تتجه أنظار اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إلى العاصمة طرابلس حيث توجد حكومة الوفاق الوطني التي يقودها السراج، رغبة في السيطرة عليها بعد أن بسط سيطرته على مناطق واسعة في شرق البلاد وجنوبها، رغم المعارضة الدولية لهذه الخطوة التي من شأن القيام بها أن يدخل ليبيا في أزمة أخرى تضاف إلى أزماتها الكثيرة، فهل يتمكن حفتر من دخول العاصمة؟
تطورات أخيرة لصالح حفتر
نهاية شهر فبراير/شباط الماضي، نجحت قوات حفتر في فرض سيطرتها على معظم الجنوب الليبي، على إثر معارك اندلعت منذ 15 من يناير/ كانون الثاني الماضي، مع من تصفهم بـ”عصابات التهريب والمعارضة التشادية”.
هذه السيطرة تزامنت مع سيطرته أيضًا على حقل الفيل النفطي الواقع غربي قرية مرزق، والقريب من الحدود مع الجزائر الذي ينتج نحو 75 ألف برميل يوميًا، وحقل الشرارة الواقع في صحراء المنطقة، وهو أكبر حقول البلاد، إذ يبلغ إنتاجه نحو 300 ألف برميل يوميًا.
ما يصعب مهمة حفتر في طرابلس أيضًا، خشية قائد ميليشيات الكرامة من القوات التي توجد بالعاصمة واجتمعت على مدنية الدولة الليبية
بالتوازي مع ذلك، يعمل حفتر حاليًّا على السيطرة على خطوط المخدرات الإقليمية التي يسيطر عليها منذ سنين كبار تجار المخدرات من مكون التبو والطوارق في الصحراء الكبرى، وتمتد هذه الخطوط من المغرب في أقصى جنوب غرب الصحراء الكبرى مرورًا بموريتانيا ومالي وجنوب الجزائر وشمال النيجر وجنوب ليبيا وتشاد، ثم ينتهي بها المطاف في السودان ومصر والشرق الأوسط.
خلال هذه العملية العسكرية في الجنوب، ارتكبت قوات اللواء المتقاعد خلفية حفتر جرائم ضد الإنسانية بحق الأهالي والنساء على حد سواء، وتخللتها أعمال سرقة وحرق للمنازل والممتلكات، خاصة ضد مكون التبو (قبيلة كبيرة ومكون رئيسي في المجتمع الليبي بالجنوب)، دون أن يتحرك أحد لصده وثنيه عن جرائمه.
عقب سيطرته على الجنوب، التقى حفتر برئيس المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج في دولة الإمارات العربية المتحدة لبحث الأزمة الليبية والتوصل إلى حلول ترضي جميع الأطراف الرئيسية المتدخلة هناك.
العين موجه إلى طرابلس
كل هذه التطورات جعلت حفتر، يعيد تصويب أنظاره نحو العاصمة الليبية طرابلس، عله يستثمر تفوقه السياسي والعسكري الأخير لإحكام السيطرة على العاصمة، وبالتالي السيطرة على كامل البلاد وإحكام قبضته عليها كما يأمل.
ويسعى حفتر إلى استخدام التطورات الأخيرة، كورقة ضغط سياسية ليستمر في المشهد العسكري والسياسي، مصحوبًا بدعم أجنبي ومرتزقة تشاديين ومن جيش تحرير السودان الموجودين بكثافة في ليبيا خاصة في جنوب البلاد.
وتعتبر العاصمة التي لم يخف حفتر، يومًا، طموحه لدخولها، الهدف الأبرز لقوات الكرامة وقائدها اللواء المتقاعد، ويرى أن مشروعه السياسي والعسكري لن يكتمل إلا بسيطرته على طرابلس، وما حققته في الفترة الأخيرة سيمكنه من تحقيق هدفه، ويعمل حفتر حاليًّا، على بث الفوضى والاضطرابات في طرابلس، بواسطة عناصر مسلحة تناصب حكومة الوفاق العداء وتبحث لنفسها عن مكانة أكبر هناك مستغلة التوترات الحاصلة في البلاد، ومن شأن انتشار الفوضى أن يشرعن دخول حفتر للعاصمة تحت راية نشر الاستقرار ووقف العنف.
حقق حفتر في الفترة الأخيرة انتصارات عسكرية في الجنوب
يسعى حفتر أيضًا إلى استغلال الأداء السيء للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني وضعف الترتيبات الأمنية في العاصمة، خاصة مع تغول المليشيات هناك وتمردها على القرار السياسي والسيادي للدولة، حيث يعاني المجلس الرئاسي ضعف شديد وانقسامات كبرى في الرؤى والتوجهات، ما يجعل مهمة حفتر أسهل من أي وقت مضى.
