لا تزال قضية زواج القاصرات وما يترتب عليه من حملٍ وولادة يشغل حيّزًا كبيرًا من مجال حقوق الإنسان والصحة النفسية والجسدية وغيرها. فبحسب موقع منظّمة الصحة العالمية فحوالي 16 مليون فتاة تتراوح أعمارهنّ بين الخامسة عشر والتاسعة عشر عامًا، و2.5 مليون فتاة دون سن السادسة عشر عامًا يضعنَ مولودًا كلّ عام في المناطق النامية. ووفقًا للموقع أيضًا فإنّ حالات حمل المراهقات لا تتوقّف على الدول النامية أو المجتمعات المتدنية الدخل وحسب، بل تنتشر أيضًا في المجتمعات مرتفعة الدخل.
يُشير الموقع رغم ذلك إلى أنّ معدّل ولادة المراهقات قد انخفض بالفعل من 65 ولادة لكلّ 1000 امرأة في عام 1990 إلى 47 ولادة لكلّ 1000 امرأة في عام 2015. والخبر السارّ أيضًا، هو أنّ النساء في جميع أنحاء العالم أصبحن أكثر ميلًا لإنجاب طفلهنّ الأول في وقتٍ لاحقٍ من العمر. لكنّ ذلك لا يمنع من أنّ الموضوع لا يزال حرجًا للغاية وآثاره تمتدُّ مع حياة كلٍّ من الأمّ والطفل وتنعكس على العائلة والمجتمع ككلّ.
فنسبة كبيرة من الأمّهات المراهقات تمرُّ بمرحلة من الاكتئاب السابق للولادة واكتئاب ما بعد الولادة، وهي الفترات الأكثر حرجًا بالنسبة للطفل. إذ تؤثّر هرمونات التوتّر والإجهاد والعواقب الفسيولوجية الأخرى للاكتئاب والقلق أثناء الحمل على الجنين من خلال المشيمة في الرحم. الأمر الذي يمكن أنْ يغيّر الطريقة التي يطوّر بها الطفل نظام القلق والإجهاد عنده. أمّا بعد الولادة، قد يصعب على الأمر المكتئبة التفاعل مع طفلها، خاصةً في الأوقات التي يكون فيها الرضيع مصابًا بالإحباط. قد ينتاب الطفل طرق الاكتئاب في التفكير والسلوك في دورة مستمرة من السلوك المكتسب.
الولادة المبكّرة للأم والجدّة أيضًا تؤثّر على الطفل!
توصّلت دراسة جديدة إلى أنّ آثار حمل المراهقات وولادتهنّ قد تمتدّ للمواليد الأطفال وأجيال لاحقة في العائلة. فبالمقارنة مع أقرانهم ممّن وُلدوا لأمّهاتٍ في عمرٍ أكبر، فإنّ الطفل الذي وُلد أثناء فترة مراهقة أمّه قد يكون عرضةً لخطر الولادة قبل الأوان، ومواجهة العديد من الصعوبات في اكتساب المهارات المعرفية الأساسية مثل الإلمام باللغة والقراءة والكتابة والتحكّم بالذات، إضافةً لضعف الأداء العامّ في المدرسة.
وفقًا لدراسة جديدة، فإنّ وجود جدّة قد أنجبت طفلها الأول في سنّ المراهقة يعدّ عاملًا لتوقّع فيما إذا كان الطفل سيُظهر ضعفًا في أدائه المدرسيّ والتعليميّ أم لا
ما يثير الصدمة أكثر، فمن المرجّح أنْ تصبح الطفلة نفسها أمًّا في مرحلة مراهقتها. الحمل لا يتعلّق بالجينات بكلّ تأكيد، لكنّه يلعب دورًا وراثيًا بطريقةٍ ما. فغالبًا يكون من المرجّح أنْ ترث الفتاة من أمّها المراهقة الظروف الصعبة نفسها مثل الفقر وعدم الاستقرار العائلي ونقص التعليم وفرص العمل أو التنشئة في مجتمعٍ يضع ضغوطه الاجتماعية على الفتاة ويزوّجها في سنّ مبكّرة. مع التركيز على أنّ الطفلة قد تواجه جميع تلك الظروف بشكلٍ أكثر حدّة، نظرًا لأنّ الأمومة في سنّ المراهقة قد تخلق صعوباتٍ ومشقّات أكثر لكلٍ من الوالديْن والطفل.
