خيب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ظن من كان من الجزائريين ينتظر أن تحمل رسالته بمناسبة ذكرى عيد النصر استجابة لأصوات المشاركين في الحراك الشعبي الرافضين للقرارات التي اتخذها مؤخرًا، خاصة ما تعلق بتمديد ولايته الرابعة إلى تاريخ غير محدد، فقد تمسك الرئيس المطالب بالرحيل بورقة الطريق التي قدمها سلفًا، في وقت يزداد عدد الملتحقين بحراك الشارع وتتجدد خطابات قائد أركان الجيش المؤكدة للعلاقة الوطيدة التي تربط الشعب بجيشه.
وتعيش الجزائر منذ 22 من فبراير/شباط الماضي حراكًا شعبيًا طالب في بدايته بعدم ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة، الأمر الذي جعل الأخير يستجيب لهذا المطلب ويؤجل الرئاسيات، لكن مع تمديد عهدته الرابعة الحالية التي تنتهي في 27 من أبريل/نيسان المقبل، وهو ما رفضه الجزائريون وأصبحت البلاد تعرف يوميًا مسيرات واحتجاجات تندد بتصرفات النظام.
إصرار
تجاهل بوتفليقة في رسالته للجزائريين بمناسبة إحياء ذكرى عيد النصر الموافق 19 من مارس/آذار ما عبر عنه الشارع الجمعة الماضي عندما خرج الشعب في مسيرات رافضة لتمديد العهدة الرابعة، وللقرارات التي اتخذها في رسالة إعلان تأجيل الرئاسيات.
تظهر رسالة بوتفليقة الشرخ الكبير الموجود بين ما تراه السلطة ممثلة في بوتفليقة أنه الحل وما يناضل من أجله الجزائريون
وقال بوتفليقة: “بلادنا مقبلة على تغيير نظام حكمها وتجديد منهجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، على يد الندوة الوطنية الجامعة التي ستعقد في القريب العاجل بمشاركة جميع أطياف الشعب الجزائري”، وبين بوتفليقة أن “مهمة هذه الندوة مهمة حساسة لأنها هي التي ستتخذ القرارات الحاسمة الكفيلة بإحداث القفزة النوعية التي يطالب بها شعبنا وخاصة أجيالنا الشابة، القفزة التي ستتجسد مـن خلال تعديل دستوري شامل وعميق سيبت فيه الشعب عن طريق الاستفتاء، تعديل يكون منطلقًا لمسار انتخابي جديد مبتداه الانتخاب الرئاسي الذي سيأتي للبلاد برئيسها الجديد”.
وأضاف الرئيس الذي يحكم البلاد منذ 1999 أنه “سيخول للندوة الوطنية الجامعة أن تتداول بكل حرية بشأن المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، مستقبل مثقل بالتحديات في هذا المجال، مستقبل في حاجة حقًا إلى إجماع وطني حول الأهداف والحلول لبلوغ تنمية اقتصادية قوية و تنافسية، تنمية تضمن الاستمرار في نمطنا الاجتماعي المبني على العدالة والتضامن”.
وأردف بوتفليقة قائلاً “صحيح أن للجزائر جيشًا وطنيًا شعبيًا سليل جيش التحرير الوطني، جيشًا يتميز بالاحترافية العالية، وبروح التضحيات المثالية، إلا أن أمن البلاد واستقرارها في حاجة كذلك إلى شعب يرقى إلى مستوى تطلعاته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويحرص على استجماع ما يسند به ويعـزز ما يبذله جيشنا حاليًا في سبيل حماية الجزائر من المخاطر الخارجية، لكي يتمتع هو بالعيش في كنف الاستقرار والسكينة”.
على عكس بوتفليقة الذي تجاهل حراك الجزائريين، جدد رئيس أركان الجيش التأكيد على الرابط المتين الذي يربط المؤسسة العسكرية بشعبها
وتظهر رسالة بوتفليقة الشرخ الكبير الموجود بين ما تراه السلطة ممثلة في بوتفليقة أنه الحل وما يناضل من أجله الجزائريون، ففي وقت يصر الحراك الشعبي على بناء جزائر جديدة لا يكون لبوتفليقة فيها مكانًا، يصر الرئيس على الإجابة بعبارة واحدة “إني ها هنا من الباقين”.
