ترجمة وتحرير: نون بوست
في منتصف شهر شباط/ فبراير سنة 2019، توجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، نحو العاصمة البولندية، وارسو، بهدف حضور مؤتمر خارق للعادة تحت رعاية نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس. وقد التقى نتنياهو بوزراء خارجية المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولتين خليجيتين إضافيتين لا تربطهما أي علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل”.
تمثّل البند الرئيسي على جدول الأعمال في ضرورة احتواء إيران. وقد خلا هذا المؤتمر من الحضور الفلسطيني. وخلافا لهذه المحادثات، ظلت معظم الروابط القائمة بين “إسرائيل” والخليج سرية. في الواقع، قام مكتب نتنياهو بتسريب شريط فيديو لجلسة مغلقة، مما أحرج المشاركين العرب. وقد أعلن الاجتماع عن الحقيقة، التي حرص نتنياهو على الترويج لها في الخارج، والتي تقر بأن “إسرائيل” تحظى بشيء من القبول من طرف أكثر الدول ثراء في العالم العربي، رغم أن احتمال حل القضية الفلسطينية يعد في أدنى مستوياته في الوقت الحالي. ويعزى هذا التقارب غير المسبوق بشكل أساسي إلى العداء المشترك تجاه إيران، والسياسات المضطربة الجديدة لدونالد ترامب.
تتراكم الأدلة التي تثبت العلاقات الوثيقة بين “إسرائيل” وخمسة من الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي ليس لأي منها علاقات رسمية مع “إسرائيل”
في الواقع، لطالما كان العداء تجاه “إسرائيل” سمة مميزة للمشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، على خلفية تهجير أكثر من 700 ألف فلسطيني بهدف تأسيس “إسرائيل” في سنة 1948، وهي الأحداث التي يصفها العرب بالنكبة. مع ذلك، وعلى مرّ السنين، أخذ تضامن الدول العربية ومقاطعتهم “للكيان الصهيوني” في التلاشي. وقد اندلعت آخر حرب عربية إسرائيلية سنة 1973، كما استمرت معاهدات السلام الإسرائيلية مع مصر والأردن لعقود طويلة. بالتالي، تكتسي التطورات الحالية بين “إسرائيل” ودول الخليج أهمية كبرى.
في سياق متصل، تتراكم الأدلة التي تثبت العلاقات الوثيقة بين “إسرائيل” وخمسة من الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي ليس لأي منها علاقات رسمية مع “إسرائيل”. وقد ظهر هذا التغيير المتسارع من خلال أول زيارة خارجية لترامب كرئيس، إلى العاصمة السعودية، الرياض، حيث توجّه بعد ذلك مباشرة إلى تل أبيب. تجدر الإشارة إلى أن الآمال الأمريكية في الحصول على مساعدة السعوديين في “صفقة القرن” لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، قد تلاشت منذ ذلك الحين.
في المقابل، يسعى نتنياهو إلى تطبيع العلاقات مع السعودية. وتفيد التكهنات باحتمال عقد لقاء علني يجمعه بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. وستكون هذه اللحظة حاسمة ومثيرة لجدل واسع، ما دفع السعوديين إلى التأكيد على أن هذا اللقاء لن يتحقق. في الأثناء، تغاضى اللقاء مع نتنياهو في وارسو عن هذه التنديدات، ليتحوّل الوضع الشاذ إلى أمر عادي.
تتمثّل خطة نتنياهو في تعزيز العلاقات داخل الخليج وخارجه، وبالتالي، ممارسة التهميش والضغط على الفلسطينيين
في المقابل، كان الدافع الأصلي من وراء هذه العلاقات، التي تستمر في التطوّر بين “إسرائيل” ودول الخليج، قد أثار امتعاض باراك أوباما. وخلال السنوات الأولى من ثورات الربيع العربي، استفزّ أوباما السعودية والإمارات العربية المتحدة، وأثار انزعاج “إسرائيل”، بسبب تأييده التخلي عن الرئيس المصري، حسني مبارك، فضلا عن كونه قد أعرب لاحقا عن دعمه للانتفاضة الشعبية في سوريا، داعيا بشار الأسد إلى التنحي عن الحكم.
