أثار مشروع تعديل قانون الجنسية العراقية والذي تضمن عددًا من التعديلات على رأسها منح الجنسية لمن يقيم في البلاد لمدة عام واحد فقط، موجة انتقادات واسعة بين الأوساط السياسية والشعبية على حد سواء،وسط تصاعد القلق من تداعيات مثل هذه التعديلات على ديموغرافية المجتمع العراقي.
حالة من القلق سيطرت على شرائح كبيرة في المجتمع العراقي في ظل رفض برلماني وشعبي لهذا التحرك الذي يرجعه البعض لخدمة ميليشيات وكيانات سياسية بعينها، في إشارة إلى الإيرانيين المقيمين فوق الأراضي العراقية، وهو ما صعد من حجم المخاوف حيال مستقبل النسيج المجتمعي العراقي.
وكان البرلمان العراقي قد أنهى، الاثنين الماضي، القراءة الأولى لمشروع قانون التعديل الأول لقانون الجنسية المقدم من لجنتي الأمن والدفاع والقانونية دون البت فيه، فيما تفاعلت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل استنكاري كبير بعد تسريب فقرة سنة الإقامة الواحدة كشرط لمن يرغب في الحصول على الجنسية.
انتكاسة كبيرة
العديد من السياسيين والحقوقيين والبرلمانيين أعتبروا هذه الخطوة انتكاسة خطيرة تستوجب التصدي والمواجهة حماية لمستقبل الملايين من العراقيين من توغل الفصائل الأخرى، فمن جانبه أكد الخبير القانوني محمد الشريف، أن التعديل يتضمن “فقرة غريبة” تتعلق بتجنيس الاجنبي، فيما أشار إلى أن هذه الفقرة لم تكن موجودة في “التشريعات المقارنة” لافتا إلى أنها “وضعت من اجل استقطاب المعارضين من دول المنطقة الذين يتم استبعادهم من بلدانهم”.
وقال الشريف، في تصريحات صحفية له إن “ابرز الفقرات المعترض عليها بشأن تعديل قانون الجنسية الذي يناقشه مجلس النواب حاليا تتعلق بتجنيس الأجنبي”، مضيفًا أن “القانون الأصلي يسمح لوزير الداخلية قبول تجنيس الأجنبي اذا أمضى في العراق بصورة مشروعه مدة عشر سنوات، وتحققت فيه الشروط المطلوبة”، فيما جاءت في التعديل “أن تكون مدة الإقامة سنة واحدة لمن تم تهجيره من بلاده قسراً”.
دعا تحالف القرار العراقي إلى سحب مشروع التعديل, ودراسة موادّه من قبل مختصين، معللا ذلك أن “المشروع بمواده وفقراته غير مناسب
أما عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية عدنان الأسدي، فوصف هذا التعديل بأنه “مليء بالقنابل”، مؤكداً أن “مشروع تعديل قانون الجنسية العراقية جاء في نهاية الدورة البرلمانية السابقة ولم نستطع تشريعه، وقبل ثلاثة أيام قُرئ قراءة أولى وخلق جوا صاخبا لدى أبناء الشعب العراقي”.
وأضاف أن “قلق المواطنين من مسودة مشروع قانون الجنسية العراقية هو قلق مبرر نتيجة تضمينه بعض المواد التي لن نسمح بتمريرها باي حال من الاحوال”، مبينا ، ان “القانون لم يتعدى الورقتين لكنه تضمن عددا من القنابل ولن نسمح بتشريعه”.
وعلى خطى الأسدي أعتبر النائب محمد اقبال الصيدلي الفقرة التي تضمنها تعديل قانون الجنسية العراقية“انتكاسة كبيرة” في مسار القوانين العراقية الحافظة لاستقرار البلد، مضيفًا في بيان له أن “الفقرات التي تضمنها تعديل القانون سهلت منح الجنسية العراقية بعيداً عن النقاط التي حرص عليها المشرع العراقي طيلة السنوات الماضية لحفظ مكانتها”، مرجحاً أنه “ينتج عنها عمليات تغيير ديموغرافي كبير نتيجة عمليات المنح غير المدروس أو المقصود في بعض الاحيان”.
وفي السياق ذاته دعا تحالف القرار العراقي إلى سحب مشروع التعديل, ودراسة موادّه من قبل مختصين، معللا ذلك أن “المشروع بمواده وفقراته غير مناسب، ويمكن أن يُلحق ضررا ببُنية المجتمع العراقي وهويته الواضحة”، فضلا عن “إمكانية حدوث تغيير ديموغرافي يعود بالضرر على اللحمة الوطنية بعمقها الوطني”.
مناقشة القانون داخل البرلمان العراقي
مزيد من التشييع
يتعاظم النفوذ الإيراني داخل العراق بشكل غير مسبوق خلال العقد الأخير، فبجانب الحشد الشعبي الذي بات القوة الأكثر حضورا ومشاركة داخل الجيش العراقي فهناك سيطرة شبه كاملة على مفاصل الاقتصاد العراقي من قبل إيرانيين، الأمر الذي تعزز بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003.
البعض اعتبر التعديل المقترح في مشروع القانون محاولة لتشريع الوجود الإيراني في العراق عبر منح الجنسية العراقية للعناصر الإيرانية المقيمة فوق الأراضي العراقية، وهو ما ألمح إليه السياسي حسن العلوي، الذي اتهم السلطات العراقية بتعبيد الطريق أمام تجنيس الزائرين الاجناب للعتبات المقدسة في حال مكوثهم عام واحد فقط في البلاد، معتبرا هذا الامر مشابها لما فعل رئيس النظام السابق صدام حسين عندما منح الجنسية للعرب الفلسطينيين بهدف زيادة نسبة اعداد السنة على حساب الشيعة بالعراق.
