بعد ماراثون دام 15 يومًا من الشد والجذب والشحن الإعلامي والسياسي ها هي نقابة الصحفيين المصرية تسدل الستار عن انتخابات التجديد النصفي بها التي جرت أمس الجمعة وسط حالة من الترقب لما ستسفر عنه تلك المعركة التي لم تخرج نتائجها عن خريطة التوقعات المحددة سلفًا بصورة كبيرة.
4832 صحفيًا شارك في العملية الانتخابية لاختيار النقيب رقم 22 خلفًا لعبد المحسن سلامة، النقيب المنتهية مدته، من بين 11 مرشحًا على هذا المنصب، وستة أعضاء جدد، من بين 52 مرشحًا، وفقًا لقانون 76 لسنة 1970 بإنشاء النقابة، فيما كانت الأصوات الباطلة “235”.
وفجر اليوم أعلنت اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات نتائجها التي أسفرت عن فوز ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، بمنصب نقيب الصحافيين بإجمالي 2810 صوتًا، مقابل 1585 صوتًا لمنافسه رفعت رشاد عضو مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم.
العديد من الأحداث الساخنة شهدتها أروقة المعركة الانتخابية التي وإن لم تحمل الكثير من المفاجآت إلا أنها ألقت بظلالها على المشهد الصحفي برمته خاصة بعدما باتت النقابة في قبضة المؤسسات الحكومية الرسمية وهو الأمر الذي ربما ينعكس بصورة أو بأخرى على مستقبل الحريات الصحفية في البلد المصنف كواحد من بين أربع دول هي أكبر سجون للصحفيين في العالم، وذلك بحبس 25 صحفيًا بما يتجاوز الرقم القياسي للصحفيين المحبوسين في العام السابق الذي بلغ 20 صحفيًا.
نتائج متوقعة وكامل والبلشي علامة استفهام
لم تخرج نتائج الانتخابات عن السيناريو المرسوم، إلا أنها شهدت بعض العلامات الفارقة التي تعكس عدد من المؤشرات، على رأسها الفوز الكاسح للمرشح الشاب المحسوب على تيار الاستقلال محمود كامل (تحت السن) الذي حصل على أعلى الأصوات في الانتخابات بإجمالي 2107 صوتًا.
يتمتع كامل رغم صغر سنة بشعبية كبيرة بين جموع الصحفيين لجهوده المقدمة في خدمة الأسرة الصحفية، فرغم رئاسته للجنة الثقافية بالنقابة خلال العامين الماضيين فإنه دومًا كان ظهير الصحفيين المعتقلين والمحبوسين، فلم يتأخر يومًا عن الاستجابة لذويهم وتقديم الدعم النقابي لهم، هذا بخلاف مناوشاته المستمرة للمجلس المنقضي ولايته برئاسة سلامة، وانتصاره دومًا لصالح العاملين بالمهنة بصرف النظر عن هويتهم السياسية، وهو ما أثار في بعض الأوقات حفيظة المحسوبين على المؤسسات القومية الأخرى.
ومن بين المفاجآت التي حملتها معركة الأمس خسارة رئيس لجنة الحريات السابق بمجلس النقابة خالد البلشي، بأصوات بلغت 1440 صوتًا، رغم ما يتمتع به الرجل من دعم وتأييد من التيار اليساري، هذا في الوقت الذي تعرض فيه قبيل الانتخابات لحملات تشويه كبيرة على منصات السوشيال ميديا.
وعلى غير ذلك جاءت النتائج معظمها متوقعة، حيث فاز كل من رئيس تحرير صحيفة “الأخبار” اليومية، خالد ميري، بإجمالي 2003 أصوات، ورئيس تحرير مجلة “الأهرام الرياضي” محمد شبانة بإجمالي 1961 صوتًا، ورئيس تحرير “بوابة الأهرام” السابق، هشام يونس، بإجمالي 1475 صوتًا، ومنسق جبهة الدفاع عن الصحافيين، حماد الرمحي، بإجمالي 1288 صوتًا، وأخيرًا الصحافي في مؤسسة “أخبار اليوم” محمد يحيى يوسف بإجمالي 1154 صوتًا.
فوز محمود كامل بأغلبية أصوات الناخبين
جمعية عمومية ساخنة
شهدت الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين التي عقدت أمس قبيل بدء التصويت مشادات كبيرة بين أعضائها بعد مطالبة عدد منهم التصويت على مقترح بحظر الدمج بين وظيفة حكومية ومقعد النقيب أو عضوية المجلس.
القرار المعروض للتصويت كان ينص على منع جمع المرشح لعضوية النقابة أو منصب النقيب لوظيفة حكومية بجانب وظيفته النقابية وذلك حفاظًا على استقلال القرار النقابي، إلا أنه لاقى رفضًا من النقيب المنتهية ولايته، عبد المحسن سلامة، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام،الذي قال إن هذا القرار يعني إلغاء الانتخابات الجارية، في إشارة إلى للمرشح الحاليّ ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات.