أما في سنة 2015، فقد عارضت “إسرائيل”ومعظم دول الخليج توقيع اتفاقية الأسلحة النووية مع إيران بقيادة الولايات المتحدة. وفي شهر أيلول/ سبتمبر من السنة ذاتها، كان تدخل روسيا العسكري في سوريا بمثابة بداية نهاية الأزمة بالنسبة للأسد. وقد اعتبرت كل من القدس والرياض وأبو ظبي، دعم طهران الثابت لحليفها في دمشق، وتأييدها لحزب الله في لبنان، أمرا مثيرا للاشمئزاز.
تتمثّل خطة نتنياهو في تعزيز العلاقات داخل الخليج وخارجه، وبالتالي، ممارسة التهميش والضغط على الفلسطينيين. في هذا الصدد، قال رئيس الوزراء الاسرائيلي: “لا تبدو الأشكال والمستويات المختلفة لهذا التعاون مرئية، غير أن ما خفي يعدّ أكبر بكثير من أي وقت مضى”. وقد علّق دوري غولد، وهو مستشار الأمن القومي السابق لنتانياهو، مبتسما: “لقد صيغت هذه الكلمات بعناية فائقة من أجل إعطاء رسالة إيجابية دون إفشاء السرّ”.
تولي السعودية وحلفائها الأهمية القصوى لمقاومة إيران، التي نجحت على امتداد السنوات القليلة الماضية في تعزيز موقعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وقد وصف محمد بن سلمان، ذا السمعة السيئة، آية الله والقائد الأعلى لإيران، علي خامنئي، بأنه “هتلر جديد”. ويقول أحد المحللين الإماراتيين: “لقد اعتدنا على رؤية “إسرائيل” كعدو غزا الدول العربية. الحقيقة الآن هي أن الإسرائيليين موجودون سواء أحببتم ذلك أم لا. كما تربطنا بها مصالح، وليست مشاعر، مشتركة بشأن إيران”.
من الناحية الرسمية، تواصل جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي الالتزام بمبادرة السلام العربية لسنة 2002، التي تهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا في الأراضي المحتلة سنة 1967، تتخذ من القدس الشرقية عاصمة لها
فضلا عن ذلك، تعترف العواصم الخليجية بمزايا العلاقات الأمنية والتكنولوجية والاقتصادية التي تربطها بـ”إسرائيل” التي تتمتّع بنفوذ وثقل. وتعتقد “إسرائيل” أن العلاقات مع الخليج وسيلة مهمة لتبرهن على نفوذها في واشنطن. وقد أشار النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، عيران ليرمان، إلى أنه: “من المشكوك فيه أن يكون حيّز المساعدات الأمريكية للدول العربية قد تواصل دون دعم أيباك (جماعة الضغط الرئيسية المناصرة لـ”إسرائيل” ) والمنظمات اليهودية”.
في الأثناء، لا تعني هذه المعطيات أن القضية الفلسطينية قد اختفت. وتظل كلمة “تطبيع” مصطلحا قذرا بالنسبة لملايين العرب. وبالتالي، يخشى القادة الأوتوقراطيون في دول الخليج، المعارضة الشعبية لصداقتهم الجديدة مع نتنياهو. ومن الناحية الرسمية، تواصل جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي الالتزام بمبادرة السلام العربية لسنة 2002، التي تهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا في الأراضي المحتلة سنة 1967، تتخذ من القدس الشرقية عاصمة لها.
لم تقتصر ملامح الواقع المتغير في الشرق الأوسط على لقاء نتنياهو بالسعوديين والإماراتيين في وارسو فحسب. ففي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي محادثات في العاصمة العمانية، مسقط، مع حاكمها السلطان قابوس بن سعيد. كما قامت زميلته في حزب الليكود ووزيرة الثقافة والرياضة، ميري ريغيف، بزيارة أبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة خلال اليوم التالي، بينما كان الرياضيون الإسرائيليون يتنافسون في الدوحة في إطار تظاهرة رياضية.
أُرفقت الأخبار حول زيارة نتنياهو إلى عُمان بتذكير بشأن احتمال ظهور رد فعل عكسي وعنيف، الأمر الذي تحقّق بالفعل، إذ قُتل ستة فلسطينيين وجُرح حوالي 180 آخرين على أيدي قناصة تابعين لجيش الدفاع الإسرائيلي على حدود قطاع غزة. وفي الأثناء، تتواصل احتجاجات أسبوعية في الوقت الحالي التي تندّد بالحصار الذي تفرضه “إسرائيل” على القطاع منذ سنة 2007.
