بعد30 عاما من الحكم.. لماذا تنحى الرئيس الكازاخستاني نزارباييف؟

nzr

بعد 30 عاما من الحكم وفي مفاجأة غير متوقعة، أعلن رئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف تنحيه عن الحكم، قائلا في كلمة متلفزة له أن “القرار لم يكن سهلا” ليثير الكثير من التكهنات حول دوافع هذه الخطوة التي تأتي في ظل ما يتمتع به من شعبية نسبية رغم تنديد البعض بسياساته.

ويعد نزارباييف أول زعيم في أسيا الوسطى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي يتخلى عن السلطة بمحض إرادته، وليس نتيجة انقلاب أو ثورة، وهو ما كان السبب في عنصر المفاجئة التي خيمت على الشارع الكازاخستاني الذي قاده الرجل  نحو إصلاحات اقتصادية واسعة منذ وصوله للحكم رغم قبضته بيد من حديد على مقاليد الأمور طوال العقود الثلاثة الماضية.

ورغم إعلانه التنحي عن السلطة فإنه سيظل محتفظاً بمقعد دائم في مجلس الدفاع الأعلى وبمنصب رئيس الجمعية الوطنية التي تجمع مختلف الأعراق والأثنيات في البلاد حسب الدستور الذي تم إقراره في استفتاء عام 2007، لتبقى دوافع وأسباب الاستقالة في هذا التوقيت علامة استفهام كبيرة في انتظار الاجابة عنها.

في سطور

ولد نزارباييف في 6 يوليو 1940 ببلدة شيمولغان الريفية بالقرب من ألماتي (جنوب) في حين كانت كازاخستان إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي، كان والده عاملا فقيرا يعمل لصالح عائلة ثرية محلية حتى مصادرة السوفييت لمزرعة الأسرة في سنة 1930، ما أضطره للرحيل بعائلته بعيدًا إلى المناطق الريفية النائية.

وفي أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية عاد نزار باييف إلى بلدته مرة أخرى وبدأ بتعلم الروسية وتلقى تعليمه في كاسيكلان ثم انضم إلى أحد مصانع الصلب لتبدأ رحلته الشاقة مع الحياة، في ظل أجواء اقتصادية متردية في ذلك الوقت، حيث كان يعمل الغالبية العظمى بمصانع الحديد والصلب.

ارتكزت سياسة الرئيس الكازاخستاني في المقام الأول منذ توليه زمام الأمور على الأمن السياسي والاقتصادي كما اتسمت بالتوازن فى ظل علاقتها القوية بجيرانها

بدأ حياته السياسية عام 1962 حين انضم للحزب الشيوعي، وسرعان ما أصبح عضوا هاما لعصبة الشبيبة الشيوعية وعضوا متفرغا للحزب، ثم سكرتيرا للجنة الحزب الشيوعي في كومبينات المعروفة بالصناعات المعدنية بقراغندي عام 1972، وبعد أربع سنوات، أصبح السكرتير الثاني للجنة الإقليمية للحزب هناك.

وفي عام 1984 أصبح نزارباييف رئيس وزراء جمهورية كازاخستان الاشتراكية السوفياتية ، في عهد دين محمد كوناييف، الأمين الأول للحزب الشيوعي في كازاخستان الذي تمت الإطاحة به عام 1985 ليحل محله الروسي غينادي كولبين، والذي كان على الرغم من وظيفته قليل النفوذ في كازاخستان.

وفي يوليو 1989 عُين زعيم الحزب الشيوعي في ليشغل بعدها مباشرة منصب رئيس المجلس الأعلى لكازاخستان السوفييتية من 22 فبراير إلى 24 أبريل 1990 حيث نُصب كأول رئيس لكازاخستان من قبل مجلس السوفييت الأعلى، ليبقى في منصبه حتى قرار التنحي مساء أمس.

نزارباييف، البالغ من العمر 78 عاما، لم يواجه أي تحديات حقيقية لحكمه منذ توليه رئاسة كازاخستان فى التسيعينات , وارتكزت سياسته في المقام الأول على الأمن السياسي والاقتصادي كما اتسمت بالتوازن فى ظل علاقتها القوية بجيرانها.

