ترجمة وتحرير: نون بوست
في الوقت الذي توشك فيه الحرب الأهلية على الانتهاء، تهتم صحيفة “لوموند” الفرنسية بالأوضاع في سوريا في سلسلة من المقالات. وتتناول في هذا التقرير موضوع سامر فوز، رجل أعمال دمشق فاحش الثراء الذي أسس ثروته بالاستناد إلى اقتصاد الحرب.
قليلون هم السوريون الذين ابتسمت لهم الحرب الأهلية في سوريا. ويعتبر سامر فوز أحد هؤلاء الذين لا تُكن لهم الكثير من مشاعر التقدير، أو لعله أبرز ممثليهم بالأحرى. ويعد رجل الأعمال البالغ من العمر 45 سنة، الذي كان يُشرف على إدارة مجموعة عائلية صغيرة متخصصة في استيراد الإسمنت قبل اندلاع الصراع في سنة 2011، أحد أهم شخصيات الأوليغارشية النافذين في سوريا. وبعد أن كان غير معروف في أوساط مجتمع الأعمال قبل ثماني سنوات، أصبح فوز اليوم يسيطر على قطاعات بأكملها من الاقتصاد الوطني، أو ما تبقى منه على الأقل، على غرار تجارة القمح وإنتاج الصلب وتجميع المركبات.
في ظل أمة تعيش وسط الخراب، كوّن سامر فوز إمبراطورية كاملة، وقد مكنه ذلك من اكتساب لقب “رامي مخلوف الجديد”، في إشارة إلى ابن عم الرئيس بشار الأسد، الذي اعتُبر في بداية العقد الحالي بمثابة زعيم الاقتصاد السوري. وكان صعود فوز اللامع، الذي تزامن مع أصعب فترات حياة الغالبية العظمى من السكان، نتيجة عوامل مختلفة، بما في ذلك قربه من العشيرة الحاكمة التي تمثل الموزع الأول للامتيازات، وقدرته على الغوص في المياه المضطربة لاقتصاد الحرب. فضلا عن العقوبات الدولية التي لم تكن دائمة التناسق والتي تسببت في استبعاد العديد من منافسيه من المشهد الاقتصادي. وبسبب تميزها بنقاط غموض كثيرة، تعد مسيرة هذا الأربعيني، الذي يُنظر إليه على أنه انتهازي ووقح، رمزا للحيل التي أنقذت نظام الأسد من الإفلاس.
في أوائل تسعينيات القرن الماضي، ذهب فوز للدراسة في الجامعة الأمريكية في باريس، قبل أن يواصل تعليمه في جامعة ماساتشوستس في بوسطن، ومن ثم سان دييغو في كاليفورنيا
وُلد هذا الرجل في سنة 1973 في منزل سني في اللاذقية، وهي أحد موانئ الساحل السوري الذي يعتبر معقل المجتمع العلوي. وقد استند حافظ الأسد، والد بشار، على هذا المجتمع من أجل تولي السلطة قبل ذاك التاريخ بثلاث سنوات. وكان والد سامر فوز صيدلاني، أما عمه فقد كان إطارا بسيطا في حزب البعث، وهو الحزب الوحيد ذو توجه عربي قومي فرضه رئيس الدولة الجديد.
انتهازية
في أوائل تسعينيات القرن الماضي، ذهب فوز للدراسة في الجامعة الأمريكية في باريس، قبل أن يواصل تعليمه في جامعة ماساتشوستس في بوسطن، ومن ثم سان دييغو في كاليفورنيا. وفي مقابلة له مع صحيفة “وول ستريت جورنال”، إحدى وسائل الإعلام الغربية القليلة التي تمكنت من التواصل معه، علما وأن طلب صحيفة “لوموند” لمحاورته ظل دون إجابة، قال فوز إنه اكتسب اهتمامه بمجال الأعمال من المحيط الأطلسي. وقد أشار إلى أنه “في الولايات المتحدة، يمكنك أن تصبح شخصًا ناجحا، لكن في فرنسا، لا يمكنك تحقيق ذلك. كل شيء صغير، صغير جدا”. ويعتبر هذا التعليق الساخر مضحكا، ذلك أنه بطريقة أو بأخرى، يعود الفضل في صعود فوز الاقتصادي في خريف سنة 2013 إلى الحكومة الفرنسية.