فلسطينيون يتظاهرون على الحدود التي تفصل بين “إسرائيل” وقطاع غزة، في تشرين الأول/ أكتوبر 2018
تظهر الروابط مع دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال تمتع “إسرائيل” بحضور دبلوماسي رسمي وفريد من نوعه في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبو ظبي رغم أن كلا البلدين ينفيان وجود علاقات ثنائية بينهما. وقد أشار دبلوماسي إسرائيلي في سنة 2009 إلى أن الإماراتيين “يؤمنون بالدور الفعّال لـ”إسرائيل” بسبب إدراكهم للعلاقة الوطيدة التي تجمعها بالولايات المتحدة، علاوة على إيمانهم بإمكانية الاعتماد على “إسرائيل” ضد إيران”، مضيفًا أن “عرب الخليج يؤمنون عموما بقدرة “إسرائيل” على تحقيق المعجزات”.
منذ سنة 2016، شارك الإسرائيليون في مناورات عسكرية مشتركة مع القوات المسلحة لدولة الإمارات، في كل من الولايات المتحدة واليونان. وخلال السنة الماضية، أفادت تقارير بأن أفرادا من الجيش الإماراتي زاروا قاعدة جوية إسرائيلية بهدف مراجعة عمليات لطائرات حربية أمريكية الصنع من طراز إف 35، الأمر الذي أنكرته “إسرائيل”. ويُعتقد أن التعاون السري يشمل مراقبة جهاز الموساد الإسرائيلي لإيران، فضلا عن بيع طائرات دون طيار إسرائيلية مستخدمة في حرب اليمن.
تمثلت نقطة التحول الرئيسية في العلاقات بين “إسرائيل” ودول الخليج في حرب 2006 بين “إسرائيل” وجماعة حزب الله
بالنسبة لقطر المنشقة عن شبه الجزيرة، فهي تتسم بالاستقلالية لا سيما منذ أن فرض التحالف الذي يضم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر عليها حصارًا في سنة 2017. ويهدف هذا الحصار بالأساس إلى ممارسة الضغط على قطر بسبب دعمها للجماعات الإسلامية ونزعتها المتسامحة إزاء إيران. لكن، خلال السنوات القليلة الماضية، لعبت الدوحة دورا مهما كوسيط بين “إسرائيل” وحركة حماس، حيث قام مبعوث قطري بتسليم حقائب مليئة بملايين الدولارات مخصصة لدفع رواتب الموظفين، وتخفيف الأزمة الإنسانية المتفاقمة التي خلّفها الحصار الإسرائيلي على غزة. في الأثناء، توجه السلطة الفلسطينية، التي تسيطر على الضفة الغربية، انتقادات لاذعة لقطر على خلفية إضفاءها الشرعية على حركة حماس، أي المنافس الإسلامي للسلطة الفلسطينية.
تمثلت نقطة التحول الرئيسية في العلاقات بين “إسرائيل” ودول الخليج في حرب 2006 بين “إسرائيل” وجماعة حزب الله. وكان الصراع، الذي استمر على مدى 34 يوما، بمثابة التغيير في الديناميات الإقليمية. في هذا الصدد، أدانت الرياض توغل حزب الله لـ”إسرائيل” واختطاف اثنين من جنودها، واصفة هذه الأفعال “بالمقاومة غير المشروعة” و”بالمغامرة القائمة على سوء التقدير”. وقد وجّه بشار الأسد إهانات لحكام المملكة العربية السعودية ومصر والأردن واصفا إياهم “بأشباه رجال” بسبب عدائهم للجماعات المسلحة اللبنانية.
قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إلى جانب لوحة إعلانية تحمل صورة الزعيم الإيراني الراحل، “روح الله” الخميني، إثر الحرب بين “إسرائيل” وجماعة حزب الله، جنوب لبنان، في أيلول/ سبتمبر سنة 2006.