احتضنت أستانة مفاوضات الأزمة السورية

الأمن السياسي والاقتصادي

ارتكزت سياسة الرئيس الكازاخستاني في المقام الأول منذ توليه زمام الأمور على الأمن السياسي والاقتصادي كما اتسمت بالتوازن فى ظل علاقتها القوية بجيرانها، فخلال العام الماضي تمكن من من وضع دستور جديد لدول “بحر قزوين”  إذ تم التوصل إلى اتفاق تاريخى يستهدف زيادة التعاون بين البلدان المتشاطئة على بحر قزوين، خلال قمة منتدى “أوروبا أسيا”، وإنهاء المشاكل القانونية العالقة بينها والمستمرة منذ ما يضاهى  الـ 20 عامًا وإيجاد حلول لمسألة تقسيم ثرواته بما يرضي جميع الأطراف.

مبادرة نزارباييف لتعزيز أوجه التعاون مع جيرانه والتي أسفرت عن توقيع الاتفاق مثلت نقلة نوعية فى العلاقات بين دول ” قزوين ” لاسيما وأن  هذه القمة هى  الخامسة من نوعها، منذ عام 2002، فضلا عن أنه قد عقد أكثر من 50 اجتماعًا، على مستوى منخفض منذ تفكك الاتحاد السوفيتي.

بينما كان يخطو الرجل خطوات كبيرة في مسار بلاده الاقتصادي إلا أنه كان يتبع سياسات ديكتاتورية من الطراز الأول، حيث احتكار كافة السلطات في البلاد، وتكميم أفواه المعارضين

وخلال القمة الثانية عشر للمنتدى تقدم باقتراحات لتسوية القضايا الدولية الأكثر حدة، إذ طرح مبادرة تنظيم جولة خاصة للأمم المتحدة أو لقاء بمشاركة زعماء الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي لبحث قضايا الأمن الدولي, وقد حظيت  اقتراحات نزاربايف على المجتمع الدولي بترحيب مفوضة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي  والتى رأت أنها جاءت في وقتها، ونبهت لأهمية تنفيذ هذه الاقتراحات.

كما كانت كازاخستان حاضرة بقوة في الملفات الأكثر سخونة في المنطقة على رأسها الملف السوري، إذ أحتضنت العاصمة أستانة ما يقرب من 10 اجتماعات لبحث مستقبل القضية السورية بين طرفي النزاع وبعض الوسطاء الدوليين، كما نجحت سياسات الرئيس فى إقامة علاقاتٍ دبلوماسيةً مع 130 كيانا سياديا (بما في ذلك الفاتيكان، وفرسان مالطة، وفلسطين) بخلاف علاقاته القوية مع الاتحاد الأوروبى وروسيا.

الرئيس المستقيل جعل من بلاده دولة مضيفة للعديد من الأحداث الدولية منها  قمة منظمة الأمن والتعاون الأوروبى في أستانا في ديسمبر 2010 الدورة 38 للمجلس الوزاري لمنظمة التعاون الإسلامي في يونيو 2011 اجتماعات مجموعة 5+1 ألماتي 1 وألماتي 2 حول البرنامج النووي الإيراني.

بين الإصلاح الاقتصادي وتكميم الأفواه

قاد نزار باييف حملة إصلاحات اقتصادية واسعة منذ وصوله إلى الحكم في أعقاب انهيار الإتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي، نجح من خلالها في وضع بلاده على مسار الاقتصاديات القوية خاصة في ظل ما تمتلكه من موارد اقتصادية قوية على رأسها النفط.

ويعود الفضل له وفق خبراء في الحفاظ على التماسك الداخلي بين  أبناء كازاخستان المتعددة القوميات وتحقيق نمو اقتصادي كبير في العقد الأول من القرن الحالي، وهو ما رفع من شعبيته على مدار ثلاثة عقود كاملة وإن تأرجحت على مدار فترات بعينها، إلا أنه حافظ على الخط العام لاستقرار بلاده.