حينها، كانت سوريا، التي تحولت فيها الثورة إلى حرب أهلية، تواجه نقصا خطيرا على مستوى المواد الأساسية. ومن أجل التدخل لصالح الحالة الإنسانية الطارئة، أقنعت باريس شركائها الأوروبيين برفع الحظر عن أصول البنوك السورية في الخارج، التي كانت قد فرضت عليها الرقابة في بداية الأزمة. وهكذا، تم شراء مئات آلاف الأطنان من المواد الغذائية في الخارج قبل أن يُعاد بيعها في سوريا، في ظل وضعية شبه احتكار.
كان من المتوقع أن يعود هذا النوع من الفرص بالنفع على عدد هام من رجال أعمال المشهد الاقتصادي في البلاد. لكن في ظل غرق البلاد في الحرب، هرب جزء من النخبة السورية، وتغرّب العديد من رجال الأعمال في المنفى، سواء في الخليج أو في لبنان وتركيا وأوروبا، هربا من تهديد النظام أو لإظهار عدم موافقتهم على قمع المعارضة، أو ببساطة من أجل حماية مصالحهم من الفوضى التي تجتاح البلاد.
لم يفوت سامر فوز هذه الفرصة، حيث حصلت شركة استيراد الإسمنت التي أسسها والده في ثمانينيات القرن الماضي وتدعى “مجموعة أمان القابضة”، على عقد شراء ضخم للقمح
وبالتوازي مع هذا النزوح، فرضت كل من بروكسل وواشنطن عقوبات على العشرات من رجال الأعمال المتهمين بتمويل السلطة. وبسبب تجميد أموالهم في الخارج، وحظر المعاملات مع العملاء في الغرب، ومنع دخول الأراضي الأوروبية، أجبرت طبقة رجال الأعمال، الذين جنوا ثروات طائلة من موجة الخصخصة التي انتشرت في العشرية الأولى من القرن الماضي، على غرار رامي مخلوف الشهير، على مواصلة نشاطها بعيدا عن الأنظار.
قمح ودولارات
لم يفوت سامر فوز هذه الفرصة، حيث حصلت شركة استيراد الإسمنت التي أسسها والده في ثمانينيات القرن الماضي وتدعى “مجموعة أمان القابضة”، على عقد شراء ضخم للقمح. وقد أورد طرف على إطلاع بهذا الملف أن “فوز حصل على أرباح مضاعفة عن طريق إعادة بيع منتجات لم تكن متوفرة في السوق إلى الدولة السورية، بسعر باهظ. وقد جنى عشرات الملايين من الدولارات في بضعة أشهر. إنه منتهز للحرب بامتياز”.
فهل تعود القفزة التي حققها فوز إلى حدسه ومشاكل فئة الأوليغارشية التي تظهر في الصورة الأمامية؟ هذا ما سبق وأن أكده لصحيفة “وول ستريت جورنال” حيث قال: “على امتداد أربع سنوات، عملت دون منافسين”. لكن، أرجأ العديد من الأشخاص المقربين من مجال الأعمال في سوريا ذلك إلى الخداع الذي يمارسه رجل الأعمال بدهاء. ويُقال إن فوز قد عمل لصالح رئيس حرس بشار الأسد الخاص، ذو الهمة شاليش، الذي شملته عقوبات الاتحاد الأوروبي. وكان هذا الرجل جنرالا علويا عزز رصيده بواسطة عقود سرية، على شاكلة تقليد الكليبتوقراطية العظيم في سوريا.
في سنة 2015، وفي تركيا، نجح سامر فوز في الخروج من قضية قتل غامضة، تمثلت في اغتيال رجل الأعمال الأوكراني من أصول مصرية، رمزي متا، حيث اكتشفت جثته مقطعة في غابة بإسطنبول
يتمثل الأمر المؤكد في أن سامر فوز يبدو مرتاحا نظرا لأنه لم يتم ذكره في اللوائح الأوروبية، حيث لا تزال شحناته من القمح تصل بأمان، حتى عندما تضطر إلى عبور الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد أو مقاتلي تنظيم الدولة. ويكشف ذلك عن الطريقة غير النزيهة التي اعتمدها فوز من أجل كسب المال حتى في خضم الصراع السوري.