عندئذ، تكثفت العلاقات الدبلوماسية السرية بين “إسرائيل” والدول العربية الموالية للغرب. وفي منتصف أيلول/ سبتمبر سنة 2006، تنقّل رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إيهود أولمرت، إلى العاصمة الأردنية عمّان، للقاء الأمير بندر بن سلطان، الذي شغل منصب سفير السعودية في واشنطن منذ فترة طويلة، والمعروف باسم “بندر بوش” نظرا لعلاقاته الوثيقة بالعائلة الرئاسية في ذلك الوقت. وأثارت الأنباء حول هذا الاجتماع غضب السعوديين في الرياض، حيث عملوا على نفي هذه التسريبات، باعتبار أنه ما زالت علاقات “إسرائيل” السرية مع الدول العربية تعتبر قضية أمن قومي من قبل سلطات الرقابة العسكرية.
كان رئيس جهاز الموساد، مئير داغان، أحد الأطراف الأساسيين الداعمين للجانب الإسرائيلي، حيث نُسب له الفضل في فكرة الاستراتيجية الاستباقية لبناء تحالف مع شركاء عرب وغيرهم، والتي كانت غايتها جزئيا تمكين “إسرائيل” من اغتيال العلماء الإيرانيين وتخريب برنامج الأسلحة النووية لطهران. وفي هذا السياق، أخبرني أحد الدبلوماسيين الإماراتيين السابقين أن التهديد الإيراني الحالي كان له تأثير موحد، مقارنة بالغزو الذي شنه صدام حسين في الكويت سنة 1990، والذي أدى سابقا إلى فرض وجود عسكري أمريكي غير مقبول في المملكة العربية السعودية. وأضاف هذا الدبلوماسي السابق: “لو لم تكن القضية الفلسطينية موجودة، لكانت هذه العلاقة مع “إسرائيل” علنية للغاية، وموضع ترحيب كبير، لأننا نحتاج إلى معداتهم وتكنولوجيتهم العسكرية”.
لا زال هناك خلاف يُسمع صداه في كامل الخليج حول تصاعد التقارب مع “إسرائيل”
في السياق ذاته، قال جمال السويدي، مؤسس مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الحكومي، بكل صراحة: “لم تعد القضية الفلسطينية في طليعة اهتمامات العرب كما كانت منذ عقود طويلة، ولم تعد تحظى بالأولوية بشكل كبير في ضوء التحديات والتهديدات والمشاكل التي تواجهها بلدان المنطقة”. وأضاف السويدي أن مسألة “إسرائيل” لا تقارن “بالتهديدات التي تشكلها كل من إيران وحزب الله والجماعات الإرهابية”.
لا زال هناك خلاف يُسمع صداه في كامل الخليج حول تصاعد التقارب مع “إسرائيل”، حيث أصر عبد الخالق عبد الله، وهو مختص في السياسة من دبي، على القول: “أنا ضد سياسة التطبيع”. وتنكشف الأولويات التي تعتمدها الإمارات من خلال الضوابط الصارمة التي تفرضها هذه الدولة على وسائل الإعلام. فالمواقع الإخبارية التابعة لقطر وإيران محظورة، ولكن المواقع الإلكترونية الإسرائيلية ليست كذلك.
إلى جانب الاحتقار المشترك لإيران، تُعرف دول الخليج و”إسرائيل” بعدائها المشترك للأحزاب الإسلامية، إذ تعمد وسائل الإعلام العربية والإنجليزية، المرتبطة بالإخوان المسلمين وتركيا وقطر، بشكل روتيني إلى كشف الروابط التي تجمع بين دولة الإمارات و”إسرائيل”، على غرار قناة “الجزيرة” التي يقع مقرها في قطر، وموقع “ميدل إيست آي” في لندن. وفي المقابل، يردّ الإماراتيون مذكرين بأن أول بعثة إسرائيلية على الإطلاق في الخليج، انطلقت من قطر، بعد بداية العمل باتفاقية أوسلو سنة 1996.
تقدر قيمة التجارة الإسرائيلية مع دول الخليج بمليار دولار سنويا، رغم عدم توفر أي إحصاءات رسمية من قبل الطرفين
من جهة أخرى، بقيت العديد من التطورات المهمة في العلاقة بين “إسرائيل” والخليج مخفيّة، لأنها محاطة بمواقف عامة متناقضة، وأحيانًا أكاذيب مطلقة. وفي كانون الأول/ديسمبر سنة 2008، قُتل نحو 1400 فلسطيني في غزة خلال “عملية الرصاص المصبوب” التي شنها الجيش الإسرائيلي، حيث انتقد السعوديون “إسرائيل” علانية. ولكن بعد مرور مدة قصيرة، بدا أن الرياض تدعم شن المزيد من العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد حماس، في شكل غارات جوية على قوافل الأسلحة الإيرانية في السودان المتوجهة نحو غزة.