وردًا على موقف سلامة تعالت صيحات عدد من أعضاء الجمعية العمومية المطالبين بضرورة إقراره غير أن مجلس النقابة أقر تأجيله للانتخابات المقبلة بعد عامين، ما أثار هجومًا شديدًا على سلامة وأعضاء المجلس بعد إنهاء الاجتماع الذي استمر قرابة ساعتين، من الواحدة والنصف وحتى الثالثة والنصف ظهر أمس الجمعة.
وقد شملت القرارات التي وافقت عليها الجمعية اختصاص نقابة الصحفيين وحدها بتأديب الصحفيين على أي مخالفة مهنية، وذلك خلال لجنة تحقيق ومجلس تأديب، تشمل عضويتهما مستشار من مجلس الدولة، وصحفي ممثل عن المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة، وكذلك التأكيد على رفض التطبيع المهني والشخصي والنقابي مع “إسرائيل”، وإلزام المؤسسات الصحفية بإرسال أسماء الصحفيين المتدربين للنقابة لإلزام المؤسسات بتعيينهم خلال عام، وإدراجهم في قيد النقابة لاحقًا.
وأقرت الجمعية العمومية أيضًا إحالة رؤساء مجلس ادارات الصحف ورؤساء تحريرها للتأديب في حالة الفصل التعسفي لأي من صحفييها، وهو المطلب الذي طالما نادى به عشرات الصحفيين قبل ذلك، كما أكدت تضامنها مع الصحفيين المحبوسين، وأقرت إنشاء صناديق لرعاية الصحفيين في حالة البطالة والعجز والحبس.
الأقلام والوجبات.. أبرز فنون الدعاية
تميزت الانتخابات الحاليّة بتنوع سبل الدعاية مقارنة بغيرها من المعارك خلال السنوات الماضية، فالحضور الباهت بداية اليوم أسفر عن حالة من القلق لدى المرشحين، الأمر الذي دفعهم لشحذ كل الطاقات مستخدمين في ذلك العديد من الأساليب الدعائية المختلفة، هذا الأمر كان جليًا بصورة أوضح مع مرشحي الصحف القومية.
بعض الأعضاء المستمرين في مجلس النقابة (6 أعضاء) أجروا اتصالاتهم بزملائهم في الصحف والمؤسسات المختلفة للنزول والمشاركة خوفًا على مستقبل النقابة وحماية لصورتها الخارجية، وهو ما لاقى استجابة كبيرة من بعض الكيانات الإعلامية خاصة أن معظمها يقع في محيط نقابة الصحفيين بوسط القاهرة.
أما عن أبرز الوسائل الدعائية المستخدمة فكان انتشار الأقلام والشيكولاتة والبسكويت والعصائر التي توزع على الصحفيين المشاركين، حيث يقف مندوب كل مرشح على مدخل النقابة أو أمام اللجان ويقوم بتسليم تلك الهدايا للصحفيين مع التذكير باسم مرشحه، فيما أشار آخرون إلى هدايا أخرى في صورة شواحن ووصلات للهواتف المحمولة.
كما لوحظ كذلك وجود وجبات غذائية بكثافة لم تشهدها الجولات الانتخابية السابقة للنقابة، لا سيما من أحد المطاعم الشهيرة التي تتميز بارتفاع أسعار الوجبات بها، وهو الأمر الذي أثار سخرية واستياء البعض في آن واحد، معتبرين أن مثل هذه الأساليب غير قانونية وتنضح في نزاهة الانتخابات برمتها كونها تدخل تحت إطار الرشاوى الانتخابية.
شهدت الانتخابات وجبات غذائية باهظة الثمن
ضياء رشوان نقيبًا للمرة الثانية
رغم تقديم 3 طعون ضد ترشحه في الانتخابات التي جرت أمس بسبب بقائه في ظيفتة الحكومية (رئيس الهيئة العامة للاستعلامات) دون تقديم استقالته طالما قرر الترشح لمنصب النقيب بما يخالف قانون النقابة، رفضت جميعها، ليفوز ضياء رشوان للمرة الثانية بمنصب نقيب الصحفيين المصريين.
ويعد رشوان (60 عامًا) الحاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 1981 وماجستير في التاريخ السياسي من جامعة السوربون في باريس 1985 والخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية منذ 1981، أحد أبرز المحسوبين على النظام الحاليّ.
فاز بكرسي النقيب في الانتخابات التي جرت في مارس 2013 أمام عبد المحسن سلامة، النقيب المنتهية ولايته، ليختار بعدها عضوًا بلجنة الخمسين التي وضعت دستور مصر 2014، وعضوًا بالمجلس الأعلى للصحافة بين عامي 2013 و2015 ممثلًا لنقابة الصحفيين.
