يتواصل الحراك الشعبي في الجزائر رفضًا لقرارات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حراك جماهيري لم تألفه الجزائر منذ سنوات عدة اتخذ أساليب مختلفة، من مظاهرات وأغاني ومقاطعة وغيرها من الأساليب الاحتجاجية القديمة والمستحدثة عله يجبر النظام بمختلف أذرعه الحاكمة على تحقيق مطالبه التي ينادي بها، أملاً في مستقبل أفضل وحياة كريمة.
مظاهرات كبرى
في الـ16 من شهر فبراير/شباط الماضي، خرج المئات من المتظاهرين في مدينة خراطة بمحافظة بجاية شرقي الجزائر (تعد معقلاً لأحزاب معارضة)، رافعين أعلامًا سوداء، تعبر عن الألم ورفضهم الكبير لإصرار السلطات الحاكمة فرض عبد العزيز بوتفليقة “القعيد” لخمس سنوات أخرى على كرسي الرئاسة.
ورفعت في التظاهرة حينها لافتة كبيرة كتب عليها باللغة الفرنسية “لا لإهانة، ولا للولاية الرئاسية الخامسة”، كما ردد المتظاهرون شعار “السلطة مجرمة” و”الشعب يريد إسكات النظام” و”الولاية الخامسة.. ولاية العار” و”نعم لإسقاط النظام”.
تعتبر ملاعب كرة القدم في الجزائر، منفذًا يعبر من خلاله الشباب عن غضبهم الموجه بشكل كبير إلى السلطات الحاكمة
من ذلك اليوم، تواصلت المظاهرات في مختلف المدن والقرى الجزائرية، فضلاً عن الجامعات والمدارس والمحاكم والمؤسسات الإعلامية، رفضًا للعهدة الخامسة واستمرار الرئيس بوتفليقة الذي يحكم البلاد منذ 20 سنة في قصر الرئاسة بالمرادية، ويأبى الخروج منه رغم مرضه الشديد الذي ألزمه الفراش والكرسي المتحرك.
مظاهرات شارك فيها مئات الآلاف من الجزائريين من مختلف الأعمار والتوجهات الفكرية والسياسية، جمعهم حب الجزائر والرغبة في غد أفضل يقطع مع نظام يتهمونه بالفساد والرشوة والمحسوبية ويصفونه بأبشع النعوت بعد أن جثم على صدورهم لعقدين من الزمن.
وجاءت هذه المظاهرات الحاشدة، رغم التحذيرات المتكررة التي أطلقتها السلطات الحاكمة من خطورة الوضع وإمكانية الانزلاق نحو العنف والفوضى في حال تمسك المحتجين بمواصلة النزول إلى الشارع، في إشارة لما حصل في البلاد في سنوات التسعينيات من عنف وحرب أهلية.
مظاهرات، ما فتئت تزداد حجمًا مع مرور الوقت، وفي كل يوم جمعة عقب الصلاة تحقق أرقامًا قياسية، ففي آخر جمعة خرج مئات الآلاف في العاصمة فقط، دون احتساب عشرات الآلاف الذين خرجوا في باقي الجهات، مؤكدين رفضهم لقرارات بوتفليقة.
وخلال الجمعة الأخيرة، نزل المواطنون الشارع حاملين عددًا من الشعارات التي تعبر عن تذمرهم من جملة القرارات التي أعلنها الرئيس منتصف الأسبوع المنصرم، وأجرى بموجبها تعديلاً حكوميًا، واستحدث منصب نائب رئيس الوزراء، وتراجع عن نية خوض المعترك الرئاسي، فـ”لا ندوة لا تأجيل.. الرحيل يعني الرحيل، ترحلوا.. يعني ترحلوا، بوتفليقة.. ما تزيدش دقيقة، ارحل” وغيرها من التعبيرات التي تمخضت كردود فعل أولى.
جماهير الكرة في الموعد
الاحتجاجات وصلت أيضًا ملاعب كرة القدم، حيث مثلت جماهير الكرة في الجزائر، رقمًا صعبًا وأساسيًا في هذه الاحتجاجات المتواصلة منذ أكثر من شهر، وخلال وجودهم في مدارج الملعب تغني الجماهير أغاني ويطلقون شعارات ضد نظام بوتفليقة.
