يعيش العالم بأكمله لحظات صعبة، 50 شهيدًا دفعوا حياتهم في حادث إرهابي دموي بنيوزلندا، بسبب نمو جماعات إرهابية تخلق لأنفسها دوافع مزيفة، تسعى لتمكين العرق الأبيض، وحتى يحدث ذلك لا بد من إبادة المسلمين والمهاجرين وإعادة البلاد إلى عرقها الخالص دون مزاحمة من أحد، وهي ممارسات تؤكد صحة التحذيرات من خطورة سيطرة اليمين المتطرف على مقاليد الحكم في البلاد الغربية.
لماذا صعد اليمين ودمُرت الديمقراطية؟
قبل الحديث عن متطرفي العرق الأبيض الذي أصبحوا صداعًا في رأس العالم، يجب معرفة ما المناخ الذي وفر لهم هذا النمو، لدرجة أن حادث كرايست تشيرش رغم بشاعته، كان هناك من داخل الأوساط السياسية من يرى أن المسلمين والمهاجرين أولى باللوم، على شاكلة السيناتور الأسترالي فرايزر أنينغ الذي لم تؤثر فيه الدماء المتناثرة، وخرج بتصريحات مستفزة، يبرر للمجرم المتورط فيها، ويعتبر ما حدث نتاجًا لبرنامج الهجرة الذي أتاح لمسلمين متعصبين الهجرة إلى نيوزيلندا، دون أن يحدد من يقصد بالمتعصبيين وماذا فعلوا هناك ليتم التعامل معهم على هذا النحو!
لحظة ضرب "سيناتور #أستراليا العنصري" بالبيض بعد اتهامه المسلمين بالتسبب بحادث المسجدين#حادث_نيوزيلندا_الارهابي #ChristchurchMosque #هجوم_نيوزلندا_الارهابي pic.twitter.com/AkpRJ4LEx8
— معلومات مباشر (@mubasher) March 16, 2019
لحظة ضرب “سيناتور أستراليا العنصري بالبيض بعد اتهامه المسلمين بالتسبب في مجزرة نيوزلندا
يحاول المتطرفون القدامى والجدد، الظهور من وقت لآخر بعقائد مختلفة، ورغم سيطرة الديمقراطية طوال العقود الماضية على الذهنية الغربية، فإنهم نجحوا في العودة بقوة على أكتاف اليمين المتطرف، وأصبحوا ملء السمع والبصر، من ألمانيا إلى البرتغال وبولندا، يتخذون علانية من التمرد على الأطر والقيم الأوروبية منهجًا لهم، للتعريض بالأقليات ورفض الهجرة والعولمة وإعلان العداء الكامل لأدبيات الاتحاد الأوروبي.
يدير الشعوبيون الاستبداديون الحكومات، كما يقفون على أعلى منصات المعارضة، يتواكب ذلك مع انحراف غريب لأحزاب يسار الوسط واليمين الوسط الكبير التي حكمت أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وكانت خريطة الحكم في الغرب مغطاة دائمًا باللون الأحمر وهو اللون التقليدي للديمقراطية الاجتماعية التي لم تعد في أوروبا كلها، إلا في خمسة بلدان فقط، حيث تغيرت بنية الحكم في أغلب الدول الأوروبية وأصبحت الغلبة للمحافظين والأكثر تطرفًا والشعبويين.
الخوف من استفحال الطغيان والديكتاتورية في الغرب، كان يعني لهيومن رايتس، أن أهم حكومات بالعالم معروفة بتصدر المدافعين بفعالية كبيرة عن حقوق الإنسان والديمقراطية، إذا تم استبدالهم بحكومات يقودها الشعبويون واليمينيون، فستنتهي رعاية أوروبا لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، لا سيما أن اليمين الشعبوي لا يملك دائمًا إلا حلولاً سطحية لمشكلات الإرهاب واللجوء والهجرة والبطالة
ما يحدث اليوم من تطرف، كانت ترصده العديد من المنظمات العالمية المعنية بالحقوق والديمقراطية، على رأسها منظمة هيومن رايتس ووتش التي خصصت تقريرها السنوي لعام 2017 لمخاطر اليمين الشعبوي، وكشفت فيه أهمية مكافحة صعود التيارات السياسية الشعبوية في الغرب، وأثر هذا الصعود على استفحال الديكتاتورية والطغيان.
