ترجمة وتحرير نون بوست
من غير المستبعد أن تُحول الاحتجاجات التي تشهدها الجزائر البلاد بسرعة إلى ليبيا ثانية، الأمر الذي ستنجر عنه عواقب لا يمكن التنبؤ بها على المنطقة بأكملها، لا سيما في ظل توفر جميع الظروف التي قد تؤدي إلى تصعيد المواجهة، بما في ذلك الغاز والنفط والمشاعر الانفصالية، والنخب غير الواعية، التي تحاول الحفاظ على تواجد بوتفليقة على كرسي الرئاسة عن طريق القوة.
في هذا الصدد، قدّم الخبير في معهد الشرق الأوسط والمجلس الروسي للعلاقات الدولية، سيرجي بالماسوف، خلال حوار أجراه معه موقع “أوراسيا دايلي” الروسي بعض التفاصيل الدقيقة عن السياسة الجزائرية.
أوراسيا دايلي: كيف يمكن أن تتطور الأحداث في المستقبل القريب؟ وما هي تنبؤاتكم بشأن الاحتجاجات؟
سيرجي بالماسوف: من المتوقع أن تزداد حدة الاحتجاجات، لا سيما وأن المعارضة، وإن كان النفور يغلب عليها بعض الشيء، قادرة على حشد عدد كبير من الأشخاص. وفي الوقت الراهن، يؤمن المتظاهرون بأن الحكومة قادرة على خداع الشعب، وهو ما دفعهم في البداية إلى الاحتجاج ضد ترشيح الرئيس العليل، عبد العزيز بوتفليقة، لعهدة خامسة، ليعترضوا بعد ذلك على تمديد فترة رئاسته الرابعة.
بهذه الطريقة، كانت المعارضة تأمل في إلغاء الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر إجراؤها في 18 أبريل/ نيسان المقبل، وتأجيلها لفترة غير محددة. ووفقا لبوتفليقة، يجب أن يسبق ذلك مناقشة عامة للدستور الجديد، والموافقة على إجراء استفتاء وطني، كما يجب أن يظل الرئيس على كرسي الرئاسة خلال هذه الفترة.
في الأثناء، جاب الجزائريون الشوارع متظاهرين ضد ترشّح الرئيس الحالي لعهدة خامسة وإجراء انتخابات مبكرة، لكنهم صُدموا بدعوتهم إلى التوجه نحو صناديق الاقتراع وإجراء انتخابات عند انتهاء الاحتجاجات، وهو ما يعتبر خداعًا في الحقيقة. وفي الوقت الراهن، يُدعى المحتجون إلى الالتزام بالدستور، الذي نُقّح خلال سنة 2008 بأمر من الرئيس الجزائري، والذي يسمح له بالترشح لفترات عديدة، على عكس الدستور السابق، الذي ينص على ترشح الرئيس لولايتين فقط.
كيف تُدار البلاد في هذه الحالة؟ خاصة وأنه من الواضح أن بوتفليقة غير قادر على القيام بمهامه، فمن يقوم بذلك بدلا عنه؟
نعم، بوتفليقة في وضع صحي حرج وعاجز في الوقت الحالي عن إدارة شؤون البلاد، وهو ما مكّن شقيقه سعيد بوتفليقة من إدارة البلاد من وراء الستار ما تسبب في ظهور العديد من المشاكل على مستوى مفاصل الدولة. عادة، وخلال تغيّب الرئيس بسبب وضعه الصحي، يتم تجميد السياسة الخارجية لأن بوتفليقة وبصفته رئيس الدولة هو من يعقد الاجتماعات عالية المستوى ويوقع الوثائق المهمة مع نظرائه الأجانب، على الرغم من أن الدستور يشرع لرئيس البرلمان الجزائري أداء هذه المهام في حال تعذر على الرئيس ذلك. فعلى سبيل المثال، لم تتمكن المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، خلال الفترة الفاصلة بين نيسان/ أبريل وتشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2018 من عقد اجتماع مع بوتفليقة بسبب مرضه، رغم أنها كانت تحمل مقترحات تتعلق بإنجاز العديد من المشاريع المشتركة.