حاليا، تقدر قيمة التجارة الإسرائيلية مع دول الخليج بمليار دولار سنويا، رغم عدم توفر أي إحصاءات رسمية من قبل الطرفين. ووفقًا لدراسة جديدة مفصلة، توفر هذه التجارة أرباحا هائلة في مجال التكنولوجيا، وخاصة الأمن السيبراني والري والإمدادات الطبية وصناعة الماس، والتي قد تبلغ قيمتها 25 مليار دولار سنويًا. كذلك، يسافر رجال الأعمال الإسرائيليون، الذين يستخدمون جوازات سفر أجنبية، بانتظام إلى الإمارات، وعادةً على متن رحلات جوية تجارية عبر عمان.
في سنة 2012، وعندما انتهك المخترقون نظام الكمبيوتر الخاص بشركة “أرامكو” السعودية، وهي شركة النفط الوطنية، لجأ السعوديون لطلب مساعدة الشركات الإسرائيلية
علاوة على ذلك، قدمت شركة “آسيا غلوبال تكنولوجي”، التي أسسها ماتي كوتشافي، معدات مراقبة بقيمة 800 مليون دولار لحماية حدود الإمارات وحقول النفط، حيث نفى المسؤولون الإماراتيون أن هذا القرار سياسيٌ، وأكدوا أنه يخدم مصالح الأمن القومي فقط. وعلى غرار الإماراتيين، عمل السعوديون على إشراك الشركات الإسرائيلية في كنف السرية، لا سيما في المجال الأمني. وقد كانت إحدى الشركات الإسرائيلية متعاقدة من الباطن في مشروع الجدار عالي التقنية الذي شيّد سنة 2014 من قبل شركة الدفاع الأوروبية العملاقة “الشركة الأوروبية للصناعات الجوية” على طول الحدود الفاصلة بين المملكة والعراق.
في سنة 2012، وعندما انتهك المخترقون نظام الكمبيوتر الخاص بشركة “أرامكو” السعودية، وهي شركة النفط الوطنية، لجأ السعوديون لطلب مساعدة الشركات الإسرائيلية. وفضلا على ذلك، قيل إن “إسرائيل” باعت طائرات دون طيار إلى السعودية، لكنها أنكرت بيعها لنظام الدفاع الجوي المسمى “بالقبة الحديدية” لحماية المملكة من الهجمات الصاروخية التي يشنّها المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن.
صورة المباني التي أصابتها صواريخ الحوثيين في نجران، المملكة العربية السعودية، آب/ أغسطس 2016
بالإضافة إلى ما سبق، يتميّز التعاون الاستخباراتي بين “إسرائيل” ودول الخليج أيضا بالسرية، على الرغم من أن السياسيين والمسؤولين الإسرائيليين أحيانا ما يثيرون هذه المسألة، كما تؤكد المصادر الغربية وجود مثل هذا التعاون. من جانبهم، أفاد متحدثون سعوديون غير رسميين أن التعاون مع “إسرائيل” يقتصر على موضوع إيران ومكافحة الإرهاب ويشتكون من أن الإسرائيليين يبالغون في وصف حجم هذا التعاون لغايات دعائية. كما تعتقد الحكومات الأجنبية المقربة من كلا البلدين أنهما يخفيان خط اتصال مباشر لحالات الطوارئ وهم على اتصال دائم.
في سنة 2013، التقى بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات العامة السعودية آنذاك، برئيس جهاز الموساد، تامير باردو، خلال ما وصفه مصدر بريطاني هام بأنه “عشاء مطوّل” في أحد فنادق نايتسبريدج. وحسبما ورد في نشرة إخبارية متخصصة في الاستخبارات في سنة 2016: “لم يكن هناك مثل هذا التعاون النشط بين البلدين، من حيث التحليل والذكاء البشري ومعارضة إيران والحركات الموالية لها مثل حزب الله والحوثيين”.
