ترجمة حفصة جودة
أجل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة نشر البيانات التي وعدت بها الشركات التي تشارك في بناء المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، لذا سأطرح عليكم سيناريو مختلف.
تخيل لو أن هناك حكومة بريطانية متطرفة أصدرت قانونًا تقرر فيه أن المسيحيين البريطانيين فقط لهم حق تقرير مصير البلاد وأنهم فقط من يستطيعون بناء المستوطنات ويجب تشجيعهم على ذلك.
بجرة قلم يتحول البريطانيون غير المسيحيين إلى مواطنين من الدرجة الثانية، بينما يؤسس المجتمع ذو الأغلبية المسيحية “لجان قبول” يسجل الراغبون في الانتقال بها وينتظرون قبول طلبهم أو رفضه، هل يبدو الأمر غريبًا؟ واصل القراءة.
الأرض لهم
تخيل أنك في صباح أحد الأيام تستيقظ من النوم لتنظر من النافذة فتجد مجموع من الغرباء يتجهون بالقوة إلى حديقة بيتك ويحفرون فيها، وعندما تواجههم يقولون لك هذه بريطانيا المسيحية ونحن كمسيحيين بريطانيين من حقنا أن نبني حيثما نشاء لأن الأرض ملك لنا.
عندما تطلب منهم بأدب أن يغادروا يرفضون، وبدلاً من ذلك يبدأون في وضع الأساسات بينما تجلب الشاحنات منزلهم المتنقل حيث سيضعونه، عندما تحاول أن تكسر السياج الذي وضعوه يظهر اثنان من حراس الأمن المسلحين ويهددونك ويقتربون بالسياج أكثر تجاه منزلك حتى يتمكنوا من وضع المنزل والمرحاض، حيث يبدو أنهم سيبقون هنا لبعض الوقت.
أما عجلات العدالة فهي تدور ببطء شديد، حيث يتم تأجيل جلسة المحكمة باستمرار
حينها وبكل يأس تطلب الشرطة أملًا في أن يهرعوا لنجدتك، لكن بدلاً من ذلك فإنهم يقفون بجانب المحتلين، فتذكرهم أن هذه أرضك وهذا منزلك لكن دون جدوى، ويطلبون منك أن تقاضيهم في المحكمة، عندها تتصل بجارتك وتخبرها ما حدث فتجد أنها تعاني من نفس المصير، ثم تكتشفون أن هؤلاء الناس استولوا على الحي بأكمله.
وعندما يعود أطفالك من المدرسة يجدون أن المحتلين أقاموا نقاط تفتيش للتحكم في الحركة بالحي واستأجروا شركة أمنية لتلك المهمة، ويبدأ أطفالك بالبكاء لأنهم اكتشفوا أن المحتلين استولوا على حديقتهم التي كانت ملعبًا لهم.
عجلات العدالة البطيئة
يشعر أحد جيرانك بالانزعاج على وجه الخصوص لأن المحتلين لم يأخذوا قطعة من أرضه فقط لبناء المنزل بل أخذوا قطعة أخرى لبناء طريق يربطهم بالطريق الرئيسي، لكنهم أخبروا أصحاب المنزل أنهم فقط من يستطيعون استخدامه، ولكي يسهل التعرف على سيارات المحتلين استبدلوا لوحات المركبات البيضاء بأخرى صفراء.
أما عجلات العدالة فهي تدور ببطء شديد، حيث يتم تأجيل جلسة المحكمة باستمرار، وعلى شاشة التلفاز ترى السياسيين يحتفلون بنمو مستوطنات المحتلين ويقولون إن هذا جوهر البريطانية: “تحرير الأراضي من أجل البريطانيين المسيحيين”.
تقرر المحكمة عقد جلسة استماع بعد 6 أشهر، بينما يزداد المحتلون عنفًا ويضايقون السكان وتزاداد أعدادهم يومًا بعد يوم، إنهم يحاولون أن يجعلوا حياتهم بائسة حتى يفكروا بالرحيل.
تصدر المحكمة الحكم لصالح المحتلين لكنها تأمر بأن ينقلوا السياج بعيدًا عن المنزل عدة أمتار، فتستيقظ أنت كل صباح وتنام كل مساء وأنت تشعر بالغضب والمهانة، تتفاقم الأحداث ويبدأ المحتلون في بناء حديقة وحمام سباحة لأطفالهم على أرضك.