ضمن الفنانين الذين ساندوا الاحتجاجات ودعموها نجد فنان الراب الجزائري لطفي دوبل كانون الذي أصدر أغنية حملت عنوان “ضد الولاية الخامسة”
تعتبر ملاعب كرة القدم في الجزائر، منفذًا يعبر من خلاله الشباب عن غضبهم الموجه بشكل كبير إلى السلطات الحاكمة، وهو ما يشبه في الغالب البلدان المجاورة التي تعاني من المجال المحدود للحرية، فتكون الملاعب متنفسًا.
غالبًا ما تطلق الجماهير الرياضية في الجزائر أغاني تستنكر فساد الحكام وسوء المعيشة وانتشار المخدرات وكل ما يتعلق بالمستجدات في الوضع الداخلي، فهم جزء من الشعب الذي يعاني من سطوة الحاكم، يذكر أن هؤلاء الجماهير لم يكتفوا بالمدارج لتمرير مطالبهم والتعبير عن سخطهم من النظام بل أيضًا قادوا المظاهرات في المدن الكبرى على غرار العاصمة وكانوا في الصفوف الأولى للمحتجين السلميين.
وسبق أن سجلت جماهير الكرة الجزائرية أغانيهم في أقراص مدمجة، وجعلوا منها أغاني رسمية على غرار أغنية جماهير الاتحاد الرياضي لمدينة الحراش بعنوان “شكون سبابنا”، أي “من هو سبب شؤمنا؟”، في إشارة إلى النظام الجزائري، أو أيضًا أغنية “عام سعيد” التي يريد الجزائريون من خلالها السخرية من سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس.
الأغاني سند للاحتجاجات
ضمن الأساليب الاحتجاجية التي اختارها الجزائريون أيضًا نجد الأغاني، ففي الـ25 من شهر فبراير/شباط الماضي، كان اليوتيوبر أنس بوزغوب” المعروف بـ”أنس تينا” في الموعد، عندما كشف النقاب عن عمله المعنون “سيدي الرئيس.. سلِم المفاتيح”، مطالبًا بوتفليقة بعدم الترشح.
واستهل تينا الفيديو الجديد بتقديم الشكر للرئيس عبد العزيز بوتفليقة على ما قدمه للبلاد طوال فترة حكمه، “وكل الجزائريين يشهدون على ما قدمت للبلاد على حساب صحتك.. وسأكون جاحداً إن أنكرت وجود إنجازات”.
المغني سرعان ما عاد لتأكيد أن معظم الجزائريين يحلمون بالعيش في وضع أفضل من الذي يعيشونه في الظرف الراهن، واعتبر أن “الرئيس بوتفليقة لم يعد قادرًا على تسيير البلاد، وحان الوقت لكي يسلم المفاتيح”.
ضمن الفنانين الذين ساندوا الاحتجاجات ودعموها نجد فنان الراب الجزائري لطفي دوبل كانون، الذي أصدر أغنية حملت عنوان “ضد الولاية الخامسة”، وحازت الأغنية أكثر من مليوني مشاهدة في أيام قليلة من نشرها على حسابه بموقع يوتيوب.
وانتقد الفنان الجزائري في أغنيته هذه ترشُح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، لولاية خامسة، ولطفي دوبل كانون الذي سبق أن منعته السلطات الجزائرية من دخول الجزائر، هو مغني راب جزائري مقيم في فرنسا اسمه الحقيقي لطفي بلعمري، عُرف بأغانيه المناصرة لعدد من القضايا، على غرار القضية الفلسطينية، كما ينتقد أنظمة الحكم الديكتاتورية.
هذه الأساليب الاحتجاجية التي اعتمدها الشعب الجزائري بمختلف أطيافه طيلة الشهر الماضي، جعلت الرئيس بوتفليقة يعدل عن قرار ترشحه ويقرر تأجيل الانتخابات
بدورها أطلقت الفنانة رجاء مزيان في هذا السياق أغنية راب، تحت عنوان آلو سيستام”، وتقول كلمات الأغنية، “خرجنا للشارع لنقولو كفى وأنتم خائفون، للفوضى تحبون، خسرتم وربحنا هذه المرة، لقد حلفتم أن تتركوا البلد في محنة سوداء ثم تهربون، نحن نراكم ولسنا ناسين ولا مسامحين”.