دراسة أخرى نُشرت مؤخّرًا في مجلّة المكتبة العامة للعلوم (PLOS) ودرست أكثر من 11 ألف طفلٍ، قد أشارت بالفعل إلى أنّ وجود جدّة قد أنجبت طفلها الأول في سنّ المراهقة يعدّ عاملًا لتوقّع فيما إذا كان الطفل سيُظهر ضعفًا في أدائه المدرسيّ والتعليميّ أم لا، وذلك حتى في حال إذا كانت أمّ الطفل نفسه قد أنجبت طفلها الأول في سنّ متأخر وليس المراهقة. وبلغة الأرقام، فإنّ ذلك الطفل معرّض لأنْ يطوّر ضعفًا في أدائه المدرسيّ أكثر بنسبة 39% من غيره من أقرانه وزملائه في الصفّ. وجديرٌ بالذكر أنّ الدراسة تعرّفالأم البالغة بأنها الأم التي كانت تبلغ من العمر 20 عامًا على الأقل عندما أنجبت طفلها الأول.
عادةً ما ترتبط ظاهرة الأمومة في سنّ المراهقة بالفقر الذي يمكن أن يقلّص من فرص التعليم ويقوّض من تطوّر الطفل وتحصيله العلميّ في المدرسة
وفقًا للدراسة، 41% من الأطفال الذين كانت أمّهاتهم مراهقات لم يكونوا مستعدّين نفسيًا وتنمويًا لدخول المدرسة. ولكن الأمر الجدير بالملاحظة بشكل خاص أنْ 34% من الأطفال ممّن كانت جدّاتهم مراهقات عندما أصبحوا أمّهاتٍ لم يكونوا أيضًا على استعدادٍ لدخول المدرسة وتطوير المهارات المعرفية والإدراكية اللازمة لمرحلتهم العمريّة مقارنةً بغيرهم من الأطفال. فيما يعزو القائمون على الدراسة هذه الظاهرة إلى العواقب الوخيمة والمستمرة للفقر والجهل وإلى عجز النظم التعليمية عن إخراج العديد من الأطفال من هذا الفخ.
وفي حديثها مع صحيفة “ذا أتلانتك“، فقد أشارت كارين بنيامين جوزو، عالمة الاجتماع في جامعة بولينغ غرين ستيت التي تدرس الديموغرافيا واتجاهات الأسرة إلى أنّ جميع هذه الأضرار والتأثيرات السلبية ليست بسبب الحمل والولادة أثناء فترة المراهقة، فهذا لا يؤدي إلى أيّ ضررٍ اجتماعيّ أو اقتصادي. ولكنّ الفقر يميل إلى زيادة الفقر والجهل يؤدي إلى الجهل وانعدام فرص العمل والتعليم قد تبقى على حالها لأجيال طويلة وممتدة.
فبشكلٍ عام، يمكن للفقر أن يقلّص من فرص التعليم ويقوّض من تطوّر الطفل وتحصيله العلميّ في المدرسة، كما يمكن أنْ يؤدي الأداء الأكاديمي المتدني للأم المراهقة إلى تعزيز استيائها من التعليم والمدرسة، وهو موقف يمكن لها أنْ تنقله إلى طفلها الذي يرى في والدته انعكاسًا للعالم الخارجيّ من حوله. وبالتالي، يصبح حديثنا مقتضبًا للغاية في حال ركّزنا على نفسية الأم المراهقة وحسب، فالأثر أكبر من ذلك بكثير بحيث أنه يمتدّ للطفل في سنواته الأولى ويؤثّر عليه لاحقًا وعلى الأجيال التي قد تتبعه، لا سيّما إنْ كان الطفل فتاة قد تخوض تجربة والدتها في الزواج والحمل والولادة المبكّرة.