ومنذ فترة، واللواء المتقاعد خليفة حفتر يصنع مجموعات عسكرية موالية له داخل أو حول العاصمة طرابلس، كما حدث في مدن جنوب ليبيا، حتى تسهل عليه المهمة من الداخل في حال قرر فعليًا “غزو” العاصمة عسكرية، وتأتي هذه التطورات في ظل استمرار الصراع على الشرعية والسلطة في ليبيا منذ العام 2011، ويجري الصراع بين حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا في العاصمة طرابلس (غرب)، وخليفة حفتر المدعوم من مجلس النواب المنعقد بمدينة طبرق (شرق).
دعاية إعلامية
يرى العديد من الليبيين أن ما تروج له قيادات قوات حفتر من انتصارات وقرب الدخول إلى طرابلس، لا يعدو أن يكون إلا فقاعات إعلامية لا أكثر، تقودها بعض المؤسسات الإعلامية المحلية والأجنبية التي تسانده في مشروعه “التخريبي”.
يقول الإعلامي والكاتب السياسي الليبي عصام زبير، في هذا الشأن: “ما يجري هو في الحقيقة تحرك إعلامي لا غير، فحفتر يحاول الدخول إلى طرابلس عبر وسائل الإعلام مثلما حدث في سقوط بغداد في بداية الأمر وهو يعلم أنه لا يستطيع الدخول هناك عبر السلاح”، وأضاف زبير في تصريح لنون بوست: “يعمل حفتر على استخدام أسلوب الدعاية والتسويق لبطولات وهمية، وأحيانًا الترهيب والدعوة لتسليم السلاح، ويبرز ذلك عبر قنوات فضائية موالية له”، ويتابع “فهو يروج مثلاً إلى أن بنغازي آمنة ومستقرة وفيها الشرطة والجيش وأنه حارب الإرهاب في درنة وسيقضي على الكتائب المسلحة في طرابلس، والأمر كله مجانب للصواب”.
أغلب القوى الإقليمية والولايات المتحدة الأمريكية تعارض محاولة إدخال العاصمة في اقتتال بين المعسكرين
يقول الإعلامي الليبي في حديثه لنون بوست: “حفتر لا يملك قوات كبيرة ولكنه إعلاميًا لديه، ولذلك نرى أنه سحب معظم قواته إلى الجفرة حتى تكون قريبة من سرت ويظهر أن لديه قوات كبيرة، ولهذا فإن الجنوب وبالذات منطقة مرزق تعاني من عدم استقرار”.
وأكد عصام زبير أن خليفة حفتر لا يملك قوة عسكرية كافية لأن تنتشر في الجنوب والشرق والغرب في نفس الوقت، لذلك فهو دائمًا يعمل على إعادة توزيعها حتى تظهر أنها قوة كبرى يهابها الجميع، وهي على عكس ذلك تمامًا.
وما يصعب مهمة حفتر في طرابلس أيضًا، خشية قائد ميليشيات الكرامة من القوات التي توجد بالعاصمة واجتمعت على مدنية الدولة الليبية وعدم عودة العسكر للحكم، وفق قول الكاتب السياسي الليبي عصام زبير.
رفض غربي
من العوامل التي تقف صدًا أمام رغبة حفتر في دخول العاصمة طرابلس والسيطرة عليها أيضًا، نجد العامل الدولي، فأغلب القوى الإقليمية والولايات المتحدة الأمريكية تعارض محاولة إدخال العاصمة في اقتتال بين المعسكرين.
يصر المجتمع الدولي على تطبيق اتفاق الصخيرات
ما فتئت هذه القوى، تؤكد تمسكها بالاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات بالمملكة المغربية نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول 2015، وترى هذه القوى أنه “لا يمكن أن يعود الحكم في ليبيا إلى العسكر كما سبق في عهد معمر القذافي لما يشكله ذلك من خطورة عليها”، وفق قول الإعلامي الليبي عصام زبير.
ويخشى حفتر كل هذه العقبات التي تقف أمامه، لذلك فهو يعمد وفق عصام زبير إلى “شراء الذمم وترويج الفتنة وخلق بعض الأزمات حتى يظهر بأنه البطل المنقذ معتمدًا على سكان العاصمة وعلى ما قال بأنها خلايا نائمة تابعة له”، إلا أنه لم يفلح في ذلك فمعظم سكان طرابلس يرون فيه عدوًا لهم ولا سبيل له لدخول المدينة.