وتتابع الأغنية: “خدعتم التاريخ والثورة ولا زال هناك من الشاهدين، وعليكم حاقدين، إن شاء الله ترجع هذه البلاد وتعودو خايبين”، وتتضمن الأغنية كذلك عبارات قوية من قبيل “جمهورية أردناها شعبية وليست ملكية، جئنا طوفان أخطونا يا الباندية” وتخاطب النظام بالقول “ألو يا النظام هل تسمعني أم أنك أغلقت أذنك”.
من الأغاني التي صدرت في هذه الفترة أيضًا، أغنية “يوم الشعب” ضد العهدة الخامسة، من أداء عدد من الفنانين، وتقول كلمات الأغنية “أمي ولادك متحضرين، طالبين ديمقراطية هاك الورد وزيد الياسمين في مسيرة سلمية، حرروا الجزائر، والشعب راه يقول حرروا الجزائر والنظام لم يفهمه، عشرين سنة وما شبعتوش، حرروا الجزائر”.
ودعت الأغنية إلى ضرورة تحرير الإعلام والفضاءات التعبيرية دون عنف أو هدم أو تكسير، قائلة للنظام: “خليوني نهدر سلمية نقول الحق مانيش نكسر”، كما ألمحت الأغنية إلى أن التظاهر حرية فردية وحرية جماعية، محملة المسؤولية للحكومة والوزراء والمسؤولين في التسبب بتهجير الشباب عبر البحر، ولهاث المواطن في أروقة المستشفيات من أجل العلاج، بينما المسؤول يعالج في الخارج، إذ تقول: “لبسوا برنوس العار بهدلتونا مع الأجناس، إحنا نموتو في البحار، وأنتوما دويو في بلاد الناس”.
القضاة يقاطعون الانتخابات في حال…
ضمن الأساليب الاحتجاجية أيضًا، نجد قرار أكثر من ألف قاضٍ جزائري رفض الإشراف على الانتخابات الرئاسية حال مشاركة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة فيها، وقد أشار القضاة ساعة إعلانهم عن قرارهم إلى نيتهم تشكيلهم اتحادًا جديدًا للوقوف ضد ترشح بوتفليقة لولاية خامسة.
ويعتبر قرار القضاة، الأول من نوعه في تاريخ البلاد الحديث، حيث أكد القضاة في بيان لهم انضمامهم للحراك الشعبي ومساندتهم لمطالب الشعب الجزائري الرافض للعهدة الخامسة والتواق إلى إعادة بناء الجمهورية الثانية على أسس الديموقراطية التي تفتح باب المشاركة في تدبير شؤون البلاد أمام القوى الحية كافة، بعد عقود من “التسلط” على السلطة من طرف النظام الحاليّ الذي أغرق البلاد في أزمة اقتصادية وأهدر ثروات الجزائر.
شارك القضاة في احتجاجات الجزائريين
ومثل هذا القرار الصادر عن القضاة، ضربة موجعة للنظام الجزائري، ما جعل وزير العدل الطيب لوح ينتقد القرار، مؤكدًا أن على القضاة التزام الحياد، وقال لوح في مؤتمر صحفي بمقر الوزارة: “القضاة ملزمون بواجب التحفظ والتزام سلوكيات الحياد واتقاء الشبهات”.
هذه الأساليب الاحتجاجية التي اعتمدها الشعب الجزائري بمختلف أطيافه طيلة الشهر الماضي، جعلت الرئيس بوتفليقة يعدل عن قرار ترشحه ويقرر تأجيل الانتخابات إلى موعد لم يحدد بعد مع إعلان جملة من القرارت الأخرى التي قال النظام إنها لصالح الشعب، إلا أن الشعب ما زال في الشوارع ولم يقبل بهذه القرارات، فإلى أين تتجه الأوضاع في البلاد؟