجهات، مضافًا لذلك العمليات الفردية التي شهدتها الضفة نهاية العام، وأفضت خلال عشرة شهور لمقتل 11 إسرائيليًا بمعدل قتيل كل شهر وإصابة 159 آخرين.
نقلًا عن مصادر قيادية في حركة فتح، فإن أجهزة أمن السلطة قد رصدت خلال الأيام الأخيرة العديد من التحركات في مدن الضفة بهدف إشعال الأوضاع الميدانية وفتح باب التصعيد على الاحتلال والسلطة الفلسطينية
وبحسب رصد مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، فقد شهد العام الحاليّ أكثر من 4367 عملًا مقاومًا، ما بين إطلاق نار وعمليات طعن ودهس وإلقاء عبوات وزجاجات حارقة صوب المواقع العسكرية والمستوطنين.
وعلم “نون بوست”، نقلًا عن مصادر قيادية في حركة فتح، أن أجهزة أمن السلطة رصدت خلال الأيام الأخيرة العديد من التحركات في مدن الضفة بهدف إشعال الأوضاع الميدانية وفتح باب التصعيد على الاحتلال والسلطة الفلسطينية.
وأوضحت أن هناك تحركات أخرى تجري بالضفة كذلك لنقل حملات “ارحل يا عباس” إلى الضفة بعد أن انتشرت بشكل كبير في قطاع غزة ضمن الحراك الشعبي ضد الرئيس محمود عباس، مشيرةً إلى أن الضفة تشهد مرحلة حساسة للغاية وهناك حالة أمنية قصوى للتعامل مع أي طارئ.
رقصة الذبيح
وفي ذات السياق، يعتبر الخبير العسكري اللواء متقاعد واصف عريقات أن الأوضاع في الضفة الغربية متوترة أساسًا بفعل الإجراءات الإسرائيلية المستمرة التي ترفع من التوتر وتعاقب الشعب الفلسطيني بشكل جماعي عبر قرارات وقوانين تمس كل مكونات الحياة الفلسطينية بهدف التضييق المتواصل في سعي احتلالي لتركيع الشعب الفلسطيني.
لا يبدو أن الحراك الشعبي المشحون في الضفة سينتهي أو سيتوقف قريبًا
وأوضح اللواء عريقات أن الأوضاع المتوترة ستزداد في ضوء “رقصة الذبيح” التي يمارسها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي يسعى من خلال الاعتداءات اليومية المستمرة إلى كسب الأصوات الانتخابية الإسرائيلية على حساب معاناة الشعب الفلسطيني.
وأكد أن الاقتراب من موعد الانتخابات الإسرائيلية في الـ9 من أبريل المقبل يجعل احتمالات التصعيد أكبر جراء إقدام نتنياهو وحلفه المتطرف على مزيد من التصعيد لإدراكهم أن مزيدًا من المعاناة الفلسطينية يساوي مزيدًا من الأصوات الإسرائيلية لأن جمهور اليمين المتطرف الانتخابي هم غلاة المستوطنين والمتطرفين، لذلك المتوقع المزيد من العنف الإسرائيلي.
وعلى ضوء هذه التطورات، لا يبدو أن حراك الشعبي المشحون في الضفة سينتهي أو سيتوقف قريبًا، فأسباب الدفع حاضرة وممارسات الاحتلال واعتداءات مستوطنيه التي شهدت تزايدًا بشكل كبير، وعمليات التوغل والاجتياح والهدم مستمرة وكفيلة بتطوير الحراك النوعي لانتفاضة ثالثة شاملة، ما يعني أن بقعة الزيت في الضفة ستتسع، فكلما أوغلت “إسرائيل” في ممارساتها عجّلت بالأمر وهيأت له الظروف والبيئة، وأكبر الأخطاء أن تظن “إسرائيل” أو تُقدر أن التصعيد في الضفة قد تجمد نتيجة الاعتقالات والهدم والترويع.
ومكمن السرّ أن الحدث لا يتم كردة فعل فلسطينية فقط، ولكن بناءً على عملية تراكم في الوعي وفي الغضب وفي تعاطي الإنسان الفلسطيني، والقادم سيكون أكثر تعقيدًا لـ”إسرائيل” وأمنها ومستوطنيها في ظل الإحباط واليأس والضغط على الفلسطينيين.