حصن
وعلى عكس بوتفليقة الذي تجاهل حراك الجزائريين، جدد رئيس أركان الجيش التأكيد على الرابط المتين الذي يربط المؤسسة العسكرية بشعبها، وقال قايد صالح خلال زيارة عمل وتفتيش قادته إلى قطاعات ووحدات الناحية العسكرية الثالثة ببشار (جنوب البلاد): “لقد أثبت الشعب الجزائري اليوم، في هذه الظروف الحاليّة، حسًا وطنيًا بل وحضاريًا بالغ الرفعة، ينم عن وعي شعبي عميق أذهل الجميع في أصقاع العالم افة، ففي ظل هذا الوعي المدرك لقدسية الوطن ولأمنه واستقراره، أجدد اليوم ما تعهدت به أمام الله وأمام الشعب وأمام التاريخ، بأن الجيش الوطني الشعبي سيكون دومًا، وفقًا لمهامه، الحصن الحصين للشعب والوطن في جميع الظروف والأحوال”.
وفي رسالة قد تفهم على أنها موجهة لانتقاد الحكومة التي لم تستطع حتى اللحظة إخماد غضب الشارع، قال قايد صالح: “فكل ذي عقل وحكمة، يدرك بحسه الوطني وببصيرته البعيدة النظر، بأن لكل مشكلة حل، بل، حلول، فالمشاكل مهما تعقدت لن تبقى من دون حلول مناسبة، بل، وملائمة، هذه الحلول التي نؤمن أشد الإيمان بأنها تتطلب التحلي بروح المسؤولية من أجل إيجاد الحلول في أقرب وقت، بإذن الله تعالى وقوته”.
رغم عبارات الود والترابط التي تحملها كلمات رئيس الأركان في كل مرة تجاه الشعب، يبقى موقفه كمن يمسك العصا من الوسط
وفي الرسالة التي لم يذكر فيها اسم بوتفليقة أو صفته تلميحًا أو تصريحًا على غير العادة، قال قايد صالح: “الأمل في أن تبقى الجزائر دائمًا وأبدًا فوق كل التحديات، هو أمل قائم ودائم، أمل يتجدد في النفوس والوجدان وينبعث في القلوب والأذهان، أمل يحمل في طياته البشرى بغد أفضل وبالقدرة على ربح الرهانات كل الرهانات، هذا الاستبشار بالمستقبل الأفضل الذي يفتخر الجيش الوطني الشعبي، بأنه من صناعه، وبأنه يستلهم هذه القدرة من قربه من شعبه ومن خزان التقارب الذي يختزنه هذا الشعب العظيم حيال قواته المسلحة“.
وختم رئيس أركان الجيش رسالته بالتذكير بأنه “ولطالما ركزت في مداخلاتي على العلاقة الوطيدة التي تربط الشعب الجزائري بجيشه، الذي هو جزء لا يتجزأ منه، ومن هذا المنطلق بالذات، فإن ثقتي في حكمة هذا الشعب، وفي قدرته على تجاوز كل الصعاب مهما كانت طبيعتها، غير محدودة بل ومطلقة، وإني على يقين تام أن الشعب الجزائري الذي لطالما وضع مصالح البلاد فوق كل اعتبار، يحوز ويملك من الإمكانات الضرورية لجعل بلده يتفادى أي وضع صعب من شأنه أن يستغل من أطراف أجنبية لإلحاق الضرر به”.