ما مدى إمكانية تكرار السيناريو الليبي داخل الجزائر؟ نعلم أن الجزائر بلد قوي اقتصاديا حسب المعايير الأفريقية، فما الذي يمكن أن ينتظر هذا البلد؟
بالفعل، تعتبر الجزائر من أكثر البلدان تقدما في أفريقيا من حيث مؤشرات الدعم الاجتماعي للسكان. وعلى الرغم من انخفاض حجم التداول بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، إلا أن الوضع في الجزائر أكثر ازدهارًا مقارنة بالعديد من بلدان القارة السمراء. مع ذلك، تجاهلت السلطات الجزائرية مرور هذا الشعب بحرب دامية في تسعينات القرن الماضي، كما تجاهل بوتفليقة حقيقة أن النظام الجزائري نظام جمهوري وليس ملكي.
واليوم، يتخبط الشعب الجزائري في العديد من المشاكل المتعلقة بانخفاض مستوى المعيشة. فعلى سبيل المثال، لا تستطيع الأسرة الجزائرية شراء لحم الدجاج أكثر من مرتين في الشهر، ناهيك عن ارتفاع أسعار لحم البقر والضأن. والجدير بالذكر أن ارتفاع أسعار المنتجات الرئيسية يؤدي حتما إلى انخفاض مستويات المعيشة بشكل فاضح. ويرتبط انخفاض مستوى المعيشة ارتباطا مباشرا بعجز الجزائر عن إدخال العملة الصعبة نتيجة انخفاض الأرباح المتأتية من تصدير الغاز والنفط.
وعلى الرغم من أن الجزائر كانت قد نجحت خلال سنة 2014 في تحقيق إيرادات وصلت قيمتها إلى ما يقارب 200 مليار دولار بفضل تصدير موارد الطاقة، إلا أن إيراداتها سنة 2019 من تصدير هذه الموارد لم تتعدى 78 مليار دولار. أما فيما يتعلق بميزانية البلاد، فلم يتغير شيء، إذ تبلغ الميزانية العسكرية الجزائرية ثلاثة أضعاف الميزانية العسكرية المغربية، ما يشير إلى أن الجزائر تنفق أموالا طائلة على أجهزة الدولة.
في الوقت ذاته، لم يدّخر بوتفليقة جهدا في إخراج رجال الأعمال الأجانب من البلاد، عن طريق فرض قيود صارمة على الشركات الأجنبية العملاقة الموجودة داخل الجزائر. في الواقع، لا يمكن لأي أجنبي إدارة عمل بمفرده داخل الجزائر، إذ يجب أن يشارك أطرافا محلية في إدارة الأعمال. كما لا يمكن أن تتجاوز حصة رأس المال الأجنبي في الشركة 49.9 بالمئة من رأس المال الكلي، ويحظر على الشركات الأجنبية بيع المواد الخام المستخرجة بشكل مستقل.
على صعيد آخر، يعد النمو الديموغرافي من بين المشاكل التي تواجهها الجزائر، حيث لم يتجاوز عدد السكان 13.4 مليون نسمة في سنة 1966 ليصل إلى 42.2 مليون نسمة وفقا للإحصاءات الأخيرة، وهو ما ينذر بعجز موارد الطاقة المنتجة حتى على تغطية حاجيات سكان البلاد على المدى القريب. ونتيجة لذلك، انخفض حجم الصادرات إلى أدنى مستوياته، وتوقف دخول العملة الصعبة إلى البلاد. ومن هذا المنطلق، ستكون هذه التغييرات بمثابة كارثة حقيقية للنظام الحاكم في البلاد. مع ذلك، تقف السلطات مكتوفة الأيدي دون أن تحرك ساكنا للتخفيف من عواقب هذه السيناريوهات السلبية، عدا عن الزيادة في عدد المسؤولين والعسكريين.
