في الـ15 من هذا الشهر، يوم الجمعة الماضية، استيقظ العالم على جريمة شنيعة، ارتكبها إرهابي إسترالي بحق مسلمين يعيشون بمدينة كرايست تشيرش بجزيرة نيوزيلندا، لم تكُن عملية دهس ارتجالية أو أن القاتل استيقظ صباحًا وأرسله الهوس إلى مسجد النور، حيث نفذ الجزء الأول من جريمته الأولى، لم يحدث كُل هذا، بل إن القاتل نفذ جريمته، بسبق إصرار وترصد.
نشر “مانيفستو” يحمل آلاف الكلمات، عن حكايا من الشرق والغرب، ويعِد ويتوعد، وحمل أسلحةً مُعدلة، دون عليها عبارات وأسماء تحمل دلالات بعينها، حروب قديمة بين المسلمين والغرب، حوادث إجرام وإرهاب مشابهة ارتكبها مجرمون ضد المسلمين في الغرب وهو ما جعل الحادثة غير قابلةٍ لتأويلات الاعتلال النفسي أو الجنون.
من مصر والعراق وسوريا والسعودية والأردن وأفغانستان وباكستان قُتل مهاجرون في هذه المجزرة، منهم من هرب من الغزو السوفيتي لأفغانستان في الثمانينيات ومنهم من هرب من براميل بشار الأسد المتفجرة ومنهم من هرب من القمع الاجتماعي والإنساني في الأردن والسعودية أو الاقتتال في باكستان، كُلهم تخيلوا أن الهرب بعيدًا في جزيرة في قلب المحيط الهادئ على أطراف العالم قد يُنقذهم من جحيم القتل والدمار والجوع في بلدانهم.
حكاياتٌ طويلة، عن كيف أن هؤلاء جميعًا كانوا يعيشون حياة هادئة، يقدمون خدماتهم لمجتمعهم في بلد الاغتراب والهجرة، ولا يزالون تربطهم أناشيد الشوق إلى بلادهم التي تركوها قسرًا، وتلك هي بداية القصة فقط.
تسببت خطابات الكراهية والتمييز في التأثير المباشر فيزيائيًّا ونفسيًّا على حياة المسلمين في الغرب، حيث يتعرض الطلبة في المدارس والمحجبات في الشوارع والموظفون في أعمالهم إلى أشكال عدة من الممارسات التي تصل دائمًا إلى الاعتداء الجسدي
لم يُقتل هؤلاء الضحايا حينما ضغط الإرهابي برينتون تارانت على زناد بندقيته وفرغها في أجسادهم، بل حُكم عليهم بالقتل قبل ذلك وعلى مدار سنوات طويلة من ممارسة العنصرية والتمييز ضدهم مع كُل صباح، على صفحات الجرائد وفي قنوات التلفزة، بل وصل الأمر بوصول أحد هؤلاء إلى سدة الحكم في أمريكا، ويسُن قانونًا يحظر دخول المسلمين إلى بلادهم، في سابقةٍ هي الأولى من نوعها أن تمنع مواطنين من دخول بلادك على أساس الدين، ويخرج عبر الإعلام منظرو الإسلاموفوبيا لتبرير هذا القرار، وفي الناحية المقابلة، كانت قوى اليمين المتطرف قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى الحكم في فرنسا وألمانيا والنمسا، وبنسبٍ تكشف حجم الكارثة التي تحدق بالعالم اليوم.
غذَّت الإسلاموفوبيا عبر سنوات طويلة خطاب الكراهية ضد كُل ما هو غير أبيض، عبر ادعاءاتٍ بتأثير الهجرات إلى الغرب على سيطرة “العرق الأبيض”، وكأن دولًا كالولايات المتحدة وأستراليا مثلًا، لم تقم على جثث مواطنيها الأصليين بعد الإبادات التي تعرضوا لها على يد العرق الأبيض الذي اجتاح هذه المناطق من العالم في القرون الماضية، لكن رغم كُل هذا، ورغم التنوع الذي يعيشه العالم اليوم، ورغم وصول الدول الغربية إلى مستوى عالٍ من الحقوق والحريات الإنسانية، سواء على المستوى الاجتماعي أم الاقتصادي م السياسي، فإنه رغم كُل ذلك، تأبى تيارات اليمين المتطرف أن تعيش بهذه الروح، وهو ما أنتج خطرًا حقيقيًّا تمثل في حالة الرعب التي يعيشها ملايين المسلمين في الغرب، نتيجة هذا الخطاب الذي تبينت نتيجته أنه قد يتسبب في مجرزة بحق عشرات الأبرياء، لم يرتكبوا أي خطأ بحق أي إنسان، حيث الإحساس دومًا باحتمالية تعرضهم للهجوم والخوف من كل شيء.
حصد الغرب على مدار سنوات طويلة بذرة فتحه أبوابه لهجرات من دول العالم الثالث، حيث ساهموا كثيرًا في نمو ونهضة المجتمعات التي قدموا لها، في كُل المجالات
تسبب خطابات الكراهية والتمييز في التأثير المباشر فيزيائيًا ونفسيًا على حياة المسلمين في الغرب، حيث يتعرض الطلبة في المدارس والمحجبات في الشوارع والموظفون في أعمالهم إلى أشكال عدة من الممارسات التي تصل دائمًا إلى الاعتداء الجسدي، وشاهدنا ذلك في بريطانيا وأمريكا ودول أوروبا كثيرًا، وخصوصًا في المدارس، فحينما ينشأ الطفل منبوذًا من وسطه الدراسي لأنه أسمر البشرة أو يحمل ملامح آسيوية أو شرق أوسطية، فلن تكون عواقبه جيده بأي حالٍ من الأحوال.
حصد الغرب على مدار سنوات طويلة بذرة فتحه أبوابه لهجرات من دول العالم الثالث، حيث ساهموا كثيرًا في نمو ونهضة المجتمعات التي قدموا لها، في كُل المجالات، فلن يكون احتمال أن يكون المهاجر عاطلًا عن العمل أو لا يستطيع كفاية نفسه، فتجد مساهمات اجتماعية واقتصادية كثيرة، أحدثها المهاجرون في هذه البلدان اليوم، فمن الجحود أن يكون رد الجميل بهذه الصورة العنصرية، من خلال خطابات التنمر والنبذ والعنصرية والتمييز التي يمارسها تيار اليمين بأدواته وألسنته على مسامع الناس؛ لأن الكراهية تقتل والعنصرية تقتل والتمييز يقتل، والمؤلم أن تقتل الضحية مرتين، أن تقتله بلسانك وإعلامك وتحريضك وتمييزك وعنصريتك، ثم نتيجة كل هذا تقتله بسلاحك.