وفي المقابل، وبينما كان يخطو الرجل خطوات كبيرة في مسار بلاده الاقتصادي إلا أنه كان يتبع سياسات ديكتاتورية من الطراز الأول، حيث احتكار كافة السلطات في البلاد، وتكميم أفواه المعارضين، في الوقت الذي لا يؤمن بالديمقراطية ويعتبرها أمرا مرفها ليس على قائمة أولويات الدولة في الوقت الحالي.

الرئيس كان يرى أن الاستقرار الذي تتمع به بلاده ربما يتعرض لهزة عنيفة تنسف المكتسبات التي حصلت عليها طيلة العقود الماضية إذا ما جرت أي تغييرات داخلية قبل أوانها، في إشارة منه لإجراء أي إصلاحات سياسية أو ديمقراطية في الوقت الحالي، ولعل هذا ما تسبب في تصاعد حالة التذمر لدى المعارضة الكازاخستانية.

من الواضح أن قرار التنحي في هذا التوقيت خطوة مدروسة بعناية فائقة من قبل الرئيس الأسبق، كونها تأتي والرجل في أوج حضوره الإقليمي والدولي، وفق ما حققه من نجاحات على المسار السياسي والاقتصادي ساهمت بشكل كبير في تسليط الضوء عليه طيلة السنوات الماضية كزعيم  لبلاده.

إسرائيل والفساد أبرز الانتقادات

بعيدا عن سياسة تكميم الأفواه التي كان ينتهجها نزارباييف إلا أن هناك انتقادات أخرى وجهت للرجل خلال ولايات حكمه الخمس على رأسها تهم الفساد، ففي عام 2004، صنفت منظمة الشفافية الدولية كازاخستان في المرتبة ( 122) من إجمالي (146) بلدا حسب مستوى الفساد.

حينها أعلن الرئيس الحرب على الفساد باعتماد عشرة خطوات لمكافحته على جميع مستويات المجتمع والدولة، فيما اتهمت بعض المنظمات المستقلة حكومته بعدم المشاركة في تلك الجهود، الأمر الذي دفع الوزير السابق في الحكومة زمان بك نوركاديلوف بمطالبة الرئيس بالرد على الادعاءات القائلة بأن مسؤولين كازاخستانيين تلقوا ملايين الدولارات في صورة رشاوى من شركات نفط أميركية في التسعينات.

تشير التقديرات إلى أن نزار باييف يعتبر واحد من القلة الأخيرة في دول آسيا الوسطى الذي احتل منصبا في الاتحاد السوفياتي السابق، ونقل ما لا يقل عن 1 مليار دولار من عائدات النفط إلى حساباته المصرفية الخاصة في بلدان أخرى وتتحكم عائلته في شركات رئيسية أخرى في البلاد.

وعلى الرغم من عضوية كازاخستان في منظمة التعاون الإسلامي، إلا أنها ترتبط بعلاقات قوية مع الكيان الصهيوني، حيث أقيمت العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1992 وذهب نزار  إلى تل أبيب مرتين، في عام 1995 و2000 فيما بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 724 مليون دولار عام 2005.

علاقات قوية بين كازاخستان وإسرائيل

نفس السياسات

وفي محاولة لطمأنة الشعب الكازاخستاني بشأن مستقبله بعد استقالة رئيسه أعلنت وزارة الخارجية الكازاخية أن النظام السياسي الحديث في البلاد يضمن التداول الكامل للسلطة، والتنمية السياسية والاقتصادية للبلاد، مؤكدة استمرار تحديث جميع مجالات الحياة التي تهدف في المقام الأول إلى تحسين رفاهية المواطنين ومستوى معيشتهم، وتعزيز مؤسسات المجتمع المدني القائمة على أساس النموذج الديمقراطي للتنمية وسيادة القانون.

الخارجية في بيان لها وزعته سفاراتها في البلدان الخارجية أشارت إلى انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية في كازخستان ابتداء من، اليوم الأربعاء،إلى قاسم- جومارت توقاييف رئيس مجلس الشيوخ في البلاد، في حين سيظل نورسلطان نزارباييف الرئيس الأول للجمهورية رئيسا لمجلس الأمن القومي، ورئيسا لحزب (نور الوطن) الحاكم وعضوا بالمجلس الدستوري.

