يومان على بداية الوزير الأول المكلف في الجزائر نور الدين بدوي في مشاورات تشكيل حكومة الكفاءات الموسعة التي أذن بتشكيلها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ويأمل من خلالها النظام تهدئة المحتجين، يومان لم يحقق فيهما بدوي أي تقدم يذكر، نتيجة العقبات الكبيرة التي يواجهها من النقابات والأحزاب المعارضة المطالبة بتنحي بوتفليقة ونظامه وتشكيل حكومة توافق برئاسة شخصية مستقلة.
بدء المشاورات
الأحد الماضي، بدأ نور الدين بدوي مع نائبه ووزير الخارجية رمضان لعمامرة مشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة، وقالت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، نقلاً عن مصدر مطلع: “الطاقم الحكومي الجديد سيشمل الكفاءات الوطنية مع أو من دون انتماء سياسي، ويعكس بشكل كبير الخصائص الديموغرافية للمجتمع الجزائري”.
وأضاف المصدر أن رئيس الحكومة الجزائرية المكلف ولعمامرة، عقدا جلسة عمل تم تخصيصها لتشكيل الحكومة المقبلة، موضحًا أن هذه المشاورات ستوسع لتشمل ممثلي المجتمع المدني والتشكيلات السياسية، والشخصيات التي عبرت عن رغبتها في تحقيق حكومة موسعة.
وقبل ذلك، قال بدوي إنه بدأ المشاورات الأولية لـ”تشكيل حكومة تكنوقراط تضم كفاءات من الشباب الجزائري، ولن تتجاوز مهمتها السنة”، مشيرًا “مهمة حكومتي محددة بوقت أقل من سنة، وسيتم بعد تشكيل الحكومة إعلان الهيئة التي ستشرف على ندوة الوفاق الوطني، وهي ندوة حرة وسيدة ستحدد المعالم الدستورية، وخطوات المرحلة الانتقالية”.
دعوة الوزير الأول المكلف نور الدين بدوي، قابلتها 13 نقابة جزائرية بالرفض
الوزير الأول الجديد الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية في حكومة أحمد أويحيي المستقيلة، أشار إلى أن “الأولوية حاليًّا تتمثل في تشكيل الحكومة، ثم وضع الآليات اللازمة للندوة الوطنية”، داعيًا إلى حوار شامل لتجاوز الخلافات، وحث المعارضة وقادة الحراك الشعبي على القبول به.
وقال أيضًا: “أدعو كل الشركاء الموجودين في المعارضة للحوار والاستماع إلى بعضنا، وأبوابنا مفتوحة للجميع، لأن الوطن يتطلب منا العمل معًا، يجب أن نعمل معًا وبتكاتف الجميع لحساسية الظرف في البلاد”، مشيرًا إلى أنه يجب إنهاء حالة انعدام الثقة بين السلطة ومختلف الفئات الاجتماعية.
وكان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، قد أعلن في 11 من مارس/آذار الحاليّ إقالة الحكومة وسحب ترشحه لولاية خامسة وتأجيل انتخابات الرئاسة استجابة لمطالب الشارع، وكلف وزير داخليته نور الدين بدوي بتشكيل حكومة كفاءات.
النقابات ترفض
دعوة الوزير الأول المكلف نور الدين بدوي، قابلتها 13 نقابة جزائرية بالرفض، وقال بوعلام عمورة – وهو أحد رؤساء نقابات قطاع التعليم – للصحفيين إن النقابات لن تجري مناقشات مع هذا النظام، لأنها تنتمي للشعب، والشعب قال “لا” للنظام.
وذكر تكتل نقابي مستقل يضم ست نقابات في بيان له أن النقابات المستقلة لقطاع التعليم قررت عدم المشاركة في اللقاء الذي دعت إليه رئاسة الوزراء، مبررة رفضها بكونها “منخرطة في الحراك الشعبي الرافض للقرارات التي تضمنتها رسالة رئيس الجمهورية”.
كما اتهم التكتل السلطات بـ”عدم الاكتراث” لأصوات الملايين من الشعب الجزائري التي خرجت في مسيرات الرفض يوم الجمعة الماضي، وشدد على رفضه تمديد الولاية الرئاسية الحاليّة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وكل “محاولات الالتفاف” على مطالب الحراك السلمي، داعيًا إلى مرحلة انتقالية تسيرها حكومة توافقية بوجوه جديدة تكون محل قبول شعبي، للخروج من الوضعية “غير الدستورية”، بحسب تعبير البيان.
بدورها، قالت نقابة المجلس المستقل لأساتذة التعليم العالي والبحث العلمي، إنها منخرطة في الحراك الوطني إلى جانب الشعب الجزائري منذ 22 من فبراير/شباط الماضي، ومكانها الطبيعي بين صفوف الشعب للدفاع عن مطالبه وتحقيق طموحاته المشروعة.
وأعلن “تكتل مستقل لنقابات الصحة”، من جهته، رفضه تلبية دعوة رئيس الوزراء للمشاركة في اللقاء التشاوري، واعتبر التكتل – في بيان – أن اللقاء لا يتناسب مع مطالب الحراك الشعبي منذ انطلاقه في 22 من فبراير/شباط الماضي.