بعبارات واضحة قالت هيومين رايتس إن تنامي الشعبويين اليمينيين في الجزء الغربي من العالم، مشكلة خطيرة، ولم يستسلم كينيث روث المدير التنفيذي للمنظمة لتبريرات مراسلي الصحف وتقليلهم من خطر اليمين الشعبوي، باعتباره ظاهرة ليست جديدة، فالديماغوجيون والطغاة موجودون منذ عشرات السنين، إلا أن انتشارهم وصعودهم الهائل كان مدعاة لتخوف المنظمة الأبرز في حقوق الإنسان بالعالم حاليًّا.
الخوف من استفحال الطغيان والديكتاتورية في الغرب، كان يعني لهيومن رايتس، أن أهم حكومات بالعالم معروفة بتصدر المدافعين بفعالية كبيرة عن حقوق الإنسان والديمقراطية، إذا تم استبدالهم بحكومات يقودها الشعبويون واليمينيون، فستنتهي رعاية أوروبا لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، لا سيما أن اليمين الشعبوي لا يملك دائمًا إلا حلولاً سطحية لمشكلات الإرهاب واللجوء والهجرة والبطالة، فالشعار المرفوع دائمًا، تقليص حقوق الإنسان والحد منها أو حتى التضحية بها، مقابل وقف الهجرة التي يرون أن حالهم سيكون أفضل كثيرًا بإلغائها.
متطرفو العرق الأبيض.. من هم؟
ألقى حادث الاعتداء على مسجدين في نيوزيلندا والعدد الكبير للضحايا، الضوء على الكارثة المنتظرة في أوروبا، بسبب شعبية متطرفي العرق الأبيض الذي تأثر بهم الأسترالي برينتون هاريسون تارنت، اليميني المتطرف صاحب المذبحة الدامية، الذي ثبت على معتقداته في أثناء مثوله أمام المحكمة، وضم أصبعي السبابة والإبهام على شكل دائرة، وأرخى بقية أصابعه مفرودة في إشارة يرفعها دائمًا من باتوا يعرفون بأنصار القومية البيضاء.
وتمثل عملية إطلاق النار الجماعي على المصلين السلميين في نيوزيلندا، أحد الأعراض المدمرة والمأساوية للتهديد المتزايد الذي يمثله التفوق الأبيض العنيف في الولايات المتحدة، والغرب تحديدًا، وهي تفاصيل تحدث عنها القاتل برينتون هاريسون، خلال رسائله بالبريد الإلكتروني، إلى أرفع جهات حكومية وأمنية بنيوزلاندا، يكشف فيها نظرته للعالم الأبيض المتفوق.
وما تحدث عنه المجرم الأسترالي وكان واضحًا في عرضه، اعترف به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساء الجمعة الماضي، واعتبر القوميين البيض مشكلة متصاعدة، ليكمل بذلك سلسلة تحذيرات أمريكية، كان أكثرها جدلاً بيان منسوب لمكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي بأحد نشرات الاستخبارات عام 2017.
كشف البيان آنذاك ارتكاب الجماعات الداعية للتفوق الأبيض هجمات كبيرة في الولايات المتحدة، لتتخطى قوتها أي جماعة متطرفة محلية أخرى على مدار الـ16 عامًا الماضية، وبالتالي لم يكن حادث نيوزلندا مفاجئًا، وربما الأزمة في الإعلام العربي الذي ينكفئ على نفسه، ولا يحذر رعاياه في الخارج مما يدور على الساحة العالمية.
توقع مكتب التحقيقات الفيدرالي، تنفيذ المزيد من الهجمات، ليؤكد تقرير رابطة مكافحة التشهير التي تتخذ من نيويورك مقرًا لها، وكشفت فيه أن المتطرفين المحليين، قتلوا 50 شخصًا على الأقل في الولايات المتحدة خلال عام 2018، وكان المتفوقون البيض مسؤولين عن الغالبية العظمى منها .