وفي أبريل 2017 تم اختياره عضوًا بالهيئة الوطنية للصحافة التي تدير وتشرف على الصحف القومية بمصر، وبعدها بثلاثة أشهر فقط عين رئيس للهيئة العامة للاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية في يونيو، وفي يوليو من نفس العام تم تعيينه عضوًا من الشخصيات العامة بالمجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب والتطرف الذي يضم 30 عضوًا من المسؤولين والشخصيات العامة ويرأسه رئيس الجمهورية.
دخل رشوان الانتخابات ممثلاً عن جريدة الأهرام القومية بحسب تصريحات رئيس تحريرها علاء ثابت الذي قال على هامش أحد المؤتمرات الدعائية له إن ضياء مرشح الأهرام، الأمر الذي يعني حصوله على كال أصوات صحفيي المؤسسة القومية التي في الغالب تسير وفق اتفاقات بعينها لدعم مرشح بعينه، وهو ما يطلق عليه “مرشح الدولة”.
النقيب الجديد ضياء رشوان
النقابة تحت الوصاية الحكومية
وبينما كان يطمح الصحفيون إلى تشكيل مجلس مستقل قادر على انتزاع حقوق الصحفيين والدفاع عن حرياتهم وتعزيز مكتسباتهم، جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، بفضل الشحن الإعلامي والضغوط الممارسة لدعم مرشحين بعينهم، وهو ما أسفرت عنه معركة الأمس.
بتلك النتيجة التي أفرزتها العملية الانتخابية يمكن القول إن نقابة الصحفيين المصرية باتت تحت الوصاية الحكومية، فالنقيب المنتخب يعمل رئيسًا للهيئة العامة للاستعلامات وهي هيئة حكومية تتبع رئاسة الجمهورية وتضطلع بدورها “كجهاز الإعلام الرسمي والعلاقات العامة للدولة”.
تلك الهيئة التي منذ إنشائها عام 1954 تقوم بأدوار عديدة على الصعيدين الداخلي والخارجي لشرح سياسة الدولة في المجالات المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومواقفها إزاء مختلف القضايا، ومن ثم فهي تعد الصوت الإعلامي الرسمي المصري في الخارج.
خمسة مقاعد من الستة التي جرت الانتخابات عليها جاءت من نصيب الصحف القومية، إضافة إلى النقيب، وهو الأمر الذي ربما يبدو طبيعيًا في ظل حالة الاستقطاب الواضحة المخيمة على المشهد الإعلامي في مصر خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه صعد من وتيرة التخوفات لما يمكن أن يحمله المستقبل بالنسبة للحريات الصحفية.
ومن الملفت للنظر كذلك أن ما يقرب من 235 صحفيًا (أُبطلت أصواتهم) دونوا أسماء الصحفيين المعتقلين على بطاقة الاقتراع داخل صناديق الانتخاب بدلاً من المرشحين، على رأسهم هشام جعفر وعادي صبري وأحمد عبد العزيز وحسام السويفي، وهو ما اعتبره البعض رسالة قوية للتأكيد على عدم نسيان هؤلاء الصحفيين واستمرار المطالبة بإطلاق سراحهم والتنديد بسياسات الترهيب ضد الصحفيين تحت أي مسمى.
بعض الصحفيين دونوا أسماء زملائهم المعتقلين على ورقة الانتخابات
تحديات وعراقيل
لا شك أن التشكيلة الجديدة لمجلس نقابة الصحفيين ستضع الجماعة الصحفية أمام تحديات جسام خلال الفترة المقبلة، هكذا علق الكاتب الصحفي السيد الربوة عضو الجمعية العمومية للنقابة، كاشفًا أن القادم ربما يكون أسوأ في ظل تنامي الأزمات الاقتصادية والمعيشية والحقوقية للصحفيين، فضلاً عن تزايد نسب البطالة بينهم يومًا تلو الآخر، وما يثار بشأن دمج وبيع بعض المؤسسات القومية.
الربوة في حديثه لـ”نون بوست” أشار إلى أنه رغم سوداوية المشهد في كثير من جنباته فإن الصورة بها بارقة أمل من بعيد، وهي ما تجسدت في الحضور الكبير للصحفيين وحظر كل أشكال التطبيع المهني مع الكيان الصهيوني فضلاً عن الدفاع عن استقلالية النقابة وعدم وقوعها في براثن ممثلي الحكومة.
عضو الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين أوضح أن الصيحات التي رجت جنبات النقابة التي جاءت تحت عنوان “حرية حرية” تشي إلى أن الراية لم تلق بعد على الأرض، فهناك الكثير من المعارك القادمة أمام الأسرة الصحفية للدفاع عن مكتسباتها الحقوقية التي كفلها القانون والدستور.