أحزاب المعارضة أيضًا
رفض دعوة نور الدين بدوي للمشاورات بشأن تركيبة الحكومة القادمة، لم يأت من النقابات فقط، بل من الأحزاب أيضًا، فقد سارعت أغلب أحزاب المعارضة إلى تأكيد رفضها لما دعا إليه الوزير الأول المكلف.
وطالب رئيس حركة مجتمع السلم (أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر) عبد الرزاق مقري، الأحد، بوتفليقة و”النخبة الحاكمة” بالتنحي، وقال مقري في حلقة تواصل سياسي على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: “شرعية الحراك أكبر من شرعية الدستور، وعلى السلطة الاستجابة سريعًا له”.
من جهتها، دعت رئيسة حزب العمال الجزائري لويزة حنون، إلى انسحابه واستقالة الحكومة وحل البرلمان وتأسيس “حكومة تقنية انتقالية تتكون من كفاءات نزيهة”، واقترحت أيضًا تشكيل “لجان شعبية” تعمل على “فتح نقاش سياسي” بشأن مطالب الشعب الجزائري الذي خرج في مسيرات رفضًا للإجراءات التي أقرها الرئيس بوتفليقة.
وأوضحت حنون أن “هذه اللجان تقوم بانتخاب ممثليها في جمعيات عامة محلية”، وهذه بدورها تقوم بـ”توحيد المطالب المرفوعة وتفويض مندوبين، لاستدعاء جمعية تأسيسية وطنية سيدة مهمتها الوحيدة هي صياغة دستور ديمقراطي”، ورأت رئيسة حزب العمال أن اللجان بإمكانها أن تكرس سيادة الشعب، إذ تضم مختلف أطياف وفئات المجتمع الجزائري من عمال وطلبة ومتقاعدين وتجار.
بدوره، شدد رئيس حزب طلائع الحريات ورئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، على أنه “لا حوار مع السلطة قبل إزاحة وجوه ورموز النظام” الذي وصفه بـ”الفاسد”، وقال بن فليس، في كلمة على فيسبوك: “نحن نريد إسقاط نظام سياسي فاسد، ولكننا نحافظ على الدولة.. هؤلاء الذين خربوا أموال الجزائريين يجب أن يبتعدوا، دون هذا لا يتم فتح الحوار”.
واعتبر بن فليس الذي أعلن رفضه الحوار مع رئيس الحكومة الحاليّ نور الدين بدوي، وحمّله مسؤولية التلاعب بنتائج الانتخابات الأخيرة، أن “الدولة الجزائرية لا تسقط، أما الفاسدون فيجب مواصلة المعركة ضدهم كل حسب جهده وطاقته لذهاب النظام الفاسد”.
يخشى النظام الجزائري بمختلف أذرعه الحاكمة، خروج الأمر عن سيطرته في ظل تواصل الحراك الشعبي
بالتوازي مع ذلك، دعت مجموعة جزائرية جديدة برئاسة زعماء سياسيين وشخصيات معارضة ونشطاء الرئيس بوتفليقة إلى التنحي في نهاية ولايته في 28 من أبريل/نيسان وحثت الجيش على عدم التدخل في خيارات الشعب.
ووجهت التنسيقية الوطنية من أجل التغيير في بيانها دعوة للحكومة إلى الاستقالة بعد مظاهرات حاشدة على مدى أكثر من ثلاثة أسابيع ضد حكم بوتفليقة المستمر منذ 20 عامًا.
البحث عن مشروعية ومخرج للمرحلة المقبلة
هذه الحكومة التي قال بدوي إنه بدأ مشاورات تشكيلها تهدف، وفق العديد من الجزائريين، إلى إيجاد مشروعية ومخرج للمرحلة المقبلة التي يسعى النظام إلى تحديد أوجهها، رغم ادعائه رغبته في مشاركة كل الجزائريين في الأمر.
ومن المتوقع أن تعمل السلطات الجزائرية على محاولة اختراق الحراك الشعبي من خلال جذب مجموعة من الناشطين أو رموز هذا الحراك والتفاوض معهم في الندوة الجامعة التي تعمل على إنجاحها، أو تعيين بعض قيادات الحراك بحكومة التكنوقراط الانتقالية المراد تشكيلها.
تواصل الحراك في شوارع الجزائر
ويخشى النظام الجزائري بمختلف أذرعه الحاكمة، خروج الأمر عن سيطرته في ظل تواصل الحراك الشعبي، حيث شهدت الجمعة الرابعة من الحراك الشعبي مسيرات واحتجاجات كبيرة شارك فيها 18 مليون شخص، وفقًا لناشطين، وُصفت بأنها الأضخم في تاريخ الجزائر المستقلة، وخاصة في العاصمة الجزائرية التي شهدت مسيرات حاشدة وغير مسبوقة.
ولم توقف القرارات التي أعلنها بوتفليقة قبل أيام الاحتجاجات التي بدأت في الـ16 من شهر فبراير/شباط الماضي، حيث اعتبرتها المعارضة تمديدًا لحكم الرئيس الجزائري والتفافًا على الحراك الشعبي الذي يطالب برحيله.
أمام يقينها بصعوبة تمرير قرارات بوتفليقة الأخيرة، تراهن السلطات الحاكمة في الجزائر على كسب مزيد من الوقت لامتصاص غضب الجزائريين وتكسير عزيمتهم، حتى ترتب بيتها الداخلي وتصل إلى توافق بين مختلف القوى الحاكمة في البلاد لمواجهة الشارع المطالب بالحرية.