في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد العالمي من مخاطر التعاملات الرقمية في الآونة الأخيرة لما ينتابها من قصور تشريعي وسلبية تداعياتها، أطلقت الدوحة بالأمس أول منصة إلكترونية إسلامية لتبادل العملة الرقمية المدعومة بالذهب تحت اسم “آي-دينار” (I-DINAR).
إعلان هذه المنصة جاء على هامش أعمال المؤتمر الدولي الخامس للمال الإسلامي المنعقد حاليًّا في الدوحة تحت عنوان “التمويل الإسلامي والعالم الرقمي” الذي يستعرض تجارب البنوك المركزية في ظل ما يشهده العالم اليوم من تحولات كبرى على صعيد المال والأعمال بسبب ما أحدثته تكنولوجيا المعلومات من تطور هائل وكبير، مما دعا المؤسسات المالية والمصرفية إلى المسارعة في دراسة فرصها المستقبلية وإمكانية التحول إلى العالم الرقمي.
هذا الإنجاز الذي يعد سابقة في عالم الأعمال والتكنولوجيا هو نتاج عمل ودراسات واجتماعات مكثفة بين فريق عمل متميز من مركز قطر للمال بقيادة سعادة يوسف الجيدة الرئيس التنفيذي وسعادة خالد بن أحمد السويدي رئيس مجلس إدارة مجموعة قاف القابضة ومؤسسة Ibadah Inc الماليزية.
العديد من علامات الاستفهام فرضت نفسها عقب الإعلان عن تلك المنصة خاصة أن هناك تجارب عدة في مضمار المعاملات المالية الرقمية، ما دفع البعض إلى التساؤل عن الجديد الذي تقدمه هذه الخدمة مقارنة بغيرها ومدى قدرتها على معالجة أوجه القصور التي انتابت التجارب الأخرى.
ما الجديد؟
لم تكن منصة “آي-دينار” هي الأولى من نوعها في مجال رقمنة المعاملات المالية، إذ شهد عالم الأعمال منذ فترة ثورة جديدة من نوع آخر، تمثلت في ظهور ما يسمى بالعملة الإلكترونية، وهي عملات رقمية افتراضية يتم استخدامها في المبادلات والمعاملات المالية كالحوالات المالية والدفع المباشر إلكترونيًا أي أنها تستخدم فقط عبر الشبكة العنكبوتية.
العشرات من هذا النوع من المعاملات فرض نفسه على الساحة خلال السنوات القليلة الماضية على رأسه البيتوكين ولايتكوين وفاكوين ونيمكوين وبيركوين وفزركوين، حيث تتحدد أهمية كل عملة رقمية حسب عدد المُستخدمين وبنية كل شبكة والمواقع التي يتم مبادلتها فيها.
هذه المعاملات أثارت الكثير من الجدل منذ انطلاقها وذلك لما تحمله من مخاطر وعيوب على رأسها عدم وجود تشريعات تنظم التعامل بها وتحفظ حقوق مستخدميها، بخلاف كونها عملة ذات قيمة متذبذبة على المدى القصير، إضافة إلى قلة المواقع والمتاجر التي تقبل التعامل به وعدم وجود اعتراف دولي كامل بهذه العملة.
الغرض الذي أنشئت تلك المنصة من أجله هو تسهيل وتنفيذ العمليات المالية الرقمية متعددة المنتجات
بخلاف المخاطر المالية المترتبة على تلك المعاملات، فهناك مخالفات شرعية بشأنها، إذ صدرت العديد من الفتاوى التي تحرم التعامل بها، ففي يناير الماضي أصدر مفتي مصر فتوى تحرّم استخدام عملة “بتكوين” الرقمية لما تنطوي عليه من “مخاطر عالية على الأفراد والدول”.
وعلى العكس من ذلك، تعتمد منصة “آي- دينار” في مفهومها على كونها رمزًا إلكترونيًا قائمًا على أساس تبادل العملة الرقمية حيث يتم دعم قيمتها الأولية البالغة دينار مقابل جرام من الذهب أي أنها ليست عملة رقمية فحسب ولكن لها مقابل عيني حقيقي من الذهب.
ومن جانب آخر لا يعد رمز I-Dinar الرقمي فقط كشكل من أشكال محفظة الذهب الإلكترونية فقط، ولكن مع التقدم الملحوظ والمستمر في تكنولوجيا سلسلة التبادل الإلكتروني، يمكن استخدام (آي- دينار( (I-DINAR) كقاسم مشترك لتنفيذ وتسوية العديد من العمليات المالية وأعمال الصرف والتجارة.