في سنة 2015، وفي تركيا، نجح سامر فوز في الخروج من قضية قتل غامضة، تمثلت في اغتيال رجل الأعمال الأوكراني من أصول مصرية، رمزي متا، حيث اكتشفت جثته مقطعة في غابة بإسطنبول. وسبق لرمزي متا أن دخل في صراع تجاري مع سامر فوز بلغت قيمة معاملته نحو 14 مليون دولار. بعد ذلك، تم إيقاف فوز، الذي يحمل الجنسية التركية، وإدانته بالسجن لأربع سنوات قبل أن يتم إخلاء سبيله وطرده من البلاد بعد دفع كفالة تقدر، وفقا لمصادر، بنحو 500 ألف إلى ثلاثة مليون دولار.
“تقاسم الأرباح”
خلال سنة 2017، ظهر رئيس مجلس إدارة “مجموعة أمان القابضة” للعيان بعد أن احتكر، وفقا لموقع “سيريا ريبورت” المختص في الاقتصاد، أصول العديد من الأسماء اللامعة في الاقتصاد السوري مستغلا النكبة التي أصابتها، لعل من أبرزهم، رجل الأعمال السوري، عماد غريواتي، الذي سبق له أن ترأس غرفة التجارة والصناعة في دمشق، والذي أدانته الصحف السورية الرسمية بتهمة “الخيانة” بعد لجوئه إلى الإمارات. وقد تخلى غريواتي لفوز عن جميع أصوله بأسعار مخفضة، بما في ذلك شركة صناعة السيارات الكورية الجنوبية “كيا”. في المقابل، ضمن سامر فوز انسحاب الميليشيات التي تهدد بنهب أحد مصانع غريواتي من مواقعها.
لا يعتبر سامر فوز رجل الأعمال الوحيد الذي استفاد من إعادة تنظيم المشهد الاقتصادي الوطني، بل نجح في ذلك أيضا صقر رستم، الذي سبق وأن تولى قيادة ميليشيا موالية للنظام، كما أنه معروف في مدينة حمص بنهبه وسلبه، حيث اقتحم اسمه مؤخرا عالم العقارات الفاخرة
كان ذلك أيضا مصير كل من موفق القداح وعماد حميشو ذلك أن علاقتهما بالنظام كانت فاترة. وقد وضع سامر فوز يده على ممتلكات القداح، وتحديدا مطعم “أوريون كلوب” الذي تجتمع فيه النخب السورية. أما بالنسبة لممتلكات عماد حميشو، فقد استحوذ فوز على معملين مختصين في المعادن، ما جعله يحقق “ضربة معلم” قد يستغلها في عملية إعادة إعمار البلاد. تجدر الإشارة إلى أن هذه الصفقة تمت في صالونات “فور سيزنز”، وهو أرقى فنادق العاصمة دمشق، بحضور كبار الشخصيات في البلاد وتحديدا مفتي الجمهورية والعديد من الوزراء.
لا يعتبر سامر فوز رجل الأعمال الوحيد الذي استفاد من إعادة تنظيم المشهد الاقتصادي الوطني، بل نجح في ذلك أيضا صقر رستم، الذي سبق وأن تولى قيادة ميليشيا موالية للنظام، كما أنه معروف في مدينة حمص بنهبه وسلبه، حيث اقتحم اسمه مؤخرا عالم العقارات الفاخرة. في الأثناء، وضع كل من حسام قاطرجي والإخوة براء أيديهم على تجارة المنتجات البترولية بعد أن كانوا تجارا متواضعين في مدينة الرقة. وبدوره، عزّز وسيم قطان، وهو رجل أعمال كان غير معروف قبل سنة 2011، استثماراته في مجال الفندقة والتجارة بالتفصيل.
لكن ذلك لا يعكس حقيقة أن سامر فوز يبقى أكثر هؤلاء الأثرياء بريقا. فهل يعود ذلك لأنه بمثابة الستارة التي يتخفّى وراءها بشار الأسد أو شقيقه ماهر على غرار ما همس به الكثير من رجال الأعمال الذين يعيشون في المنفى؟ يبدو من الصعب تأكيد ذلك، كما من المستحيل تصديق أن فوز حقق ثراءه الفاحش بالاعتماد على أمواله الخاصة. في هذا السياق، ذكر ربيع ناصر، مدير مركز أبحاث اقتصادي مقره في بيروت، أن “النظام لديه رجال أعماله الخاصين، تماما مثلما لديه أجهزته الأمنية، حيث يقدم لهم فرصا مميزة في مقابل اقتسام الأرباح”.