في ظل تسلّم الملك سلمان للعرش سنة 2015، تضاعفت بوادر تعميق العلاقات السعودية الإسرائيلية، كما تعمّقت أكثر من ذلك منذ ترشيح الأمير محمد بن سلمان ليكون ولي العهد
أما من وجهة نظر السعودية، فهناك شكاوى حول عدم تكافؤ العلاقة بين الطرفين، إذ أن “إسرائيل” لا تستجيب دائمًا لطلبات الاستخبارات، حتى عند إرسالها من طرف الولايات المتحدة. ومن جهة أخرى، هناك بالفعل دلائل على وجود نقاش داخلي في “إسرائيل” حول قيمة هذه المعاملات مع المملكة، كما تفتقر العلاقة بين الطرفين للثقة، إذا أشار أحد العملاء السابقين في المخابرات إلى أن “الإسرائيليين ما كانوا ليقدموا للسعوديين معلومات حساسة لأنهم ليسوا واثقين من أن السعوديين سيحمون المصدر، وهذا من شأنه أن يخلق مشكلة خطيرة في مكافحة المعلومات الاستخباراتية”.
في ظل تسلّم الملك سلمان للعرش سنة 2015، تضاعفت بوادر تعميق العلاقات السعودية الإسرائيلية، كما تعمّقت أكثر من ذلك منذ ترشيح الأمير محمد بن سلمان ليكون ولي العهد. وفي كانون الأول/ديسمبر 2017، قوبل قرار ترامب المفاجئ بنقل السفارة الأمريكية في “إسرائيل” من تل أبيب إلى القدس، منتهكًا إجماعًا دوليًا طويل الأمد، بردّ صامت من طرف الرياض. وأشارت التسريبات اللاحقة إلى الدور الرئيسي الذي لعبه السعوديون في الضغط على الفلسطينيين.
ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان
في آذار/مارس 2018، سُمح لأول رحلة جوية تجارية من دلهي إلى تل أبيب بعبور المجال الجوي السعودي لأول مرة، ما أكد الرواية التي روّج لها نتنياهو بشغف، وهي أن العلاقات مع الدول العربية الرئيسية “تتحسن إلى أبعد من الخيال” بغض النظر عن القضية الفلسطينية. وفي المقابل، عانت هذه العلاقات من ضربة قوية على إثر مقتل جمال خاشقجي في إسطنبول في تشرين الأول/أكتوبر سنة 2018. وظلّت الحكومة الإسرائيلية صامتة في البداية، ثمّ أعرب نتنياهو عن أسفه الشديد حول الحادث “المروّع”، لكنه أكّد على أهمية الحفاظ على استقرار السعودية.
استنتج محلل عربي في أبو ظبي أن “الجميع على علم بتقرّب الدول من “إسرائيل”، لكن لا أحد يستطيع إثارة هذه المسألة علنًا”
في المقابل، تحرص المملكة على التحفظ والتكتم على علاقتها بـ” إسرائيل” أمام العلن. وخلافا لدولة الإمارات والبحرين وقطر، ترفض السعودية السماح للإسرائيليين بحضور الأحداث الرياضية الدولية. وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عارض السعوديون، إلى جانب جميع الدول العربية الأخرى، قرار الأمم المتحدة الذي يدين حماس. لقد تغيرت مواقف الحكومات الخليجية بشكل واضح، لكن خلاصة القول هي أن “إسرائيل” قد فشلت في تقديم الحوافز الكافية للسعوديين وحلفائهم ليكشفوا عن هذه العلاقات أمام العلن.
في هذا السياق، استنتج محلل عربي في أبو ظبي أن “الجميع على علم بتقرّب الدول من “إسرائيل”، لكن لا أحد يستطيع إثارة هذه المسألة علنًا”، وهو ما اتفق حوله العديد من الإسرائيليين. من جهته، جادل مدير جهاز الموساد السابق بأن العلاقات السرية المريحة لن تكون أبدا بديلاً مناسبا عن المشاركة العامة، مكررًا أنه دون تقديم تنازلات كبيرة كافية للفلسطينيين، ستظل علاقات “إسرائيل” مع الدول العربية محدودة، ومتمركزة حول الأمن والسرية.
المصدر: الغارديان