وفي تسجيل صوتي له قال ان “كل من اعد وساند و وافق على قانون الجنسية العراقية ليس عراقيا وهو عميل وسافل ومرتشي، و قد وافق على منح الجنسية للأجانب”، متسائلا بالقول “في اي البلدان يمكث الاجنبي عاما واحدا ويحصل على الجنسية”؟، لافتا إلى أنه في خلال عامين أو ثلاثة على الأكثر حال تطبيق هذا القانون “ستُملأ بغداد بـ3 – 4 ملايين اجنبي يستخدمون كلمة (خودا) بدلا من لفظ الجلالة (الله)”، في اشارة الى الايرانيين.
الانتماء لوطننا هو شرف لنا ولن نسمح للوافدين من الارهابيين وهم بالالاف من افغانستان وسوريا والهند وباكستان وعديمي الجنسية بان يحملون الجنسية العراقية.. البرلماني عدنان الأسدي
تهديد للأمن والاستقرار
فريق أخر من المعارضين للقرار يرون أن التداعيات الأمنية له ستكون كارثية على العراقيين، وهو ما أكد عليه رئيس كتلة النهج الوطني في البرلمان العراقي، عمار طعمة، والذي أوضح أن مشروع تعديل القانون محاولة لإحداث تغيير ديموغرافي، وفتح المجال والفرصة لمنح مجهولين الجنسية العراقية.
طعمة في بيان له قال إن “مشروع القانون يعتبر من ولد خارج العراق ولا جنسية له عراقي الجنسية إذا اختارها خلال سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد، و هذا يفتح المجال والفرصة لمنح مجهولين ولا معرفة بأصولهم وتوجهاتهم الفكرية للحصول على الجنسية العراقية”.
وهو نفس ما ذهب إليه عدنان الاسدي، الذي أشار إلى أن “ الانتماء لوطننا هو شرف لنا ولن نسمح للوافدين من الارهابيين وهم بالالاف من افغانستان وسوريا والهند وباكستان وعديمي الجنسية بان يحملون الجنسية العراقية ”، مشددا على ان “ اي تسهيلات يتم تمريرها بقانون الجنسية ستسمح بتجنيس اؤلئك الارهابيين ”
أما الناشط السياسي حامد القرغولي، فيرى أن القانون “كشف النواية السيئة لدى الحكومة العراقية لإحداث تغيير ديموغرافي في بعض المناطق، وخصوصاً المناطق التي شهدت نزوح أهلها ولم يعودوا إليها لغاية اللحظة”، مضيفًا أن من “أبرز هذه المناطق المهددة بالتغيير الديموغرافي هي مناطق جرف الصخر وعزيز بلد ويثرب والعظيم ومناطق أخرى ممن هُجّر أهلها قسراً ومنعوا من العودة إليها بأمر من المليشيات الموالية والمدعومة من إيران”.
وعلى خلفية موجة الانتقادات التي وجهت لهذه التعديلات على القانون، أصدرت مديرية الأحوال المدنية في وزارة الداخلية توضيحاً في بعض الفقرات القانونية الخاصة بمنح الجنسية العراقية.
الداخلية العراقية ترد من خلال بيان لها على معارضي التعديلات
تعقيب حكومي
وأمام هذه الموجة من الانتقادات الحادة التي تعرض لها مشروع القانون المقدم، أضطرت مديرية الأحوال المدنية في وزارة الداخلية للرد تجنبا للتصعيد من قبل الشارع، ففي بيان لها قال إن “الداخلية أصدرت توضيحاً في بعض الفقرات القانونية الخاصة بمنح الجنسية العراقية”، لافتة إلى أن “قانون الجنسية العراقية رقم (٢٦) لسنة ٢٠٠٦ ما زال نافذاً؛ حيث أن الذي يرغب بالتجنس غير المتزوج يشترط إقامته لمدة عشرة سنوات متتالية وفق الفقرة (ج) من المادة ( ٦ / أولاً) من القانون”.
أما فيما يتعلق بفقرة الإقامة سنة كشرط لمنح الجنسية أوضحت المديرية أنه “ورد ضمن الفقرة (ج) من المادة (٦ / أولاً)، نص الفقرة المذكورة اشترط مدة الإقامة للأجنبي الذي يرغب بالحصول على الجنسية العراقية بطريقة التجنس أن يقيم في العراق مدة عشر سنوات متتالية سابقة على تقديم الطلب”، إلا أنه “تم استثناء المهجرين المسفرين قسراً إبان النظام البائد ولديهم معاملات في مديرية الجنسية لم تنجز حينها بسبب تسفيرهم، وأن عدداً كبيراً منهم كان مسجلاً ضمن سجلات عام 1957، وبعد عام 2003 صدر قرار مجلس الوزراء برفع إشارة الترقين والتجميد عن قيودهم وحصلوا على هويات الأحوال المدنية ولم يتمكنوا من الحصول على شهادة الجنسية العراقية لعدم وجود إقامة حديثة لديهم لمدة عشر سنوات”.
وعن الغرض من إجراء هذا التعديل أشارت المديرية في بيانها إنه يأتي في إطار “إنصاف هذه الشريحة المحدودة، وتم وضع هذا الاستثناء لهؤلاء على أن يكون لديهم إقامة لا تقل عن سنة، ولا تشمل الآخرين”.
ولحين البت في التعديلات المقدمة لمشروع القانون برلمانيا، حالة من الترقب تخيم على الشارع العراقي، الذي رغم ما يتعرض له من أزمات وجراح يبقى محافظا على نسيجه المجتمعي في ظل حزمة من التحديات الجسام، إلا أن قلقه من تداعيات هذا التعديل حال إقراره ربما يفوق بكثير الحالة التي عليها ألان.