نشطاء إسرائيليون في مظاهرات مؤيدة للاستيطان عام 2007
وبسبب ما يحدث، تحاول أن تشرح لأطفالك المنزعجين والخائفين لماذا يحدث ذلك وأنه وضع خاطئ، وتخبرهم أن هؤلاء المحتلين سيرحلون يومًا ما لأن ما فعلوه غير قانوني، وتعدهم أن تبني لهم حديقة أفضل.
غض الطرف
لكن عندما تكتشف الشرطة من المدرسة أن أطفالك يخبرون أصدقاءهم أن المحتلين ليس لهم حق البقاء هنا، يعتقلونك ويتهمونك بتحريض الأطفال على كراهية المحتلين، وعقابًا لك فإنهم يغضون الطرف عن تحريك المحتلين للسياج نحو منزلك واستيلائهم على المزيد من أرضك، والآن أصبحوا يبعدون خطوات صغيرة عن منزلك.
لقد تحول المنزل المتنقل إلى بيت حقيقي، وأصبحوا يستخدمون مياهك لري العشب، بينما تصل المياه إلى منزلك مرة واحدة في الأسبوع، مما اضطرك لشراء خزان لتخزين المياه.
وخوفًا من الإخلاء وفقدان الأمل في أن تمنحك المحكمة حقك، يدعو المجتمع المنظمات المساندة للعدالة لمساعدته، ويطلب من المجتمع الدولي التدخل، لكن يبدو أن لا أحد يرغب في إزعاج بريطانيا المسيحية ويقررون أن هذا الأمر “شأن داخلي بريطاني”.
يقرر مجتمعك بناء قاعدة بيانات للكيانات المتواطئة وفضح البنوك التي تقدم الدعم المالي ليس فقط لبناء منازل المحتلين بل للشركات التي توفر مواد البناء والكهرباء والإنترنت للمحتلين مما يسمح بنمو وانتشار تلك المستوطنات العشوائية.
خوفًا من رد الفعل العكسي تؤجل اللجنة نشر البيانات لأسباب تقنية
تتبنى لجنة حقوق إنسان دولية قضيتك وتعدك بنشر تلك البيانات، فيشعر المجتمع بالفرحة، فأخيرًا هناك طريقة سلمية للضغط على تلك الشركات حتى تقطع علاقتها بتلك المستعمرات.
تواطؤ دولي
لكن المحتلين يعترضون ويضغط مؤيدوهم على اللجنة لتأجيل نشر البيانات، كما أنهم يتهمون اللجنة بالتحيز ضد بريطانيا المسيحية ويدّعون أن هناك نزاعات أهم يجب التركيز عليها أولاً.
وخوفًا من رد الفعل العكسي تؤجل اللجنة نشر البيانات لأسباب تقنية، وحينها يتنفس المحتلون ومؤيدوهم الصعداء ويعودون إلى نشاطهم المعتاد، في الحقيقة، يستولي المحتلون على مزيد من الأراضي ويعرضون الوظائف على السكان الأصليين – كمصدر رخيص للعمال – ويقبل بعضهم بتلك الوظائف لأن الاقتصاد تضرر كثيرًا بسبب مشاريع المستوطنات.
قد يبدو هذا السيناريو غريبًا وصعب الحدوث، لكنه يشرح للجمهور البريطاني حقيقة ما يحدث للشعب الفلسطيني، ما أصفه هنا هو عملية إذلال مستمر وتجريد للممتلكات.
ما زالت “إسرائيل” تستولي على الأراضي حتى اليوم لتجعل من الصعب تحقيق العدالة والحرية والمساواة للفلسطينيين، لقد مرت 7 عقود منذ تأسيس “إسرائيل” وطرد أكثر من 750 ألف فلسطيني من منازلهم لإفساح المجال أمام الأغلبية اليهودية.
إن الظلم واضح بشكل لا ريب فيه، لكنه ما زال مستمرًا، فالأمم المتحدة تؤجل نشر القائمة السوداء للمستوطنات وسط ضغط من “إسرائيل” والولايات المتحدة وغيرهم من المدافعين عن الفصل العنصري الإسرائيلي ونزع الملكيات والاضطهاد.
المصدر: ميدل إيست آي