ورغم عبارات الود والترابط التي تحملها كلمات رئيس الأركان في كل مرة تجاه الشعب، يبقى موقفه كمن يمسك العصا من الوسط، ففي وقت تدعوه المعارضة للعب دور في عملية الانتقال الديمقراطي والتخلي عن نظام بوتفليقة، تقف مهام المؤسسة العسكرية التي يحددها الدستور حاجزًا في الاستجابة لها، خاصة في وجود الرهانات الأمنية التي تقف على حدود البلاد من كل جانب، وكذا لتجنب أي تأويل قد يصف تدخل الجيش في السياسة على أنه انقلاب أو تجاوز لما يسمح به الدستور.
مشاورات
في ظل هذا التشبث من بوتفليقة بعدم الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي، ووقوف المؤسسة العسكرية على مسافة واحدة مما يحدث، تتجه الأنظار في البلاد أيضًا للمشاورات التي يجريها الوزير الأول نور الدين بدوي لتشكيل حكومة لن تكون مستقلة كما أشيع من قبل.
رفضت نقابات التعليم العالي والتربية الدعوة التى تلقتها من بدوي للمشاركة في مشاورات تشكيل الحكومة، مرجعة ذلك إلى أنها تفضل أن تكون في هذه اللحظة من تاريخ البلاد إلى جانب حراك الشعب
وحسب ما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، فقد باشر بدوي ونائبه رمطان لعمامرة الأحد الماضي مشاورات لتشكيل حكومة جديدة تضم “كفاءات وطنية بانتماء أو دون انتماء سياسي”، وأوضح المصدر أن الحكومة الجديدة “ستعكس بشكل معتبر الخصوصيات الديمغرافية للمجتمع الجزائري”.
وتمحورت جلسة عمل عقدها بدوي ولعمامرة حول بنية الحكومة المقبلة، على أمل أن توسع المشاورات الجارية لممثلي المجتمع المدني والتشكيلات والشخصيات السياسية الراغبة في ذلك بغية التوصل إلى تشكيل حكومة منفتحة بشكل واسع، لكن التخوف من المشاركة في حكومة بدوي في ظل الرفض المتواصل من الحراك الشعبي لها، فتح الباب لكثير من الإشاعات على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها إمكانية الاستغناء عن بدوي وإسناد المهمة للوزير الأول السابق عبد المجيد تبون.
إلى أن يعلن بدوي حكومته وبرنامجها الاستعجالي الذي ستقدمه، يبقى مطلب الجزائريين منصبًا بالدرجة الأولى على بوتفليقة المدعو لإيجاد حل لأزمة كان أول المتسببين فيها، لكن دون الإقدام على تمديد ولايته الحاليّة
ورفضت نقابات التعليم العالي والتربية الدعوة التي تلقتها من بدوي للمشاركة في مشاورات تشكيل الحكومة، مرجعة ذلك إلى أنها تفضل أن تكون في هذه اللحظة من تاريخ البلاد إلى جانب حراك الشعب المطالب برحيل بوتفليقة وليس الاصطفاف مع من يؤيدون التمديد له.
أما نجم كرة القدم السابق عنتر يحيى ذو الشعبية الكبيرة في البلاد لأنه كان وراء هدف التأهل للمونديال في 2010 على حساب مصر في مباراة أم درمان الفاصلة، فنفى أن يكون ممن عرضت عليهم حقيبة وزارة الشبيبة والرياضة، ودعا الجميع إلى عدم إقحام اسمه في إشاعات في مرحلة مهمة تعيشها بلاده.
وإلى أن يعلن بدوي حكومته وبرنامجها الاستعجالي الذي ستقدمه، يبقى مطلب الجزائريين منصبًا بالدرجة الأولى على بوتفليقة المدعو لإيجاد حل لأزمة كان أول المتسببين فيها، لكن دون الإقدام على تمديد ولايته الحاليّة، كون ذلك سيكون التفافًا على إعلانه عدم الترشح لولاية خامسة، حتى ولو كان بحجة بحثه عن خروج لا يكون من الباب الضيق، لأن ما يهم في مثل هذه الظروف هو عدم الزج بالبلاد في طريق مسدود وليس التفكير في خاتمة رجل رفض في عديد المرات المغادرة من الأبواب الواسعة.