ما مدى خطورة المشاكل الطبيعية الأخرى التي تؤثر على الوضع الراهن؟ من قبيل التطرف الإسلامي والانفصالية؟
في سنة 1991، لم تسمح القوات العسكرية الجزائرية للجبهة الإسلامية للإنقاذ بالفوز في الانتخابات. ومنذ ذلك الحين، أصبحت القوات المسلحة المشرف الرئيسي على سياسة البلاد. في الحقيقة، لم تكن هناك ممارسات تهدف إلى قمع الجماعات الإسلامية، إذ كان تَوجّه بوتفليقة يهدف إلى القضاء على المتطرفين والتقرب إلى أولئك الذين يمكن أن يصبحوا موالين له. تجدر الإشارة إلى أن العديد من النسوة انضممن إلى الاحتجاجات، حيث خرجن إلى الشوارع لا بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض مستويات المعيشة فحسب، بل خوفا من صعود الإسلام الراديكالي.
من جهة أخرى، تعد قضية البربر القاطنين في شمال شرق الجزائر إحدى مشاكل الانفصالية التي تواجه الجزائر. وفي الوقت الراهن، تقوم أكثر الاحتجاجات حدة هناك، إذ يعاني البربر من مشاكل خاصة، لعل أهمها مسألة القومية. ولا يغير إدخال بعض الإصلاحات، ومنحهم فرص التعلم في المدارس بلغتهم الأصلية أي شيء، لا سيما في ظل تطلع البربر الجزائريين إلى أخذ زمام أمورهم بأنفسهم على غرار ذويهم في ليبيا. وعموما، ترتبط موجة الاحتجاجات ذات الطابع الانفصالي ارتباطا مباشرا باستياء أصحاب المؤسسات من شروط ممارسة الأعمال التجارية، فضلا عن التعرض للضغط من طرف المسؤولين وقوات الأمن.
هل ستنجح الجزائر في الخروج من الأزمة دون كوارث حقيقية؟ وما هي القوى الخارجية التي يمكن أن تتدخل في حال حدوث سيناريوهات مختلفة؟
تبرز العديد من الاحتمالات في هذا الشأن، إذ قد تستمر المواجهة لسنوات عديدة، لا سيما وأن الجيش لم يعلن بعد عن الطرف الذي سيدعمه. وقد تنجح المعارضة في الإطاحة بالحكم، وربما ينجح النظام في المقاومة والحفاظ على الحكم، لكن هذا كله لن يحل مشاكل بوتفليقة. لقد كانت أمامه فرصة للتنحي عن الكرسي وتعيين شخصية أخرى بدلا عنه، لكنه لم ينجح في استغلالها.
من جانبها، تمول المملكة العربية السعودية المعارضة الإسلامية في الجزائر، لكن الرياض لا تستطيع حاليا تقديم الدعم المناسب، خاصة وأنها تتخبط في مشاكل أخرى، من بينها خوضها لحرب على الحدود اليمنية. أما قطر، فلا تستطيع التدخل في الشؤون الجزائرية الآن بسبب أصابع الاتهام التي وُجّهت نحوها وتحميلها مسؤولية الهجوم الإرهابي على مجمع غاز جزائري سنة 2013. وبسبب العواقب السياسية لذلك، تراجع اهتمام قطر بالجزائر.
علاوة على ذلك، يمكن للعديد من الجهات الأجنبية، على غرار إسرائيل وفرنسا، تقديم الدعم للبربر، خدمة لمصالحها. فمن جهتها، تميل إسرائيل لدعم البربر معتبرة أن الجزائر تقدم الدعم للتحالف المناهض لإسرائيل. وعموما، يظل من المستبعد نشوب حرب أهلية في الوقت الراهن رغم وجود العديد من الأسباب التي تنذر بذلك، من قبيل عيش أكثر من نصف السكان في فقر مدقع، وتكريس الطبقية، حيث يوجد بين السكان من يعيش في ثراء فاحش، بينما يغوص البعض الآخر في بحار الفقر، لا سيما مع إدراك الجزائر للعواقب التي تعود بها هذه الحرب على البلاد.
المصدر: أوراسيا دايلي