في بريطانيا التي تعد أكثر جرأة في مكافحة الظاهرة، أقرت الحكومة إستراتيجية لمكافحة التطرف، منها الإبلاغ عن أي شخص يشتبه في حمله فيروس التطرف اليميني، والمفاجأة أن نسبتهم ارتفعت إلى 36% في 2017-2018 مقارنة بـ2016
التعمق في أصل المشكلة، يكشف أنها تعاظمت بين عامي 2008 و2016، وهي الفترة التي شهدت ارتفاع عدد مجموعات الكراهية العاملة في جميع أنحاء أمريكا إلى مستوى قياسي بلغ 1020 في عام 2018، وفقًا لمركز قانون الفقر الجنوبي الذي أكد أن الغالبية العظمى من تلك الجماعات تلتزم بأيديولوجية “ذات التفوق الأبيض”.
وبجانب الولايات المتحدة، تفشى وهم التفوق الأبيض أيضًا في أغلب الدول الغربية، وأصبح مصطلح مثل نبذ العنصرية ورجعي ويميل للماضوية، بعدما غزا الإعلام طوال ما يقرب من 10 سنوات، وجهات نظر مناهضة للمسلمين والمهاجرين على نطاق واسع، وتحميلهم مسؤولية الأزمة المالية العالمية والصراعات الدولية الدئرة الآن.
في بريطانيا التي تعد أكثر جرأة في مكافحة الظاهرة، أقرت الحكومة إستراتيجية لمكافحة التطرف، منها الإبلاغ عن أي شخص يشتبه في حمله فيروس التطرف اليميني، والمفاجأة أن نسبتهم ارتفعت إلى 36% في 2017-2018 مقارنة بـ2016، في مقابل تناقص عدد من تم الإبلاغ عنهم، ويشتبه بهم معرضين لخطر التطرف الإسلامي الذي انخفض بنسبة 14% في نفس الفترة.
وكما برعت التنظيمات الراديكالية بالمنطقة على رأسها تنظيم داعش، في القدرة على نشر أفكارها عبر وسائل الإعلام وتطويع أحدث التقنيات لبث جرائمها البشعة، هكذا يفعل متطرفو العرق الأبيض، وبطريقة أكثر احترافية لبث الذعر لدى الآخرين، بجانب تحفيز المتعاطفين معهم والمنتمين لأفكارهم، من خلال مشاهد العنف هذه التي تثير حماستهم لارتكاب حوادث مماثلة.
تفوق كاسح على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”
يضع متطرفو العرق الأبيض إستراتيجية كاملة لتجنيد أتباع جدد، وخاصة المهمشين والضائعين الذين يودون سماع تبريرات ويلقون باللوم في ضيق أحوالهم على قوى خارجيه تنهب خيراتهم، حتى يمكن توسيع رقعة القومية البيضاء، وهي تحركات رصدها برنامج التطرف التابع لجامعة جورج واشنطن، من خلال تحليلات لحسابات قوائم التابعين للأيدلوجية البيضاء المتطرفة، واستطاع البرنامج حصرهم في الحزب النازي الأمريكي والحركة الاشتراكية القومية التي يقع معظمها في الولايات المتحدة، ولديها مداد كبير في أوروبا .
تمكنت القومية البيضاء من مضاعفة أعدادها خلال السنوات الأربعة الماضية، بنسبة تزيد على الـ600%، واستطاعت بذلك التفوق على تنظيم الدولة في جميع النواحي، سواء بأعداد المتابعين أو التغريدات المؤيدة لها، وبحسب برنامج التطرف، زادت الحسابات من حوالي 3500 في عام 2012 إلى 22000 عام 2016.
وتلعب القومية البيضاء على أخطاء تنظيم داعش في استخدام التكنولوجيا، حيث يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي وتويتر بشكل خاص بحصانة نسبية، تمكنهم من الفرار من تقارير الكراهية، بعكس الجماعات الدينية الإسلامية التي أظهرت نفسها بطريقة فجة، فأغلق لها تويتر وحده نحو 360000 حساب، أدين بترويج الإرهاب، وما زال التحريض مستمر، ولا يعرف أحد كيف سيتم السيطرة على توجهات منحرفة تجتاح أوروبا، في ظل سيطرة الخطاب الشعبوي على مقدرات الحكم في بلاد الغرب!