بالمشاركة مع عمّارة عمروس
كشف الحراك الشعبي في الجزائر منذ بدايته عن مجموعة من الخصائص، مما جعله يتميز عن غيره من موجات الحراك الاجتماعي والسياسي التي عرفتها دول عربية أخرى منذ 2011، من أبرز هذه الخصائص ما يلي:
سلمية المسيرات الشعبية
وهي الصفة الأولى التي طغت على الحراك الجزائري منذ بدايته، ومن خلال قراءة تحليلية ومعمقة لخصوصية الحالة الجزائرية يمكن استنتاج أن الشعب الجزائري استفاد من تراكمات الماضي وعدم جدوى العنف في العملية الانتقالية وفي تحقيق المطالب (أحداث أكتوبر 1988، فترة الإرهاب منذ 1992، أحداث الحراك العربي).
عنصر الدقة والتنظيم
تميزت مسيرات 22 من فبراير و1 من مارس و8 من مارس و15 من مارس 2019 بمستوى عالٍ من الدقة والتنظيم، سواء من حيث الأماكن المتفَق على الالتقاء والتجمع فيها وسط العاصمة، وفي المحافظات الأخرى، وعبر الجامعات بالنسبة للطلبة، أو من حيث التوقيت، فمسيرات الجمعة من كل أسبوع عادةً ما تبدأ بعد صلاة الظهر وتنتهي في حدود السادسة مساءً.
يتميز الحراك الجزائري بمستوى عالٍ من الوعي والتحضر، وهو ما دلّت عليه مؤشرات عديدة مثل تقديم الورود لرجال الأمن، وتنظيف الشوارع بعد الفراغ من المسيرات
الحشد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي
لعبت صفحات الفيسبوك دورًا أساسيًا في نشر الفكرة والوعي بين المواطنين، وحشد الجماهير وحثها على أخذ الاحتياطات اللازمة كعدم الاصطدام مع أجهزة الأمن، وعدم الاستماع إلى الشعارات المنادية بالعنف والشغب، ويشارك في الحراك الجزائري كل الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية، وفئات من المستويات التعليمية والثقافية كافة، رجالاً ونساءً، ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي (خاصة فيسبوك) في حشدها.
الوعي والروح الحضارية
يتميز الحراك الجزائري بمستوى عالٍ من الوعي والتحضر، وهو ما دلّت عليه مؤشرات عديدة مثل تقديم الورد لرجال الأمن، وتنظيف الشوارع بعد الفراغ من المسيرات (رمزية الحراك)، وتجنب استخدام أساليب الشغب والعنف اللفظي أو المادي.
توحيد الشعارات والمطالب
ما ميز الحراك أيضًا هو توحُّد الشعارات التي رفعها المواطنون، ونادوا من خلالها بالتغيير الجذري للحكومة، والإصلاحات الشاملة لكل المجالات (سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا).
تدرّجت المطالب الشعبية من المطالبة بعدم ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة إلى المطالبة بإسقاط الحكومة والنظام ككل
عنصر الوحدة الوطنية
عكس الحراك الجزائري صورة إيجابية عن الوحدة الوطنية، بحيث لم تظهر شعارات عنصرية وإثنية ومحرّضة إلا نادرًا ومن دون أهمية، فقد تمكن الحراك في الجزائر من توحيد الصفوف وتجاوز معيار الجهوية والعرقية والإثنية، فضلاً عن تأكيد الصلة الوثيقة بين الجيش والشعب من خلال شعارات أبرزها “جيش – شعب – خاوة خاوة”، وهي خاصية كفيلة بأن تجعل الحراك يستمر بنفس الوتيرة (السلمية والإصرار)، حتى يتمكن من تحقيق مطالبه كافة.
لقد تدرّجت المطالب الشعبية من المطالبة بعدم ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة إلى المطالبة بإسقاط الحكومة والنظام ككل، وفي حين تحقق المطلب الأول (إقرار الرئيس بوتفليقة الأسبوع الفارط بعدم ترشحه) لا تزال المطالب الأخرى قيد الانتظار، مع التعامل بحذر مع قرار الحكومة بتأجيل الانتخابات الرئاسية وعقد ندوة وطنية لرسم معالم المرحلة الانتقالية، لذلك فإن الحراك لم يتوقف، مُعبّرًا عن رفض الالتفاف حول مطالبه وحصرها في رفض عهدة خامسة للرئيس بوتفليقة.
خاصية أخرى هي أن الحراك في الجزائر أتى متأخرًا نسبيًا عنه في الدول العربية التي عاشت حراكًا واسعًا منذ 2011، خاصة دول الجوار، ولكن التوقيت حاليًّا هو الأنسب بالنظر إلى الاستفادة من أخطاء الشعوب المجاورة والعمل على عدم تكرارها، فنجاح الحراك له شروطه وضوابطه، وقد يتحقق بالأساليب السلمية والحضارية ما لا يتحقق بالعنف الذي لا يزيد الأوضاع إلا احتقانًا وسوءًا.
الشعب الجزائري استفاد من أخطاء الماضي وأخطاء الغير ليقدم صورة إيجابية عنه ويزيد من مصداقية مطالبه ويعكس درجة عالية من الوعي واستيعاب الدروس
ما ميز الحراك الجزائري كذلك هو عدم تحريكه من أطراف خارجية، على عكس ما حاولت بعض الفئات تصويرَه وتأكيده، وتظل نظرية المؤامرة هشة في ظل ما باتت تعيشه شعوب المنطقة العربية من كبت، وأزمة ثقة في السلطة، وعدم استقرار سياسي، وتدهور في الظروف الاجتماعية والاقتصادية.
هذه الخصائص وغيرها التي لازمت الحراك الشعبي الجزائري منذ بدايته جعلته يتّصف بالرقي ويكشف وعي المتظاهرين وتخطيطهم الجاد لإنجاح الحراك وتحقيق المطالب كافة، وقد أصبحت الحالة الجزائرية استثنائية في المنطقة العربية بالنظر إلى جملة الخصائص التي تم ذكرها، فالشعب استفاد من أخطاء الماضي وأخطاء الغير ليقدم صورة إيجابية عنه ويزيد من مصداقية مطالبه ويعكس درجة عالية من الوعي واستيعاب الدروس.