البيان أكد على استمرار العمل على نهج سياسات نزار باييف التي أصبحت ضامنًا قويًا لسيادة الدولة ووحدة أراضيها، وأساسا للتطور الآمن والمستقر للمجتمع في المنظور التاريخي طويل الأجل، مؤكدا أن الرئيس الأول لكازاخستان يعد القائد المعترف به في الحركة العالمية لمكافحة الأسلحة النووية وعمليات التكامل بمنطقة أوراسيا.

العقود الثلاثة التي حكم فيها نزارباييف كازاخستان والتعديلات التي أجراها على الدستور والقانون خلالها ضمنت له الحصول على لقب “أب الأمة” وهو اللقب الذي يوفر له الحصانة القضائية ويعفيه من أي ملاحقات مستقبلية حال شغور منصب الرئيس.

لماذا في هذا التوقيت؟

من الواضح أن قرار التنحي في هذا التوقيت خطوة مدروسة بعناية فائقة من قبل الرئيس السابق، كونها تأتي والرجل في أوج حضوره الإقليمي والدولي، وفق ما حققه من نجاحات على المسار السياسي والاقتصادي ساهمت بشكل كبير في تسليط الضوء عليه طيلة السنوات الماضية كزعيم  لبلاده.

التطورات الإقليمية المحيطة بالدولة التي تأتي في إطار التقلبات التي منيت بها المنظومة العالمية خلال السنوات الماضية، كانت أحد العوامل التي دفعت نزار باييف إلى خيار الابتعاد عن المشهد السياسي كرئيس للدولة، فالأمور لم تكن مضمونة خاصة مع تصاعد مؤشرات الاحتجاجات جرًاء خنق الفضاء السياسي وتكميم أفواه المعارضة.

ما يثار بشأن إعادة ترتيب صفوف المعارضة الداخلية التي بدأت شعبيتها في التزايد خلال السنوات الماضية تزامنا مع تأرجح أسعار النفط التي ربما تعيد هيكلة منظومة الاقتصاد وتضعه في موقف صعب، ساهم بشكل أو بأخر في إثارة حالة من القلق لدى الرئيس بعد 30 عاما من الحكم كانت شعبيته فيها هي ضمانته الأولى للبقاء والاستمرار.

تلك الدوافع والأسباب التي يمكن التعويل عليها لتفسير قرار الاستقالة المفاجئة ما كان لها أن تكون إلا في ظل ضمانات تضمن للرئيس عدم الملاحقة القضائية على ما ارتكبه من جرائم حال ثبوتها بعد تركه منصبه، خاصة ما يتعلق بالفساد المالي والسياسي، وهو الأمر الذي حرص على توفيره قبل اتخاذ هذا القرار.

حصانة قضائية

العقود الثلاثة التي حكم فيها نزارباييف كازاخستان والتعديلات التي أجراها على الدستور والقانون خلالها ضمنت له الحصول على لقب “أب الأمة” وهو اللقب الذي يوفر له الحصانة القضائية ويعفيه من أي ملاحقات مستقبلية حال شغور منصب الرئيس.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد وفقط، بل إن الرئيس الجديد توكاييف، بعد ساعات قليلة من تنصيبه بحكم منصبه كرئيس للبرلمان اقترح اطلاق اسم الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف على العاصمة استانا، قائلا “اقترح تغيير اسم العاصمة استانا تكريما لاول رئيس” وتسميتها “نور سلطان”.

وعليه فإن الطريقة المفاجئة التي أختار بها الرئيس الأسبق الابتعاد عن رأس المسئولية السياسية في بلاده رغم أنها أثارت صدمة في هذه الدولة الواقعة في آسيا الوسطى والغنية بالموارد الطبيعية، إلا أنها جاءت في الوقت المناسب حيث تصاعد التذمر الاجتماعي، ليكتب الرجل – حتى الآن- نهاية مستقرة  لآخر زعماء الدولة السوفيتية.