بروكسل “ليست غبية”
خلال سنة 2017، أضاف سامر فوز لمشاريعه، مشروع “ماروتا سيتي” الذي أثار جدلا واسعا، حيث من المنتظر أن يُقام هذا المشروع العقاري المتطور على أنقاض منطقة غير رسمية من العاصمة التي صُودرت من سكانها خلال الثورة. أما خلال شهر مارس/آذار من سنة 2018، فقد عزز رجل الأعمال نفوذه على قمة الاقتصاد السوري بعد أن امتلك فندق “فور سيزنز”، مستحوذا على أسهم الملياردير السعودي، الوليد بن طلال.
بعد انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسا لفرنسا سنة 2017، التقى نائب وزير الخارجية، أوريليان لو شوفالييه، سامر فوز، باعتباره مضطلعا بالعلاقات الفرنسية السورية
من الواضح أن عمليات الشراء المكثفة هذه لم يغفل عنها الدبلوماسيون الأوروبيون المسؤولون عن توسيع قائمة السوريين الخاضعين للعقوبات على فترات منتظمة. وقد تمت مناقشة فرصة إضافة اسم رئيس “مجموعة أمان القابضة” منذ فترة طويلة. لكن بعض البلدان، التي تشكك في فعالية هذه القائمة السوداء أو التي ترغب في الإبقاء على قناة الاتصال مفتوحة مع دمشق، أبطأت عملية إدراج اسم فوز على القائمة السوداء.
تجدر الإشارة إلى أنه بعد انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسا لفرنسا سنة 2017، التقى نائب وزير الخارجية، أوريليان لو شوفالييه، سامر فوز، باعتباره مضطلعا بالعلاقات الفرنسية السورية. وبحسب معلومات، نظمت مقابلة سرية بين الطرفين في باريس في منزل رجل أعمال لبناني، في الوقت الذي كانت فيه الرئاسة الفرنسية قد بدأت التدخل في الملف السوري. ولكن أوريليان لو شوفالييه أنكر تنظيم هذا اللقاء.
بات سامر فوز، الذي ولد في اللاذقية، وقضى حياته متنقلا بين بيروت ودمشق ودبي، يشعر بأنه شخص محصن. وفي سنة 2018، أدى عدة زيارات للقاء رجال أعمال مقيمين في القارة العجوز ليقنعهم بضرورة العودة إلى بلاده، كما شارك في عدة لقاءات جمعته بمتعاطفين مع المعارضة السورية ليجيب على الانتقادات التي وجهت له بشأن مشروعه “ماروتا سيتي”.
ال رجل أعمال سوري يعيش في لبنان، إنه “يبدو أن قصة فوز الملحمية قد انتهت. سيبقى رجلا غنيا، ولكنه لن يصبح أكثر ثراء. وفي غضون بضعة أشهر، سيظهر اسم جديد يغطّي على ممارسات النظام”
وقد صرح دبلوماسي أوروبي أن “سامر فوز يعتقد أنه شخص فاعل ويمكن أن يحافظ على علاقات جيدة مع بروكسل. لكننا لسنا أغبياء”. وفي نهاية شهر كانون الثاني/ يناير، تم تسجيل اسم سامر فوز، بناءً على مبادرة فرنسية وتحديدا من لوشوفالييه، على لائحة الاتحاد الأوروبي للسوريين الذين تمت إدانتهم، بالإضافة إلى عشرة ممثلين آخرين للجيل الجديد من رجال الأعمال. وتتهم بروكسل فوز بتمويله للنظام السوري، علاوة على تمويله لميليشيا موالية للأسد في مدينة اللاذقية.
على الفور، أعلن فوز أنه سيطعن في هذا القرار في محكمة العدل الأوروبية. ولكن إلى حد الآن، لم ينجح سوى عدد قليل فقط من الشخصيات في شطب أسمائهم من على القائمة السوداء. وفي هذا السياق، قال رجل أعمال سوري يعيش في لبنان، إنه “يبدو أن قصة فوز الملحمية قد انتهت. سيبقى رجلا غنيا، ولكنه لن يصبح أكثر ثراء. وفي غضون بضعة أشهر، سيظهر اسم جديد يغطّي على ممارسات النظام، الذي ينجح في التأقلم دائما. إنهم الناجون من كل ما يحدث”.
المصدر: لوموند