أما فيما يتعلق بالبُعد الديني في الموضوع فتحقق المنصة مبدأ الحفاظ على الأصول المملوكة للعميل وسرعة تنفيذ أي عمليات مالية أو تجارية بأمان تام وطبقًا للشريعة الإسلامية، وهو العنصر الذي كان غائبًا عن التجارب الأخرى، ومن ثم تقدم الدوحة من خلال هذه العملة أحدث مفهوم وتكنولوجيا خاصة بتبادل العملات الإلكترونية متميزة عن غيرها في جودة التكنولوجيا والمعايير المطبقة، علاوة على أن تلك العملة تعكس قيمة حقيقية يمكن الحصول عليها في أي وقت.
مخاطر عديدة شهدتها العملة الرقمية “البيتكوين”
ما الهدف؟
تعد مبادرة المنصة مؤشرًا واضحًا على إدارك قطر للمتغيرات والمتطلبات المستقبلية رغم كل التحديات التي تواجهها، حسبما أشار رئيس مجلس إدارة مجموعة قاف القابضة خالد السويدي الذي يرى هذه الخطوة دليلاً على تقدم الوعي والثقافة الاقتصادية للقطريين.
السويدي أضاف أن هذا يعد إنجازًا غير مسبوق على أرض الواقع لتطوير التعاون والتجارة والازدهار الاقتصادي والثروة للعالم الإسلامي في مواجهة تحديات العصر والتطور الاقتصادي الرقمي السريع بصفة خاصة، في الوقت الذي لا يزال قطاع كبير من اقتصادات العالم يعاني من مخاطر التكنولوجيا وتداعياتها السلبية.
قدرة المنصة على تلافي كل العيوب وأوجه القصور التي انتابت التجارب السابقة مؤشر جيد على ما يمكن أن تحققه من انتشار ومصداقية خلال المرحلة المقبلة
أما عباس علي المتحدث باسم مؤسسة Ibadah Inc الماليزية، أحد الكيانات المشاركة في تصميم المبادرة، فيشير إلى أن الغرض الذي أنشئت تلك المنصة من أجله هو تسهيل وتنفيذ العمليات المالية الرقمية متعددة المنتجات التي تسمح بتداول (آي- دينار( (I-DINAR) مع أو مقابل أي سلع أو منتجات أخرى أو عملات مشفرة أو أي مجموعة من الحلول والأدوات المالية وكذلك العقود المالية والتجارية من أي مكان وفي أي وقت على مستوى العالم بسهولة ويسر، كما أن هذا المشروع يعد ثورة تكنولوجية هائلة كونها أول تبادل رقمي “مختلط” من نوعه في العالم، مستخدمًا رمزًا رقميًا مدعومًا بالذهب وله قيمة حقيقية.
تعد المنصة نقلة نوعية في رقمنة المال الإسلامي
المستقبل إلى أين؟
قدرة المنصة على تلافي كل العيوب وأوجه القصور التي انتابت التجارب السابقة مؤشر جيد على ما يمكن أن تحققه من انتشار ومصداقية خلال المرحلة المقبلة، كون آي- دينار بشكلها الحاليّ اجتازت كل مراحل الاختبار حتى من خلال المعايير الإسلامية في التعامل بالعملات كونها عملة حقيقية لها رصيد حقيقي تشابه العملات الورقية المدعومة برصيد من الذهب، فهذه العملة أخذت معايير القبول العالمي والتطور التكنولوجي من حيث الدقة والأمان.
المشاركون في المبادرة يتوقعون أن تحقق صدى واسع النطاق في فترة قصيرة، لا سيما أنها تحقق هدفين غاية في الأهمية، الأول: الحصول على عملة رقمية متطورة ولها ثقة لدى العملاء وهي عملة حقيقية وليست افتراضية، ولهذا معيار مصداقية كبير لدى المتعاملين، أما الثاني: فيتمثل أن العملة بشكلها الجديد رغم كونها رقمية فإنها تحتفظ بقيمتها من الذهب، مما سيزيد ثقة العلماء في التعامل، ويقلل من نسب المخاطرة والتقلب وهو العيب الذي شكك الكثيرون في التعامل مع العملات الإلكترونية الأخرى.
وتبقى الأيام القادمة هي المحك الرئيسي لتقييم العملة الجديدة ومدى قدرة المنصة على تفعيل منظومة المعاملات المالية الإلكترونية وفق ضوابط شرعية وضمانات تعزز مصداقية وثقة العملاء في مشروعات تطوير التمويل الإسلامي والاقتصاد الرقمي الذي بات اتجاهًا عالميًا في السنوات الأخيرة.